الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 3
تاملات في المسألة الايرانية
"كل من عليها شاه"
المرأة الايرانية تتظاهر ضد تحرير المرأة والمتظاهرون يغرقون دبابات الجيش بالور و الرياحين
احداث ايران دفعت واشنطن الى اخراج ملفات الانظمة الاسلامية في مواجهة الشيوعية
الحوادث 22 ايلول 1978 العدد1142
رغم مشاغل الإدارة الاميركية في كامب دايفيد وتغيب كارتر , وسيروس فانس هناك , فقد اتصل الرئيس الاميركي بالشاه مبدياً تمنياته, وأمر " وارن كريستوفر" نائب وزير الخارجية الأميركية بتشكيل " لجنة عمل ايرانية " وأعتبر ذلك دليلا على وصول الوضع الايراني الى مرحلة الازمة , ووصف الدبلوماسيون والصحفيون الغربيون وجنرالات الجيش الايراني , الوضع بأنه حرب أهليه..
والاهتمام الاميركي لا يعني بالحتمية , التفكير في انقاذ الشاه, لان الولايات المتحدة ككل الدول الكبرى التي سبقتها في التعامل مع العالم الثالث , عندما لا تستطيع انقاذ حاكم صديق , تعيد فتح ملف البلد , تحت شعار : "كيف يمكن الاستفادة من سقوط صديقنا" !... فشعار الدول الكبرى هو : ليس المهم أن يبقى صديقنا في الحكم , بل المهم أن تبقى صداقة النظام , أن يصبح خليفته صديقنا .. والرئيس شارل الحلو , يروي أنه سأل أحد كبار المسؤولين الاميركيين , بعدما ترددت اشاعات ونظريات حول دور الولايات المتحدة في تنفيذ ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا: " ما هي حقيقة الدور الاميركي؟"
فأجابه :" دورنا كان محصورا في الاستفادة من الانقلاب. لقد وجدنا أن قيام حكم عسكري ديناميكي شاب ينتمي لثورة 23 يوليو, مجاور لمصر من شأنه أن يريح أعصاب الرئيس جمال عبد الناصر لأنه بعد هزيمة 1967, أصبح التصلب العربي يشكل حجر عثرة في طريق السلام , وهو وضع طبيعي, لانه في اعقاب الهزائم تتحول الصلابة الى تصلب, وعبد الناصر أصبح يشعر أنه محاصر بنظم معادية تتشفى في هزيمته , فجاءت الثورة الليبية عام 1969 لتلين الرئيس المصري , وجعلته يقبل بمشروع روجرز الذي طرحناه بعد قيام الثورة الليبية بشهرين!...
الغريب أن نفس التحليل وصلت اليه الثورة الفلسطينية في الأيام الأولى , بالنسبة لتأثير ثورتي السودان (مايو 1969) وليبيا (سبتمبر 1969 )على اعصاب عبد الناصر , ووضعه السياسي في المنطقة وهناك تعليق مشهور لاحد القيادين في حركة فتح , إذ وصف النظامين الجديدين , بأنهما "عكازات الحل السلمي " التي سيستعين بها النظام المصري " المقعد" للوصول الى حل للمشكلة .. ولاحظ نفس المصدر أن الثورة في كل من السودان وليبيا أصدرت في بياناتها الاولى أعلانا بقبول القرار 242 مع انه لم تكن هناك ضرورة لذلك فهما من غير دول المواجهة , وانما كان لهذا الاعلان تأثير في دعم القبول المصري للقرار...
وافتتاحية " الوشنطن بوست " (12-8-1978 )
أكدت اهتمام أميركي بايران , وضرورة أن يكون هناك وجود أميركي سياسي عسكري اقتصادي في طهران " مهما اختلفنا على صيغة هذا الوجود ولكنه ضروري حيث تمثل ايران حجر الزاوية في الحاجز ضد النفوذ السوفياتي في منطقة حيوية تفتقر الى الاستقرار .. ولنا ان نتخيل أي ضرر يصيب مصالحنا " الأميركية " اذا ما قام في طهران " قذافي" ايراني , وهو احتمال لا يحول دونه سوى وجود الشاه . وقد اعتبر الذين يحسنون الظن , أن هذه الافتتاحية والاشارة الى أن البديل هو " نظام قذافي" وليس شيوعياً " نوع من التفكير بصوت عال, أما الذين يسيئون الظن, فاعتبرونها نوعا من الإيحاء, أو الدعاية السوداء لانه عندما يقال للإيرانيين الثائرين ضد الشاه, ان الخطر الاكبر على مصالح أميركا هو قذافي ايراني..فمن ذا الذي يفضل شاه المصالح الاميركية على وطنية القذافي؟!
