الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط

الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط

Friday, 05 June 2009 19:19 | PostAuthorIconWritten by | PDF Print E-mail
Article Index
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
Page 2
Page 3
Page 4
Page 5
Page 6
Page 7
Page 8
Page 9
Page 10
Page 11
Page 12
Page 13
Page 14
Page 15
Page 16
Page 17
Page 18
Page 19
Page 20
Page 21
Page 22
Page 23
Page 24
Page 25
Page 26
Page 27
Page 28
Page 29
Page 30
Page 31
Page 32
Page 33
Page 34
Page 35
Page 36
Page 37
Page 38
Page 39
Page 40
Page 41
Page 42
Page 43
Page 44
Page 45
Page 46
Page 47
Page 48
Page 49
Page 50
All Pages

الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط

السيد الخميني (قدس سره) 1979اميركا اعتمدت سياسبة الدين افيون الشعوب بعد ان فشل العلمانيون في ان يحققوا لها اهدافها و بحثت عن رواسب الماضي لتحريك الغرائز بالاتجاه الذي تريده و لكن ما كان يحصل دائما او في اكثر الاحيان هو انقلاب هذه الفرق او الاتباع الدينية عليها تماما كما انقلب الافغان  او الطالبان عليها بعد حربهم مع السوفييت و ايران الجمهورية الاسلامية –التي انتقلت الى الضفة الاخرى بالاضافة الى الاخوان المسلمين في مصر حيث تم استعمالهم في محاربة الشيوعية في مصرو مؤخرا كان يمولهم القذافي بالاضافة الى انشائها" شهود يهوى"المنتشرين اليوم في اصقاع الكرة الارضية.
    كما ان اهم سياساتها تقوم على تشجيع التغييرات في الحكم كما في ايران فتقيم اتفاقيات جديدة دون الابقاء على القديم البالي في حكمه و التي تكون قد اكتفت منه و استهلكته و في اكثر الاحيان يكون المنقلبون على الحكم من ابناء الحكام السابقين الذين يعانون في حالتهم من ازمة نفسية نظرا لغياب الشعور بالذنب و تغييب الضمير  ليتم السيطرة عليهم و توجيههم و تسييرهم بما يتلاقى مع تحقيق اهدافهم اهمها التغاضي عن وجود اسرائيل و جرائمها
   .اما اهم سياسات الولايات المتحدة في اخضاع الشعوب فهي تعتمد الى تكتيكا الحصار كما فعلت مع ليبيا و سياسة الابتزاز  BLACKMALE لتحقيق اهدافها التوسعية القائمة على الاحادية في عالم مضطرب متنوع الحضارات و الثقافات و التجارب و التاريخ و الماكل و المشرب و الذي يترافق مع فرق كبير بين الطبقات حيث الغني تزداد ثروته و الفقير يزداد بؤسا و الطبقة الوسطى زالت الى غير رجعة .. الى الفناء. و هذا الامر يحدث خللا في التركيبة الاجتماعية القائمة على سلم تصاعدي مؤلف من مختلف الطبقات (الاية القرآنية : خلقناكم طبقات طبقات)فما هي الغاية من ازالة هذه الطبقات و الغائها يا ترى؟
   !لقد حالفها الحظ بعد الحرب العالمية الثانية في اجتذاب عدد كبير من الدول الى جانبها خصوصا انها لا تؤمن بمبدا الممالك لا بل تكره و تحارب كل من يتبع هذه السياسة(الاوروبيين) الامر الذي تماها مع الدول المستعمرة و التي عانت الامرين من الاستعمارات الاجنبية و الاستفادة من الثروات الطبيعية لهذه البلاد و بالتالي فان اميركا قد اخذت مجدها فيما بعد الحرب العالمية الثانية الذي نتج عن عجز و شيخوخة القارة الاوروبية الامر الذي اتاح لها ان تسيطر على بلاد الخليج العربي وثرواته دون منازع و هذا هو احد اسباب تهجم البلدان  و بغضها لها خصوصا انها في سياستها تعتمد الخبث و الطعن في الظهر و اولها و اهمها سياسة الابتزاز لا سيما سياسة قميص عثمان حيث تعلن ما لا تضمر بحيث لجات للدين كوسيلة لتحقيق آربها و اهدافها التوسعية الاستعمارية .
    الانظار انتقلت اليوم حسب كيسنجر من المحيط الاطلسي الى المحيط الهادىء و الهندي من قبل جميع الدول العالمية الكبرى لوجود الثروات النفطية و للوصول لهذا الهدف ادركت اميركا انه عليها ان تحط برحالها و لفترة طويلة في لبنان ليكون بمثابة قاعدة لها للاتجه نحو الشرق و ثرواته ولتهديد الصين...فهل حان وقت مراجعة النفس لاميركا و ان تنسحب من العراق آخذة العبرة مما حصل و هي انها ليست لوحدها في هذا العالم.
ملاحظة للقارىء
   تعني عبارة "لعبة الامم" ذاك النشاط الذي بدأته وزارة الخارجية الامريكية في واشنطن بغية وضع المخططات المناسبة لبسط النفوذ الامريكي على بلاد العالم عن طريق السياسة والخداع بدل اللجوء الى الحرب المسلحة.
   وهكذا يقترب معنى هذه الجملة من "التخطيط السياسي للصراع على مناطق النفوذ في العالم عن طريق الحرب الباردة".
لعبة الامم
مايلز كوبلاند
   انها لعبة تختلف عن غيرها من انواع اللهو واللعب – مثل البوكر او الحرب او التجارة – في عدة نواح مهمة وهي:
   اولا: لكل لاعب في هذه اللعبة اهدافه الخاصة التي تختلف عن اهداف الاخرين, كما ان تحقيق هذه الاهداف هو مقياس نجاحه.
   ثانياً: وكل لاعب في هذه اللعبة مجبر بظروفه داخل بلاده على القيام بأعمال وتحركات ضمن مجال اللعبة دون ان يكون لها علاقة بأسباب النجاح بل يمكن ان تقلل من فرصة النجاح نفسه.
   ثالثا: وفي "لعبة الامم" لا يوجد فائزون البتة, بل الكل خاسرون. لهذا لم يكن حرص كل لاعب على النجاح بقدر ما هو على تجنب الضياع والخسارة.
   ان الهدف المشترك لجميع اللاعبين في "لعبة الامم" هو رغبتهم في المحافظة عليها مستمرة دون توقف. ذلك ان توقف هذه اللعبة – "لعبة الامم" – لا يعني سوى شيء واحد الا وهو "الحرب". انتهى

من محاضرة القاها زكريا محي الدين
نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة
في الكلية العسكرية المصرية في ايار (مايو) 1962

_________________________________________



 النفط والحرب النفسية الاميركية ضد العرب

قال فيصل لكيسنجر: ابلغ نيكسون
انني اريد تعهده بعروبة القدس.. مكتوباً!


الحوادث
   كان العالم العربية وما برح, ذا اهمية استراتيجية كبرى, ومطمع العديد من الدول الاستعمارية, قبل اكتشاف النفط بردح طويل, لما يتمتع به من مركز جغرافي يشكل حلقة الوصل بين اوربة واسيا وافريقية, فكان على مر الايام محط اطماع الغزاة الاوروبيين. 
   وازدادت اهمية هذه المنطقة خلال الحرب العالمية الاولى, بما كان للنفط من اثر بالغ في مسار الحرب, واعتماد الدول عليه كمصدر للطاقة المحركة, واعتباره السلعة الاستراتيجية الاولى للاليات البرية والاسلحة البحرية والجوية. وقد اعرب اللورد كرزون عن ذلك في اجتماع عقد في هيئة  البترول المتحالفة في 21 تشرين الثاني – نوفمبر 1918 فقال: "كان الزيت حتى قبل الحرب معتبراً من اهم الصناعات والموارد القومية, وتزايد استعماله في الاغراض الاقتصادية والنقل, ولكن بابتداء الحرب اصبح الزيت ومستخرجاته من بين العوامل الرئيسية التي يعتمد عليها لمواصلة الحرب وكسبها. كيف كان في استطاعة الدول المحاربة بدون الزيت ان تحقق سرعة انتقال الاساطيل وحركتها ونقل الجنود وصناعة المتفجرات؟.. وقد لعبت كافة مستخرجات الزيت والغاز والبنزين ادواراً متساوية من حيث اهميتها في الحرب. وفي الحقيقة يجوز لنا القول بأن الحلفاء قد سبحوا على موجة من الزيت نحو النصر. لقد كان فرضاً على الحكومة ان تنظم موارد امداده في مختلف العالم, وان تحتفظ بمقادير منه, وان تعمل على توزيعها بالعدل, وان تتخذ التنظيمات التي تكفل نقله وخزنه في مراكب الزيت وانابيبه.
   وعلى هذا فقد انعكست نتائج الحرب العالمية الاولى على منطقة الشرق الاوسط, مع انهيار الامبراطورية العثمانية, واقتسام العالم العربي وتجزئته ما بين انكلترة وفرنسة وظهور الخطر الصهيوني اثر وعد بلفور الذي تضمن تعهد بريطانية بتأييد الحركة الصهيونية في بناء وطن قومي بفلسطين.
   وكان للمصالح الاقتصادية اثرها الكبيرة في السياسة الاستعمارية, ويمكن القول مع الكاتب الاميركي جو ستورك: "ان تاريخ الشرق الاوسط الحديث, مرتبط ارتباطاً لا ينفصم بمجهود الدول الغربية لضمان سيطرة مطلقة على موارد المنطقة وتجارتها. وكان النفط هو المورد الرئيسي. وقد تحققت السيطرة الاوروبية (وفيما بعد الاميركية) على النفط بواسطة سلسلة من الامتيازات".
   ولا شك في ان اهم تحول طرأ في اعقاب الحرب العالمية الاولى, هو دخول الولايات المتحدة الاميركية حلبة التنافس مع بقية الدول الاوروبية على منطقة الشرق الاوسط, وقد جهدت بريطانية قدر مستطاعها ان تمنع التغلغل الاميركي في هذه المنطقة التي اخذت دور الدولة المنتدبة فيها, وعملت على انهاء المصالح  الاقتصادية للدول الاجنبية فيها, ولكن الولايات المتحدة التي كانت تنادي بمبدأ "سياسة الباب المفتوح" في حلبة التنافس الاقتصادي, شجعت الشركات الاميركية على ان يكون لها نصيبها من الامتيازات النفطية في الشرق الاوسط, وبخاصة في العراق وايران.
   وفي معرض مطامحها هذه تقدمت الولايت المتحدة بسلسلة من الحجج تعبر فيها عن حقها بأن يكون بها موطئ قدم في العالم العربي وايران, وهي:
 1-ان الحلفاء قد ربحوا الحرب معاً.
 2-للحصول على هذا النصر لم توفر الولايات المتحدة جهدها البتة وخاصة في ميدان البترول واضاعت الكثير من احتياطيها وانتاجها.
 3-من المنطق والمعقول اذن ان تجني ثمرات النصر بالتساوي.
 4-ان الاحتكارات مغايرة لمبادىء الحرية الاقتصادية وسياسة "الباب المفتوح" التي يتمسك بها الاميركيون بكل قوة.
   وبهذه  الحجج تمكنت الولايات المتحدة الاميركية من تثبيت قدمها في منطقة الشرق الاوسط عبر اسهام شركاتها في "الشركة العراقية للبترول المعروفة بأي.بي.سي" وتحركت من ثم نحو البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية حيث استطاعت الحصول على امتيازات للتنفيب والاستثمار في هذه الاقطار, الامر الذي اغضب اقطاب الاستعمار البريطاني وفي طليعتهم اللورد لويد الذي وجه انتقاداً شديداً الى شركة النفط البريطانية الايرانية التي لم تعمل على مد سيطرتها الى الخليج "وهاجم السياسة البريطانية التي تساندها.. مؤكداً ان الامر قد اصبح ينذر بكارثة وطنية بعد حصول الشركات الاميركية على استغلال النفط في البحرين والسعودية ونصف حصص الاسهم في الكويت 23.75% في شركات النفط العاملة في قطر ومشيخات الساحل المتصالح وسلطنة عمان, ودعا الى ضرورة العودة الى سياسة كرزون وغلق الباب المفتوح. كما ندد بضعف المركز البريطاني في الخليج خاصة اذا اقترن التدخل الاميركي بالنشاط التجاري والملاحي الواضح الذي توم به كل من المانية وايطالية واليابان.
   وفي الحرب العالمية الثانية غدت منطقة الشرق الاوسط ذات اهمية مزدوجة, باعتبارها مصدراً رئيسياً للطاقة من جهة, ومسرحاً للعمليات العسكرية تبعاً للاهمية الاقتصادية للمنطقة من جهة ثانية.
  وكما كان للمصالح النفطية اثرها على مجمل السياسة الخارجية الاميركية, وجدت الولايت المتحدة نفسها, وبخاصة شركاتها, ان عليها ان تلعب دوراً في الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط. وحاولت بهذا الصدد, ان تعارض بادىء ذي بدء اهداف الحركة الصهيونية في الاستيلاء على فلسطين. لكنها ما عتمت ان بدلت من موقفها هذا تحت ضغط القوى الصهيونية الداخلية. ويقول جوستورك في ذلك:
   ".. لم تكن المصالح الاميركية في اي مكان اقل وضوحاً مما كانت عليه في سياسة الولايات المتحدة في فلسطين عام 1947 -1948. كانت الشركات الاميركية تعارض اي دعم رسمي لاهداف الصهيونية. وتجلى ذلك على اشده على ايدي ممثلين من النخبة الاميركية الممتازة الخاصة امثال وزير الدفاع فورستال ووكيل وزارة الخارجية اتشيسون. وكان دعم التقسيم في الامم المتحدة عام 1974, سياسة ترضية للضغوط الصهيونية المحلية, لكنها لم تعد قادرة على تفادي نزاع مسلح خطير في فلسطين. وعندما  اتضح في مطلع عام 1948 ان النزاع لا يمكن تفاديه عن طريق التقسيم, تلاشى الدعم الاميركي لتلك السياسة. وكان الحد الادنى الذي لا يمكن انقاصه لهدف السياسة الاميركية في فلسطين هو ترحيل "البريطاني" ومنع تواجد "الروسي" في شكل قوة لحفظ السلام تابعة للامم المتحدة. وهذا, مقروناً بضغوط سياسية محلية, دفع ترومان الى الاعتراف في التو واللحظة باسرائيل في 15 ايار – مايو عام 1948. اما الدعم الاستراتيجي لاسرائيل فكان تطوراً لاحقاً.
   ومع قيام دولة اسرائيل في قلب العالم العربي, ازدادت اهتمامات الولايات المتحدة الاميركية بمنطقة الشرق الاوسط, اذ وجدت فضلا عن مصالحها الاقتصادية الهائلة, ان عليها الكثير من المسؤوليات السياسية  والمالية تجاه هذه الدولة وبغية ضمان استمرارها, لانها قد اثارت الكثير من املابسات والتعقيدات في العلاقات العربية الاميركية. وما تلا ذلك من دخول السوفيات منطقة الشرق الاوسط.
   ومع الستينات ظهر اتجاهان في سياسة الدول العربية المنتجة, نادى اولهما بمبدأ التأميم ورفع الثاني شعار المشاركة, وتبلور هذان الاتجاهان مع العقد السابع حين اقدمت كل من العراق وليبيا وسورية على تأميم المصالح النفطية الغربية في بلادها, وتزعمت المملكة العربية السعودية مبدأ المشاركة الهادف الى تحقيق الاستقرار في الاوضاع السياسية في منطقة الشرق الاوسط. ولكن دور النفط ظل مقتصراً على الناحية الاقتصادية الخالصة.
حتى كانت حرب تشرين – اكتوبر 1973, فبرز كعامل سياسي مهم في السياسة الدولية, حين شهره العرب سلاحاً ماضياً في وجه الدول المنحازة الى اسرائيل وفي طليعتها الولايات المتحدة الاميركية.
وكان خبراء النفط قد اقتنعوا بان سلاح النفط لا يستخدم بوقف ضخه فقط, وانه يكفي الا تزيد الدول المنتجة من انتاجها او تخفضه قليلاً لكي تثير على الفور ازمة استهلاك عالمية, نظراً للحاجة المتزايدة الى الطاقة في الدول الصناعية, فاذا اضيف الى ذلك رفع الاسعار وهو النتيجة الطبيعية لخفض الانتاج, امكن الوصول الى زيادة في الدخل تعوض الدول المنتجة عن الزيادة في الانتاج.
   وقد اقترن خفض الانتاج الذي اعلنته البلاد العربية المنتجة برفع سعر النفط, ومن الخطأ الاعتقاد بأن هذه الدول قد استغلت ظروف المعركة لرفع الاسعا, فمنذ 15 ايلول – سبتمبر 1973 اجتمع ممثلو الاوبيك في مقر المنظمة بفيينا لاجراء مباحثات حول الاسعار لأن النفط لا يحصل على سعره الحقيقي. وصرح الشيخ احمد زكي اليماني بأن اتفاق طهران لسنة 1971 بين دول الخليج والشركات العربية بات ميتاً او في طور الاحتضار وفي حاجة الى تعديل كبير. وقد اشار وزير النفط السعودي الى ذلك في محاضرة القاها في جامعة الرياض.
الرئيس الراحل حافظ الأسد يرحب بضيفه الملك الراحل فيصل
   وهكذا فإن الدول العربية حين لجأت الى سلاح النفط. قد استخدمت حقها في التعبيرة عن موقفها, لاستعادة الحق العربي كاملاً غير منقوص. عبر المواقف المتدرجة من التحذير الى الانذار الى القطع.
   وقد جعل ترابط العلاقات الاقتصادية بالواقع السياسي, من سلاح النفط سلاحاً سياسياً فعالاً, وبخاصة ضد الولايات المتحدة الاميركية التي اعتمدت ابدا السياسة الرامية الى تأمين تفوق اسرائيل عسكرياً بما تمدها به من السلاح المتطور والعتاد الوافر والمساعدات الاقتصادية.
   وادى هذا الموقف الى اضطراب خطير في بنية الاقتصاد العالمي, وتجلت الخلافات حادة قاسية بين الولايات المتحدة ودول السوق الاوروبية المشتركة التسع, وبخاصة عندما اتخذت هذه الدول موقفاً ايجابياً من  الصراع العربي الاسرائيلي, كما ان اميركا نفسها اخذت تتظاهر بتعديل سياستها وتسعى الى تحسين صورتها لدى العرب.
   ولكن موقف الملك فيصل كان صريحاً وواضحاً, وقد حدده واعلنه للدكتور كيسنجر ولمندوبي الصحافة العالمية, وهو ان بلاده ستواصل استخدام النفط كسلاح في ازمة الشرق الاوسط حتى تتحقق اهداف ثلاثة:
 1-الانسحاب الاسرائيلي التام من جميع الاراضي العربية.
 2-منح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
 3-التأكيد على الطابع العربي لمدينة القدس.
   وهكذا جعلت معركة النفط الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية في موقف المجابهة, وعاد كيسنجر الى واشنطن غاضباً ثم رجع في 15 كانون الاول – ديسمبر ليقول للملك وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة:
 -يا جلالة الملك اني مكلف بأن ابلغكم ان الرئيس نيكسون والحكومة الاميركية يتعهدان بالضغط على اسرائيل للانسحاب من الاراضي العربية المحتلة وتأمين عروبة القدس والحقوق المشروعة للفلسطينين.
   وخيل اليه ان التعهد الذي فأجابه الملك سيغير موقفه تماماً ويقابله بمبادرة ايجابية فورية بشأن الحظر, ولكن فيص بن عبد العزيز ظل محتفظاً بهدوئه ولم يبد عليه ما يدل على انه فوجىء بالتعهد الاميركي الخطير, وقال بذات اللهجة الفاترة التي بدا بها الحديث:
 -هذا امر جيد!
   وشعر كيسنجر بالارتياح لهذه الكلمات ولم يستطع ان يكتم اعجابه بحيوية الملك العجيبة التي ما تزال في مد لا جزر له برغم جسمه الضامر وعينيه الغائرتين, ولكنه ما لبث حتى شهد وميضا خاطفاً يغمر وجه الملك وسمعه يقول:
 -يؤسفني ان اقول لك يا سيادة الوزير انه سبق لي ان تلقيت من الحكومة الاميركية وعوداً عدة حول القضية الفلسطينية والعدوان الاسرائيلي دون ان ينفذ اي وعد منها, ولذلك فإني غير مستعد لقبول اية وعود او ضمانات اميركية جديدة تعطي لي داخل غرفة اجتماعات مغلقة, وارى نفسي مضطراً لأن اطلب من الحكومة الاميركية اعطاء هذه الضمانات علناً وفي بيان رسمي يصدره الرئيس نيكسون ويؤكد فيه بصراحة ووضوح استعداد الحكومة الاميركية جدياً للضغط على اسرائيل حتى يتحقق الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة والحفاظ على عروبة القدس وعودة الفلسطينيين الى ديارهم وتأمين حقوقهم الوطنية المشروعة!
   فتولى وزير الخارجية الاميركية الذهول. ولم يصدق ما يسمع, واراد مناقشة الملك في الشرط الجديد الذي وضعه والذي بدا للوزير انه عسير وغير معقول.
  ولكن فيصلا افهمه بلباقة انه غير مستعد لمناقشة هذا الموضوع, وانه قال كل ما لديه. وفهم كيسنجر من ذلك ان الزيارة قد انتهت فغادر مكتب الملك متجهم الوجه بادي الانفعال. ولم تستطع حتى ديبلوماسية عمر السقاف ان تعيد اليه ابتسامته المألوفة, وقال لمن حوله انه لم يسبق له ان سمع مثل هذه اللهجة وهذا التصلب من اي زعيم في العالم.
   وانقضت سنة 1973 وبدأت شهور السنة الجديدة تتلاحق. واعتمدت الولايات المتحدة سياسة جديدة لحل ازمة الشرق الاوسط كان ظاهرها يدل على انها اكثر تجاوباً من الاماني العربية, فاقتنع معظم القادة العرب وفي مقدمتهم الرئيس السادات بأن الوقت قد حان لوقف الحظر على تصدير النفط العربي الى الولايات المتحدة, تشجيعاص لها على المضي في السياسة الجديدة التي انتهجتها. ولكن الملك فيصل لم يكن قد اقتنع بعد, وهو لا يزال ينتظر ذلك التعهد العلني الذي طلبه من الرئيس الاميركي, واذا بالرئيس نيكسون يقدم هذا التعهد فيعلن في مؤتمر صحفي:
    "لقد الزمنا انفسنا بالقيام بدور فعال في المساعدة على تحقيق سلام عادل في الشرق الاوسط على اساس تنفيذ كامل لقراري مجلس الامن 242 و338".
   وكانت حرفية التصريح تعبر عن نفسها, فلم يسع الملك فيصل الا تلبية الرغبة التي كانت تناشده الموافقة على الغاء الحظر. وهكذا قرر وزراء النفط في المملكة العربية السعودية ومصر والجزائر والكويت وقطر والبحرين واتحاد الامارات العربية في 18 اذار – مارس, رفع حظر شحن النفط الى الولايات المتحدة بعد خمسة اشهر من اعلانه.(يتبع)
_________________


تاملات في المسألة الايرانية
"كل من عليها شاه"
المرأة الايرانية تتظاهر ضد تحرير المرأة والمتظاهرون يغرقون دبابات الجيش بالور و الرياحين
احداث ايران دفعت واشنطن الى اخراج ملفات الانظمة الاسلامية في مواجهة الشيوعية

