الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 19
من يقف وراء عملية المسجد الحرام
الجمهور في 6 كانون اول 1979
فريد ابو شهلا
اذا كانت عملية تطويق المعتدين على المسجد الحرام في مكة المكرمة قد طالت واستمرت عدة ايام فلإن التعليمات الصادرة عن العاهل السعودي كانت مختصرة وواضحة: اقبضوا عليهم احياء.
وهذا ما اصرت عليه القوات السعودية التي طوقت المعتدين المارقين وخططت له, فراحت تضيق عليهم الخناق مستعملة شتى الوسائل التي ترغمهم على الاستسلام... مثل ضخ المياه والدخان والغازات في اتجاه الاقبية التي لجاوأ اليها (وقيل ان عددها 270) في الطبقة السفلى من المسجد, متجنبين استعمال السلاح خوفاً من التسبب بالاضرار المادية للبنيان المقدس الذي تقوم في باحته الكعبة المشرفة, تحيطها سبع مآذن علو الواحدة منها 90 متراً, بعدما احكمت قفل ابواب الحرم السبعة والثلاثين.
"المارقة والخارجة على الدين "الى الاستسلام, فخرجوا رافعي الايدي وقد اعمت عيونهم الغازات وخنقت حناجرهم سحب الدخان.
ومن الطبيعي ان تحرص السلطات السعودية على القبض على هؤلاء احياء لاستجوابهم واستنطاقهم ومعرفة الجهات الحقيقية التي تقف وراءهم وكشف اسرار واهداف عمليتهم. اذ انه قد ثبت بما لا يقبل الجدل ان عملية من هذا النوع لا يمكن ان تكون "بنت ساعتها" بل هي مخطط لها من قبل جماعات وجهات امنت التدريب والتعليم والسلاح. فقد ظهرت على سبيل المثال, بين ايدى العصاة المارقين الى جانب الاسلحة الاوتوماتيكية اقنعة ضد الغازات ليس من السهل الحصول عليها من قبل جماعة مهووسة تنادى بفتى معتوه على انه المهدي المنتظر. اذن فالحكاية ليست حكاية "مهدي منتظر", وليس المهدي المذكور فيها سوى ستار لتغطية الهدف الحقيقي... لذا فمن الضروري كشف تلك الجهات المختبئة وراء حكاية المهدي والتي "امنت التدريب والسلاح.. وحتى اقنعة الغاز" اذ ان اقنعة الغاز التي ظهرت بين ايدي بعض المستسلمين كانت اكثر ما استرعى انتباه التحقيق, باعتبار انه اذا كان من السهل الحصول على هذه الاقنعة التي تعتبر ادوات عسكرية صرفة لا تمتلكها الا الجيوش الرسمية.
وحتى لو كانت تلك الجماعة – من الكفار الذين دنسوا بيت الله الحرام – لها اهداف محلية فقط, فإنه من المؤكد ان "ايادي" تحركها من الخارج لاهداف تحرص السلطات السعودية على كشفها ومعرفتها.
ومهما اراد المراقب ان يتجنب الربط بين الاحداث فانما يجد بدا من ان يرى خيطاً (ولو رفيعاً) بين احتلال السفارة الاميركية في طهران وردات الفعل التي احدثتها في الباكستان وبنغلادش وحتى في مانيلا... واخيراً في طرابلس الغرب, واذا كانت احداث مكة المكرمة قد حصلت في نفس الوقت بالذات من باب المصادفة فقط, فإنها تكون مصادفة عجيبة.
فمن تكون الايادي الكامنة وراء عملية المسجد الحرام؟
السؤال كبير. والاجوبة عنه من الصعب تحديدها قبل اكتمال عناصر التحقيق, الذي لا يملك احد حق تخطيه والقفز فوقه الى الاستنتاجات.
ولعل هنا يكمن السر والسبب الذي حدا السلطات السعودية الى غربلة الاخبار والتفاصيل التي يجوزنقلها واذاعتها في الوقت الحاضر.. وهذا ليس مطلقاً التعتيم الذي ذهب اليه بعض وسائل الاعلام في العالم العربي و الخارج. ففي شهوة نقل الاخبار من السعودية, مهما كانت هذه الاخبار, ذهب بعض الصحف وبعض الصحافيين الى تحريف الحقائق واختراع التفاصيل الوهمية مما حمل على الاعلام السعودي الدكتور محمد عبدو اليماني الى "اعلان اسفه لهذا الامر". ودعا الى "التريث والتعقل والموضوعية وهذا ما يستوجب الصدق والنزاهة والبعد عن "التشويش والاثارة".