وقد اعتبرفت" التايم" بأن الدوائر السياسية في واشنطن وطهران تعتقد " بوجود عناصر للمخابرات الأميركية في قيادة المعارضة , على أمل ان يحتلوا مراكز مهمة في الانقلاب المنتظر "( تايم 18-9-1978 )
على أية حال. الدول الكبرى تحتفظ دائما بالبدائل, وان كان الروس يعترفون بتفوق الاميركيين عليهمم في هذا المجال, حتى قيل أن المخابرات الاميركية , الادارة الاميركية تطبق الاسلوب الماركسي في تحليل أفضل من السوفيات أسرى " الدوغما " الماركسية .. فرغم كل العلاقات الطيبة التي ربطت الولايات المتحدة بنظام الشاه خلال الربع قرن الماضي , منذ ان اعاد الاميركيون الشاه الى عرشه, الى زيارة كارتر لطهران وقوله للشاه انه يشعر نحوه بعرفان للجميل, وبصداقة شخصية أعمق من كل المشاعر التي تربطه بأي حاكم آخر بل ذهب في أحد خطبه الى القول بأن الشاه يشاركه في أرائه حول " حقوق الانسان" في الوقت الذي كان فيه رجال السافاك يطاردون حتى الايرانيين في الخارج , ورغم قرار لجنة العفو بأن " إيران هي أسوأ مكان في العالم من ناحية إحترام حقوق الانسان 1975" ومع ذلك فلا صداقات دائمة في السياسة الدولية بل مصالح دائمة. وإذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن بديل .. فما هو؟!
فتح الملف الإسلامي
قبل الاجابة عن هذا السؤال يجب القول بأن أحداث إيران قد فتحت الملف الاسلامي أو المسألة الشرقية من جديد فهذا العالم الاسلامي الذي يمتد من أندونيسيا الى غرب أفريقيا, يشكل في الرقعة الممتدة من باكستان الى تركيا حاجزا تاريخيا وبشريا وعقائديا ضد وصول الاتحاد السوفياتي الى المياه الدافئة , وهو بالصدفة – أي العلم الاسلامي يضم كل نفط العالم القديم ويشكل قلب آسيا وأفريقيا , وكافة مواصلات الغرب مع آسيا أو أفريقيا لابد أن ثمر عبره.. وإذا كانت أهميته السياسية والجغرافية معروفة للغرب منذ الحروب الصلبية فإن أهميته الدينية برزت في السنوات الأخيرة في ضوء عدة اعتبارات سنتناولها بالتفصيل في هذه الدراسة , ويمكن أن نشير اليها الآن في سطور:
الموجة الدينية التي تجتاح العالم الإسلامي . ففي باكستان اسقط رجال الدين أو مهدوا لتحرك الجيش الذي اطاح بحكم "بوتو". وفي تركيا نمت القوى الاسلامية الى حد اعتراف مجلة "التايم" انها ستقرر مصير الحكم في تركيا في الانتخابات المقبلة . وفي مصر تكاد تكون الحركات الدينية هي المسيطرة على حركة الجماهير .. وأحداث لبنان تؤكد تغلب العامل الديني على كل العوامل الأخرى .. وأخيرا جاءت ثورة "آيات الله " في ايران .
نجاح النموذج الاسرائيلي القائم على الدين في بناء دولة عصرية متماسكة , محصنة ضد النفوذ الشيوعي, ورغم كل ما صاحب نشأتها من تأثيرات شيوعية - روسية .. وهناك مدرسة جديدة في الدراسات الاميركية تعتقد أن ظهور إسرائيل قد أعاد المنطقة الى عصر الصراعات الدينية ومن ثم لا بد من ركوب هذه الموجة بدلا من التصدي لها.
لقد حاولت الولايات المتحدة خلال العشرين عاماً الماضية الاعتماد على نظم عسكرية ثورية أو علمانية تصفي الحركات الدينية، ولكنها كلها تقريباً انتهت بالعزلة عن الجماهير، وبالوقوع في أحضان النفوذ السوفياتي أو التمهيد له.