الحوادث 22 ايلول 1978 العدد1142

رغم مشاغل الإدارة الاميركية في كامب دايفيد وتغيب كارتر , وسيروس فانس هناك , فقد اتصل الرئيس الاميركي بالشاه مبدياً تمنياته, وأمر " وارن كريستوفر" نائب وزير الخارجية الأميركية بتشكيل " لجنة عمل ايرانية " وأعتبر ذلك دليلا على وصول الوضع الايراني الى مرحلة الازمة , ووصف الدبلوماسيون والصحفيون الغربيون وجنرالات الجيش الايراني , الوضع بأنه حرب أهليه..
والاهتمام الاميركي لا يعني بالحتمية , التفكير في انقاذ الشاه, لان الولايات المتحدة ككل الدول الكبرى التي سبقتها في التعامل مع العالم الثالث , عندما لا تستطيع انقاذ حاكم صديق , تعيد فتح ملف البلد , تحت شعار : "كيف يمكن الاستفادة من سقوط صديقنا" !... فشعار الدول الكبرى هو : ليس المهم أن يبقى صديقنا في الحكم , بل المهم أن تبقى صداقة النظام , أن يصبح خليفته صديقنا .. والرئيس شارل الحلو , يروي أنه سأل أحد كبار المسؤولين الاميركيين , بعدما ترددت اشاعات ونظريات حول دور الولايات المتحدة في تنفيذ ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا: " ما هي حقيقة الدور الاميركي؟"
فأجابه :" دورنا كان محصورا في الاستفادة من الانقلاب. لقد وجدنا  أن قيام حكم عسكري ديناميكي شاب ينتمي لثورة 23 يوليو, مجاور لمصر من شأنه أن يريح أعصاب الرئيس جمال عبد الناصر لأنه بعد هزيمة 1967, أصبح التصلب العربي يشكل حجر عثرة في طريق السلام , وهو وضع طبيعي, لانه في اعقاب الهزائم تتحول الصلابة الى تصلب, وعبد الناصر أصبح يشعر أنه محاصر بنظم معادية تتشفى في هزيمته , فجاءت الثورة الليبية عام 1969 لتلين الرئيس المصري , وجعلته يقبل بمشروع روجرز الذي طرحناه بعد قيام الثورة الليبية بشهرين!...
الغريب أن نفس التحليل وصلت اليه الثورة الفلسطينية في الأيام الأولى , بالنسبة لتأثير ثورتي السودان (مايو 1969) وليبيا (سبتمبر 1969 )على اعصاب عبد الناصر , ووضعه السياسي في المنطقة وهناك تعليق مشهور لاحد القيادين في حركة فتح , إذ وصف النظامين الجديدين , بأنهما "عكازات الحل السلمي " التي سيستعين بها النظام المصري " المقعد" للوصول الى حل للمشكلة .. ولاحظ نفس المصدر أن الثورة في كل من السودان وليبيا أصدرت في بياناتها الاولى أعلانا بقبول القرار 242 مع انه لم تكن هناك ضرورة لذلك فهما من غير دول المواجهة , وانما كان لهذا الاعلان تأثير في دعم القبول المصري للقرار...
وافتتاحية " الوشنطن بوست " (12-8-1978 )
أكدت اهتمام أميركي بايران , وضرورة أن يكون هناك وجود أميركي سياسي عسكري اقتصادي في طهران " مهما اختلفنا على صيغة هذا الوجود ولكنه ضروري حيث تمثل ايران حجر الزاوية في الحاجز ضد النفوذ السوفياتي في منطقة حيوية تفتقر الى الاستقرار .. ولنا ان نتخيل أي ضرر يصيب مصالحنا " الأميركية " اذا ما قام في طهران " قذافي" ايراني , وهو احتمال لا يحول دونه سوى وجود الشاه . وقد اعتبر الذين يحسنون الظن , أن هذه الافتتاحية والاشارة الى أن البديل هو " نظام قذافي" وليس شيوعياً " نوع من التفكير بصوت عال, أما الذين  يسيئون الظن, فاعتبرونها نوعا من الإيحاء, أو الدعاية السوداء لانه عندما يقال للإيرانيين الثائرين ضد الشاه, ان الخطر الاكبر على مصالح أميركا هو قذافي ايراني..فمن ذا الذي يفضل شاه المصالح الاميركية على وطنية القذافي؟!
وقد اعتبرفت" التايم"  بأن الدوائر السياسية في واشنطن وطهران تعتقد " بوجود عناصر للمخابرات الأميركية في قيادة المعارضة , على أمل ان يحتلوا مراكز مهمة في الانقلاب المنتظر "( تايم 18-9-1978 )
على أية حال. الدول الكبرى تحتفظ دائما بالبدائل, وان كان الروس يعترفون بتفوق الاميركيين عليهمم في هذا المجال, حتى قيل أن المخابرات الاميركية , الادارة الاميركية تطبق الاسلوب الماركسي في تحليل أفضل من السوفيات أسرى " الدوغما " الماركسية .. فرغم كل العلاقات الطيبة التي ربطت الولايات المتحدة بنظام الشاه خلال الربع قرن الماضي , منذ ان اعاد الاميركيون الشاه الى عرشه, الى زيارة كارتر لطهران وقوله للشاه انه يشعر نحوه بعرفان للجميل, وبصداقة شخصية أعمق من كل المشاعر التي تربطه بأي حاكم آخر بل ذهب في أحد خطبه الى القول بأن الشاه يشاركه في أرائه حول " حقوق الانسان" في الوقت الذي كان فيه رجال السافاك يطاردون حتى الايرانيين في الخارج , ورغم قرار لجنة العفو بأن " إيران هي أسوأ مكان في العالم من ناحية إحترام حقوق الانسان 1975" ومع ذلك فلا صداقات دائمة في السياسة الدولية بل مصالح دائمة. وإذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن بديل .. فما هو؟!
فتح الملف الإسلامي
قبل الاجابة عن هذا السؤال يجب القول بأن أحداث إيران قد فتحت الملف الاسلامي أو المسألة الشرقية  من جديد فهذا العالم الاسلامي الذي يمتد من أندونيسيا الى غرب أفريقيا, يشكل في الرقعة الممتدة من باكستان الى تركيا حاجزا تاريخيا وبشريا وعقائديا ضد وصول الاتحاد السوفياتي الى المياه الدافئة , وهو بالصدفة – أي العلم الاسلامي يضم كل نفط العالم القديم ويشكل قلب آسيا وأفريقيا , وكافة مواصلات الغرب مع آسيا أو أفريقيا لابد أن ثمر عبره.. وإذا كانت أهميته السياسية والجغرافية معروفة للغرب منذ الحروب الصلبية فإن أهميته الدينية برزت في السنوات الأخيرة في ضوء عدة اعتبارات سنتناولها بالتفصيل في هذه الدراسة , ويمكن أن نشير اليها الآن في سطور:
   الموجة الدينية التي تجتاح العالم الإسلامي . ففي باكستان اسقط رجال الدين أو مهدوا لتحرك الجيش الذي اطاح بحكم "بوتو". وفي تركيا نمت القوى الاسلامية الى حد اعتراف مجلة "التايم" انها ستقرر مصير الحكم في تركيا في الانتخابات المقبلة . وفي مصر تكاد تكون الحركات الدينية هي المسيطرة على حركة الجماهير .. وأحداث لبنان تؤكد تغلب العامل الديني على كل العوامل الأخرى .. وأخيرا جاءت ثورة "آيات الله " في ايران .
نجاح النموذج الاسرائيلي القائم على الدين في بناء دولة عصرية متماسكة , محصنة ضد النفوذ الشيوعي, ورغم كل ما صاحب نشأتها من تأثيرات شيوعية - روسية .. وهناك مدرسة جديدة في الدراسات الاميركية تعتقد أن ظهور إسرائيل قد أعاد المنطقة الى عصر الصراعات الدينية ومن ثم لا بد من ركوب هذه الموجة بدلا من التصدي لها.
    لقد حاولت الولايات المتحدة خلال العشرين عاماً الماضية الاعتماد على نظم عسكرية ثورية أو علمانية تصفي الحركات الدينية، ولكنها كلها تقريباً انتهت بالعزلة عن الجماهير، وبالوقوع في أحضان النفوذ السوفياتي أو التمهيد له.

    ولنبدأ باستعراض ما جرى في إيران يوم الجمعة الثامن من أيلول "الأسود الإيراني"! فقد وصف المراقبون مظاهرات ذلك اليوم بأنها أعنف تظاهرات معادية للشاه ونظام حكمه منذ 25 سنة، وهذا التاريخ له دلالته، فوقتها – أي منذ 25 سنة – كان الشاه هارباً خارج إيران، التي تحكمها الجبهة الوطنية بقيادة الدكتور مصدق، الذي كان بدوره تحت نفوذ الجماهير التي سيطرت على الشارع، أما النظام فكا في انتظار طلقة الخلاص! وتشاء الصدف أن تثور الجماهير الإيرانية مطالبة بسقوط النظام وعودة الزعيم الخميني من المنفى، في نفس الوقت الذي يحتفل فيه الشاه باليوبيل الفضي لذكرى عودته للعرش، ولم تبق صحيفة أميركية مهتمة بالشرق الأوسط، إلا وذكرت الإيرانيين بأن عودة الشاه إلى عرشه، تمت بفضل المخابرات الأميركية، وعلى يد النابغة "كيرميت روزفلت" وهو الذي ادعى "مايلز كوبلاند" أنه نظم أكثر من انقلاب ناجح في المنطقة. ولا شك أن الشباب الإيراني قد أصابه جرح عميق من هذا التفاخر الأميركي، فمهما يكن إعجابهم بمنجزات الشاه خلال ربع القرن هذا (وهو أمر مشكوك فيه) إلا أنه ليس من دواعي الفخر أن تأتي حكومتهم بفضل لعبة مسرحية نفذها أميركي، وهي استئجار بعض الرياضيين المحترفين والبلطجية لتنظيم مظاهرات تعيد الشاهنشاه إلى عرشه! فلم يكن غريباً أن يحتفل الشعب الإيراني بهذه الذكرى على طريقته، هاتفاً بسقوط الشاه، ولكن اهتمام المراقبين بهذه المظاهرات، لم يكن بسبب عنفها (200) قتيل في ليلة واحدة، حتى احتج عمال المقابر بأنه لا توجد نعوش كافية) ولا في الأسلوب الذكي الذي اتبعته في كسب الجنود من أفراد القوات المسلحة الإيرانية، إذ أغرقهم المتظاهرون، هم ودباباتهم في طوفان من الورود والزهور، حيرت الجنود، وشلت أيديهم فوق بنادقهم، وجعلتهم في أكثر من موقع ينصتون والدمع في عيونهم لتحريض الجماهير لهم بأمثال هذه الهتافات: "هبوا يا مسلمين.. إخوانكم في الدين يقتلون.. يا جندي يا مسلم لماذا تقتل أخاك المجاهد"؟!
وكل هذه المظاهرات، بالطبع، ومنذ بدأت قبل ثمانية أشهر، هي تحت قيادة "آيات الله" علماء الشيعة، والشعارات الإسلامية هي التي ترفع على رايتها، تطالب بحكم القرآن، ويدق المتظاهرون صدورهم حزناً على الطريقة الشيعية المعروفة في ندب الشهداء إلا أن أهم ما يميز هذه المظاهرات، ليس فقط هتاف الشباب الإيراني المتعلم في الخارج، والذين جاءوا للمظاهرة في "البلوجينز" يطالبون بحكم الإسلام والشريعة، بل عشرات الألوف من النساء من مختلف الأعمار محجبات في "الخمار" أو العباءات السوداء، من أعلى الرأس إلى أخمص القدم، أي في أكثر صور الحجاب الشرقي تزمتاً، خرجن متظاهرات، يتعرضن لطلقات الرصاص، وسقط منهن فعلاً، أو استشهد العشرات، احتجاجاً على سياسة الشاه في "تحرير المرأة"!
هذه الظاهرة، وهي غير فريدة من نوعها، هي مفتاح فهم الأزمة في إيران، بل أزمة العالم الإسلامي كله... فالمرأة التي تخرج متظاهرة، وهي تعلم أنها ستتعرض للقتل أو إلقاء القبض عليها، وزجها في السجن، ثم المحاكمة، لا يمكن أن توصف بأنها امرأة شرقية من القرون الوسطى، تعيش في الحريم.. إلخ السخف الذي لقنه لنا أعداء حضارتنا، فهي واعية سياسياً، ومتتبعة لقضايا وطنها، ومتفاعلة معها إلى حد الخروج إلى الشارع للتعبير عن موقفها، وهي تعيش في بيت يؤمن بحقوقها الكاملة في التعبير عن إرادتها إلى حد الإضراب والتظاهر في الشارع...
فلماذا الثورة على "تحرر" الشاه... ولماذا الحجاب؟.. ونفس السؤال يمكن أن يطرح حول انتشار الحجاب بين الجامعيات في كليات القاهرة، وبالذات في عنفوان المعركة التي تشنها بعض القوى تحت شعار "تحرير المرأة".. وربما كان الجواب هو ما رواه تاريخ الثورة الجزائرية، عندما كان الفرنسيون وعملاؤهم يطالبون المرأة الجزائرية بخلع الحجاب للتحرر، فكان الرد هو انتشار الحجاب. وبالذات في الطبقة المثقفة، حتى تعمدت بعض الجزائريات لبسه في السوربون بباريس، وقيل وقتها، إنه كان تاكتيكاً من الثورة لمنع تعرف المخابرات الفرنسية على رجال الثورة الذين كانوا يتنكرون أحياناً في زي النساء لتنفيذ العمليات، وأيضاً لإخفاء شخصية المجاهدات. وقيل إن العودة أو التشبث بالحجاب، كان نوعاً من الرفض للاستعمار والمتفرنسيين، ولكنها تفسيرات لا ترتفع إلى مستوى الظاهرة...


في حديث عن الحضور العربي في الامم المتحدة وتأثيره في صنع القرارات المصيرية

يجب مخاطبة أميركا من حضارة الكومبيوتر
لا من حضارة الشعر والمفاخرة بثروة النفط

المصدر الجمهور 6 كانون أول 1979
غسان تويني

تحدث مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير غسان تويني إلى الأستاذ عادل مالك في إطار برنامجه التلفزيوني "وجوه وأحداث" فحدد نظرته إلى الحضور العربي في الأمم المتحدة وتأثيره في صنع القرارات الدولية لصالح المجتمع العربي.
قال السفير غسان تويني رداً عن سؤال يتعلق بالحضور العربي في هيئة الأمم المتحدة:
- نحاول في الأمم المتحدة أن تظل الدول العربية على إجماع مستمر ما أمكن حول القضايا المطروحة في المجتمع الدولي. أما الوجود العربي في الأمم المتحدة فهو مرتبط بجو السياسات الخارجية. وأعتقد بأنه من الممكن إبرازه بين القضايا التي تهمنا مباشرة، والتي نختلف على معظمها مع الأسف، والقضايا التي تهم العالم والتي لا يزال بالمستطاع تأمين إجماع عربي حولها.
أما في الولايات المتحدة، فالحضور العربي، مع الأسف، يشوبه الآن حضور ذاتي، فبقدر ما تكون أميركا مضطرة للالتزام بالمصالح العربية، بقدر ما تقل الشعبية العربية في أميركا. هذه مفارقة مؤلمة، وجارحة لكل عربي يريد أن يخاطب الأميركان وأن يكتسب الرأي العام الأميركي.
وكرر السفير غسان تويني هذه الحقيقة لكي لا يساء فهمها فقال:
- بنسبة ما تزداد صلة الاقتصاد الأميركي بالاقتصاد العربي وبنسبة ما يزداد الارتباط الأميركي بالعرب، تتضاءل شعبية الصورة العربية لدى الرأي العام الأميركي.
وقال السفير غسان تويني:
- بمجيء النفط، قامت بالطبع حركة أميركية أساسها صهيوني تركز على العرب. وهذه الحركة نشأت من الصراعات القائمة حول القضية الفلسطينية وهنا يجب أن نربط بين مجيء النفط ودوره في حرب 1972، وفي إطار العلاقة العربية - الأميركية، القضية الوحيدة التي كان يمكن أن تجمع بين العرب كقوة سياسية ومتحركة هي القضية الفلسطينية.
النفط دخل اللعبة – يتابع تويني بدخوله كسلاح في الحرب العربية – الإسرائيلية. إذن دخل بصورة سلبية قبل أن يتسنى للعرب أن يوظفوا النفط إيجابية في العلاقات الأميركية – العربية. جاء النفط فحارت الدعاية الصهيونية ونجحت في إعطاء صورة عن العربي وكأنه الشيخ البشع المرتدي عباءة في يده خنجر وفي اليد الأخرى "حنفية" النفط، يهدد المجتمع الأميركي والعالم المتمدن بقطع النفط عن هذا المجتمع الذي يحتاج إليه كمصدر أساسي للطاقة بعد حرب 1973 ودخول سلاح النفط الميدان بدأت بعض المصادر الأميركية تركز أهمية الارتباط العضوي القائم بين المصير الأميركي والمصير العربي. وكان ذلك بمثابة تحد ضخم لنا أن نزيل صورة "العربي البشع" التي نشرتها "كاريكاتورات" الصحف والإعلام المشجع صهيونياً.
وتساءل تويني قائلاً:
- بماذا قابلنا هذه الصورة في أميركا، قابلناها بصورة من التاريخ، أي العربي الرومانتيكي، وأننا في العصور الوسطى كنا أكثر حضارة من الأميركان وأننا أسسنا حضارة معمارية ضخمة، كما أننا أهل أدب وفكر إلخ.. في حين أن الإنسان العربي الجديد الذي نعرفه في كل بقاع العالم العربي هو الذي حياته مستقلة عن النفط مستقلة عن الثروة العربية، هو ذاك الرسام العربي الحديث في العراق، الأديب العربي الحديث في مصر، الشاعر العربي الحديث في لبنان، المفكر الفلسطيني، كل هذه الصور الحديثة للإنسان العربي الجديد بانفعال في التاريخ المعاصر ظلت صوراً غريبة مع الأسف، عن معرفة الأميركي بنا، وبالتالي غريبة عن إمكان التأثير على الذهن الأميركي والمجتمع الأميركي بنسبة ما كانت تؤثر فاعليات أخرى منافسة لنا. وأعتقد بنسبة ما كانت تسيء إلينا صورة النفط وكأنه الشيء الوحيد الوجود في العالم العربي، كانت تسيء إلينا كذلك صورة كوننا حضارة غابرة جميلة وضخمة وذات قيمة تاريخية، ولكنها غابرة وحسب.
وعن اقتراحاته لكي يكون الحضور العربي أكثر تأثيراً في تقرير القضايا العربية قال السفير غسان تويني:
هنالك اختيارات أساسية، الاختيار الأول، وهو اختيار مهم، يجب أن نقرر كعرب، هل نريد اكتساب أميركا؟ إذا كنا نريد اكتساب أميركا أو نريد معاداة أميركا؟ إذا كنا نريد اكتساب الرأي العام الأميركي ونقيم علاقات محبة بيننا وبين الأميركان، فيترتب على ذلك مخاطبة أميركا بما تفهم وما تحب. أما إذا كنا نريد أن نحارب أميركا فلا حاجة بنا لمخاطبة الأميركان، لأن مخاطبة أميركا بمعاداتها وبشن الحرب عليها لن يجدينا نفعاً.
الاختيار الثاني: أية صورة عن العرب نريد أن نعطي. هل نريد أن نعطي عن العرب صورة العربي الفيتنامي، أم العربي الذي هو فاعل وصانع ومشارك في الحضارة الإنسانية. وهذا الخيار يجب أن يبنى ويقرر في العالم العربي.
وقال تويني: القواعد الأساسية التي انطلق منها لرسم خطة فاعلة للحضور العربي في أميركا هي الآتية:
أولاً: يجب أن ندعو إلى إنسان عربي حديث جديد متحضر، متعلق بأرضه متمسك بمبادئه وتراثه، ولكن طماح إلى خلق مجتمع عصري.
ثانياً: أن نعطي عن أنفسنا صورة مقبولة أميركياً، لا أن نجعل مقاييس المجتمع الأميركي هي مقاييس المجتمع العربي، ولكن أن نقدم المجتمع العربي للأميركيين بقصد اكتساب صداقتهم أو تأييدهم بمفاهيم مقبولة أميركياً.
ثالثاً: أن نخاطب الأميركيين بلغتهم، أي أن نحدث أميركا بالإنكليزية.
رابعاً: أن نقيم موجة عقلانية، أي أن نتوجه إلى أميركا من منطلقات العلم الحديث والصناعة الحديثة ومنطلقات حضارة الكومبيوتر، لا حضارة الشعر والمفاخرة بالثروة وبحاجة أميركا إلينا.
وخلص السفير تويني إلى القول:
- إذا تمكنا من التركيز على هذه القواعد نكون قد أقنعنا الأميركي بالقضية الفلسطينية وبالمسألة اللبنانية وبضرورة معالجتهما معالجة عادلة.
وعن تأثير الحضور العربي في صنع القرارات المتصلة بالقضايا العربية المصيرية قال السفير تويني:
- أولاً كل المستعربين، أي الأميركان الذين درسوا حضارتنا ويدرسون مجتمعنا والاقتصاد العربي، هؤلاء هم بالنسبة إلينا ركيزة هامة.
ثانياً: ركيزة الترابط النفطي والصناعي هي رأسمال ضخم إذا عرفنا كيف نسلله عبرها إلى العقل الأميركي وإلى المجتمع الأميركي.
ثالثاً: عندنا كل الطبقة الأميركية الفعالة من أصل عربي، مثل الأطباء والأساتذة في الجامعات، ورجال الأعمال، هؤلاء يشكلون خميرة ضخمة يمكن الاستفادة منها إذا حافظنا لها على ولائها الأميركي، أي أن نتصرف كمجموعة أميركية من أصل عربي، لا كمجموعة عربية أو لبنانية مزروعة كجسم غريب في صميم المجتمع الأميركي. وهذه المجموعة يمكن أن تكون أقنية متشعبة ومتعددة لإقامة فاعلية لنا، شرط أن تنقل هذه الفاعلية صورة مطامحنا المستقبلية لا صور منجزاتنا الماضية.
*********************


 الوطن العربي" تذهب بعيداً مع "صانع" القرار 242
اللورد كارادون:كامب ديفيد مولود ميت
القرار 242 يحتاج الى بندين إضافيين

المصدر: "الوطن العربي" 2/3/1980 العدد 168-مصحح

(أ.ل)- اللورد كارادون لا يحتاج الى تعريف. لقد رافق القضية الفلسطينية منذ الثلاثينيات. وتوصل في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967, وهو سفير لبرطانيا في الامم المتحدة, الى وضع صيغة القرار 242 المعروف, هذا القرار المطروح اليوم للتعديل, بإضافة بندين عليه, كما يقول كارادون نفسه.
   كتب هيوغ فوت (اللورد كارادون) في العديد من الصحف الانكليزية, وقام بعدة زيارات للارض المحتلة, كان اخرها منذ اسبوع, حيث عاد بشهادات حية من المواطنين هناك. وقد التقته "الوطن العربي" اثر عودته, وقبل سفره الى الولايات المتحدة لالقاء سلسلة محاضرات عن القضية الفلسطينية في الجامعات الاميركية. واللقاء جاء شاملاً. لقد بدأ بذكريات اللورد كارادون في فلسطين وانتهى بتصوراته لمستقبل المنطقة, وأزمة الشرق الاوسط.
فلورنس رعد

بريطانيا ... وسياسة الوجهين
- ما هي وجهة نظرك كبرطاني في فلسطين ابان الانتداب . وممثل لدولة وثبت ما لا تملك وفرطت ما أؤتمنت عليه؟
•    إن فشل الادارة البريطانية في فلسطين امر مؤكد, فقد ارتكبت خطيئتين: الاولى جعلت العرب الذين قاتلوا الى جانب الحلفاء لطرد الاتراك في الحرب العالمية الاولى يعتقدون بأنهم يحاربون من اجل حريتهم, وفي الوقت نفسه جعلت اليهود يعتقدون بعد اعلان وعد بلفور عام (1917) انهم سوف يحصلون على وطن قومي لهم في فلسطين. ويشارك بريطانيا في هذه المسؤولية بصورة خاصة الولايات المتحدة الاميركية التي شجعت بريطانيا على انتهاج هذه السياسة, لكن اعترف بأن المسؤولية الاساسية تقع على عاتق بريطانيا.
       نعم, ان سياسة الوجهين التي اتبعتها كانت كارثة.
ذكرياتي في فلسطين
- كنت في فلسطين منذ العام 1929 حتى 1939. فما هي ذكرياتك عن هذه الفترة؟
•    في الفترة الاولى كنت موطفاً حديثاً, لكن في العام 1936 أصبحت مسؤولا عن منطقة "السامرة", وذلك في خلال الثورة العربية (1936 – 1939) وسكنت في نابلس مدة ست سنوات. وقد التقيت في هذه الفترة الكثير من الشخصيات الانكليزية منهم السير ونستون تشرشل, وكنت متفهماً لأسباب الثورة العربية, لكن التزامنا بسياسة الدولة كانت تمنعنا نحن الموظفين الصغار من التعبير عن أرآئنا الشخصية. لقد تحدثت آنذاك عن صعاب ضبط الوضع في فلسطين مع تشرشل في مكتبي. في احد تنقلاته بين دمشق والقدس.
     كانت معظم اقامتي في القرى العربية, لكن كان عليّ ان أولي بعض الاهتمام للمناطق الساحلية في فلسطين. لم يكن عدد المستوطنات اليهودية كثيراً في تلك الايام, لكن عمليات شراء اليهود للاراضي كانت تتفاقم وتتزايد وبالتالي كانت المشاكل تزداد تعقيداً يوما بعد يوم.
   ونظراً لطوفان المهاجرين اليهود, وزيادة شراء الاراضي, توقعنا ان يكون رد الفعل العربي عنيفاً خصوصاً. بعدما بدأت تصدر في دمشق وبغداد تصريحات مؤيدة للفلسطينيين, وتعدهم بالدعم العسكري.
   وبالفعل, بدأت المعركة الاولى في التلال بين نابلس وجنين, وذلك بين شرطة الانتداب والمتظاهرين العرب.
وتابع:
   لقد عرفت كل قرية من اقليم نابلس وطولكرم وجنين ومعظم القرى الاخرى في شمال فلسطين, كما اعرف بلادي.
وقد عملت فيما بعد في قرى ما يسمى آنذاك شرق الاردن. وسرت وحيداً على قدمي من صيدا الى دمشق.ومررت فوق جبل الشيخ.
   يرمي قطعة حطب في الموقد الذي يزداد التهاباً ويتساءل: أين وصلنا؟ أيوه... لقد قضيت 15سنة من شبابي في منطقة الشرق الاوسط التي اتمنى ان تعيش في تآلف سياسي ورخاء اقتصادي...