وعندما تكون الاحداث بهذه الاهمية وبهذه الخطورة يجوز معالجتها بخفة وبروح البحث عن الاثارة الصحافية واذا كان هذا مما لا يفهمه الصحافيون الاجانب فالمسؤولون تكون اكبر على الصحافيين العرب. اما ما ذهب اليه المحللون من ان الاعلام السعودي احاط تفاصيل الحادث بالتعتيم, و بث قول مغرض وكاذب. لان الاعلام السعودي اذاع كل الانباء التي وصلت اليه من الاجهزة المشرفة على التحقيق.
كانت هذه الاجهزة قد رأت الاكتفاء بما اذاعته في الوقت الحاضر فهذا, اولا, من حقها, وثانياً انه من ضمن سلامة التحقيق ومن ضمن سلامة الوصول الى الرؤوس المدبرة والايادي المحركة (سواء كانت سعودية ام غير سعودية) فهي جريمة يعرفها التاريخ.
ان عملية المسجد الحرام هي من الحجم الذي يجعل المسؤولية فيها مسؤولية جميع المسلمين لا مسؤولية السلطات السعودية وحدها. واذا كان صحيحاص ان السلطات السعودية هي الحامية المباشرة للاماكن الاسلامية المقدسة فإن حرمة هذه المقدسات هي ايضاً من شأن كل مسلم. وكل مسلم يتجرأ على هذه المقدسات ويدنسها يعتبر مجرماً كافراً باغياً في نظر كل المسلمين.
واما القول - كما نسمع ونقرأ في بيروت مثلاً – ان العملية هدفها سياسي فان طريقها كان خروجاً على الاسلام وتدنيساً لكل امكنته مما يستدعي انتفاضة واحدة من قبل كل المسلمين في وجه المارقين البغاة. وهذا ما اعرب عنه سماحة المفتي في لبنان حسن خالد (لدى عودته من مؤتمر السيرة النبوية الذي انعقد في قطر), فدعا الى تأييد الموقف العاقل الذي وقفته السلطات السعودية ودعا الله ان يوفق المملكة العربية السعودية وعلى رأسها حامي الحرمين الملك خالد بن عبد العزيز.
كما ان السيد خالد الحسن عضو "فتح" اشاد بحكمة المسؤولين السعوديين في معالجة الاحداث, والصبر الذي تحل به العاهل السعودي الملك خالد وولي عهده .
ولقد لاحظ المراقبون ان بعض المصادر الاعلامية في بيروت كانت تتصرف وكأنها, في قرارة نفسها, تتمنى النجاح للمتمردين في المسجد الحرام. فبدلاً من ان تعلن عن الذين استسلموا منهم او قبض عليهم, كانت تتباهى باعلان عدد الذين ما زالوا يقاومون او الذين تمكنوا من الهرب. وراحت اصداء هذه الحادثة باحداث سياسية غيرها او كانت تتابهى وتقول ان صلاة الجمعة لم تنقل من مكة بل من المدينة....والقول بان "المعارك لا تزال مستمرة"... او تفسح المجالات لتصريحات نفر من الذي يسمون انفسهم بالمعارضين في شبه الجزيرة العربية... حتى وان جاء ذلك على حساب ما يجري فيها تدنيس المسجد الحرام... وكأنه لم تعد هناك قيم ولا ايمان, بل ترديد لاصداء الكفر والكافرين بالله وبمقدساته وبمحرماته. وصف لنا مراسلنا في جده الحياة في كل مدن المملكة بانها خالية تماماً. ولولا ما تنشره الصحف وتنقله الاذاعات لما كان خاف احد, حتى في مكة المكرمة, يشعر ان وراء اسوار المسجد الحرام ما زالت قبضة من المارقين والخارجين على الدين الاسلامي تقاوم.. لا هرباً من الموت, بل هرباً من مواجهة الحياة. (انتهى)
___________________