ولنبدأ باستعراض ما جرى في إيران يوم الجمعة الثامن من أيلول "الأسود الإيراني"! فقد وصف المراقبون مظاهرات ذلك اليوم بأنها أعنف تظاهرات معادية للشاه ونظام حكمه منذ 25 سنة، وهذا التاريخ له دلالته، فوقتها – أي منذ 25 سنة – كان الشاه هارباً خارج إيران، التي تحكمها الجبهة الوطنية بقيادة الدكتور مصدق، الذي كان بدوره تحت نفوذ الجماهير التي سيطرت على الشارع، أما النظام فكا في انتظار طلقة الخلاص! وتشاء الصدف أن تثور الجماهير الإيرانية مطالبة بسقوط النظام وعودة الزعيم الخميني من المنفى، في نفس الوقت الذي يحتفل فيه الشاه باليوبيل الفضي لذكرى عودته للعرش، ولم تبق صحيفة أميركية مهتمة بالشرق الأوسط، إلا وذكرت الإيرانيين بأن عودة الشاه إلى عرشه، تمت بفضل المخابرات الأميركية، وعلى يد النابغة "كيرميت روزفلت" وهو الذي ادعى "مايلز كوبلاند" أنه نظم أكثر من انقلاب ناجح في المنطقة. ولا شك أن الشباب الإيراني قد أصابه جرح عميق من هذا التفاخر الأميركي، فمهما يكن إعجابهم بمنجزات الشاه خلال ربع القرن هذا (وهو أمر مشكوك فيه) إلا أنه ليس من دواعي الفخر أن تأتي حكومتهم بفضل لعبة مسرحية نفذها أميركي، وهي استئجار بعض الرياضيين المحترفين والبلطجية لتنظيم مظاهرات تعيد الشاهنشاه إلى عرشه! فلم يكن غريباً أن يحتفل الشعب الإيراني بهذه الذكرى على طريقته، هاتفاً بسقوط الشاه، ولكن اهتمام المراقبين بهذه المظاهرات، لم يكن بسبب عنفها (200) قتيل في ليلة واحدة، حتى احتج عمال المقابر بأنه لا توجد نعوش كافية) ولا في الأسلوب الذكي الذي اتبعته في كسب الجنود من أفراد القوات المسلحة الإيرانية، إذ أغرقهم المتظاهرون، هم ودباباتهم في طوفان من الورود والزهور، حيرت الجنود، وشلت أيديهم فوق بنادقهم، وجعلتهم في أكثر من موقع ينصتون والدمع في عيونهم لتحريض الجماهير لهم بأمثال هذه الهتافات: "هبوا يا مسلمين.. إخوانكم في الدين يقتلون.. يا جندي يا مسلم لماذا تقتل أخاك المجاهد"؟!
وكل هذه المظاهرات، بالطبع، ومنذ بدأت قبل ثمانية أشهر، هي تحت قيادة "آيات الله" علماء الشيعة، والشعارات الإسلامية هي التي ترفع على رايتها، تطالب بحكم القرآن، ويدق المتظاهرون صدورهم حزناً على الطريقة الشيعية المعروفة في ندب الشهداء إلا أن أهم ما يميز هذه المظاهرات، ليس فقط هتاف الشباب الإيراني المتعلم في الخارج، والذين جاءوا للمظاهرة في "البلوجينز" يطالبون بحكم الإسلام والشريعة، بل عشرات الألوف من النساء من مختلف الأعمار محجبات في "الخمار" أو العباءات السوداء، من أعلى الرأس إلى أخمص القدم، أي في أكثر صور الحجاب الشرقي تزمتاً، خرجن متظاهرات، يتعرضن لطلقات الرصاص، وسقط منهن فعلاً، أو استشهد العشرات، احتجاجاً على سياسة الشاه في "تحرير المرأة"!
هذه الظاهرة، وهي غير فريدة من نوعها، هي مفتاح فهم الأزمة في إيران، بل أزمة العالم الإسلامي كله... فالمرأة التي تخرج متظاهرة، وهي تعلم أنها ستتعرض للقتل أو إلقاء القبض عليها، وزجها في السجن، ثم المحاكمة، لا يمكن أن توصف بأنها امرأة شرقية من القرون الوسطى، تعيش في الحريم.. إلخ السخف الذي لقنه لنا أعداء حضارتنا، فهي واعية سياسياً، ومتتبعة لقضايا وطنها، ومتفاعلة معها إلى حد الخروج إلى الشارع للتعبير عن موقفها، وهي تعيش في بيت يؤمن بحقوقها الكاملة في التعبير عن إرادتها إلى حد الإضراب والتظاهر في الشارع...
فلماذا الثورة على "تحرر" الشاه... ولماذا الحجاب؟.. ونفس السؤال يمكن أن يطرح حول انتشار الحجاب بين الجامعيات في كليات القاهرة، وبالذات في عنفوان المعركة التي تشنها بعض القوى تحت شعار "تحرير المرأة".. وربما كان الجواب هو ما رواه تاريخ الثورة الجزائرية، عندما كان الفرنسيون وعملاؤهم يطالبون المرأة الجزائرية بخلع الحجاب للتحرر، فكان الرد هو انتشار الحجاب. وبالذات في الطبقة المثقفة، حتى تعمدت بعض الجزائريات لبسه في السوربون بباريس، وقيل وقتها، إنه كان تاكتيكاً من الثورة لمنع تعرف المخابرات الفرنسية على رجال الثورة الذين كانوا يتنكرون أحياناً في زي النساء لتنفيذ العمليات، وأيضاً لإخفاء شخصية المجاهدات. وقيل إن العودة أو التشبث بالحجاب، كان نوعاً من الرفض للاستعمار والمتفرنسيين، ولكنها تفسيرات لا ترتفع إلى مستوى الظاهرة...