مسألة القرار 242
- لقد رافقت مشكلة فلسطين منذ بداياتها.. ومن ثم ارتبط اسمك عبر القرار 242 بمحاولة تسوية من وحي الخضوع للأمر الواقع .. وعلى اساس هذا القرار الذي عاد الى الواجهة في ظل الطريق المسدود الذي وصلت اليه مباحثات الحكم الذاتي ...
  فهل تعتقد بأن تعديل القرار 242 يمكن ان يؤدي الى ازالة الاعتراضات الفلسطينية والعربية علة كأساس للتسوية؟
• ليس ثمة حاجة الى تعديل للقرار 242, بل يتوجب اضافة بعض الفقرات عليه وبالأخص فقرتين هما:
- الفقرة الاولى: النص على العودة الى حدود ما قبل حزيران (يونيو) 1967.
- الفقرة الثانية: النص على الحقوق الفلسطينية المشروعة.
- اجتماع كارتر – بيغن – السادات مسرحية جديدة في موسم الانتخابات
   لقد كان من المفروض التركيز على استعادة الاراضي المأخوذة بالقوة في العام 1967 في الشرق الاوسط.
  فنحن لم نهدف لجعل حدود 1967 حدوداً دائمة, بسبب أن هذه الحدود كانت مجرد خطوط لوقف اطلاق النار رسمت في ليلة ما قبل عشرين سنة.
  وهذه الحدود غير مناسبة لإعتبارها حدوداً دولية ودائمة.
- إن الانتقال الاكثر جدية يتركز حول ان القرار 242 يدعو الى حل مشكلة اللاجئين متجاهلاً حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
•    ان الفلسطينيين لم يتقدموا بمطالبهم الا بعد صدور القرار, لكنه كان تطوراً بالغ الاهمية بالنسبة اليهم. اجل يجب الاقرار وجاهة مطالب الفلسطينيين والاقرار بحقوقهم, ولكن ليس بالتخلي عن مبدأ 1967 المتمثل في القرار 242, لكن بإضافة مبدأ حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني في ارضه المسترجعة فلسطين.
وقد قال الملك حسين في هذا المجال: "اسرائيل لن تتحمل وجود دولة مستقلة فلسطينية في فلسطين أو الضفة الغربية" واسرائيل ليس لها الحق بإتخاذ هذا القرار وليس لي هذا الحق, وليس لأحد الحق في اتخاذ مثل هذا القرار غير الفلسطينيين انفسهم".
هذا هو المطلوب
- ما هو المطلوب الان؟
• ان المطلوب ليس تصحيح او تغيير القرار 242. لكن اضافة قرار جديد يجعل القرار المتخذ قبل عشر سنوات يتوافق والوقت الحالي عبر هذه الفقرات المقترحة:
1- الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره في اراضيه. 
2 –  تحت اشراف الامم المتحدة وبضمانتها تجري في خلال مرحلة انتقالية تمتد سنتين انتخابات حرة في المناطق المحتلة يقرر فيها سكانها مصيرهم بحرية.
3 -  يجب التوصل الى اتفاقية لوقف اساليب العنف كلها والاستيطان في الارض المحتلة.
4 – تشكيل لجنة حدود دولية تقدم اقتراحاتها لمجلس الامن, بخصوص ايجاد حدود دائمة وآمنة ومعترف بها بين اسرائيل والدول العربية المجاورة لها.
5 – إيجاد ضمانات دولية, للحفاظ على حقوق كل دولة بالعيش بسلام وحرية.
 - انك تعود من زيارة قريبة العهد الى الارض الحتلة. ما هي انطباعاتك عن الوضع هناك. وهل ترى ان اسرائيل مستعدة لمنح الفلسطينيين بعض الحقوق؟
• ان اخطر الانطباعات التي حملتها من الشرق الاوسط هي انطباعي بأن  المؤشرات تدل على عناد الاسرائيليين, ورفضهم ايجاد نقاط تفاهم, أو لقاء مع الفلسطينيين.
ان السياسة الاسرائيلية في هذا المجال تصر على موقفها السلبي والمتعصب والمعادي للفلسطينيين, والذي تبرره بدواعي حقد منظمة التحرير الفلسطينية على الكيان الاسرائيلي. وتبدو اسرائيل كأنها تعامل فلسطينيي الداخل على انهم رهائن, والأسوأ من ذلك انها تهمل استشارتهم أو اخذ آرائهم بعين الاعتبار.
   وفي المناقشات الجارية حول الحكم الذاتي تظهر بوضوح ضآلة الاهتمام الذي تبديه الحكومة الاسرائيلية لهذه المشكلة وضعف استعدادها لإعطاء الفلسطينيين بعض الحقوق اذا فكرت بذلك. بعد سنوات من التأخير والمماطلة. ويعني ذلك انه يجب على الفلسطينيين ان يعيشوا حتى ذلك تحت سيطرة الجزمة الاسرائيلية, ينظرون الى ماتبقى من اراضيهم التي لا تتجاوز مساحتها ربع المنطقة التي كانوا يعيشون فيها, والتي تنتزع منهم لإقامة مستوطنات ومدن اسرائيلية جديدة.
   وبينما كنت استمع الى ما يقوله الفلسطينيون في القدس وجنين وطولكرم والخليل, ادركت بوضوح اسباب ودوافع هذا اليأس الذي يعيشه الفلسطينيون ودواعي النقمة التي يشعرون بها من جراء اعمال الاضطهاد التي تمارس بحقهم, والتي تهدف الى تدميرهم نفسيا.
   كما استمعت الى تصريحات زعماء اسرائيليين, وكلها تشير الى : ان جوانب القضية الفلسطينية تناقش في الحاضر والمستقبل من دون الالتفات الى امنيات واهداف الشعب الفلسطيني.
   ويضيف اللورد:
• عندما اعلنت غولدا مئير ان الفلسطينيين ليس لهم وجود, كانت في الحقيقة تعبر عن أمل يراود الاسرائيليين جميعاً بأن مشكلة مستقبل الفلسطينيين يمكن, بكل بساطة, تجاهلها الى ان تتلاشى هذه المشكلة من تلقاء ذاتها!!
ومن المؤكد ان الكثير من الزعماء الاسرائيليين يشاطرونها هذا الرأي. ويبدو ذلك من الحركة الاستيطانية في الخليل فيما يتفاوض المصريون مع الاسرائيليين حول الحكم الذاتي للفلسطينيين.
   هذه الامور ليست سراً, فمنذ فترة طويلة عرض ايغال يادين مشروعه بإقامة حزام من المستوطنات على طول وادي الاردن ظناً منه ان هذا الحزام يضمن لإسرائيل الامن, بينما يدعو اريل شارون الى بناء مئات المستوطنات في الاراضي الفلسطينية... في حين يذهب عيزرا وايزمان بعيداً جدأ في التحدث عن مدن اسرائيلية في الضفة الغربية...
   والمؤكد انها ليست سياسات جديدة اوجدها مناحيم بيغن, كلما فعله بيغن كان تبني اقتراحات زملائه الذين سبقوه في الحكومات المتعاقبة في اسرائيل.
- ما هي المعالم البارزة في ذكرياتك عن آخر زيارة قمت بها للارض المحتلة؟
• اجتمعت في القدس بإمرأة فلسطينية كانت تمتلك منزلاً في القسم العربي من القدس الذي احتلته القوات الاسرائيلية.
  زوجها كان مريضاً ولا مكان اخر لديها تذهب اليه والتعويضات التي عرضت عليها لم تكن كافية لشراء بيت آخر, وكانت هذه الامرأة مجبرة على الذهاب, لكنها رفضت؟ "العربي يجب ان يبقى في منطقته".
   اجتمعت مع طالب من جامعة بيت لحم كان يشعر بالنقمة من تدخل الادارة العسكرية الاسرائيلية في شؤون جامعته. واذكر انني سمعت من الطلاب قبل ذلك كيف ان الجنود الاسرائيليين جاءوا ومزقوا كل ما حوته مجلة "الحائط" الجامعية, والملصقات كلها على جدران الجامعة من دون ابداء اي سبب.
   اجتمعت بمزارع فلسطيني صودرت مئات من الدونمات  من ارضه لإعطائها للمستوطنين اليهود وكان يشعر بالخوف من احتمال قيام السلطات الاسرائيلية بالخطوة التالية وهي تحويل مصادر مياهه الى هذه الاراضي المصادرة. الامر الذي يؤدي الى القضاء على المزروعات في الارض الصغيرة التي بقيت له.
   اجتمعت باستاذ فلسطيني وكان عليه ان يسرع للاجتماع بالحاكم العسكري الفلسطيني والتوسل اليه لتمديد فترة اقامته ووظيفته كمدرس قلت له: ولكنك فلسطيني في وطنك. اجاب المدرس: نعم ولكني في جامعة اميركية ولا استطيع البقاء هنا إلا بإذن من السلطات الاسرائيلية وهي تستطيع في اي لحظة ان تحجبه عني.
   لكن الغضب الذي شعرنا به بعد سماعنا قصة هذا الفلسطيني قد تضاءل أمام ادراكنا ان مليون فلسطيني لا يملكون حق العودة الى ارضهم ابداً.
   حيثما توجهت في الضفة الغربية وشرقي الاردن. كنت اواجه بشكاوى وباحتجاجات مؤلمة وربما كان اسوأها بقاء المستوطنين الاسرائيليين في الاراضي العربية في حماية الجيش الاسرائيلي والادارة العسكرية بينما على الفلسطينيين ان يقبلوا بشيء مجهول اسمه الحكم الذاتي في ارض ورثوها عن اجدادهم.

كنت اتمنى لو....
- اليس هناك احتجاج اسرائيلي؟ ولا حتى صوت واحد يتعاطف مع الام الفلسطينيين؟
• كنت اتمنى ان يتجنب الاسرائيليون الذين هربوا من الضغط والارهاب انفسهم القيام بممارسة اساليب الارهاب نفسها على شعب  اخر بعدما اقاموا  وطنهم القومي على انقاض وطنه. كنت اتمنى بأن هؤلاء اليهود الذين عانوا من احتجاز حرياتهم. لن يحجبوا هذه الحرية عن شعب آخر, كنت اتمنى ان يدرك الاسرائيليون ان امنهم لا يمكن تحقيقه  عن طريق سياسات الهيمنة والقمع والتسلط. فهذه السياسات ستؤدي بشكل حتمي الى ميلاد جيل آخر يؤمن باراقة الدماء والتدمير, لم تراود وحشيتها مخيلة ابناء الجيل الحالي.
     ويقول بعض السياسيين المتفائلين انه يجب تغيير اهداف ومواقف السياسة الاسرائيلية وان هنالك مؤشرات على امكان تغييرها... ولكن يجب الاعتراف انني اجد نفسي مرغماً على القول ان البيانات الحكومية الاسرائيلية لا تتضمن دليلاً واحداً على هذه النية في التغيير.
   وفي الحقيقة. قال لي بعض الساسة الاسرائيليين الذين يتشوقون مثلي لترك السياسات البالية القائمة على تجاهل الحقوق الفلسطينية: ان القيادة السياسية الاسرائيلية لا تفكر حتى بإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير وبناء دولتهم المستقبلية على  الرغم من قيام السادات بزيارته للأرض المحتلة.
- ما هي انطباعاتك حول مستقبل المنطقة؟
• ان انطباعاتي الاساسية تتلخص في ان مستقبل امن جميع البلدان المعنية بما فيها اسرائيل يمكن التوصل اليه فقط بالإتفاق والمساواة والاحترام والثقة المتبادلة. ان تصور اسرائيل انها تستطيع تحقيق الامن بالسيطرة العسكرية, وبالقمع وبتشريد الفلسطينيين ضلال مطلق, فلا شيء اكثر قدرة على جلب الكوارث على اسرائيل مثل هذه الفكرة. وعلى الجميع عدم الاعتماد على القوة, لأن مثل هذه المحاولة تؤدي يقيناً الى تجدد النزاع, وبنتائج رهيبة بالنسبة الى الجميع.
      وفي قرارنا رقم 242 الصادر عن مجلس الامن, تحدثنا عن حدود آمنة ومعترف بها, فالأمن لا ينتج عن الاخضاع وانما عن الاتفاق, وهذا احد الاسباب الاساسية لأهمية حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
القدس ... بوابة السلام
 من المعروف ان القدس هي عقدة العقد في السلام العربي الاسرائيلي. فكيف ينظر الى وضع القدس في القرار 242؟
• لقد كان متداولا في الامم المتحدة قبل الاقتراح (القرار) بعدم تقسيم المدينة وبوضعها تحت سلطة دولية خصوصاً ان الاطراف المعنية تريد جعلها ساحة للاشتباكات مرة اخرى. وهذا ما يجعل الاقتراح بعدم تقسيم المدينة عملياً وممكناً.
لكن هذا الاقتراح لم يعد مقبولاً, فلا العرب يوافقون عليه ولا الاسرائيليون يقبلون به. وعلى العموم, فإننا نعتقد ان من الافضل ان يحكم العرب الجزء الشرقي من المدينة. وان يحكم الاسرائيليون الجزء الغربي, اما الاشراف الدولي, فيمكن ان يوجه الى ضمان حرية الاديان وحرية الانتقال الى الاماكن المقدسة للجميع.
   وتبعاً لذلك, يمكن تعيين مبعوث دولي لا لكي يدير المدينتين, وإنما لكي يضمن من خلال السلطات المسؤولة في كلا الجانبين حرية الانتقال وحق التوجيه للجميع الى الاماكن المقدسة, كما ان من المتفق عليه تجريد المدينة كلياً من السلاح.
الالقاب لا تكفي...
- هل ترى ان بداية فترة "تطبيع"  العلاقات بين مصر واسرائيل. قد يساعد مفاوضات الحكم الذاتي؟
• لقد فندت سابقاً آرائي حول التفكير الفلسطيني والاسرائيلي داخل اسرائيل, واضيف بأن بدء التطبيع بين اسرائيل  ومصر من دون الاقرار الاسرائيلي العلني, ولا حتى الضمني, بوجود الشعب الفلسطيني, والاستمرار في تجاهل حقوقه في بناء المستوطنات المستمر, ذلك كله يقيم الدليل على ان مصر فقدت آخر اوراقها التفاوضية في مجال الحكم الذاتي, خصوصاً في ضوء التصريحات الدائمة والمكررة للزعماء الاسرائيليين في هذا الموضوع. 
- ما هو رأيك بفوز السادات وبيغن بجائزة نوبل للسلام. ولقب امير السلام الذي تعتزم الجامعات الاميركية منحه للسادات؟
• الالقاب لا تكفي لصنع السلام...
- هل تظن ان اجتماع الرئيس كارتر الاخير بكل من بيغن والسادات سيؤدي الى "حلحلة" مفاوضات الحكم الذاتي؟
• انها مسرحية في موسم الانتخابات, واتفاقيات كامب ديفيد هي مولود ميت, ولا اظن ان اميركا في تناقضاتها وسياستها المترددة, ولا سيما في هذه الفترة بالذات تستطيع القيام بأي ضغط كان على إسرائيل خصوصاً في ضوء احتياج كارتر للأصوات اليهودية.
- ما هو السبب في تأخير المبادرة الاوروبية. وتأجيل النظر في مجلس الامن لمدة شهرين في موضوع اعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير. أي تأجيله الى ما بعد إنقضاء الفترة المحددة لإنتهاء المفاوضات المصرية الاسرائيلية حول الحكم الذاتي. وهذا على الرغم من الاتجاه الاوروبي المتزايد نحو الاعلان عملياً عن وجوب معالجة القضية عبر الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني؟
• مما لا شك فيه ان التطور الرئيسي هو ازدياد حجم الرأي العام الدولي الذي يؤيد حقوق الفلسطينيين, وهذا التطور جاء في وقت متأخر مع ان الحجج التي تدعو الى تأييد حقوق الفلسطينيين كانت واضحة منذ اكثر من عقد من الزمن.
      ولا شك ان الاستفزازات الاسرائيلية و الاخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة اسهمت في تحقيق الوعي الدولي الجديد بالقضية الفلسطينية وتشجيع هذه الاتجاهات وثمة عامل آخر كان له اثر من دون ادنى شك. وهو الاجراء المسؤول والموحد الذي اتخذه رؤساء بلديات فلسطين في وجه تدخل سلطات الاحتلال دفاعاً عن تأييدهم لمنظمة التحرير الفلسطينية. واعتراضهم الجماعي على استمرار السيطرة العسكرية الاسرائيلية.
   ان قوة التأييد لحقوق الفلسطينيين في تقرير المصير لا تقتصر على اوروبا حيث يقوم اجماع على هذا المبدأ بالاضافة الى الاجماع على وجوب تحقيق التسوية استناداً الى المبادىء التي نصّ عليها قرار 242 الصادر في 1967.
   والمهم ان الاتحاد السوفياتي لم يسحب تأييده لهذا القرار. كذلك, مصر واسرائيل  في اثناء توقيعهما معاهدة كامب ديفيد. لذلك. عندما قرر طرح موضوع الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن, فضلت اكثرية الدول لا سيما الاوروبية منها تأجيل مناقشته لمدة شهرين. شعوراً منها بأن مهلة مفاوضات الحكم الذاتي النهائية في 26 أيار (مايو) ستمر من دون تقدم يذكر وحينها تكون هذه الدول في موقف افضل لدعم الاجراء المؤيد لمنظمة التحرير الفلسطينية في المجلس.
   ان التأجيل لا يعني الرفض. كما ان الولايات المتحدة قد استخدمت حق النقض في العام 1976. ومن المؤكد انها قد تفعل ذلك ثانية إذا اعيد طرح الموضوع في خلال حملة الرئاسة الاميركية.
   لكن حجة الدول لا سيما الاوروبية الممثلة في مجلس الامن تكون اقوى بكثير بعد 26 أيار (مايو).
- إذن لا بد من بادرة دولية مستقلة جديدة؟ هل هي المبادرة الاوروبية التي اعلن عنها اللورد كارينغتون؟ ما هي مبادئها؟
• من الواضح ان المبادرة الدولية المستقلة عن الفلسطينيين والاسرائيليين, حتى يقبلها الطرفان, كما تقبلها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ستكون اوروبية غربية.
ولن تكون هذه المبادرة دعائية او مجرد بيان بالمبادىء, بل ستكون خطة اعدت بحرص وجرت مناقشتها مناقشة تامة من اجل التوصل الى سلام شامل. وقد كانت الاهداف الاساسية منذ زمن طويل مقبولة, لكن من الضروري الآن ان نعالج ليس مجرد الاهداف, بل اساليب التنفيذ والحدود والوصايا الانتقالية والمناطق المنزوعة السلاح تحت اشراف وضمان دولي. كما يجب ان تكون الخطة مفصلة وعملية ووافية.
   ان الاعداد لهذه المبادرة سيحتاج الى عدة شهور. ولا شك ان الحاجة ستدعو الى تعيين فريق دولي من المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا لضمان حصول مفاوضات بلا تأخير. وبعدئذ. ربما يعد مؤتمر للسلام للرجوع الى الامم المتحدة والاتحاد السوفياتي لتوقيع معاهدات السلام في جنيف.
- هل ستكون عضواً في هذا الفريق الدولي؟
• لن استبق الامور. لكني لا استبعد ذلك. فالمبادرة الاوروبية تستند في خطوطها العامة الى القرار 242. (انتهى)
___________________



العميد ريمون اده للمستقبل
اسرائيل ستنسحب وانا متفائل لأول مرة!
على مجلس النواب الغاء اتفاقية القاهرة ... رسمياً!

كيسنجر وضع خطة "قبرصة لبنان" وتقسيمه الى دولتين
الفلسطينيون نجحوا في خلق قضية لهم
اما منحن فقد فشلنا في طرح قضيتنا على العالم!
     (المستقبل :العدد58 في 1 نيسان 1978 كتب نبيل خوري)(مصحح)

 ... مع العميد ريمون اده, انت لست في حاجة الى اسئلة, او حتى الى ورقة وقلم.
    أنت  بحاجة فقط الى ألة تسجيل تضعها أمامه, وهو يتولى الاسئلة والاجوبة, ثم الخروج بالنتائج.
   وبعد ما حدث في لبنان. بعد الغزو الاسرائيلي. وبعد وصول القوات الدولية, عادت اذهان الناس في لبنان والعالم العربي الى ريمون اده. لقد تحقق ما قاله ويقوله منذ عام 1968. وانتصرت وجهة نظره, رغم ان هذا "الانتصار" جاء متأخراً ... وعلى  أثر مذبحة في الجنوب.
   ومع العميد أده, في شقته بفندق "البرينس دو غال" في باريس, كان هذا الحوار – عفواً ... هذا التسجيل:
قلنا للعميد:
 يكتشف الجميع الآن ان كل ما اعلنته وطالبت به سابقاً كان صحيحاً. من مطالبتك باستقدام القوات الدولية عقب الاعتداء الاسرائيلي على مطار بيروت عام 1968, الى مطالبتك بالغاء اتفاقية القاهرة, الى استمرارك في الكلام عن "المؤامرة". لذلك وبعد الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان ينتظر الجميع توقعاتك ورأيك بالنسبة للمستقبل الغامض!
- لا اعرف من أين أبدأ ... ولكن فلنبدأ بالمؤامرة التي تكلمت عنها كثيراً. الخيط الاول من المؤامرة امسكت به اثناء وجودي في باريس في شهر آب من عام 1974 عندما اخبرني مصدر مطلع بأن لبنان مقبل على احداث شبيهة بأحداث قبرص. بعد وصولي الى بيروت اجتمعت بكميل شمعون وبيار الجميل في مقر البطريركية الكاثوليكية في عين تريز, واخبرتهما بما قيل لي حول الاحداث الخطيرة التي تنتظر لبنان, وابلغتهما ان المؤامرة التي ترمي الى تقسيم لبنان هدفها توطين 400 الف فلسطيني في لبنان. منذ ذلك التاريخ بدأت اتحدث عن "قبرصة لبنان" و"فتنة لبنان" و"تقسيم لبنان", فالمؤامرة كان هذا هدفها. لأن الاربعمئة الف فلسطيني لا تريدهم اسرائيل ضمن  حدودها, ولا يريدهم الاردن. وسوريا  رغم مساحتها الواسعة لا يريدهم الواسعة  لا تريدهم, ومصر لا تريدهم ...ولا اية دولة عربية تريدهم. بالاضافة الى ان الفلسطينيين انفسهم يفضلون في هذه الحال البقاء قريبين من دولتهم السابقة والحاضرة والمستقبلة التي هي فلسطين, كي يستمروا في شن العمليات الحربية  مذكرين العالم دائماً بقضية اسمها قضية فلسطين. ان الفلسطينيين هم اللاجئون الوحيدون في التاريخ الحديث الذين استطاعوا خلق قضية لهم. اما نحن اللبنانيين ورغم ان لنا قضية, فلم نستطع حتى الآن اظهار هذه القضية للعالم. ان فلسطين اصبحت قضية, وهذا واضح في صحافة الغرب ففي كل يوم ذكر دائم "لقضية فلسطين" والفضل في ذلك يعود الى لبنان واللبنانيين الذين رحبوا بالفلسطينيين. ان الرئيس الاميركي كارتر يحتج ويطالب بحقوق الانسان في بولونيا, وكان عليه ان يتحدث عن حقوق الانسان في لبنان سواء كان الانسان لبنانياً او فلسطينياً. لقد اضاع الفلسطيني كل شيء وهو يعيش في ظروف صعبة, لذلك لا يهمه اذا خسر كل عربي وطنه. والعرب يعرفهم الفلسطيني جيداً, فهم ينسون بسرعة ويتعانقون بسرعة, ولكن العناق الذي يضمر غير ما يعلن. لقد اصبح الصدق خارج المفاهيم العربية.
 والمؤامرة يا عميد؟
- لبنان كان ضحية مؤامرة. وقد اعلنت مراراً ان هذه المؤامرة هي من وضع كيسنجر وترمي الى "قبرصة" لبنان  اكراماً لإسرائيل, وبالتالي القضاء على كل ما هو ديمقراطي وجعل لبنان دولتين. واحدة مسيحية واخرى اسلامية, والانتقال بعد ذلك الى "بلقنة" دول عربية اخرى في الشرق الاوسط. فإذا لم يضع الرئيس كارتر حداً لهذه المؤامرة, ستستمر الحوادث في لبنان وفي غير لبنان. لكن في الافق بوادر جديدة ... ربما....
 ... بوادر تضع حداً للمؤامرة؟
- اجل. يجب ان ندرك مغزى مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الى مجلس الامن بشأن الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان. كما يجب ان ندرك مغزى السرعة التي تم بها التصديق على هذا القرار. استنتاجي: هو ان الولايات المتحدة ارادت مجابهة مناحيم بيغن بالامر الواقع خلال زيارته الاخيرة لواشنطن, كما ارادت ان تعيد المحادثات الاميركية الاسرائيلية الى اطار المبادرة المصرية. وبرأيي ان الرئيس كارتر امتنع اخيراً عن مباحثة بيغن في موضوع جنوب لبنان مركزاً على آخر ما توصلت اليه محادثات السلام بين مصر واسرائيل. وبالاضافة الى هذه المبادرة هناك عامل جديد, وهو اعلان الرئيس كارتر لمناحيم بيغن بأن قرار مجلس الامن رقم 242 يشمل الضفة الغربية, برغم ان هذا التفسير الاميركي الجديد للقرار لا يوضح اذا كان الانسحاب يتم من اراض او من كل الاراضي المحتلة. ومن البوادر ايضاً ان قرار مجلس الامن الجديد رقم 425 ينص على انسحاب  اسرائيل من جميع الاراضي اللبنانية. وقد صرحت لوكالة الصحافة الفرنسية قبل التصديق على هذا القرار "بأن الانسحاب  يجب ان يكون من جميع الاراضي اللبنانية". ان ما يمكنني استنتاجه الآن هو ان تغييراً قد حصل في سياسة الرئيس كارتر تجاه ازمة الشرق الاوسط فالقرار 242 سيشمل تنفيذه كل الجبهات رغم ان التفسير – برأيي- سيبقى هو هو: أي الانسحاب من قسم من الاراضي. لكنني لا اعتقد بأن اسرائيل ستنسحب من كل الجولان, وذلك بالاتفاق مع اميركا. فأنا اتذكر ما قرأته في كتاب الرئيس كارتر الذي نشره قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة حيث قال "بأنه زار اسرائيل واعلن بعد زيارته لمنطقة الجولان بأنها منطقة استراتيجية لا يجوز ان ينسحب منها الجيش الاسرائيلي لن يتخلى عن الجولان لأسباب استراتيجية وهذا سبب من اسباب المؤامرة التي وضعها كيسنجر ضد لبنان. (انتهى)
___________________


 

آفاق عربية
اسرائيل وجنوب افريقيا ممران للسلاح الاميركي
  (مصحح)
(مجلة النهار العربي و الدولي لا تاريخ)

   بموجب المعلومات التي اوردتها مجلة "يو. س. نيوز" فإن الولايات المتحدة الاميركية قد باعت منذ عام 1950 وحتى عام 1976 سلاحا بمبلغ يزيد على 110 مليار دولار. والى جانب ذلك فإن حجم الصفقات خلال السنوات السبع الماضية قد تضاعفت بمقدار 8 مرات, هذا وان تصدير شحنات السلاح الكبيرة يقود الى خرق استقرار الاوضاع من مجموعة من دول العالم. ويسرع سباق التسلح وينقلب بالتالي الى نتائج وخيمة وصعبة بالنسبة للدول المستوردة النامية منها بصورة خاصة.
   وتقول مجلة "الازمنة الحديثة" ان الاحتكارات الاساسية للسلاح هي صاحبة المصلحة الاولى بالارباح الناجمة عن الشحنات العسكرية. هذه الارباح الهائلة الى درجة أن أي تصور اخلاقي عاجز عن ايقاف صانعي الموت. وقد حسب الاختصاصيون هذا الامر فقالوا ان ارباح هذه الاحتكارات تزيد بمعدل 50 -60 بالمئة عن الارباح في المجالات الاخرى.
   وتفسيراً لذلك قال الرئيس كارتر: "ان الطريقة المعمول بها بشكل عام في الولايات المتحدة تؤدي وظيفة تقود الى استخدام نقل السلاح لأحد اهم ادوات السياسة الخارجية".
   فما هي هذه السياسة؟
  أجاب  كارتر: "انها توسيع سيطرتنا العامة ونفوذنا على الحكومات والزعامات العسكرية التي يمتلك توجيهها السياسي بالنسبة لنا أهمية كبيرة بصدد المشكلات الكبرى أو الاقليمية.
   وتأمين التأثير والنفوذ على بعض الحكومات متفردة في مجال مشكلات محدودة وملموسة تمثل بالنسبة لنا مصلحة مشتركة".
   وتظهر اسرائيل في سوق التسليح العالمي ليس فقط على شكل مستورد وانما على شكل متاجر بالسلاح.. وقد جلب هذا للخزينة الاسرائيلية في عام1976 حوالي 400 مليون دولار, ويلي اسرائيل عنصريو جنوب افريقيا الذين اصبحوا يتجرون بالسلاح. ولكن من أين تأتي اسرائيل وجنوب افريقيا بالسلاح الذي تصدرانه؟
   ان اصحاب صناعة السلاح في واشنطن يحبذون – كما تقول صحيفة "يو.س.نيوز" الكلام عن الدفاع عن حقوق الانسان وحرية الفرد, بدون ان يمنعهم ذلك عن ان يكونوا مصدراً لوسائل قهر حقوق وحرية الانسان بالسلاح.. وهذا النوع من التصدير الاميركي عن طريق اسرائيل وجنوب افريقيا يأتي بواسطة انشاء صناعات حربية في البلدين لانتاج الاسلحة التي تحتاجها الدول العسكرية التي تواجه مقاومة من شعوبها في اسيا وافريقيا. (انتهى)
___________________



