الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 49
الخاتمة
لعبة الامم -مايلز كوبلاند
لقد كان واضحاً تماماً ان المحافظة على السلطة هي هدف في حد ذاته, لا يختلف في هذا نظام عن نظام. ولكي يتسير هذا فلا بد من توفير القوة السياسية لهذا النظام ليصبح حكماً ذا فاعلية جيدة. وتتوفر عادة هذه القوة السياسية في كل المجتمعات مهما كان وضع تنظيمها وحالته, الا انها اما ان تكون علنية, او تبقى كامنة في المجتمع مدّخرة فيه. ولكن النقطة الحاسمة في هذا المجال هي ان القوة الكامنة تبقى في معظم مراحل الحكم اكثر بكثير من تلك التي تظهر علناً وتصبح امراً واقعاً. ففي الدولة الدستورية, تحد اعتبارات الشرعية او القانونية نشاطات الحكومة في تشكيلها للقوة السياسية, بنفس النسبة التي تحد نشاطات اولئك الذين تتعارض مصالحهم مع النظام القائم. اما نظام الحكم الثوري, فإنه لا يقيم وزناً لمثل تلك الاعتبارات, وذلك لان اسم "الثورة" نفسه وتعريفها لا يملكان ايا من معاني الشرعية او القانونية. وهذا هو مصدر ضعف الثورة باستمرار, وكما ان عدم شرعية الثورة وقانونيتها لا يضعان اي قيود لنشاطها لتوفير القوة السياسية اللازمة لها, فان كل ما عجزت الثورة عن تجنيده وتسخيره من القوى السياسية المدفونة في المجتمع لا يخضع اطلاقاً في نشاطه وتفجره لاعتبارات الشرعية او القانونية ولذلك يبقى بحقيقته خطراً كامناً يهدد باستمرار أمن الثورة وبقاءها.
وهكذا يبقى امام نظام الحكم الثوري طريقان لا ثالث لهما لمعالجة هذا الخطر المهدد لكيانه. فأول هذين الطريقين ذو نهاية خطيرة, مع ان بدايته تبدو للوهلة الاولى على انها اساس النفعية, والنزوع الى جر المغانم بأية وسيلة كانت وهذا ما اطلقنا عليه آنفا اسم "سياسة الانجراف والمساومات" التي غالباً ما تحرص عليها بعض الحكومات الثورية, بغية توطيد اركانها عن طريق الظهور بالمظهر الشعبي, الذي تلتف حوله الجماهير الغوغائية, وذلك بدل جعل قوتها السياسية امراً واقعياً ومحققاً.
وثاني الطريقين هو ذاك الطريق الذي نصحنا آنفا باتباعه, وهو الذي يقود حقاً الى ثورة فعلية تدرك بعمق كاف النظرية الاساسية التي يقوم عليها الحكم الثوري. وبعبارة اخرى, فان على نظام الحكم الثوري ان يتخذ كل ما يراه ضرورياً من التدابير لايجاد قوة حقيقية له سواء اكان ذلك باللجوء الى اجراءات القمع والارهاب ام الى سياسة الاصلاح والبناء. وعليه كذلك ان لا يغفل عن تلك القوة الكامنة في المجتمع ويتركها دون السيطرة عليها وتجنيدها له.
ومن المأمول ان يكون هذا التقرير مفيداً ومساعداً للثورات في اتقان عملها, وان يكون مقدمة لها الى ما يسمى "الضرورات, وفن تنفيذها". (انتهى)
___________________