طريق الحرير تتحول الى طريق للصراع الدولي

(الجمهور 22 شباط 1979 للكاتب سليم تصار)

تنتهي قريبا زيارة الملكة اليزابيت الثانية للخليج العربي.
هذد الزيارة تشبه الى حد بعيد, زيارات السياح الذين يرجعون من  اوروبا الغربية الى أوروبا الشرقية, ليشاهدوا هناك الاثار التي تركوها قبل هجرتهم النهائية. لذلك قيل ان الحنين قد خالجها وهي تستمع الى تاريخ بريطانيا في تلك المنطقة الغنية من العالم.
 وماذا سمعت؟
سمعت أنه في عام 1924 أصبحت بريطانيا القوة التي لا تزاحم في منطقة الخليج.
 ففي سنة 1918 توقف التنافس الاوروبي في تلك المنطقة الحيوية بسبب اختفاء اللاعبين. فقد اندحر الالمان والاتراك, بينما انهمك الروس في شؤونهم الداخلية بعد الثورة البلشفية, وبينما تراجع الاميركيون والفرنسيون بعد حصولهم على بعض الامتيازات من شركات البترول.
ولكن بعد الحرب العالمية الثانية بدأت حرب تصفية النفوذ البريطاني في المنطقة, بقيادة الولايات المتحدة الاميركية, ولقد فرضت عليها تقاسم مناطق النفوذ في المرحلة الاولى, ثم طردتها في مطلع السبعينات.
أما اليوم, فإن اللاعبين في تلك البقعة اصبحوا كثرة. فالاتحاد السوفياتي يطل من جهة ... والصين تزحف ببواخرها التجارية مع اليابان عبر المحيط الهندي, بينما فرنسا تقتنص بذكاء الفرص التي اضاعتها أميركا وبريطانيا.
وتجاه هذا العجزالفاضح في وسائل التعامل, فان موسكو تبقى هي الرابح الاول من أخطاء الغرب.
بالإضافة إلى هذا, فإن الاتحاد السوفياتي وجد نفسه كقوة بحرية كبرى, مضطر إلى فتح منفذ على آسيا الوسطى والمحيط الهندي ثم القرن الافريقي. وهذا لا يتم تحقيقه إلا عن طريق التعاون مع الدول المعنية. فهذا هو منفذها الطبيعي إلى آسيا, كما ان المضائق هي منفذها الوحيد نحو البحر الأبيض المتوسط. كل هذا لكي يفقد الدردنيل أهمية الاستراتيجية, لأن الخليج بالنسبة للأتحاد السوفياتي لا يقل أهمية عن قناة السويس بالنسبة لإوروبا. وفي حدود هذه الاهمية يتطلع الصينيون أيضا الىالشرق الاوسط كنقطة التقاء طبيعية وطريق محدد المعالم.
ففي الماضي كان الصينيون والهنود والبرتغاليون واليابانيون يطلقون على مياه الخليج اسم "طريق  الحرير". لأنهم عبر هذه الطريق كانوا يطلون على أوروبا حاملين اليها الحرير والعاج والابانوس والبارود والفلفل والزنجبيل واللؤلؤ.
من خلال هذه المعطيات يتوقع المراقبون ان يكون التعاون وثيقا بين استراتيجية الدول الكبرى وبين احتياجاتها الحيوية لبترول الخليج والهدف من السيطرة على الطرق البحرية المؤدية اليه. كما يتوقعون أن تتداخل الازمة المستعصية التي وضعت العالم العربي في حالة حرب مستمرة مع اسرائيل منذ عام 1948, بحيث بصبح جزءاَ من صيغة التسويات المطروحة, وعاملا فاعلا لاستقرار إيران. ومن الطبيعي أن يؤدي التنافس على الثروات, الى تأخير حل القضايا في لبنان وايران والقرن الافريقي, لان التحولات السياسية في المنطقة ستفرض حتما تغييرا في استرتيجية الدول الكبرى, خاصة في افريقيا واسيا والشر ق الوسط.
ووسط دائرة لا يزيد شعاعها على المائتي كليومتر مربع حول شط  العرب تتجمع ثروات أسطورية. ولهذا أصبح هذا العالم الصغير نقطة ساخنة بين الانقسامات الدولية والمنافسات السياسية والعنصرية والعقائدية والاقتصادية. وكما حاول البرتغاليون والهولنديون والفرنسيون والانكليز في الماضي إقامة أنظمتهم الخاصة فإن الدول الكبرى اليوم تسعى لتثبيت أقدامها في محاولة لضمان الخيرات, وتوفير المال عن طريق بيع الاسلحة واثارة الحروب الاقليمية. (انتهى)
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬___________________



 
سبحة بريزنسكي وأزمة الشرق الاوسط

 القاعدة السرية الأمريكية العسكرية التي أعدت فيها عملية

بقلم سليم نصار
الجمهور 29 اذار 1979

   اذا كانت الدول تقاس بمسؤولياتها فإن للسعودية مسؤولية متعددة الجوانب, يفرضها عليها الدور القومي الذي التزمت به في وقت اصبحت – حسب الاوصاف الصحافية – المحور الذي تدور حوله مشكلة الحرب والسلام في الشرق الاوسط.
فمنذ مؤتمر الخرطوم عام 1967 اتسعت حدود هذه المسؤولية بعدما طور الملك فيصل الالتزامات التي اعانت عبد الناصر على النهوض من كبوة الهزيمة بحيث شملت الدول الافريقية وما يسمى بسياج العالم العربي.
   وفي حرب 1973 اعترف المراقبون بأن الرباط الاستراتيجي الذي وضعته دولتا المواجهة يومذاك مصر وسوريا مع السعودية, كان له الاثر الاقتصادي والسياسي وكل ما نتج بعد ذلك من خلل في الوضع العالمي بسبب خظر النفط. وهكذا اكتشفت دول المواجهة ان اي انتصار عسكري يجب ان يتحقق بواسطة الدعم المعنوي والمادي والاقتصادي وحتى العسكري من قبل دول "الدائرة الثانية" وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج.
   وفي مؤتمر بغداد اثبتت السعودية  انها تقف في وسط العالم العربي بعيداً عن كل المحاور والصراعات. ذلك انها كانت تطالب بالاتفاق على حد ادنى من وحدة الصف وتصفية الخلافات الجانبية, والقفز فوق الصعوبات على امل التغلب على اسلوب التشنج واللجوء الى الحوار الهادىء في وقت ارتفعت فيه الاصوات والضجة وانخفضت الرزانة والحكمة.
   وفي ضوء هذه السياسة تجري حالياً اتصالات بين دول الخليج بقصد تصفية الخالفات الثنائية وضرورة العمل بسرعة على انهاء المشاكل العالقة, على اعتبار ان القضية الكبرى تحتاجالى كل جهد مشترك وكل قوة منسقة وبما ان السياسة الخارجية لهذه البلدان تتلازم مع اقتصاد المنطقة العربية وامنها... وبما ان الهموم واحدة والتطلعاتواحدة, فقد ارتأت السعودية والكويت تأمين وحدة الكلمة كعامل مبدئي لضمان وحدة الطريق ووحدة الهدف. كل ذلك لتوفير مناخ سياسي يمنع احداث اي خلل في العلاقات والتنسيق والتضامن.. كما يمنع بالتالي ظهور تطورات مفاجئة كالتي تتخيلها الصحف الغربية بقصد الترهيب والترغيب, ضمن الحملات الهادفة التي اثبتت ان العالم العربي عاجز فعلاً عن استيعاب الظروف والمشاعر والقوانين التي تتحكم بالعقل الشرقي وتملي عليه تصرفاته وردود فعله.
   حدث قبل مجيء هنري كيسنجر الى المنطقة  للقيام بدور الوسيط والمفاوض, ان اجتمع بعدد من المستشرقين وطلب منهم توجيهه بحيث لا يخطىء في طريقة التعامل. وقيل لها يومها ان المساومة هي شرط للوصول الى نتيجة مرضية لان العربي يجب "المفاصلة" و "المساومة" في التعامل التجاري. وهو يتعام في السياسة كالتجارة.
   وحفظ كيسنجر الامثولة, فكان "يشارع و "يفاصل" و "يجادل" و "يساوم" ويقايض, ويقبل الرجال في الحل والترحال.
   وعندما قرر بريزنسكي خلفه في مجلس الامن القومي, الانتقال الى المنطقة درس بعض العادات واستشار بعض اصدقائه من اساتذة الجامعة.
   وتمنى عليه احدهم ان يكون صبوراً وبقد الساعات والايام لان قضية الشرق الاوسط بالغة التعقيد. لذلك شوهد بريزنسكي في رحلته الاخيرة وهو يحمل السبحة.
   والسبحة بالانكليزية تسمى "حبات القلق".
ويظهر ان مستشار الرئيس كارتر بدأ يعد حبات القلق في سبحة طويلة... طويلة, طول المسافات التي قطعها مع زميله كيسنجر. ولكنه ادرك بعدما زار المنطقة ان الذي يحمل السبحة لا يمكن ان يتمتع بمزاج شرقي.. كما ان من "يساوم" لا يمكن ان يحصل دائماً على افضل الاسعار!. (انتهى)
___________________


 

اوساط اميركية:
سياسة واشنطن عرجاء... وكان يجب ألا تقطع العلاقة مع الفلسطينيين

الجمهور 5 نيسان 1979 ص18 -

   تذمر سفير الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة اندريه يونغ, مؤخراً من ان الولايات المتحدة لم تنشىء حتى الان علاقات فعالة مع الشعب الفلسطيني. وما قاله يونغ هو تعبير علني عن مشاعره ومشاعر العديد من الاميركيين والدبلوماسيين الذين لا يجدون الشجاعة الكافية للتعبير عن ارائهم في المجالس العامة.
   وقال يونغ ان لمنظمة التحرير الفلسطينية نفوذاً كبيراً في اجزاء مختلفة من العالم العربي. واضاف ان الولايات المتحدة لم تنشىء علاقات رسمية مع المنظمة الفلسطينية بسبب الضغوط المكثفة التي تمارسها اسرائيل على واشنطن.
   وقد شرح احد الناطقين بلسان وزراء الخارجية الاميركية موقف الحكومة من الجماعات غير الحكومية, كمنظمة التحرير الفلسطينية, بقوله ان السياسة الاميركية تجاه هذه المنظمات يقررها مبدأ الاخذ بكل قضية على حدة. وعلى العموم تتحاشى الولايات المتحدة عقد اجتماعات رسمية مع جماعة تكن العداء لدولة صديقة.
   ولهذا السبب, اضاف الناطق, امتنعت الولايات المتحدة عن الاجتماع بممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية كما امتنعت من قبل اجراء اي اتصال مع الجماعات التي كانت مناوئة لشاه ايران قبل سقوطه.
   وتابع الناطق قوله ان الدبلوماسيين الاميركيين في الجزائر مزودون بتعليمات بعدم عقد اجتماعات رسمية مع ممثلين عن بوليساريو وهي المنظمة المناوئة للحكم القائم في المغرب بسبب الحرب القائمة بينها حول قضية الصحراء الغربية.
   غير ان هذه الحجج تبدو واهية كما يقول المحللون السياسيون, عندما يقارنها المرء بالوقائع المعروفة. فالدبلوماسيون الاميركيون قابلوا في الماضي ممثلين عن منظمتي "زابو" و "زانو" اللتين تسعيان الى الاطاحة بحكم الاقلية البيضاء في روديسيا. فاذا كانت حكومة كارتر ترفض اتخاذ مواقف من شأنها ان تعطي الصفة الرسمية والشرعية للمنظمات الفدائية عن طريق الاتصال بها, فكيف تفسر اذا اتصالاتها الرسمية بالمنظمتين الافريقيتين الثوريتين.
   هذه التعددية السياسية هي التي قادت الولايات المتحدة عبر اتصالاتها بحكومات معترف بها وبجماعات مختارة من الثوار, الى اقحام نفسها في اخطاء لا تزال تجر عليها الويلات والانتقادات من كل صوب وحدب. ولو ان الولايات المتحدة اتبعت سياسة روتينية في التعامل مع جميع الفئات دون استثناء, لكانت وفرت على نفسها اشكالات عديدة ولما وجدت أية صعوبة في عقد اجتماعات رسمية مع منظمة التحرير الفلسطينية او منظمة بوليساريو.
   لقد فوجئت واشنطن باحداث ايران لانها كانت لا تعرف سوى القليل والقليل جداً عن اشخاص امثال اية الله الخميني ومنظمات امثال الجبهة الوطنية.
   هذه السياسة الاميركية العرجاء تدفع الى القول انه ليس من الحكمة في ان تقطع الولايات المتحدة نفسها عن منظمة التحرير الفلسطينية وهي التي تشكل قوة كبيرة لا يستهان بها في معظم الدول العربية. وانه لمن السخافة الادعاء بأن منظمة بهذا الثقل والحجم لا مكان لها في المحادثات الجارية لتجديد مصير الشعب الذي تمثله.
   لقد حان الوقت, كما تقول الاوساط السياسية الاميركية, لكي تلم الولايات المتحدة بكل شيء يتعلق بالحركة الفلسطينية وبالفدائيين في الصحراء الغربية والمنشقين الايرانيين, وفي الواقع, بكل الحركات السياسية التي تؤثر تأثيراً مباشراً على السياسة الاميركية في اجزاء حساسة من العالم.
   لقد كانت هناك بعض اعمال فدائية غير مسؤولة ولكن الا تتعامل الولايات المتحدة مع حكومات غالباً ما تكون اعمالها متضاربة مع المصالح والسياسات الاميركية؟
   ان التعامل مع اشخاص يمثلون حكومات او منظمات لا يعتبر في العرف السياسي دعماً او دليل صداقة كأنه لا يعني الموافقة على سلوكهم. بل هو مجرد شكل من اشكال الدبلوماسية الوقائية.
   لقد اعلن الرئيس كارتر ان بلاده على استعداد للتفاوض مع منظمة التحرير فوراً اذا هي اعترفت بقرار مجلس الامن رقم 242 مع تحفظات.
   وقال كارتر انه حث الملك حسين والزعماء السعوديين على تشجيع الفلسطينيين على الدخول في عملية السلام.
   غير ان القضية ليست قضية تصريحات بل هي بالاحرى حقوق شرعية يجب الاعتراف بها ومتى بلغ الرئيس كارتر هذه المرحلة يمكن القول ان ازمة الشرق الاوسط قد بلغت هي الاخرى مرحلتها النهائية.(انتهى)
___________________



الإبتزاز يصبح القاعدة الرئيسية في سياسة أميركا الخارجية

(الجمهور في :3-5-1979 سليم نصار)

   كلمة "ابتزاز" Black Mail  في القاموس الاميركي لها تاريخ طويل بحيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من التاريخ السياسي والديبلوماسي للإدارة الرسمية.
   ولقد استعملت هذه الكلمة من قبل رجال الأمن بعد مرحلة "التشهير" التي عرفت بها العشرينات والثلاثينات عندما قويت شركة "المافيا" في المدن الكبرى, وحاول العراب "أل كبوني" أن يجعل من نفسه حاكما خفيا موازيا في السلطة والتخويف, لرئيس الجمهورية.
    وبما أن مبدأ الابتزاز يتعلق بنواحي عديدة في الحياة, فقد اقتصرت عمليات "المافيا" على الجزء المادي منها, أي أن "أل كبوني" كان يدرس اهتمامات ضحيته ويتلمس مكامن ضعفها, فيعمد الى شن حملات نفسية ضدها بحيث يجبرها على إعطاء قسم من الارباح لمنظمته. وبهذا الاسلوب يتحول الى شريك أساسي دون أن يساهم في التمويل.
   ومن الاساليب المؤذية التي مورست في هذا النطاق, ضد الذين يرفضون التجاوب مع هذه العصابات, كانت اساليب الابتزاز. أي خطف الاولاد.. أو مراقبة الحياة الخاصة لصاحب الملهى أو المطعم أو صالة السينما, ثم عرضها عليه كأداة تهويل. فإذا قبل بشروطهم وأذعن لها , قاسموه المغانم والمكاسب. وإذا رفض, فإن "صحفهم الصفراء" تبدأ في حملات التشهير الاجتماعي والابتزاز النفسي. أما الخطوة الأخيرة فتنتهي عادة بالقتل. قتل صديق أو عزيز.. أو طفل أو زوجة !
   والمعروف أن المجتمع الاميركي قد وقف بشدة ضد عصابات الارهاب هذه, وطالب بطرد الجالية "السيسيلية" التي نقلت معها الى العالم الجديد هذه التقاليد والاساليب التي بلغت حدا من  العنف كان يمنع رجال الدولة أو رجال الصحافة من إعلان حقائقها وكشف ظروفها وفضح طرقها. وبعد موت العراب بعدة سنوات, ظهر كتاب عن هذه العصابات في مطلع الخمسينات, قام بجمع معلوماته صحافيان. ولقد أغتيل أحدهما, وهرب الاخر خارج البلاد. ثم ظهر كتاب "العراب" لأن مؤلفه له صلة وثيقة "بالمافيا" التي تضاءل نفوذها كثيرا بعدما أدخل "ادغار هوفر", مؤسس ومدير الـ "أف بي أي" عناصر من جماعته في صفوفها, قامت بنسف تنظيماتها المعروفة بتنظيمات الخلايا. أي نظام السرية والاستقلالية ضمن الشبكة الكبرى التي يجهلها الصغار.. ويختفي وراءها الكبار!
   وبدلا من ان يعمد "هوفر" إلى ضرب اساليب "المافيا" والغاء ممارستها داخل المجتمع الاميركي.. فقد تبنى بعض طرقها وأدخلها ضمن نظام العمل السياسي لمكتب المخابرات الفدرالي.
   ويقال أن الرئيس جونسون هو الذي شجعه على توظيف الابتزاز ضد خصومه الحزبيين, أولا .. وضد كل القوى المناوئة, ثانيا وفي الكتاب الذي ظهر عن جونسون, يشير المؤلف الى ان احب الساعات الى الرئيس كانت تلك التي يراجع فيها تقارير "هوفر" المليئة بالفضائح الاخلاقية والقصص الشخصية. ولقد استغل "هوفر" هذا الضعف عند الرئيس, فكان يزود مكتبه بالكثير الكثير منها, ويوظف هذا النشاط الإستثنائي لزيادة الميزانية الخاصة بمكتبه. وعندما ظهرت بعض التحقيقات الصحافية والتلفزيونية, أشار الجميع الى الدور الذي كان يضطلع به "هوفر" عن طريق استخدام اساليب التشهير والعنف. وفي المسلسل الشهير الذي يراه الجمهور الاميركي والاوروبي على شبكات التلفزيون هذه الايام, اتهام صريح لهوفر بأنه يقف وراء عملية اغتيال مارتن لوثر كينغ... وبعض كبار الشخصيات السياسية.
    وعندما دشن رالف نادر, صاحب ثورة المستهلك في الولايات المتحدة, نشاطه باتهام شركة "ج.م" بأنها تصنع سيارات بعيدة عن السلامة المطلوبة, واضطرها لسحب موديل "كورفير " من الاسواق.. قررت الشركة ان تسيء  الى سمعته وتثأر لصيتها الصناعي والتجاري, فتعاقدت مع " بوليس خاص"  لقاء مبلع ضخم من المال لكي يوافيها بكل خصوصياته: علاقاته العاطفية, وضعه المالي,, كم مرة دخل السجن .. كم مرة اتهم بمخالفة القانون... الخ .
   وفوجىء البوليس الخاص بأن رالف نادر يعيش عيشة النساك وهو أبعد ما يكون عن حياة البذخ والترف. وأكثر من هذا فإن اسمه لم يكن مسجلا في دليل الهاتف. وهكذا اسقط في يد الشركة وربح رالف نادر الدعوى ضدها.
   نسوق هذه الحادثة لندلل على طبيعة النظام الابتزازي التي اصبحت عاملا فاعلا في الحياة السياسية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة.
   وفي الكتاب الذي تترجمه "الجمهور" – الوثيقة راء – أو سر الاعتراف – مجموعة معلومات صحيحة وضعها المؤلف "أرفينغ والاس" استنادا الى ما يعرفه عن قصة مقتل جون كندي. ولكنه وضعها في إطار قصصي مثيرة لكي يخفي الشبهات. وهو يتحدث باسهاب عن طرق الابتزاز التي تستعملها المخابرات ضد الشخصيات الحاكمة بحيث تحولها الى أداة طيعة تأتمر بأمرها.
  هذه السياسة الداخلية أصبحت جزءا من سياسة الولايات المتحدة الخارجية. لأن ادارة كارتر قد اعتمدتها اسلوبا واضحا صريحا في أزمة الشرق الأوسط, وحولتها الى وسيلة من وسائل الضغط التي توظفها في الغالب مع سائر الامم لكي تحصل منها على تنازلات سياسية أو على معاهدات اقتصادية. بكلام اخر, لقد تحولت الدولة الكبرى أميركا, الى اسلوب "المافيا" لكي تحقق ما عجزت عن تحقيقه بالاقناع والترهيب والترغيب.
    ويبدو أن عدم فهمها لذهنيات العالم الثالث هي التي تقودها الى هذه الانهيارات السياسية والتراجعات العسكرية. وكان المراقبون في الشرق الاوسط يعتقدون بأن أحداث ايران سوف تكون درسا قاسيا في تاريخ السياسة الاميركية بالنسبة لهذه المنطقة, لأن عدم فهم الإدارة في واشنطن للقدرات المحركة عند هذه الشعوب هي التي جعلتها تهمل أية الله الخميني وتتصور انه لا يستطيع تدمير عرش الطاووس. تماما كما أهملت برطانيا في الماضي. المهاتما غاندي وراحت تتحدث عنه كظاهرة خارج الزمان والمكان. فإذا به يتحول الى ثورة عارمة سجلت بداية الهزائم في الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
   وكما كشفت إدارة كارتر عن نوع الذهنية التي تتحكم بسياسة البيت الأبيض, فقد كشفت أيضا عن الوسائل التي تستخدم حرية الاعلام تغطية لخدمة "الامبراطورية الاميركية" ان كان في الولايات المتحدة أم في بريطانيا أم في فرنسا أم في المانيا الغربية. فقد اكتشف المراسلون والمعلقون فجأة أن الملك حسين قد أرخى لحيته.. وأن هناك سيارات فارهة في السعودية.. وأن دمشق لا تحب نظام أنور السادات.. وأن بغداد هي عاصمة العراق! كل هذه البديهيات من الحقائق رصعت كعقد منتظم وراحت الادارة الاميركية تبثها وتوزعها وتنشرها كوسيلة من وسائل الضغط والترهيب لعل هذه الوسيلة تأتي بالنتيجة المرجوة في تأييد مبادرة السادات, على اعتبار أن الذي لا يؤيد المبادرة سيتعرض لمزيد من هذه الادعاءات والافتراءات. تماما كما كانت تفعل "المافيا" مع أصحاب المطاعم والفنادق.. تماما كما فعل هوفر مع أكثر خصومه.. تماما كما فعل جونسون مع معارضيه!
   مرة أخرى نقول , ان الشرق شرق والغرب غرب.. والعقليتان لا تتفاهمان.
  فقد حدث في مطلع الخمسينات أن وضع فوستر داللس سياسة اميركا الخارجية تحت هذا الشعار: من ليس معنا... فهو ضدنا, وفي اقل من عشر سنوات كان كل العالم ضده. لأن خروتشيف وقف ليؤكد أن سياسة الاتحاد السوفياتي تنطلق من عكس هذه النظرية تماما, أي "من ليس ضدنا فهو معنا".
وبما ان بلدان العالم الثالث لا تستطيع أن تكون مع اميركا ولا ضد روسيا, فقد كانت سلبية الاول تدفع جميع الدول المستقلة حديثا الى الوقوف موقف عدم الانحياز او ما سمي فيما بعد بالحياد الايجابي.
   مرة ثانية يطرح كارتر النظرية التي طرحها فوستر داللس. ويقول المراقبون انه سيترك حتما البيت الابيض, وقد زاد من أعداء اميركا في افريقيا والشرق الاوسط, لان كرامات البلدان الصغرى لا تسمح بهذا الاغتصاب النفسي او الابتزاز السياسي. وعلى سبيل التذكير لا بد من استعراض الاسباب التي دفعت الرئيس عبد الناصر لعقد صفقة الاسلحة مع الكتلة الشرقية, وكانت تلك الصفقة هي بداية التحول في المنطقة كلها.
لقد كان عبد الناصر بحاجة الى اسلحة متطورة وكلف بعض وكلاء الاسلحة, وبينهم لبناني, في شراء الاجهزة والاليات من اميركا. بعدما اتفق على الانواع والاسعار بقي العرض نائما في ادراج "البانتغون" مدة طويلة. وعندما سأل الوكيل اللبناني عن السبب قال له احد المسؤولين بأن هذا القرار يدخل ضمن المسؤولية السياسية. فناظر الخارجية هو الذي يقرر. وجرى الاتصال مع الخارجية الاميركية فجاء الجواب بالنفي. ولما اُبلغت القاهرة بالامر كان جوابها التالي: "إذا كانت اميركا لا تريد تزويدنا بالسلاح فنحن أحرار في أن نشتريه من أي جهة!" .
وحمل الوكيل اللبناني الجواب حرفيا الى وكيل الخارجية الاميركية وعندما سمع رد القاهرة استوى واقفا وراء الطاولة وراح يهز سبابته محذرا : "ليجرؤ عبد الناصر على هذا العمل... ليجرؤ عبد الناصر!"
   وبعد اقل من شهر وقف عبد الناصر ليعلن عن صفقة الاسلحة من الكتلة الشرقية. وجن جنون البيت الابيض, وجاء وكيل الخارجية لمقابلة عبد الناصر. ورفض مقابلته والاصغاء الى المبررات التي سيقدمها, ثم قابله بناء على طلب السفير الاميركي, وبعدما "نقعه" أكثر من ست ساعات في غرفة الانتظار, استقبله وقال له: لو انك رددت الكلام الذي قلته للوسيط لقذفت بك من النافذة!
   وفي لقائه مع الجماهير أعلن عبد الناصر كل ما جرى له مع المبعوث الاميركي الذي اعترف بأن الخارجية قد أخطأت في التقدير لاعتقادها بأن مصر لن تشتري السلاح من الكتلة الشرقية!
   ويستدل من السياسة الخرقاء التي يمارسها كارتر في افريقيا والشرق الاوسط, انه سيأتي يوم يقذف فيه الوجود الاميركي من شبابيك السرايات والوزارات, لأنه جعل بقاءه السياسي والاقتصادي رهنا باسرائيل. كما جعل من سلاحها الخاص شرطا لأي تعاون أو تفاهم, كأن بريزنسكي قد زاد على عبارة فوستر داللس عبارة جديدة تقول: من ليس معنا فهو ضدنا.. ومن ليس معنا ومع اسرائيل فهو ضدنا أيضا. تماما كالاعرابي الذي اشترط بيع الجمل والهر معا!
   كان احد المعلقين في اوروبا قد انتقد السياسة الاعلامية الاميركية الموجهة ضد الدول العربية التي التزمت بمقررات بغداد, وقال بأن النتائج ستكون وخيمة حتما على الولايات المتحدة, خاصة لم ولن تحقق أي هدف من أهدافها السياسية. لذلك وصفها بسلاح "البومرنغ" وهو سلاح بدائي كان يستعمله الاوستراليون القدامى في صيد الحيوانات, وهو عبارة عن قطعة خشبية صلبة محددة ملتوية قليلا, بحيث ان الصياد يقذفها ضد الطريدة فإذا اصابتها قتلتها أو جرحتها, وإذا لم تصبها فإنها ترتد بشكل نصف دائرة لتعود الى صاحبها.
ويؤكد المعلق بأن هذه الوسيلة قد وصلت الى اخر حدودها دون أن تنتج ردود الفعل المطلوبة. فلا الدول العربية لانت... ولا الإدعاءات التي تلفقها الصحافة ووسائل الاعلام الغربي قد تحققت. (انتهى)

____________________________



العالم على ابواب ازمة بترولية اسوأ من ازمة عام 1973
الذهب الأسود يهز البيت الأبيض
• شبح الكساد الاقتصادي يخيم على الولايات المتحدة والعالم
• أزمة البترول تدخل اللعبة الدولية الكبرى...

العملية الأمريكية الفاشلة 

(الجمهور:24-5-1979 بقلم إدغارج. خوري)
   "لقد عدنا الى مناخات 1973 ... وما حدث لأوروبا واليابان سيحدث لنا قريبا".
   بهذه العبارة خاطب الرئيس كارتر المسؤولين عن الطاقة في الولايات المتحدة. وهو بهذه العبارة, أراد ان يضع العبء الاكبر على الدول المصدرة وخاصة الدول العربية, التي يتهمها بأنها كانت تقف مباشرة وراء عملية رفع الاسعار في "الاوبيك". ويقول المراقبون ان الشعب في اميركا يعيش فعلاً حالة غير مألوفة من الذعر "بانيك" النفطي. فقد وضعته تصاريح الرئيس كارتر  ووزير الطاقة جيمس شليسنجر وأصحاب الشركات النفطية, تحت تأثير هاجس معين خلاصته ان هبوط المخزون العالمي في تصاعد مستمر, وان الناس في الولايات المتحدة, سيعودون قريباً الى عصر "الوسترن". أي الى عصر الخيول في التنقلات ... والى عصر "بابور الكاز" في الخدمات المنزلية... والى عصر الحمالين والشيالين في المرافىء الكبرى!
   هذا هو الوجه الاقتصادي للازمة, وانما هناك قطعاً وجه سياسي برز فجأة على مسرح الاحداث, كأنما افتعله كارتر افتعالاً. فما هو هذا الوجه السياسي وما هي ابعاده؟

 جريح من القوة المغيرة إلى تكساس

 في التحليل النهائي تقف عدة افتراضات واعتبارات من بينها:
   أولا – ان الرئيس كارتر يريد تجديد ولايته, لذلك فهو يخترع هذه القصة ويضخم تأثيرها ومؤثراتها, لكي يطلع في نهاية الامر وكأنه هو المنقذ. كما وأنه في الوقت ذاته يشغل خصومه السياسيين عن مقاومته على الصعيد السياسي, ويحول معركتهم ضده.
   ثانيا – هناك احتمال دولي يقول بأن الولايات المتحدة منزعجة فعلاً من موقف اوروبا بالنسبة للتسوية الجزئية بين مصر واسرائيل. وبما ان الدول الاوروبية تؤيد التسوبة الشاملة من خلال القرار 242, فإن  افتعاله أزمة نفطية, من شأنها ان تخيف الشعوب الاوروبية التي عرفت النتائج عام 1973, وبذلك تضمن وقوفها الى جانبها – أي الوقوف السياسي – وتضعف حلقات الربط بين دول السوق الاوروبية والدول العربية المصدرة للنفط.
ثالثاً – يرى بعض المراقبين ان الازمة الداخلية التي يفتعلها كارتر هي من نوع الابتزاز السياسي للوصول الى مقررات عسكرية خطيرة كالتي يهدد بها. أي احتلال آبار النفط, على اعتبار "ان النفط أصبح كالماء مادة حيوية لا يجوز احتكارها من قبل الدول المصدرة", ولكن كارتر يعرف جيداً بأن مثل هذا القرار محفوف بالمخاطر, لأن البترول هو المادة الوحيدة التي لا يمكن حمايتها عسكرياً, ذلك ان النفط ليس البئر فقط. وأنما هو الطريق أيضاً. وبما ان المضائق صعبة, فإن اميركا مضطرة أخر الامر للخضوع الى الواقع الجغرافي الذي يتحكم بهذه المادة الحيوية.
    ومهما تكن الاسباب والنتائج, فإن أزمة النفط ستكون أزمة الثمانينات. لهذا وضعتها "الجمهور" في هذا الاطار الاخباري لكي يعرف القراء الى أين ستتجه هذه الازمة! (انتهى)

طائرة هيركليس التهمتها النيران بعد اصطدامها بطائرة هليكوبتر 

___________________


رسالة خاصة من واشنطن
سياسة الخطوة خطوة أدت مهمتها في الشرق الأوسط!

• حل النزاع لا يبدأ من سيناء بل من ... مخيمات الفلسطينيين
• واشنطن: آن الأوان لإتباع سياسة أميركية أخرى لتحقيق السلام الشامل
المصدر (الجمهور 14 حزيران 1979) (مصحح)

    التطورات المتلاحقة والمصيرية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ التوقيع على اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية, دفعت بالاوساط السياسية في واشنطن الى المطالبة بإدخال عقلية جديدة على الاستراتيجية الاميركية في مجال تصوراتها لحل أزمة الشرق الأوسط.
   وفي رأي تلك الاوساط أنه مهما تجاهلت اسرائيل وجود منظمة التحرير الفلسطينية فإن الوقائع والاوضاع الراهنة في المنطقة تبرهنان عكس ذلك لا بل تلزمان الدول المعنية بالأمر بتخطيط سياسة جديدة هي أقرب إلى فكرة الانفتاح على منظمة التحرير الفلسطينية منها الى التباعد والجفاء.
   إن سياسة الخطوة خطوة, كما قال أحد المحللين السياسيين الاميركيين, أدت مهمتها في الشرق الاوسط ويجب الان اتباع سياسة اخرى نحو تحقيق سلام شامل في المنطقة يشمل قبل كل شيء الفلسطينيين واسرائيل بحدود آمنة وأيضاً دولة فلسطينية مستقلة.
   وقال المحلل ان على اليهود والعرب ان يتعاونوا معاً ضمن شعور بالانسانية المتبادلة والحقوق المشروعة.
   وأضاف انه عندما يفترض شعب ما أن الشعب المتاخم له هو أقل انسانية منه, ولهذا السبب فأنه لا يحتاج الى حقوق أقليمية ولا يحتاج الى وطن أو الى حرية أو حتى الى اعتبار, فإن الامر سينتهي الى مزيد من الضغينة والارهاب. وهذا بالضبط ما يعمل على أساسه بعض الزعماء في إسرائيل إزاء الدول العربية وبنوع أخص, الشعب الفلسطيني.
   ويتفق رأي بعض المسؤولين الاميركيين في إدارة الرئيس كارتر مع ذلك الرأي وهم يرون أن شعباً مثل الشعب اليهودي الذي قاسى الاضطهاد والعذاب كان عليه أن يشعر بالمآسي التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني ويعمل بدوره على فهم قضيته من الوجهة الانسانية والحقوقية اكثر منها من الناحية العسكرية.
   ويضيف هؤلاء المسؤولون ان استناد بيغن على المعنى الديني "للسامرية واليهودية" أي الضفة الغربية وقطاع غزة لتحقيق أحلام إسرائيل هو تصور خاطئ من أساسه. لأنه إذا عاد المرء الى تلك الحقبة من الزمن عندما كان اليهود يقطنون هاتين المنطقتين, فمن الواجب إذا من الناحيتين الحقوقية والدينية, إعادة حيفا وتل أبيب ويافا الى العرب لأن هذه المدن كانت ضمن الدولة الفلسطينية لمئات السنين.
   وأكد المسؤولون الاميركيون أن من واجب العرب أيضاً أن يتخلوا عن أعمال العنف لأنها, كما قالوا, تعطي اسرائيل الذريعة للإدعاء "كيف بامكاننا العيش مع هؤلاء الارهابيين؟" ومقابل ذلك حث المسؤولون إسرائيل على التخلي عن مضايقة العرب في الضفة الغربية وقطاع غزه وملاحقة الفلسطينيين ومنع السكان من حصد غلالهم.
   وعلى الرغم من ان الفكرة السائدة في واشنطن هي انه لا يمكن لأي تسوية أن تتحقق في الشرق الاوسط دون موافقة اسرائيل, فإن البعض يتساءل وكيف يمكن تحقيق سلم عادل وشامل دون حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً بعيداً عن التعنتات الاسرائيلية الدينية والعنصرية. وترى هذه الفئة ان من واجب الولايات المتحدة ادخال تغييرات جذرية على تصوراتها لحل أزمة الشرق الأوسط وذلك عن طريق إدخال منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام كفريق فعال وأساسي.
   لقد حان الوقت لفتح حوار شامل بين جميع الاطراف المعنية في نزاع الشرق الاوسط وما لم تدرك الولايات المتحدة ان القضية لا يمكن ان تحل إلا عبر الحوار الهادئ مع منظمة التحرير الفلسطينية, فإن جميع عمليات السلام الجزئية والثنائية مهدده بالفشل والخيبة. ومن جهة أخرى, في حين ان المستوطنات الاسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية تجعل  مفاوضات السلام في الشرق الاوسط أكثر صعوبة فإن المسؤولين الاميركيين يحاولون على ما يبدو, العمل على التصدي للمشاكل الكامنة وراء المستوطنات.
   وجاء في شهادة أدلى بها هارولد ساوندرز مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى وجنوب آسيا, ان من المهم ان تركز الولايات المتحدة التفكير على القضايا الاساسية المتعلقة بهذه المستوطنات.
   وأضاف أن هذه القضايا هي: من يملك السيطرة على الاراضي العامة وانتقالها؟ ومن لديه سلطة مصادرة الاراضي؟
   وكان ساوندرز قد صرح في شهادة سابقة ان الحكومة الاميركية تعتبر المستوطنات الاسرائيلية غير قانونية وان مثل هذه المستوطنات تضر بالمفاوضات المقبلة.
   وتابع ساوندرز كلامه فقال أن تجميد العمل بالمستوطنات قد لا يكون الانجاز الوحيد الذي يمكن أن يستميل الاردن وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية لإعادة تقييم موقفهم من عملية المفاوضات في الشرق الاوسط, ولكنه على الاقل يشكل عاملا ايجابياً في تقريب وجهات النظر.
   ومما لا شك فيه ان محادثات الشرق الأوسط تمثل فرصة تاريخية لمعالجة القضايا التي تهم الفلسطينيين ولكن هذه الفرصة تفقد كثيراً من زخمها اذا هي تجاهلت الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة وذات سيادة.
   لقد أدخلت معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية معادلة جديدة في المنطقة قابلتها معادلة أخرى تمثلت بالموقف العربي الرافض الذي تمخض عنه مؤتمر بغداد.
   وإذا اخذنا بعين الاعتبار الموقفين المتجابهين لوجدنا ان القضية الفلسطينية هي القضية المشتركة التي يدور حولها الخلاف الرئيسي. وعلى هذا الاساس فإن حل قضية الشرق الأوسط يجب أن يبدأ لا من سيناء بل من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وعندما تدرك الولايات المتحدة واسرائيل ان ضمان الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني هو المدخل المنطقي لعملية السلام في الشرق الاوسط, عندئذ يمكن القول ان أزمة المنطقة بدأت سيرها في طريق الحل. وهذا ما أكده النائب بول فيندلي عندما قال " يجب على الولايات المتحدة ان تتحرك بسرعة من أجل الشروع بإتصالات مباشرة مع منظمة التحرير الفلسطينية". وأضاف "وبدون حوار أميركي مع منظمة التحرير الفلسطينية, فإن الجهود نحو السلام في الشرق الأوسط قد تصل سريعاً الى مأزق". (انتهى)
___________________



الشرق الاوسط
العزيز هنري يتفقد خطته في المنطقة
ثلاثة رؤساء تبنوا سياسة كيسنجر: معالجة الداء بالداء

 لكي تظل اسرائيل خروفاً اسود أراد كيسنجر صبغ القطيع كله...
 استغرب المراقبون عدم ذكر الشرق الاوسط في حفلة عناق فيينا
بقلم ابراهيم الحلو
  (الجمهور في 28 – 6 – 1979 ص27)
منذ الفشل الذريع الذي باء به مؤتمر جنيف عام 1973 في حل النزاع العربي – الاسرائيلي أو ما يسمى "أزمة الشرق الاوسط" قالت واشنطن لموسكو: قفي أنت جانبا ودعيني اتصرف وسترين كيف أتغلب على الصعوبات واذلل العقبات وأحل الاشكال! واقتنعت موسكو بأن تترك لواشنطن "فرصة العمر" لكي تغرق في رمال الشرق الاوسط المتحركة بينما يقف الكرملين متفرجاً على البيت الابيض وهو يحرق اصابعه في محاولة إخراج الكستناء من النار!
   وصاحب فكرة ابعاد روسيا عن المسرح - مؤقتاً على الاقل – لقاء تسليمها مسرح الشرق الاقصى بكامله تجول عليه وتصول - هو ناظر الخارجية الاميركية السابق الدكتور هنري كيسينجر, هذا "العقل" اليهودي الداهية الذي طبع سياسة ثلاثة رؤساء أميركيين بشخصيته المرنة, المراوغة, السادية.
   وكيسنجر لم يكن, بالتأكيد, راغبا في اطلاق أيدي الروس في جنوب شرقي أسيا ولكنه كان يخطط – وهو سيد من خطط! – لتحريك الصين بعد فترة وضرب النفوذ السوفياتي بالنفوذ الصيني فتتحول أميركا من خصم الى حكم.
   ومنذئذ بدأت "المؤامرة الكبرى", مؤامرة يهودية نموذجية مقوماتها الرئيسية خلط الاوراق في كل مكان, وكلما ظهر أن هذه الاوراق قد ترتبت في أيدي اصحابها.
   وكيسنجر يعلن هذه الايام عن عزمه على زيارة الشرق الاوسط (مصر واسرائيل بالدرجة الاولى). فما الغاية من هذه الزيارة ان لم تكن "تفقد" سير خطته التي سلم مشعلها الى خلفه سايروس فانس عندما صارت الرئاسة الى جيمي كارتر بعد جيرالد فورد وكان لا بد من اجراء تبديلات في الادارة الاميركية مع وصول رئيس جديد.
   والذي حدث أن الادارة الجديدة سارت على خطى إدارة نيكسون وفورد اي على المخطط الذي رسمه كيسنجر, وما تزال سائرة عليه مع بعض التعديلات الطفيفة التي لا بد منها. 
   أولم يستغرب المراقبون السياسيون كيف تعقد "قمة القمم" في فيينا بين كارتر وبريجنيف لمناسبة توقيع معاهدة سالت – 2 ويتعانق الجباران وهما يتغنيان بسلام العالم وحقوق الانسان ثم لا تصدر عنهما كلمة واحدة تتعلق بأزمة الشرق الاوسط وهي الازمة التي لطالما توقع الناس ان تكون "دانتزيغ" الحرب العالمية الثالثة, أي منطلق شرارتها؟
هل يعني هذا ان موسكو قد نفضت يديها مرة والى الابد من هذه القضية تاركة أمر حلها- أو تعقيدها – للمساعي الاميركية الحميدة؟ أولاً يعني هذا أيضاً ان خطة كيسنجر ما تزال ماضية الى مستقر لها؟
   الواقع أن الحد من انتشار الاسلحة النووية وكبح جماع الصين الشعبية في جنوب شرقي اسيا, والتعاون الاقتصادي والتبادل التقني, أمور تبدو في نظر موسكو أهم بكثير من المطالبة بلعب دور الشريك في حل أزمة الشرق الاوسط كما كان الشأن أيام مؤتمر جنيف.
   سياسة كيسنجر التي ما تزال فاعلة في اميركا عرفها أحد كبار المعلقين الغربيين بقوله: انها سياسية البلبلة والفوضى المقصودة في كل منطقة من العالم تعاني من البلبلة والفوضى!
   وهذا صحيح جداً. وكأن "العزيز هنري" قد قرأ حكمة أبي نؤاس: وداوني بالتي كانت هي الداء!!
   ولكي لا نبعد عن شرقنا الاوسط التعيس ننظر في أحواله فنجد أن أزمته هي, في الاصل, أزمة بلبلة وفوضى خلقها خلق اسرائيل فيه. بلبلة وفوضى ولدت أربع حروب والكثير الكثير من الخراب والدمار والتشريد والتهجير.. ولما صار الامر الى السيد كيسنجر قال: مزيداً من البلبلة والفوضى والتخريب والتقتيل فتنحل المشكلة!
   قد تبدو هذه النظرية سابحة ضد التيار ولكن الواقع أن الذهنية اليهودية كانت دائماً هكذا: مزيداً من الويلات وتتحقق المعجزات! ألم يبنوا دولتهم, اسرائيل, على اشلاء ستة ملايين يهودي يقال ان الصهيونية العالمية رمت بهم في أشداق هتلرعن سابق تصور وتصميم لكي تجعل من جماجمهم لبنات هيكل سليمان الجديد؟
  السيد كيسنجر خطط, منذ البداية, أي غداة حرب تشرين, لإخراج مصر من الصف العربي اعتقاداً منه ان حرمان العرب من "الشقيقة الكبرى" يزيد من البلبلة والفوضى في صفوفهم. فكان الكيلو 101 ثم الرحلات المكوكية الشهيرة, ففك الارتباط الاول فالثاني في سيناء. ولم يكتف بهذا كله بل أخرج من أعماق محفوظات وزارة الخارجية ملف الدويلات الطائفية التي طالبت بها اسرائيل منذ وجدت اسرائيل.. لتكون غطاء لوجودها في منطقة فيها من الطوائف ما لا يعد ولا يحصى. ولكي لا تظل اسرائيل الخروف الاسود في القطيع الابيض – قال كيسنجر – لماذا لا نصبغ القطيع كله بالسواد؟
وهكذا كان..
   وبدأت المؤامرة في لبنان بعد "بروفه" في قبرص كانت ناجحة كل النجاح.
   ولبنان ما كان ليقع عليه الاختيار لو لم ير فيه ناظر الخارجية السابق الحلقة الاضعف في السلسلة العربية, فهو – أي لبنان – موزاييك غريب عجيب من الطوائف والطائفيات والعقائد والنزعات, والتطبيق فيه يكون سهلا بمقدار تعددية ميول أبنائه ونزعاتهم وارتباطاتهم الداخلية والخارجية.
   وتمشيا مع سياسة اشعال النار في غرفة لتمتد بعد ذلك الى البيت كله, اشعلت في لبنان ولما تزل تشتعل منذ أربع سنوات أملا في ان تمتد السنتها الى سائر غرف المنزل, وبخاصة الى تلك التي تضايق سياسة أميركا – أو مخطط كيسنجر – أو تلك التي تغص ببراميل البترول, والبترول مادة سريعة الاشتعال كما نعرف.
   وبينما لبنان يتخبط في مأساته, والدول العربية الاخرى تجهد, كل حسب طاقتها, على إطفاء الحريق, اندفعت الخطة الكيسنجرية التي تبناها كارتر وفانس لتركز كل طاقاتها على مصر فكان ما كان من تلك المبادرة المشؤومة وما اسفرت عنه من معاهدة منفردة مع اسرائيل كانت بمثابة سور منيع ارتفع بين مصر وبين سائر شقيقاتها العربيات- حتى لتبدو اليوم, في موقعها من هاته الشقيقات, اشبه باسرائيل العدو التاريخي: مقاطعة على مختلف الاصعدة وتناحر يزداد يوما فيوما.
   والقصة لم تكتمل فصولا. بل الواقع انها ما تزال في فصلها الاول أو, إذا كنا متفائلين, قلنا: الثاني.
   ذلك ان لبنان لم يقسم بعد, والدويلات الطائفية لم يعلن عن قيامها رسميا (وان كانت نواة واحدة منها ظهرت في الشريط الحدودي) والنار لم تمتد الى أقرب غرف البيت وان كان ثمة ما يشير الى أن السنتها بدأت تطول وتخرج من نوافذ "الغرفة" اللبنانية التي احترقت بالكامل او تكاد...
   إذن, ما يزال أمام خطة "العزيز هنري" شغل كثير!.
   وهذا البترول الذي لا حديث اليوم في اميركا والغرب إلا عن نقص امداداته او انقطاعه, ولا كلام الا عن توفير الطاقة وخفض الحرارة في المصانع والمساكن؟ ثم يطلعون بعد هذه الحملة الاعلامية المدروسة بنظرية تقول أن مصالح الدول الصناعية في الغرب باتت مهددة أخطر تهديد, ولا مفر لاميركا, بوصفها زعيمة الغرب الصناعي, من سل سيفها والانقضاض على "تنين البترول" لتعود برأسه الى "العالم الحر"!
   وفي تصريح أميركي أخير ان فرقة قوامها 110 آلاف رجل, مدربين تدريباً خاصاً, باتوا على استعداد للتحرك في أي لحظة والى أي مكان من العالم, وبخاصة الى منطقة الخليج البترولي, عندما تدعو الحاجة, ولدى أول بادرة تدل على أن أزمة طاقة ما تهدد المصالح الحيوية للدول الغربية الصناعية.
   والخطير أن معظم المراقبين السياسيين والدوائر الدبلوماسية في العالم لا يراودها أي شك في اعتزام الولايات المتحدة على الاقدام على هذه الخطوة الجنونية حتى ولو أدت الى احتراق منابع البترول بدل احتلالها!
كل ذلك يحدث على مسرح هذا الشرق الاوسط, في الوقت الذي يتعانق فيه الجباران في فيينا ويطلقان الوعود والعهود بمستقبل للبشرية زاهر, وسلام للعالم شامل, وحياة للناس أفضل وأكرم (انتهى)
___________________


 

(الكفاح العربي يوم الاثنين الواقع في :3-9-1979)
مصادر اوروبية صديقة و موثوقة تشير الى ان الولايات المتحدة الاميركية وضعت برنامجا دقيقا لاخضاع دول الخليج العربي الى سلسلة من "صدمات الذعر "بقصد تقليص مناعة هذه الدول و تحويلها الى رهينة مطلقة للاستراتيجيات الاميركية .و تقول العواصم انه ثبت لديها بعد تجربة طويلة و قاسية افتقار السياسة الاميركية الى الخلق فهي مجموعة من ردات الفعل التي غالبا ما تقود الى التورط عسكريا و سياسيا. (انتهى)
___________________



بين المافيا الايطالية والمافيا السياسية

الجمهور 19 تموز 1979 ص7 -

   تذكرنا الانباء كل خمس او عشر سنوات تقريباً, ان "المافيا" لا تزال تحكم الجزء الاكبر من قطاع الخدمات في الولايات المتحدة, خاصة في مدينة نيويورك.
   ولقد اعتقد الكثيرون بأن هذه العصابات لم تكن اكثر من قصص خيالية صاغها مؤلف كتاب "العراب" على اعتبار ان بلداً مثل الولايات المتحدة لا يمكن ان يفرز هذا النوع من التنظيمات المسلحة, وأن اجهزة متقدمة مثل المخابرات المركزية والاف.بي. اي. لا تستطيع ان تكتشف خلايا "المافيا" وتقضي عليها.
   ويقال في علم القانون, ان لكل مجتمع المجرم الذي يستحقه. ويبدو ان هذا النوع من الاجرام المنظم هو ما يستحقه المجتمع الاميركي الذي طرح نفسه كظاهرة صناعية متقدمة, ولكنه فشل في ان يحتوي النزاعات الاقليمية او سلوك الاقليات التي انضمت اليه دون ان ننسى مشاكلها للقادمين اليه من ايطاليا وايرلندا وبريطانيا واسبانيا ولبنان والصين, الخطوط المطلوبة في تأمين العمل وجمع الثورة.. لكنه فشل في تزويدها بمبادىء جديدة وأخلاق جديدة تغنيها عن الفراغ الذي وقعت فيه. من هنا حمل الطليان معهم اساليبهم هذه التي ظهرت في مطلع هذا القرن في هذه التجمعات التي اكتسبت احياناً لون العائلة وحينا لون الوطن الام.
   والمؤسف ان الدولة الاميركية تتحدث عن مقتل زعيم "المافيا" الاخير "غالنتيه" عام 1979 بالعقلية ذاتها التي تحدثت فيها عن "آل كبوني" في الاربعينات. اي انها وصفته بأنه اقوى زعيم عائلة بين العائلات الخمس التي تحكم تنظيمات المافيا.. والتي بدورها تتحكم بقطاعات عديدة, اقتصادية وصناعية وتجارية وسياحية ومالية.
   ولقد توقعت دوائر الامن في اميركا ان يقود هذا الحادث الى سلسلة من الجرائم والتصفيات بين هذه العائلات وهي بهذا النوع من رد الفعل, انما كانت تؤكد الشعور السائد بأن المافيا هي دولة ضمن الدولة..
  ومن يعرف هذه الحقيقة, لا يستغرب كيف ان "المافيا السياسية" تحكم الكونغرس في اميركا ايضاً... (انتهى)
___________________


الحوادث
الغرب لا يحارب بإسم الدين
بل يستغل الصليب لش حروبه!

16-11-79 الحوادث بقلم د .تيسير كوى

قرأت في عدد مجلة "الحوادث" الصادر في 26/10/1979 مقالا للسيد جلال الكشك، مراسلكم في الولايات المتحدة الأميركية، تتعلق بزيارة البابا لتلك البلاد. تعليقي على ما كتب ينقسم إلى تعليق على الشكل وتعليق على المضمون.
في تقديري أن العنوان/ السؤال على الغراف الخارجي للمجلة لم يعكس كل ما جاء في مقال السيج الكشك، وبالتالي فهو معرض للاتهام بأنه عنوان، قصدت منه الإثارة والتشويق أو الترويج للمجلة.
وفي ضوء ما يجري في العالم العربي حالياً وخاصة في لبنان، فهذا العنوان/ السؤال هو إثارة آثمة. وفي داخل العدد، في الصفحة 44. تظهر صورة شرطي أميركي، لا شك مؤمن، يقبل يد البابا راكعاً، وتكتبون مانشيتا فوق الصورة "الأمن الأميركي يقبل يده تبركا..." هذا أصبح شرطي أميركي واحد يمثل الأمن الأميركي؟ أهذا ما يسمى في هذه الأيام صحافة رصينة مسؤولة؟ ثم أنني أود أن أسأل السيد كشك عن اللغة التي تفاهم بواسطتها مع صديقيه الكافرين (على اعتبار أنه هو ناقل كفر فقط!) الإيراني والباكستاني وعن طبيعة مقالته: هل هي حوار بينه وبين شخصين، ومن هما هذان الشخصان؟ أم هل أن مقالته نقل أراء تداولها مع أصدقائه في سهرة ورأى بثاقب نظره الصحفي أن يتحف القراء بما تبادلوه من درر قبل أن تضيع في ضباب الفكر، وفي ثنايا الليالي وذكرياتها؟
هذا كله من ناحية الشكل. أما من ناحية المضمون فأنا أعتبر أن لا فرق بين ما قاله المضمون فأنا أعتبر أن لا فرق بين ما قاله صديقا جلال الكشك، وما نقله هذا الأخير عنهما، فالنتيجة واحدة وهي أن أموراً أثيرت كان من الأفضل، بل من واجب الأمانة والصدق والمسؤولية الصحفية، ألا تثار في مجلة سياسية إخبارية أسبوعية وبهذا الشكل. مقال الأستاذ كشك  هو مجموعة من الشطحات الفكرية والآراء الفجة  والأوهام التي تلبست لباس "الحقائق" والتي لا يدعمها لا علم ولا واقع تاريخي أو اجتماعي، ولعل تكاثر هذه الآراء في الآونة هو من أشد مصائب العالم الإسلامي إيلاماً، هذا العالم الذي يبدو أن المقال يتنطح لتمثير وجهة نظره والدفاع عنها. في تقديري أن ما خرب لبنان وهو في "العالم الإسلامي" كان تكاثر وتزاحم الأفكار التي من هذا النوع، أي المبنية في الأساس على أوهام وخرافات وأضاليل، وانصافا للسيد كشك ولمخبريه، لم يكن مصدر هذه الأفكار في الجيلين الماضيين إيرانيا متعصباً وباكستانيا ملحدا فقط، ولا طلاب المدارس المتوسطة، بل هناك مؤسسات سمت نفسها جامعات أفرزت عقليات من هذا النوع، وعبرت عن أفكار وآراء لا تختلف كثيراً عما قرأناه في هذه القالة:
يثول السيد كشك أنه بعث "بهذه الرسالة – غير الودية – عن زيارة البابا"... فمن قصد بالحرمان من مودته الغالية، إلى من يكتب هذا الرجل؟ ومن وما يستوحي في كتاباته؟
إن هذه المقالة مليئة بالشطحات والأحكام التي لا يسندها لعم ولا واقع ولا تاريخ. أمثلة؟ هاكم بعض ما جاء فيها: من قال أن أشرس الحروب هي التي قامت باسم الدين؟ ومن قال أن أشرس هذه الحروب أعلنت بإسم الدين؟ الحروب التي وقعت بين المسيحيين حتى في أوج ما سمي بالحروب الصليبية، والحروب التي وقعت بين المسيحيين في أوروبا نفسها وفي آسيا وأفريقيا والأميركتين كانت أشرس بكثير من كل الحروب التي خاضها المسلمون مع المسيحيين ثم إن الحروب وقطع الأعناق والمؤامرات اتي قام بها مسلمون ضد مسلمين كانت ولا تزال أشرس مما جرى بين المسلمين والمسيحيين. هل في الأمر شك؟ أطلبوا من العلماء والباحثين الجديدين، لا من مراسلي الصحف الذين هم من صف السيد كشك وصديقه مدرس الإلكترونيات، ألبوا ممن يعرف أن يعطيكم الخبر اليقين. الحروب، الصليبية منها وغير الصليبية، لا يقررها عامل واحد بل تقررها عوامل عدة وقلما يكون السبب المعلن للحرب أهمها، ابتدأت أشرس حرب في هذا القرن بسبب اغتيال أمير مسيحي في بلد مسيحي في أوروبا بيد مسيحي أوروبي شاب. هكذا قيل، راجع التاريخ يا سيد كشل، التاريخ الذي علموك إياه في المدارس الإبتدائية هذا إذا كنت قد تخرجت من واحدة منها، راجع التاريخ لتعرف خلفيات الحرب تلك.
يوحي المقال وكان الكنيسة الكاثوليكية، ممثلة الغرب المسيحي، تحاول أخذ دور القيادة في مهاجمة الشرق الإسلامي، أو أ، الكنيسة قادرة على استقطاب الغرب أو هي بالفعل في سياق استقطاب الغرب المسيحي للتهيئة لحرب ضد الشرق المسلم. الكنيسة الكاثوليكية لم تتوقف منذ نشأتها وحتى هذه الساعة عن محاولة القيادة أو استعادة دور قيادي ذاقت حلاوته في عصر من العصور الغابرة، لا ش في أن الكنيسة الكاثوليكية تنظيم عالمي ديني في الدرجة الأولى، ولكنها تحاول منذ عصور وعصور أن تستعيد صفتها السياسية التي كانت لها في فترة من الفترات. أما نتيجة المحاولات اليائة فهي أن الكنيسة لم تنج حتى الآن في قيادة أي حركة من الحركات في الغرب، ولم تتمكن من القيام بأكثر من بعض الخدمات الاجتماعية، وفي آخر الأخبار أنها لم تتمكن من جمع أكثر من مائة ألف شخص في "اليانكي ستاديوم" وفي غير "ستاديوم" في الولايات المتحدة. الجموع الأميركية التي استقبلت البابا لا تبلغ حتى نصف واحد بالمائة من الأميركيين وعندما كان البابا في إيرلندا طلب إلى الإيرلنديين أن يحاولوا العيش بسلام،  وما أن غادر إيرلندا حتى عادت الحرب إلى ما كانت عليه تماماً قبل قدومه. وفي الولايات المتحدة نفسها، وهذا ما يجدر بالسيد كشك أن يخبر صديقه الإيراني حسين بيه، أعطلت الـ "N.B.C" معلومات إحصائية تفيد أن "66 بالمائة من الكاثوليك يؤيدون استخدام وسائل منع الحمل و 63 بالمائة منهم يؤيدون حرية الطلاق و53 بالمائة يعتقدون بضرورة السماح للقس بالزواج" إلخ... أي أن أكثرية الكاثوليك الذين هللوا للبابا وفرحوا به "وعيشوه" وقبلوا أطراف جبته يعارضون تعاليم الكنيسة الكاثوليكية التي يمثلها البابا، أي البابا الذي هو "قيادة أوروبا الروحية" (لا أعرف ماذا تعني هذه الكلمة في هذا الموضع) وقد جاء إلى الولايات المتحدة يعرض بركاته وعضلاته ويطلب التفويض بالتحرك الأوروبي. عضلات حقا!! يا سيدي، الكنيسة الكاثوليكية ككل مؤسسة عالمية لها عقيدة معينة لم، لا، ولن تكف (وهذا من حقها بل من واجبها) عن محاولة إظهار فسها وكأنها هي الحل للمشاكل والمآسي والمصائب والأزمات البشرية في العالم، وككل مؤسسة عالمية لها اتباعها ومريدوها، ستحاول مؤسسات سياسية وغير سياسية وسيحاول سياسيون محترفون وهواة أن يستغلوها. إذا أمكن، ويمتطوها كما يستغلون ويمتطون الدين نفسه، وذلك للإستفادة السياسية ولتحقيق المصالح. كنيدي الذي ركع أمام البابا، هذا إذا ركع، قد يكون فعل هذا أما لإنه مؤمن وبهذا يكون قد فعل ما يفعله المسلمع المؤمن عندما يخر ساجداً إلى الأرض، فلكل دين ولكل متدين طريقته الخاصة في التعبير عن مشاعره وعقائده الدينية وإما أن يكون كنيدي قد ركع وهذا المرجح، وهو على يقين بأن أعين الكاثوليكيين الأميركيين مصوبة عليه لترى مدى احترامه للمؤسسات ولممثليها ومدى احترامه لكنيسة الكاثوليكية بشكل خاص.
أما أن نعتبر أن ما فعله كنيدي وغير كنيدي وأنه بداية حملة غربية مسيحية هجومية ضد شرق مسلم فهذا منتهى السذاجة والاجتزاء للواقع والسخف وقصور النظر. لن تحدث حروب أخرى، صليبية أو غير صليبية، ما لم تتوافر العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ذاتها التي توافرت عندما شنت أوروبا حروبها الصليبية الأولى وغير حروبها الصليبية. وإذا حدثت حروب شرقية – غربية جديدة فلن يجرؤ على تسميتها بالصليبية إلا من كان في عينه عور وفي قلبه غرض. أمراء الغرب، قادة الحروب الصليبية، كانوا يغرون جنودهم بكنوز الشرق وبجمال نسائه قبل أن يذكروا لهم الموت في سبيل المسيح والصليب. الغرب  يحارب باسم الدين أو الصليب بل يستغل الصليب إذا تيسر هذا في أي حرب من حروبه. حدث هذا في أوروبا المسيحية وفي كوريا وفي فيتنام وفي فلسطين وأفريقيا. يقال عن لسان كميل شمعون أن الأميركيين لم يردوا على نداءاته في عام 1958 لإقاذ لبنان، مع علمهم بأن حكام لبنان وقتئذ كانوا يتوسلون المسيحية ويحكمون باسم حمايتها، لم ينزل الأميركيون جنودهم على شواطئ لبنان إلا عندما حدث انقلاب عبد الكريم قاسم في العراق. لقد أنزلت أميركا إيزنهاور – المتدين – جنودها في لبنان دفاعا عن مصالحها وخوفا على هذه المصالح من نفوذ الشيوعيين وللحيلولة دون وصول هذا النفوذ إلى البحر الأبيض المتوسط.
   المسلمون يا سيد كشك، بدأوا حربا أشد فتكا في المدى الويل وأدهى مما تريد أنت وأصحابك إحياءه، أي ذكريات الحروب الصليبية. كيف؟ دعني أخبرك: البابا بولندي وبولندا يحكمها الشيوعيون والبابا حيي اليهود في أميركا التي تعادي الشيوعيين ويتحكم بمعظم شؤونها اليهود، حيي اليهود والق عليهم "الشالوم". بولندا والفاتيكان على ما أعرف لم تحاربا إسرائيل ولا إسرائيل حاربتهما فلماذا العتب؟ البابا بولندي والغربي المثقف العادي والبابا يبدو كذلك، لا يهتم بمشاكلنا كما نهتم نحن أو كما يهتم مثقفونا بالمشاكل الدولية وفي اعتقادي أن البابا مع كل الاحترام والتقدير لا يعرف الكثير عن المأساة الفلسطينية بعد. دع هذه الأمور جانباً وقل لي، هل فعل البابا أكثر مما فعل محمد أنور السادات، ألم يلق هذا الأخير وفي حمى الأزهر معقل من معاقل الإسلام، ألم يلق نفس "الشالوم" على بيغن في القدس: ألم يصافح محمد أنور السادات ووزراؤه المصريون المسلمون يد وزير الدفاع اليهودي وقت كانت طائرات هذا الأخير تصب الحمم والنار على المسلمين وإلى غير المسلمين وتدنس شرف الإسلام والعروبة وذلك بعد 400 كلم فقط وفي أرض محسوبة على الشرق المسلم؟
يا سيدي، فقدت الكنيسة الكاثوليكية الكثير الكثير منذ كانت في أوج عنفوانها وقوتها والحبر الأعظم يحاول الآن كما حاول أسلافه استعاد المفقود لكن كرامته وكرامة الكنيسة أبت عليه إلا أن يعلن إصراره على التمسك بمعتقدات الكنيسة الأساسية في خطبه في إيرلندا وفي الولايات المتحدة. الكنيسة تبحث عن دور، عن وظيفة، عن مهمة لتبرز وكأنها دولة، تريد أن تكون أكثر مما يريد العالم الغربي أن يعطيها. قدموا للبابا منبر "الهايد بارك كورنز" الدولي، أي منبر الأمم المتحدة. النتيجة: ضجة واحتفالات وعواطف ودموع الفرح واسهم نارية وولائم وصور تلفزيون ثم ماذا؟ لا شيء. جاء البابا إلى الولايات المتحدة ليأخذ البركة لا ليعطيها ولعله جاء يفاوض ويتوسط بين العالمين الغربي والشيوعي، أما الإعلام الغربي فقد صور الأمر للعالم المجمن على التلفزيون وكأن المقصود كان العكس. لا يا سيد كشك، الغربيون يستقبلون من لهم في استقباله مصلحة واضحة أو يستقبلون من يتوسمون به الاستعداد ليكون مطية هذه المصالح سواء أكان مسلما شرقيا أو مسيحيا شرقيا أو مسيحيا غربيا أو كائنا من كان.
   إن الطريفة التي طرحت فيها مسألة الحضارة الغربية وأزمتها الأخلاقية الحالية في المقال طريقة أقل ما يقال فيها أنها بدائية وانفعالية. أشير هنا إلى جلال كشك الباكستاني. يبدو لي أن هذا الإنسان لم ينظر إلا إلى ما بهره من الحضارة الغربية، نظر إلى القشور فاندفع في سبيل ما أسماه الإلحاد وكأن الغرب مسؤول عن إلحاده. هذا الإنسان لا يعرف كيف ينظر الغرب إلى التدين والإلحاد وأشك في ما إذا كان مفهومه للأخلاق ينطبق على مفهوم الغربي لهذه الأمور، في الغرب كما في الشرق، عند المسيحيين كما عند المسلمين، تدين ومتدينون والتدين يعني طقوسا (من جملة ما يعني) وتقاليد. لكل دين طقوسه ولكل دين رموزه حتى الإلحاد له طقوس ورموز!! في السلوط البشري طقوس ورموز أكثر مما فيه من أشياء أخرى، حتى اللغة نفسها هي في السياق الطويل مجموعة رموز وطقوس. تناول الخبز والنبيذ رمز واعتبارهما رمزاً لدم السيد الناصري وجسده يصب في القوس الدينية كما يصب ذهاب ما لا يقل عن مليون مسلم في السنة، ومن كل أطراف الأرض، إلى مكة المكرمة وتقبيلهم الحجر الأسود (في جملة ما يقومون به من واجبات وطقوس). الغرب لم يتخل عن إيمانه ولا عن الطقوس التي عادة ما ترافق الإيمان (الطقوس والرمووز الدينية لها وظائف اجتماعية نفسية لا مجال للخوض فيها الآن)، ولكن الغرب فصل ما بين الإيمان بالخالث وبالدين وبين المؤسسات التي تتدبر شءون الناس الدنيوية، فصل الدين عن الدولة. ولقد لجأت الدول في الغرب، كما لجأت الدول في العصور والأزمات، خصوصاً في الأزمات، إلى معتقدات الناس العامة فاستحثتها وأثارتها لخلق تيار فكري يهيء الناس لعمل معين ولكن هذا اللجوء لم يكن للدين فقط ولم يؤد دائما إلى المطلوب، ولجوء الدول إلى التعبئة النفسية أو إلى الشحن النفسي لا ينجج في جعل الناس تندفع في عمل معين ما لم تتهيأ وتتوافر شروط اجتماعية واقتصادية ونفسية معينة. إن ما يجري في الغرب في الوقت الحاضر هو تهيئة الناس لمشاكل محتملة مع الغير، عندما كانت الشيوعية الروسية أكبر عدو للغرب كان التحريض وكانت التعبئة وكان الشحن النفسي موجها ضد الشيوعية والآن يخاف الغرب من انقطاع البترول عنه أو من استيلاء الروس عليه فهو لذلك يحاول أن يعبئ الغربيين العاديين ويهيئهم لمعركة مع أصحاب البترول أو مع أصحاب البترول أو مع غيره من الطامعين في البترول إذ قد يحتاج يوماً محاربتهم وسيكون من جملة المحاربين إلى جانب الغرب مسلمون، إذا بقيت التطورات تسير في الخط الذي تسير فيه الآن.
   لا يمكن لإنسان مهما بلغ من القوة والجبروت إن يجعل من المسلم كافرا أو مسيحيا، فالمسلم مسلم بما في قلبه من إيمان وكذلك المسيحي، أما خلط الإيمان والدين بشؤون الدنيا وبالشؤون الدولية وبإدارات السياسات العالمية فهذا منتهى الغباء والجهل. يسهل على الحاكم الأميركي إقناع الأميركيين بمقاتلة المسلمين أو العرب أكثر مما يسهل عليه مقاتلة المسيحيين الأوروبيين مثلا وذلك لأسباب لا مجال للخوض فيها هنا، ولكننا رأينا في الحرب العالمية الثانية كيف قاتل المسيحيون الأميركيون المسيحيين الألمان ويغر المسيحيين اليابانيين!! إن العداء الموجه للشرق الآن ليس ضد المسلمين بل ضد القوة الغافية التي تمثلها إمكانيات الشرق، كل الشرق بمسلمين ومسيحيين. إذا كانت هناك حروب صليبية يعدها الغرب "المسيحي" للشرق "المسلم" فلقد أطلقت أول رصاصة في هذه الحرب، أطلقها محمد أنور السادات وكل المسلمين الذين يناصرونه في السر والعلانية وهم كثيرون، وقد أطلقت هذه الرصاصة باتجاه "الشرق المسلم"، الموارنة المتسيسون في لبنان وهم قلة حتى بين المسيحيين الذين أتشرف بمشاركتهم لبنان والمواطنة، ما كانوا ليجرؤا على الإعلان عما في نفوسهم وفي نفوس غيرهم من مسلمين ومسيحيين في لبنان وفي غير لبنان لو لم يأت الدعم العلني والقدوة لهم من محمد أنور السادات ومناصريه السريين، وهم كثيرون.
    لا يزال منبع مصائبنا فينا، الغرب لا يريد لنا ما يريده الشرفاء المخلصون منا لنا، هذا طبيعي، الغرب لا يريد أن يخسر ما يملك: هذا طبيعي ولكننا نحن نخسر ما لدينا بالاستهتار والجهل والغباء وبالأحكام التي لا يضبطها علم ولا تبصر ولا عقل. إن المواضيع التي أثارها جلال كشك عبر صديقيه خطيرة ومعقدة ولا يجوز بأي حال من الأحوال إن تبحث بهذه الصورة وبهده الطريقة في مجلة تعلن عن نفسها أنها أسبوعية سياسية إخبارية. آخر عامود من مقالة السيد كشك هراء، أرجو منكم رجاء حارا وأطلب إلى القراء إعادة قراءة ما جاء في هذه المقالة على الصفحة 38 ابتداء من "وتحركت الكنيسة" إلى نهاية المقال. هذا هذيان لا كلام صحفي مسؤول في عصر لم يعد يسمح لنا بالخلط والتهريج والتدجيل. إن أبلغ رد على ما يعده الغرب لنا هو الإعداد الفعلي الصامت، إعداد النفوس والزنود والعقول إعداداً يهيئها لمعركة، لا إعداداً يهيئها لتظاهرة جديدة وحفلة مهاترات وصخب. إذا قال أستاذ إيراني أن "البابا أراد إزالة أثار الخميني والإسلام من الإعلام الأميركي" فصدقوه. مسكين هذا البابا الذي كان في يوم من الأيام يستدعي الملوك والتيجان إلى حضرته فأصبح يتوجه إلى الولايات المتحدة ليعرض خدماته ويبدأ الحرب الصليبية الجديدة من ذلك المكان النائي. لا يا سيدي، الخميني سيبقى في الإعلام الأميركي طالما أنه على رأس دولة فيها من المصالح الحيوية للغرب ما فيها. حبذا لو عكفت أدمغة نيرة وأقلام حرة على تحليل ما يجري على الساحة الدولية وعلى تحليل الدور الذي تحاول الكنيسة الكاثوليكية أن تلعبه على هذه الساحة وفي هذه الأوقات العصيبة.
   مقالة السيد جلال كشك تسهم في نشر الجهل ولا تنير. (انتهى)
___________________



التحدي الإسرائيلي

الأسبوع العربي 26/11/1979 

 منذ عام مضى، أدان مؤتمر القمة العربي التاسع في بغداد اتفاقيتي كمب ديفيد، واعتبرهما جزءاً من مخطط يستهدف تمزيق  الصف العربي، ودفع الأمة العربية تدريجيا نحو القبول بحلول استسلامية مهينة وكان على المؤتمر، بعد أن تبنى هذا الموقف المبدئي، اتخاذ التدابير الكفيلة بإحباط المخطط المذكور وتصفية نتائجه، أي السير بخطوات توقف التشتت إن لم تؤد إلى الوحدة، وتمنع انجراف دول أخرى نحو كمب ديفيد، وتنهك نظام السادات بشكل يؤدي إلى سقوطه، وتعزز الصمود أمام العسكريتاريا الإسرائيلية، وتضغط على العراب الأميركي بشكل يجسد أمامه حقيقة الخطر الذي تتعرض له مصالحه بسبب وقوفه إلى جانب أعداء الأمة العربية ومباركته لمخطط استنزافها ومعاداة حقوقها المشروعة.
    ولكن اتخاذ كل هذه التدابير كان يعني بدء المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة التي خططت لكمب ديفيد، وعملت ما في وسعها لإنجاحه وجذب أطراف عربية أخرى إليه، بغية بناء المنطقة المهدأة التي لا تضمن أمن الدولة الصهيونية فحسب، ولكنها تضمن أيضاً وبشكل أساسي المصالح الأميركية الأساسية، وفي مقدمتها: استمرار تدفق النفط العربي إلى العالم الرأسمالي بشكل منتظم وبأسعار مقبولة، وإضعاف حركة التحرر الوطني العربي، وإبعاد الدول العربية الراديكالية عن الحليف السوفياتي وحرمان موسكو بالتالي من إمكان التأثير في الشرق الأوسط.
ولقد اقترحت قوى الصعود والتصدي بدء المواجهة المباشرة مع أميركا، انطلاقاً من تقييمها لحقيقة معسكر العدو، والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تعزيز العسكرية الصهيونية وتشجيع السادات على الإنسحات من الصف العربي، وقناعتها الثابتة بأن اسرائيل لا تستطيع متابعة التعنت والإصرار على احتلال الأراضي العربية والاعتداء على الدول المجاورة لولا الدعم الأميركي المطلق وغير المحدود، وأن دعم المعتدين المباشرين هو في حد ذاته عدوان سافر يضع صاحبه في معسكر الأعداء. ولكن بعض المجتمعين في بداد كان لهم  رأي آخر نابع من طبيعة علاقة أنظمتهم مع الولايات المتحدة، بل وتحالف هذه الأنظمة مع القوة الدولية الكبرى التي تغذي العدوان وتضمن استمراره. وكان إصرار قوى الصمود والتصدي على فكرة المواجهة سيؤدي إلى خلاف في الرأي ينتهي بفشل المؤتمر وانفراط وحدة الصف العربي. لهذا غيب المجتمعون صورة العدو الرئيسي، واكتفوا ببرنامج الحد الأدنى، ضمن إطار الإجماع على معارضة كمب ديفيد، كل حسب طاقته ووفق مفاهيمه.
ولسنا هنا في معرض إجراء تقويم نظري لمقررات مؤتمر بداد. ولكن بوسعنا بعد سنة من تبني برنامج.
الحد الأدنى رصد النتئج العملية لتطبيق هذا البرنامج، والتأكيد على أن التدابير المتخذة لم توقف التشتت العربي، ولم تعدل ميزان القوى الذي اختل إثر إنسحاب السادات، ولم تمنع إسرائيل من متابعة استغلال الوضع اللبناني للضغط على لبنان والفلسطينيين والعرب بشكل عام، ولم تجعل الإدارة الأميركية أكثر استعدادً لتفهم الحق العربي والتعامل مع الصراع العربي – الإسرائيلي باعتدال وموضوعية.
وبالمقابل فإن أطراف كمب ديفيد جابهت برنامج الحد الأدنى بتدابير هجومية الطابع، بدأت مع عقد المعاهدة المصرية – الإسرائيلية. ولقد أخذ الأميركيون على عاتقهم مهمة إقناع السعودية والأردن والمغرب بمزايا كمب ديفيد وإثارة الإضطرابات الطائفية في سورية. وأخذ السادات على عاتقه مهمة التشكيك بصحة الموقف العربي واستغلال المخاوف المخاوف غير المبررة من الثورة الإيرانية للتمدد نحو الخليج عبر سلطنة عمان، واختراق الموقف المغربي من خلال عرض المساعدة العسكرية على الرباط وإظهار الاستعداد الكامل للمشاركة في حرب الصحراء الغربية. وقامت إسرائيل باستثمار ورقة الجنوب وسعد حداد للضغط على الدولة اللبنانية، وإقناعها بعقد معاهدة مشابهة للمعاهدة المصرية – الإسرائيلية، واتخاذ التدابير الكفيلة بحماية أمن المستوطنات المجاورة للحدود اللبنانية.
ولقد نجحت جهود أطراف كمب ديفيد في بعض المجالات، كما أصابها الفشل في مجالات أخرى. ولكن نجاحها الأهم كان في جنوب لبنان، حيث تابع الإسرائيليون اعتداءاتهم على اللبنانيين والفلسطينيين، وعرقلوا تطبيق قراري مجلس الأمن رقم 425 و 450.
وخلقوا وضعاً متفجراً يهدد بالاتساع والتحول إلى صراع كبير تتجاوز حدوده أرض الجنوب اللبناني، كما يمكن أن يؤدي استمراره إلى انسحاب قوات الطوارئ من الجنوب، وفتح الباب أمام تجدد الصدامات على نطاق واسع. ثم أعلنوا أن هذا الوضع الذي يهدد أمن لبنان وسيادته سيستمر ويتصاعد، إلا إذا قامت الحكومة اللبنانية بإبعاد الوجود الفلسطيني المسلح عن الجنوب، وخلق منطقة عازلة تفصل بين البندقية الفلسطينية والحدود اللبنانية – الإسرائيلية، ونشر الجيش اللبناني للقيام بمهمة حرس حدود للدولة الصهيونية.
ولقد كان بوسع لبنان أن يرفض هذا التهديد الإسرائيلي وأن يواجه التحدي بموقف صلب، لو أنه كان يملك الوسائط الكفيلة بصد العدوان الصهيوني وتكبيده خسائر جسيمة تجعله يحجم عن المغامرة ويفكر مليا قبل القيام بها. ولكنه لا يملك هذه الوسائط ولم يسع يوما إلى امتلاكها.
وكان بوسع لبنان الرفض والمواجهة لو أنه لمس تباينا في موازين القوى لصالح العرب، واقتنع بأن الأمن اللبناني مضمون بالردع العربي، وأن إسرائيل ستتلقى عند الاعتداء على لبنان ضربة إنتقامية عربية تفقدها توازنها وتجبرها على التخلي عن مكاسبها، لأن مجرد احتمال تسديدي مثل هذه الضربة كاف لردع الدولة الصهيونية ومنعها من التفكير بالعدوان. ولكن اختلال التوازن العسكري لصالح العدو لا يزال حقيقة قائمة، رغم الجهود التي تبذلها عدة دول عربية، وفي مقدتمها سورية، لتعويض الخسارة القومية الناجمة عن النكوص الساداتي.
ولم يكن على لبنان أن يعير التهديد الإسرائيلي أي اهتمام، لو أنه تأكد بأن الدول العربية النفطية قد خططت لاستخدام السلاح الاقتصادي، وأنها ماضية في دعم لبنان إلى الحد الذي يجعلها تلجأ إلى سلا النفط كوسيلة لدفع الولايات المتحدة إلى لجم إسرائيل. لكن كل الدلائل كانت تشير إلى أن مالكي مفاتيح النفط الأساسية لا يرغبون في مجابهة واشنطن، ويرفضون بالتالي اعتبار النفط سلاحاً. ويحددون أسعار هذه المادة الاستراتيجية وكمية إنتاجها على أساس الحفاظ على التوازن الاقتصادي العالمي، ويعتبرون ذلك بادرة اعتدال قد تدفع الأميركيين إلى التعالف مع القضية العربية لرد جميل الدول النفطية وعدم إحراجها.
لهذا كله كان تأثير الردع الإسرئيلي على السلطة اللبنانية قوياً ومؤثراً. وتحت ضط هذا الردع والخراب الذي أصاب الجنوب، وتدفق اللاجئين الجنوبيين نحو المدن، وخطر تصاعد الموقف وإقدام إسرائيل على اجتياح جزء من الأراضي اللبنانية، ظهرت الحاجة إلى البحث عن حل يضمن سيادة لبنان وسلامة أراضيه.
ولقد تبين خلال البحث عن الحل أن هناك اتجاهين لبنانيين متناقضين: اتجاه قومي يقول بضرورة التلاحم مع الثورة الفلسطينية، والصمود أمام الضغوط، ومتابعة المواجهة في الثغور الجنوبية، على اعتبار أن هذا الموقف سيحبط محاولة تحييد لبنان وإجهاض الثورة الفلسطينية (كما هو مقرر في كمب ديفيد)، ويكشف عدم كفاية برنامج الحد الأدنى، ويدفع الدول العربية إلى تبني برنامج أكثر راديكالية في مواجهة أطراف كمب. (انتهى)
___________________



من يقف وراء عملية المسجد الحرام

الجمهور في 6 كانون اول 1979
فريد ابو شهلا

   اذا كانت عملية تطويق المعتدين على المسجد الحرام في مكة المكرمة قد طالت واستمرت عدة ايام فلإن التعليمات الصادرة عن العاهل السعودي كانت مختصرة وواضحة: اقبضوا عليهم احياء.
   وهذا ما اصرت عليه القوات السعودية التي طوقت المعتدين المارقين وخططت له, فراحت تضيق عليهم الخناق مستعملة شتى الوسائل التي ترغمهم على الاستسلام... مثل ضخ المياه والدخان والغازات في اتجاه الاقبية التي لجاوأ اليها (وقيل ان عددها 270) في الطبقة السفلى من المسجد, متجنبين استعمال السلاح خوفاً من التسبب بالاضرار المادية للبنيان المقدس الذي تقوم في باحته الكعبة المشرفة, تحيطها سبع مآذن علو الواحدة منها 90 متراً, بعدما احكمت قفل ابواب الحرم السبعة والثلاثين.
   "المارقة والخارجة على الدين "الى الاستسلام, فخرجوا رافعي الايدي وقد اعمت عيونهم الغازات وخنقت حناجرهم سحب الدخان.
   ومن الطبيعي ان تحرص السلطات السعودية على القبض على هؤلاء احياء لاستجوابهم واستنطاقهم ومعرفة الجهات الحقيقية التي تقف وراءهم وكشف اسرار واهداف عمليتهم. اذ انه قد ثبت بما لا يقبل الجدل ان عملية من هذا النوع لا يمكن ان تكون "بنت ساعتها" بل هي مخطط لها من قبل جماعات وجهات امنت التدريب والتعليم والسلاح. فقد ظهرت على سبيل المثال, بين ايدى العصاة المارقين الى جانب الاسلحة الاوتوماتيكية اقنعة ضد الغازات ليس من السهل الحصول عليها من قبل جماعة مهووسة تنادى بفتى معتوه على انه المهدي المنتظر. اذن فالحكاية ليست حكاية "مهدي منتظر", وليس المهدي المذكور فيها سوى ستار لتغطية الهدف الحقيقي... لذا فمن الضروري كشف تلك الجهات المختبئة وراء حكاية المهدي والتي "امنت التدريب والسلاح.. وحتى اقنعة الغاز" اذ ان اقنعة الغاز التي ظهرت بين ايدي بعض المستسلمين كانت اكثر ما استرعى انتباه التحقيق, باعتبار انه اذا كان من السهل الحصول على هذه الاقنعة التي تعتبر ادوات عسكرية صرفة لا تمتلكها الا الجيوش الرسمية.
   وحتى لو كانت تلك الجماعة – من الكفار الذين دنسوا بيت الله الحرام – لها اهداف محلية فقط, فإنه من المؤكد ان "ايادي" تحركها من الخارج لاهداف تحرص السلطات السعودية على كشفها ومعرفتها.
   ومهما اراد المراقب ان يتجنب الربط بين الاحداث فانما يجد بدا من ان يرى خيطاً (ولو رفيعاً) بين احتلال السفارة الاميركية في طهران وردات الفعل التي احدثتها في الباكستان وبنغلادش وحتى في مانيلا... واخيراً في طرابلس الغرب, واذا كانت احداث مكة المكرمة قد حصلت في نفس الوقت بالذات من باب المصادفة فقط, فإنها تكون مصادفة عجيبة.
  فمن تكون الايادي الكامنة وراء عملية المسجد الحرام؟
السؤال كبير. والاجوبة عنه من الصعب تحديدها قبل اكتمال عناصر التحقيق, الذي لا يملك احد حق تخطيه والقفز فوقه الى الاستنتاجات.
   ولعل هنا يكمن السر والسبب الذي حدا السلطات السعودية الى غربلة الاخبار والتفاصيل التي يجوزنقلها واذاعتها في الوقت الحاضر.. وهذا ليس مطلقاً التعتيم الذي ذهب اليه بعض وسائل الاعلام في العالم العربي و الخارج. ففي شهوة نقل الاخبار من السعودية, مهما كانت هذه الاخبار, ذهب بعض الصحف وبعض الصحافيين الى تحريف الحقائق واختراع التفاصيل الوهمية مما حمل على الاعلام السعودي الدكتور محمد عبدو اليماني الى "اعلان اسفه لهذا الامر". ودعا الى "التريث والتعقل والموضوعية وهذا ما يستوجب الصدق والنزاهة والبعد عن "التشويش والاثارة".
    وعندما تكون الاحداث بهذه الاهمية وبهذه الخطورة يجوز معالجتها بخفة وبروح البحث عن الاثارة الصحافية واذا كان هذا مما لا يفهمه الصحافيون الاجانب فالمسؤولون تكون اكبر على الصحافيين العرب. اما ما ذهب اليه المحللون من ان الاعلام السعودي احاط تفاصيل الحادث بالتعتيم, و بث قول مغرض وكاذب. لان الاعلام السعودي اذاع كل الانباء التي وصلت اليه من الاجهزة المشرفة على التحقيق.
كانت هذه الاجهزة قد رأت الاكتفاء بما اذاعته في الوقت الحاضر فهذا, اولا, من حقها, وثانياً انه من ضمن سلامة التحقيق ومن ضمن سلامة الوصول الى الرؤوس المدبرة والايادي المحركة (سواء كانت سعودية ام غير سعودية) فهي جريمة يعرفها التاريخ.
   ان عملية المسجد الحرام هي من الحجم الذي يجعل المسؤولية فيها مسؤولية جميع المسلمين لا مسؤولية السلطات السعودية وحدها. واذا كان صحيحاص ان السلطات السعودية هي الحامية المباشرة للاماكن الاسلامية المقدسة فإن حرمة هذه المقدسات هي ايضاً من شأن كل مسلم. وكل مسلم يتجرأ على هذه المقدسات ويدنسها يعتبر مجرماً كافراً باغياً في نظر كل المسلمين.
   واما القول  - كما نسمع ونقرأ في بيروت مثلاً – ان العملية هدفها سياسي فان طريقها كان خروجاً على الاسلام وتدنيساً لكل امكنته مما يستدعي انتفاضة واحدة من قبل كل المسلمين في وجه المارقين البغاة. وهذا ما اعرب عنه سماحة المفتي في لبنان حسن خالد (لدى عودته من مؤتمر السيرة النبوية الذي انعقد في قطر), فدعا الى تأييد الموقف العاقل الذي وقفته السلطات السعودية ودعا الله ان يوفق المملكة العربية السعودية وعلى رأسها حامي الحرمين الملك خالد بن عبد العزيز.
   كما ان السيد خالد الحسن عضو "فتح" اشاد بحكمة المسؤولين السعوديين في معالجة الاحداث, والصبر الذي تحل به العاهل السعودي الملك خالد وولي عهده .
   ولقد لاحظ المراقبون ان بعض المصادر الاعلامية في بيروت كانت تتصرف وكأنها, في قرارة نفسها, تتمنى النجاح للمتمردين في المسجد الحرام. فبدلاً من ان تعلن عن الذين استسلموا منهم او قبض عليهم, كانت تتباهى باعلان عدد الذين ما زالوا يقاومون او الذين تمكنوا من الهرب. وراحت اصداء هذه الحادثة باحداث سياسية غيرها او كانت تتابهى وتقول ان صلاة الجمعة لم تنقل من مكة بل من المدينة....والقول بان "المعارك لا تزال مستمرة"... او تفسح المجالات  لتصريحات نفر من الذي يسمون انفسهم بالمعارضين في شبه الجزيرة العربية... حتى وان جاء ذلك على حساب ما يجري فيها تدنيس المسجد الحرام... وكأنه لم تعد هناك قيم ولا ايمان, بل ترديد لاصداء الكفر والكافرين بالله وبمقدساته وبمحرماته. وصف لنا مراسلنا في جده الحياة في كل مدن المملكة بانها خالية تماماً. ولولا ما تنشره الصحف وتنقله الاذاعات لما كان خاف احد, حتى في مكة المكرمة, يشعر ان وراء اسوار المسجد الحرام ما زالت قبضة من المارقين والخارجين على الدين الاسلامي تقاوم.. لا هرباً من الموت, بل هرباً من مواجهة الحياة. (انتهى)
___________________



السعودية
بعد اعتقال عدد كبير من المخربين:

ما علاقة جماعة "التكفير والهجرة" "بالسلفيين" الذين اقتحموا المسجد الحرام؟
عملية الاعتداء على المسجد الحرام بدأت الثلاثاء وانتهت الثلاثاء

المستقبل العدد146 8كانون الاول 1979

   صباح يوم الاحد الماضي سألت "المستقبل" مسؤولاً سعودياً كبيرا: الى متى ستطول عملية محاصرة المسلمين الذين اقتحموا المسجد الحرام في مكة المكرمة داخل الاقبية التي يتحصنون بها.
   وفي الحقيقة كان هذا ما يتساءل عنه رجل الشارع في العربية السعودية وهو الذي لم يتأثر في يوم من الايام بمثل ما تأثر لهذه العملية التي اجمع الجميع على انها اجرامية بشعة.
   وهذا التساؤل كان يعبر عن رغبة رجل الشارع السعودي في انهاء هذه العملية التي طالت وبأي ثمن ضد الذين لم يراعوا حرمة المسجد الحرام والبيت الآمن.
المسؤول السعودي اجاب قائلاً "الموضوع لن يطول".
   وفي نفس الوقت كان ولي العهد السعودي الامير فهد بن عبد العزيز يصل الى الرياض قادماً من جدة لحضور الاجتماع الطارىء لمجلس الوزراء الذي خصص لبحث موضوع الاعتداء الاثم على المسجد الحرام.
   الدكتور محمد عبده يماني وزير الاعلام قال في تصريح صحفي عقب اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الملك خالد "ان الملك خالد قد اوضح للمجلس جميع الاجراءات التي اتخذت بناء على الفتوى الشرعية الصادرة من العلماء ورجال الدين, وان العاهل السعودي اكد في الاجتماع انه تم تطويق الفتنة وتطهير المسجد الحرام من افراد العصابة".
   ولم يأت فجر يوم الثلاثاء الماضي حتى كانت عملية تطهير المسجد الحرام قد انتهت واعلن ذلك بيان صادر عن الامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية قال فيه انه "قد تم بعون الله وتوفيقه في الساعة الواحدة والنصف من فجر يوم الثلاثاء تطهير قبو المسجد الحرام من جميع افراد الطغمة الفاسدة الخارجة عن الدين الاسلامي ممن كانوا في قبو المسجد الحرام حيث اسر بعضهم وقتل بعضهم الاخر".
   والجدير بالذكر ان عملية اقتحام المسجد الحرام قد بدأت ايضاً فجر يوم الثلاثاء قبل اسبوعين من استكمال تطهيره.
   والان وقد انتهت عملية التطهير فإن الكثير من التساؤلات ما زالت تطرح نفسها حول التفاصيل الحقيقية للعملية الاجرامية وحول الجهة التي قامت بهذا العمل البشع وحول مطالبها وغاياتها.
   "المستقبل" كانت طيلة الايام الماضية تطرح هذه التساؤلات على المسؤولين في المملكة وكان الجميع يحملون نفس الجواب "المهم الان الانتهاء من عملية تطهير الحرم وبعد ذلك ستأتي كل التفاصيل واضحة للجميع".
هذا في الوقت الذي كان يبدو فيه الغضب واضحاً على المسؤولين مما تردده بعض الصحف في الخارج من شائعات وروايات مختلفة حول عملية اقتحام الحرم والاشخاص الذين قاموا بالعملية, حتى ان وزير الاعلام السعودي عبر عن هذا الغضب بتصريح ادلى به يوم السبت الماضي قال فيه "ان بعض اجهزة الاعلام ذات النوايا المريبة تعمل جاهدة على تشويه الحقيقة وعلى اختلاف القصص".
   والحقيقة ان الصورة كانت واضحة امام السلطات السعودية حول كافة تفاصيل العملية ومنفذيها لكن السلطات ارتأت الا يتم الاعلان عن اي شيء حتى بعد الانتهاء من هذه العملية واستكمال التحقيق مع الذين استسلموا من افراد العصابة. وهذا ما وعد به بيان وزير الداخلية السعودي الذي اعلن فيه الانتهاء من تطهير الحرم الشريف.
   ورغم ذلك فإن وسائل الاعلام السعودية عملت طوال الايام الماضية على القاء بعض الاضواء على تفاصيل عملية اقتحام المسجد الحرام وعلى الفئة التي قامت بها. وكان التلفزيون السعودي يقوم يومياً باجراء بعض المقابلات مع عدد من شهود العيان الذين شاءت الصدف ان يكونوا متواجدين في المسجد الحرام ساعة بدء عملية الاقتحام.
   شهود العيان هؤلاء رووا تفاصيل ما حدث وقالوا انه بعد انتهاء امام المسجد الحرام من صلاة فجر يوم الثلاثاء (20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي) تقدم نفر من الرجال الى الشيخ وطلبوا منه قراءة بيان يعلن فيه مبايعة زعيمهم محمد عبد الله القحطاني كأمير للمؤمنين. وعندما ماطل الامام وناقشهم بذلك  اخذوا مكبر الصوت منه عنوة وبدأوا بالتكبير, ثم بدأ احدهم يخطب بالمصلين طالباً منهم مبايعة زعيمهم كأمير للمؤمنين. وفي هذا الوقت اخذت اعداد كبيرة من افراد العصابة تظهر باسلحتها التي شهرتها في المصلين. وعندما بدا رجال الامن غير المسلمين المكلفون حماية الحرم الدخول لمعرفة ما يجري بدأ افراد العصابة باقفال ابواب المسجد الحرام. وحينما اعترضهم رجال الامن اطلقوا عليهم الرصاص وقتلو بعضهم. وقال شاهد: انه عندما حاول الخروج منع من قبل احد المسلحين الذي طلب منه العودة ومبايعة زعيمه. وتحت تهديد السلاح عاد الى وسط المسجد الحرام حيث كان هناك اكثر من خمسين من افراد العصابة الذين يحملون السلاح بشكل ملحوظ وكان الشباب منهم الذين لم تتجاوز اعمارهم السادسة عشرة يحملون المسدسات بينما كان الكبار يحملون الرشاشات والمسدسات والخناجر.
   وقال شاهد عيان اخر انه اجبر على البقاء واخذ بعض افراد العصابة يبشرونه بقرب ظهور من سموه "المهدي" ثم فيما بعد عندما ظهرت طائرة الهيليكوبتر فوق المسجد الحرام بدأ افراد العصابة يتشاورون فيما بينهم بسرعة وتحرك عدد منهم الى سطح الحرم والى المآذن وبعدها بنصف ساعة تقريباً بدأ تراشق النار بين هؤلاء وقوات الامن.
   المعلومات التي توفرت عن الفئة التي قامت بالعملية تقول ان هؤلاء جماعة يعرفون بـ "السلفيون", وان تاريخ جماعتهم يعود الى حوالى 20 سنة ماضية حيث نشأ "مذهبهم" في الجامعة  الاسلامية في المدينة المنورة. وقالت هذه المعلومات ان هؤلاء حاولوا في عهد العاهل السعودي الراحل الملك فيصل توسيع نشاطهم الديني عن طريق اقامة تنظيم يدعو الى نظام حكم اسلامي مماثل لنظام حكم الخلفاء الراشدين والى تغيير النظام الحالي ولو بالقوة. ولكن السلطات السعودية في ذلك الوقت استطاعت ان تنبه لهم وتفشل تنظيمهم ولكنهم عاودوا نشاطهم بعد مقتل الملك فيصل وازداد هذا النشاط خلال السنوات الثلاث الماضية. واضافت هذه المعلومات ان هؤلاء اقاموا علاقات مع جماعة "التكفير والهجرة" التي ظهرت في مصر والتي اقتحمت مبنى الكلية العسكرية بالقاهرة قبل حوالي اربعة اعوام, وان اعضاء هذه الجمعية دخلوا في تنظيم "السلفيون" الذي اقتحم المسجد الحرام.
   وعملت "المستقبل" ان القحطاني زعيم العصابة الديني وسليمان العتيبة الزعيم العسكري لها والمطلوب من السلطات السعودية منذ عدة سنوات قد اعدا منشورات ومؤلفات دينية تدعو "لعقيدتهم" وان عدداً من هذه المنشورات كان قد وزع في بعض مدن المملكة خلال هذا العام. (انتهى)
___________________


الجمهور 13كانون اول 1979
بقلم سليم نصار
لندن تتنبأ بسقوط الأمبراطورية التلفزيونية

  كيسنجر يعمل لارباك الحزب التقدمي بواسطة قضية الشاه 

ستة ضباط قتلوا خلال عملية الصحراء

اكثر ما يزعج الولايات المتحدة في ازمتها مع ايران, هو الصمت الاوروبي.
فالدول الحليفة لاميركا في اوروبا الغربية واليابان, لا تظهر اي اهتمام بهذه المسألة اللهم سوى الاهتمام الاعلامي الذي تبديه الصحف والاذاعات وشركات التلفزيون. وما عدا ذلك, فالحكومات بمواقفها الرسمية المعلنة تتصرف بكثر من التحفظ مخافة ان تتورط بمغامرة اقتصادية او عسكرية ليست في مصلحتها.
   صحيح ان بعض المصارف قد تجاوب مع عملية تجميد الاموال. ولكن هذه الخطوة تبدو صغيرة جداً بالنسبة للمطاليب الاميركية وحاجة واشنطن الى من يساندها ويدعم موقفها اوروبياً, بشكل علني.
   هناك من يقول ان فرنسا وبريطانيا تتفرجان الان على الورطة الاميركية, وتثأران من قرار ايزنهاور عام 1956 يوم تدخل لوقف العدوان الثلاثي على مصر. وهما في تصرفهما هذا يطمحان الى العودة نحو مواقع النفوذ في الشرق الاوسط, ولو اقتصادياً, بعدما "كنستهما" اميركا تكنيساً خلال العشرين سنة الماضية. وهو التعبير الذي استخدمه البريطانيون للاشارة الى استغلال واشنطن لازمة مصدق في ايران لكي تصبح هي صاحبة الحل والربط... وصاحبة الحصة الاولى في النفط.
   بينما يستنتج المعلقون في باريس ولندن وفرانكفورت من خلال الموقف العسكري الذي يهدد به كارتر, بأن الولايات المتحدة قد تستفيد من ضرب ابار النفط في ايران, اذا كانت تريد تهديم الصناعة الاوروبية واعادة نفوذ الدولار. ويرى هؤلاء بأن النفط الايراني يؤثر بشكل مباشر على اليابان واوروبا الغربية اكثر مما يؤثر على الصناعة والحياة في الولايات المتحدة.
   ويختلف المعلقون الاميركيون معهم حول هذه النقطة بالذات, لان تهديم آبار النفط في ايران لن يكون عملاً محصورا و محدودا لكي لا تخشى الولايات المتحدة عواقبه. ذلك ان منطقة الخليج هي منطقة بالغة الحساسية... والتعاطف مع الثورة الايرانية اصبح موقفاً شعبياً. لذلك من الصعب التكهن بأن ردة الفعل ستكون ايرانية فقط. الا اذا كان "الكومبيوتر" في البانتغون يقيس الامور بالمقياس الذي تم فيه تقييم اوضاع الشاه. عندئذ تكون اميركا فعلاً حكمت على نفسها بالانتحار الاقتصادي والسياسي.
   ولم يحدث ان اثار في التاريخ المعاصر, شخص سياسي عاصفة دولية بالقدر الذي اثاره شاه ايران. فقد تحول الى قضية انتخابية داخل الولايات المتحدة.... وتحول الى موقف عالمي بين الدول ذات العلاقة.... ثم تحول الى ازمة ديبلوماسية كادت تصل الى حافة الحرب.
   ومع ان هنري كيسنجر كصهيوني ملتزم, يؤمن بمبادئ ديزرائيلي, رئيس وزراء بريطانيا (وكان صهيونياً عتيقاً) بأن العداوات والصداقات ليست دائمة... وانما المصالح وحدها هي الواقع الدائم, فقد اختار مصلحته الشخصية على مصلحة الولايات المتحدة عندما اقنع كارتر وادارته بوجوب استضافة شاه ايران. ولكي يغطي طلبه بالاسباب الموجبة فقد احرج الرئيس على التلفزيون عندما قال بأنه: "لم يحدث في تاريخ اميركا ان ادار رئيس جمهورية ظهره لحاكم صديق ظل متعاوناً مع واشنطن ومخلصاً لها مدة تزيد على الثلاثين سنة".
   ثم ذكر في تصاريحه بأن الشاه رفض طلباً كانت قد تقدمت به موسكو بأن يسمح للطائرات الحربية السوفياتية بأن تمر فوق ايران خلال حرب 1973 لمساعدة الدول العربية... كما رفض مشاركة الدول النفطية في قرار حظر النفط عن الغرب واسرائيل.
   وبغض النظر عن قيمة هذه الاسباب حالياً في المصلحة الاميركية, فان المحللين يؤكدون ان كيسنجر كان يرمي من وراء تحريضه, الى تحقيق هدفين بعيدين عن كل ما ذكره من مبررات سياسية.
اولاً – كان يريد تأمين المبلغ الذي وعده به شاه ايران من جهة وديفيد روكفلر من جهة اخرى, ويقال ان هناك مائة مليون دولار تنتظره بالاضافة الى المرتب الذي يتقاضاه من الشاه عن نشاطه منذ عام 1973 كمسؤول عن العلاقات العامة مع اميركا. وبما ان ديفيد روكفلر  يخشى على المليار دولار التي وظفها الشاه في مصرفه, فهو الاخر حريص على عدم اضاعة الفرصة, لان الدول التي كان من المقرر السكنى بها, ربما استفادت من الحاكم المخلوع وحرضته على سحب امواله. وهو ما كان يتمنى الرئيس السادات ان يفعله فيقنع الشاه بتوظيف امواله بالمشاريع الصناعية في مصر. وكان كيسنجر في رده على "جورج بول" قد ذكر بأن الشاه لعب دوراً اساسياً في تحقيق مبادرة "كامب ديفيد" وبأنه اقنع السادات بها.
ثانياً – كان كيسنجر يلعب ايضاً لعبته السياسية عن طريق توريط كارتر والحزب الديمقراطي بأزمة داخلية كالتي حدثت. عندئذ يكون قد استخدم صديقه الشاه لاضعاف الحزب الديمقراطي الحاكم. وعندئذ ايضاً ربما يبتسم له الحظ مرة اخرى مع اى جمهوري قد تفرزه الاحداث رئيساً جديداً للولايات المتحدة في الثمانينات. ومن هنا يسترد مكانته وينتقم من الذين حرضوا ضده واتهموه بمجازر كامبوديا وأزمات لبنان وقبرص والتشيلي وغيرها.
   ويبدو ان المرشح الديمقراطي كنيدي قد لاحظ هو الاخر تداخل ازمة الشاه بالوضع الانتخابي الداخلي, فأسرع الى استغلال القضية استغلالاً سياسياً, معلناً ان مستقبل الولايات المتحدة يجب الا يحدد بالعلاقات مع الاشخاص بل مع المصالح.
   ولم يكد تصريح كنيدي يظهر على التلفزيون حتى جردت ضده حملة شعواء, استغلها رسامو الكاريكاتور في كل مكان. وقد اظهروه بأنه من اتباع الخميني, وبأنه يريد تحويل البيت الابيض الى جامع. وكان رسم "كامينغ" في الديلي اكسبرس الانكليزية, واضحاً بأن الغرب لم يعد يسمع صوت المنطق, وان الغرائز والامزجة هي التي تتحكم بتصرفاته. فقد صور كنيدي يصلي تحت صورة الخميني وقد خلع حذاءه.
   ومهما تكن النتائج والمضاعفات لهذه الازمة, فإن المشاكل الخارجية للولايات المتحدة بدأت تتحول شيئاً فشيئاً الى مشاكل داخلية. بالامس, كانت  فيتنام. واليوم القضية الفلسطينية عبر مسألة السود واندرو يونغ. ثم مشكلة الشاه والطلاب الايرانيين.
   ويعترف البريطانيون بأن امبراطوريتهم قد انحسرت خلال مدة لا تزيد على الخمسين سنة. ولكن الامبراطورية الاميركية لم تعمر اكثر من عشرين سنة ... لانها امبراطورية تلفزيونية تكون فيها الاوهام والخيالات والصور اكثر من الحقائق.
   وفي كل مرة يستيقظ الشعب الاميركي, يدرك بأن، ما رآه من قياداته كان وهماً وليس حقيقة... وان العالم الاخر مختلف جداً عن الرسوم المتحركة التي تغسل دماغه مدة 24 ساعة في اليوم وتصور له بأنه هو اقوى مواطن.. لاقوى واغنى دولة في العالم.
لقد انتهى زمان اشعر الشعراء. (انتهى)
___________________


1980 سنة الصراع الدولي على الخليج

المصدر الجمهور 20 كانون اول 1979
بقلم سليم نصار

   ستكون سنة 1980 هي سنة الخليج... وسنة الصراع الدولي على مستقبل الخليج... بل وسنة الابتعاد عن الجبهة الشرقية بحيث ترتاح اسرائيل ومصر لتثبيت مقررات "كامب ديفيد" ووضعها موضع التنفيذ.
  واذا كانت اسرائيل – الدولة العنصرية – هي التي سببت, في العمق, تفجير كل المواقف العنصرية والاقليمية في المنطقة, فهي بدون شك تشعر بانها لم تعد وحدها موضع الاتهام, وان الدول المحيطة بها راحت تقلدها, وهذا اكبر انتصار لها. لان اسرائيل في النهاية هي وضع نفساني واجتماعي وديني وعرقي, قبل ان تكون وضعاً سياسياً .
   ويرى المراقبون ان عام 1979 كان من أسوأ أعوام اسرائيل, وان الولايات المتحدة بشكل خاص, والدول الغربية بشكل عام, كانت تشعر بأنها محرجة امام الصعوبات السياسية  والاقتصادية التي تعانيها حكومة بيغن. وكانت في كل توصياتها تسعى لان تفرض عليها بعض التنازلات, كحل لمشاكلها المستعصية مع العرب.
   وفجأة انقلبت الادوار. فقد سافر موشي دايان مؤخراً الى اميركا, لكي يعرض حلاً عسكرياً جاهزاً ضد ايران, ويقول بصورة سرية وبصفة غير رسمية, ان ألـ77 حلاً التي وضعها كومبيوتر البانتغون لن تزيد الامور الا تعقيداً. وان اسرائيل هي القاعدة العسكرية التي يجب ان تنطلق منها القوة  الاميركية – الاوروبية لتأديب ايران – وهذا معناه, ان اسرائيل تكون قد انهت الوجود الغربي في المنطقة وبررت للدول العربية المعتدلة تطرفها المحتمل واعطت الاتحاد السوفياتي الفرصة الذهبية  لان يصل الى المياه الدافئة... والى ابار النفط. وهذا ما كان يقوله بن غوريون دائماً, انه يجب خلق ظروف مواتية تكون فيها اسرائيل الحليفة الطبيعية الوحيدة في المنطقة للولايات المتحدة اولاً, ولاوروبا الغربية, ثانياً لان بقاء العلاقات الطيبة بين جاراتها والدول الغربية سيفقدها دورها العسكري كقاعدة للدفاع عن مصالح هذه الانظمة... كما يعزز ادوار الدول الاخرى.
   ومهما تكن النتائج اليوم, فإن اسرائيل تشعر بأنها المستفيدة من هذا الوضع. فقد اثبتت انها الوحيدة المخلصة في علاقاتها مع الولايات المتحدة. واثبتت بالتالي, ان نظامها, لا نظام الشاه–الذي فتح له كيسنجر ترسانة وزارة الدفاع- لا يزال هو الاقوى وهو الاكثر قابلية ومدعاة للتعامل معه في المستقبل. وأكثر من هذا, فقد وصف "بيغن" الولايات المتحدة بأنها هي سبب التوتر.. وهي التي تحمل لها شعوب المنطقة الكراهية, والعداء. بكلام آخر, اراد ان يستثير الشعب الاميركي ويستفزه متناسياً السبب الذي من اجله طار الشاه, وخرج الخميني كمنقذ. وهذا ما دعا فؤاد شهاب لان يصف في الماضي, الوضع لبنيكسون عندما زار لبنان كنائب رئيس, بقوله:
   في الثلاثينات والاربعينات كان السفير السوفياتي يقف وحده في الحفلات الرسمية بالشرق العربي. لان مجرد القاء التحية عليه كان يعتبر تحدياً للمشاعر العامة وللمواقف السياسية.
   بينما اليوم, يقف السفير الاميركي منبوذاً في الحفلات. بل إن مصادقته ربما تثير التهم والشكوك لماذا؟ لان سياسة اميركا وارتباطها العضوى باسرائيل ووجود اسرائيل, قد جعلها تحمل الوزر الاكبر من المسؤولية. بينما انسحبت اكثر الدول الاوروبية متخوفة  على مصالحها.
   وكل ما دعا اليه المرشح ادوار كنيدي, هو تقديم الاغتيالات المصلحية على كل اعتبارات اخرى. فالشاه كان مجرد مرحلة. ولكنه اليوم اصبح عبئاً ثقيلاً, تماماً كما اصبحت اسرائيل. من هنا كان دعم الحركة الصهيونية ودعاتها امثال هنرى كيسنجر, للوقوف مع الشاه, امراً مرتبطاً بمستقبل اسرائيل مع الولايات المتحدة. وهذا يعني انه اذا كانت واشنطن ستتخلى عن الشاه بسبب مصالحها الحيوية.. فإن هذه القاعدة ربما تطبق مستقبلاً على اسرائيل. فهي ايضاً اصبحت عبئاً ومعوقاً وخطراً على الوجود الغربي بكامله في الشرق الاوسط. من هنا كان تظهير عملية المحتجزين في السفارة وكأنها عمل سياسي يراد به تحطيم النفوذ الاميركي, بحيث يجني كارتر كما جنى جونسون منذ 12 سنة وكان يأمر بضرب كوريا الشمالية لانها احتجزت 81 بحاراً على الباخرة "بوابلو".
   وفجأة, قالت كوريا الشمالية ان الباخرة ليست سوى باخرة تجسس, وانها عثرت على اجهزة ووثائق تثبت ذلك, وبعد البحث والتدقيق اكتشفت جونسون ان قبطان الباخرة – وكان اسمه بوتشر... اي اللحام أو الذباح – لم يكن لديه الوقت الكافي لحرق جميع المستندات وتدمير كل اجهزة التجسس. لذلك اضطر الرئيس لان يحل المشكلة بالطرق الديبلوماسية لئلا ينفضح آمر الباخرة, وهكذا, وبعد 29 جلسة مفاوضات سرية مع حكومة كوريا الشمالية تم الافراج عن الرهائن بعدما اعتذر جونسون بكتاب خطي بأن البحارة قد تجسسوا وخالفوا الاصول.
   وبعد هذه الحادثة قرر جونسون الا يجدد وانسحب من الحياة السياسية.
   وتقول "الواشنطن بوست" ان الطلاب الايرانيين قد عثروا على وثائق تدين فعلاً اميركا بالتجسس, وانهم سيستخدمونها لتلويث سمعتها. وهذا معناه ان كارتر سيسير على خطى جونسون... لينتهي آخر الامر – وبعد المفاوضات السرية بواسطة سفراء دول اخرى – الى تقديم الاعتذار العلني.
   ولكن, هل ينتهي الى الاعتزال والانسحاب من معركة الرئاسة كما فعل سلفه... ام انه سيجعل منها معركة داخلية حتى لو فقد صداقة ايران ونفط ايران, نهائياً؟.. هذا هو السؤال؟.. (انتهى)
___________________



المصدر:  صباح الخبر(ربما) 27/12/79

سمير كرم يكتب الموقف في الشرق الاوسط كما تراه العاصمة البريطانية
اول تقرير من الاستخبارات البريطانية الى حكومة تاتشر المحافظة
مصحح

      اذا اعتبرنا ان "مانشيتات" الصحف البريطانية مقياس لشواغل الرأي العام البريطاني.. فلا بد ان نعتبر ان اجماع "مانشيتات" هذه الصحف على مدى ايام اسبوع كامل على الاهتمام بموضوع واحد مقياساً دالاً على فزع في الاوساط البريطانية كافة – من محافظين ويساريين وليبراليين – من هذا الموضوع...
   على مدى اسبوع كامل كانت صحف لندن مشغولة بأسعار النفط.. لم تختلف في ذلك صحف الاحزاب ولا الصحف المسائية العديدة.. حتى تلك المعروفة بأنها صحف "الفضائح" او صحف الصور العارية وجرائم الجنس والعنف بين الشباب وانتشار المخدرات في المدن الانكليزية...
   وعلى الرغم من ان مشاهد طوابير السيارات امام محطات البنزين في لندن.. وعلىطول الطرق الى مدن بريطانيا الاخرى لم تبلغ بعد الحد الذي بلغته في المدن الاميركية حيث المشكلة ليست مشكلة اسعار فحسب, بل مشكلة نقص في الامدادات البترولية ايضاً ... الا ان اللافتات الضخمة التي ترتفع على محطات البنزين الانكليزية معلنة الزيادة الاخيرة, ومنبئة عن الزيادة اللاحقة هي موضوع حديث البريطانيين في محطات المترو تحت الارض وفي الاوتوبيسات وفي مقاهي البيرة التي يسمونها "البب".
   والحكومة الجديدة التي استقبلها البريطانيون منذ اقل من شهر – حكومة المحافظين برئاسة مرغريت تاتشر – تفاجئ البريطانيين كل يوم بقرار رفع اسعار جديد... البريد, المواصلات, رفع القيود عن اسعار المواد الغذائية.. بل انها اتخذت قراراً بفصل نسبة من موظفي الحكومة على سبيل التوفير... ولم يثر اي من هذه الاجراءات بعد فزعاً كالذي تثيره انباء اسعار النفط. وبالطبع فإن الاعلام البريطاني – الصحف والتلفزيون والاذاعة- لا تتوقف عن تغذية هذا الفزع بالتحديد. والنتيجة ان النفط العربي – ولا شيء غيره – هو سبب متاعب البريطانيين ومشاكل الاقتصاد البريطاني!
   لهذا لا تكاد تختفي صورة الشيخ احمد زكي اليماني وزير النفط والثروة المعدنية السعودي من الصحف البريطانية يومين متعاقبين. فهناك دائماً تحليلات وتحقيقات عن النفط العربي والاوبيك وتوقعات ارتفاع الاسعار ... واحتمالات الموقف السعودي الذي كان

وجه مطالب الدول الاخرى المصدرة للنفط – عربية وغير عربية – برفع الاسعار بمعدلات تتناسب مع ارتفاع اسعار السلع الصناعية التي تستوردها الدول النفطية من الدول الاساسية المستهلكة للنفط.
وآخر ما يقال في صدد الموقف السعودي هنا في لندن انه لم يعد لدى السعوديين ما يستطيعون عمله لضمان "اعتدال" اتجاه الاسعار نحو الارتفاع.
 
تقرير سري خطير
   ولكن الاهتمام البريطاني بموقف السعودية – وان كان نابعاً من مسألة النفط – الا ان له ابعاداً اخرى اوسع واكثر خطورة. وتعتقد دوائر لندن السياسية ان باستطاعتها ان تعرف اتجاهات احداث الشرق الاوسط باستطلاع اسرار الموقف السعودي.
   وفي الاسبوع الماضي قدمت الاستخبارات البريطانية تقريرها الاول الى الحكومة الجديدة, ويتعلق اساسا بمجريات الاحداث داخل السعودية. احتوى هذا التقرير على معلومات بالغة الاهمية حتى فيما يتجاوز مسألة النفط.. التي لم يغفلها التقرير على اي الاحوال.
   ففيما يتعلق بمسألة النفط ذكر تقرير الاستخبارات البريطانية ان "القوى المؤيدة للحفاظ على احتياطي النفط السعودي الكائن في اراضيها عن طريق سياسة ضبط زيادة الانتاج قد اكتسبت قوة سياسية خلال الاشهر الاخيرة في الاوساط الحاكمة السعودية". وان القيود على حرية السعودية في العمل قد اشتدت بفعل دخولها مجموعة البلدان العربية المتشددة التي ترفض معاهدة السلام المصرية – الاسرائيلية التي صممتها الولايات المتحدة.  ويضيف هذا التقرير ان احداث ايران ايضاً قد اضافت اليها شعور عدم الارتياح الذي تعاني منه السعودية بما يجعلها تبدو غير قادرة على الاستمرار في اداء دورها – منفردة- كزعيم تقليدي للمعتدلين في معسكر الاوبيك".
   لكن ما يقوله تقرير الاستخبارات البريطانية السرى عن التطورات الداخلية في السعودية بعيداً عن مسألة اسعار النفط وانتاجه هو اكثر اهمية بكثير. والمعلومات التي يحتويها هذا التقرير تؤكد ان الاستخبارات البريطانية لم تتخل عن مجالات اهتمامها القديمة في الشرق الاوسط, وانها لا تعتمد على ما يبلغها من معلومات الاستخبارات الاميركية في هذه المنطقة.
   يكشف التقرير السري للاستخبارات البريطانية ان "السبب الحقيقي وراء  التسوية  الفجائية  للخلافات بين امراء السعودية من اكتشاف مؤامرة  كانت تدبر ضدهم في بعض وحدات الحرس الوطني السعودي نفسه. كما يكشف هذا التقرير ان هذه المؤامرة " كانت هي السبب وراء طلب السعودية من الولايات المتحدة الاميركية سحب رئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في الرياض. (انتهى)
___________________


في الشهر الحرام... وفي المسجد الحرام
قام الخوارج بما هوحرام!!

الصياد 30-11-79
 
     (أ.ل) – حررت السلطات السعودية المسجد الحرام من المتمردين الخوارج, وانتهت بذلك اخطر قضية شغلت العالم كله, واستنكرها العالمان العربي والاسلامي اشد الاستنكار, وان لم تنته ذيول الحادثة بعد.
   فهناك اسئلة كثيرة لا بد ان تجد لها هيئة التحقيق السعودية مع المتمردين الاجوبة الحاسمة.
   هل ان القائمين بالعملية كلهم سعوديون؟ وهل صحيح انهم من جماعة "المشتراة" التي تناصب "الوهابية" العداء من البداية؟ من اين حصل هؤلاء الخوارج على السلاح الكثيف الذي كان بحوزتهم؟ وكيف دخل هذا السلاح الى البلاد؟ واين تدرب هؤلاء على استعماله ليصبحوا رماة حقيقيين؟
   هل كانت هذه الجماعة تأمل  فعلاً بنجاح الاعلان عن "مهديها المنتطر", وما هي الحيثيات التي تحكمت بهكذا امل؟ واخيراً لماذا التوقيت في غرة محرم؟
كيف بدأت العملية؟
ولكن قبل الخوض في كل هذه الاسئلة, نرصد فيما يأتي تفاصيل العملية المجرمة يوماً بيوم الى ان تم للقوات السعودية اقتحام المسجد الحرام واعتقال بقية المتمردين.
   فقد ذكرت صحيفة "الاتحاد" الظبيانية ان العملية الاجرامية بدأت فعلياً قبيل صلاة فجر الثلاثاء الماضي, بعد ان سيطر الغزاة بصمت على ساحة المسجد الحرام وابوابه التي اغلقوها جزئياً, وقبيل الصلاة مباشرة, بدأت اصواتهم ترتفع بنداءات معينة اخذوا يرددونها في صوت واحد.
   وعندما حان اوان اذان الفجر, تقدمت مجموعة منهم الى ميكروفون المؤذن واستولت عليه, واخذت تردد فيها نداءاتها. وحاول امام المسجد منعهم من هذا العبث فتصدوا له ثم اعتدوا عليه. وعندما حاول المصلون منعهم, ظهرت فجأة الاسلحة في ايديهم وفي تلك اللحظة, كان عدد منهم قد تمكن من اغلاق جميع ابواب المسجد الحرام الستة والثلاثين.
وهكذا سيطر المسلحون على المسجد سيطرة تامة.
وقد كان عدد المصلين  كبيراً جداً وتجاوز عدة الاف لان الصلاة آنذاك كانت صلاة اول فجر في اول يوم من العام الهجري الجديد, ويبدو ان الغزاة شعروا بأن هذا العدد الضخم من المصلين سيكون عبئاً عليهم في حالة تصديهم لقوات الامن, فاعادوا فتح بعض الابواب, وفرزوا عدداً من المصلين سمحوا لهم بالخروج.
   وتقول معلومات انه لم يكون من بين الذين سمح لهم بالخروج احد من السعوديين او الذين يبدو عليهم انهم كذلك, وذلك للمساومة عليهم.
 الا ان معلومات اخرى تقول ان عدداص من المتمردين استغل فتح الابواب وهرب مع من هرب من
تهريب الاسلحة للسعودية يجري منذ ثلاث سنوات
علمت "الصياد" ان سفيرا لبنانياً في دولة اوروبية شرقية كان قد ارسل الى الخارجية اللبنانية تقريراً منذ ثلاث سنوات عن تهريب اسلحة الى متطرفين في السعودية.
المصلين خوفاً من المجابهة مع قوات الامن السعودية.
   وفي الحقيقة, فإن القوات النظامية السعودية وصلت الى المسجد الحرام بعد احتلاله من قبل المتمردين بساعتين, ولكن كانت الاوامر المعطاة لها, من اعلى المراجع في المملكة تقضي بان تضع موقفا اولياً امامها وهو الحرص أقصى قدر ممكن على حياة الرهائن وعدم تعريضهم للخطر.
   فعلاً تمكنت القوات النظامية قبل ظهر يوم الثلاثاء من فتح ابواب المسجد الحرام في الجهة الشرقية وبدأت من خلاله التعامل بالنار بكفاءة عالية مع الغزاة,الذين احتموا بالرهائن لحمايتهم في تحركاتهم داخل المسجد الحرام.
رجال قناصة!
   المهم فعلاً انه تبين لقوات الامن السعودية منذ الساعات الاولى للحادث ان الغزاة مسلحون تسليحاً جيداً وانهم مزودون بمدافع رشاشة وبنادق بعيدة لمدى واسلحة مضادة للدروع وقنابل يدوية, وان من بينهم عدداً من اصحاب المهارات الفائقة في الرماية, مزودين بالبنادق القادرة على التصويب الدقيق عن بعد, وهذه البنادق يستعملها القناصة عادة.
   ولم تكن الاسلحة في حوزة الغزاة هي تلك فقط التي تمكنوا من تهريبها الى المسجد الحرام داخل نعوش الموتى, بل نجحوا ايضاً وقبل ذلك في تهريب وتخزين كمية من الاسلحة والذخائر اخفوها في اركان الطابق العلوي للمسجد الحرام.
   كما تبين ايضاً ان المتمردين الخوارج خططوا جيداً لعمليتهم الاجرامية, ودرسوا جيداً خريطة الموقع وتحصنوا بجميع الزوايا والاركان البعيدة المغطاة في الحرم الشريف, وهي كثيرة, الامر الذي دعم مقرتهم على ارتكاب الشر والاستمرار في المقاومة.
   وظهر من اليوم الاول الاحتلال المتمردين للمسجد الحرام, انهم صعدوا الى الطابق الثاني من الحرم, كما ان عدداص منهم صعد الى منائر المسجد الحرام, ومن هناك استطاعوا السيطرة بنيرانهم على منطقة تحرك القوات النظامية خارج الحرم الشريف, في الوقت الذي كان زملاؤهم في الطابق الاسفل يوجهون نيرانهم الى جميع مداخل المسجد الحرام, ومجموعة الرهائن التي لاذت بالكعبة المشرفة والتصقت بها وتعلقت باستارها طلبا للنجاة, وبينهم اطفال ونساء ومسنون وعجزة ينتمون لعدة جنسيات مختلفة, لم تفلح توسلاتهم في تحريك قلوب المعتدين المجرمين لاطلاق سراحهم.
   يوم الاربعاء دارت معركة ضاربة بين القوات النظامية والخوارج, قيل ان عدد القتلى فيها كان كبيراً, واستطاعت القوات النظامية ان تقبض على عدد كبير من المتمردين تم نقلهم في سيارات مصفحة حماية لهم من غضبة المسلمين, وبقايا الحجاج الاسيويين والافارقة الذين كانوا في اشد حالات الغضب والهياج والحزن والذين كانوا مجتمعين خارج نطاق حزام الامن الذي ضربته القوات السعودية حول الحرم الشريف.
   وكانت قد ذكرت انباء يوم الجمعة ان رئيس مجموعة المعتدين ومساعده قتلا برصاص القوات النظامية, الا ان ذلك لم يكن صحيحاً.
   وبرغم نداءات رجال الامن الميكروفونية للمتمردين بالاستسلام والقاء السلاح واطلاق الرهائن, ظلت مقاومة المعتدين مستمرة, وكان من الضرورة بمكان القيام بعملية اقتحام شاملة لانهاء مقاومة بقايا المعتدين الذين تحصنوا في منارتين من منارات المسجد الحرام السبع.
   وسبق عملية الاقتحام هذه التي قامت بها القوات السعودية بعد ظهر يوم الاحد, صدور فتوى العلماء بضرورة مقاتلة المتمردين طالما انهم لم يستسلموا.
  وفعلاً تم الاقتحام بنجاح واعتقل قائد الجماعة المتمردة وبقايا الفئة المتعاونة معه, وطهر الحرم الشريف من رجس هؤلاء الخوارج.
جماعة "المشتراة" او "المشترين"
   من هو زعيم المتمردين؟ وما هي هوية هذه الجماعة من الخوارج؟ تقول مصادر عربية مطلعة ان هذه الجماعة تنتمي الى فئة
الاسلحة كانت مرسلة الى اليمن الشمالي
تتساءل المصادر الاجنبية بشكل رئيسي حول كيفية قيام مثل هذه المجموعة الكبيرة من المتمردين بهذا العمل, وبهذا السلاح الكثيف دون ان تكتشفها السلطات.
وتقول معلومات هذه المصادر ان هؤلاء المتمردين حصلوا على اسلحتهم هذه من صفقة اسلحة كانت مرسلة في الاصل الى اليمن  الشمالية.
"المشتراة" او "المشترين", والاصح "المشتراة", وهي جماعة منشقة عن الوهابيين وتتهم العائلة المالكة السعودية بأنها فشلت في تطبيق العقيدة الاسلامية, كما انها لهذه الجماعة مقراً في مكة, وهي تنتمي الى قبيلة المطيبة التي تسكن في جنوب شرق المملكة.
   أما قائد العملية فاسمه محمد عبد الله وهو زعيم قبلي في جيزان لا يتعدى عمره السادسة والعشرين.
   وتختلف الروايات حول البيان الذي اراد زعيم المتآمرين من امام المسجد تلاوته على المصلين, المعلومات السعودية الرسمية تقول انه في هذا البيان ادعى بأنه المهدي المنتظر, وعندما رفض الامام تلاوة البيان قتله بالرصاص.
   بعض اخر من شهود العيان قالوا ان الجماعة اخذت الامام الى طابق سفلي ولا احد يعرف مصيره, وقالوا ان البيان كان سياسياً.
  اما عن عدد المتمردين, فقد اختلفت الروايات. السلطات السعودية ذكرت ان عددهم لا يتجاوز الثلاثمائة, لكن شهود عيان افادوا بأن العدد يتجاوز الالف.
  المهم ان ردود الفعل من الدول العربية جاء مندداً بهذا العمل الاجرامي, كما ان قمة الملوك والرؤساء في تونس استنكرت هذا العمل الدنيء في رسالة مشتركة.
   كما ان الدول الاسلامية جميعها من ايران, باكستان, بنغلادش, تركيا, نيودلهي الى اندونيسيا وحتى الولايات المتحدة كلها استنكرت تدنيس قدس الاقداس لدى احدى اهم الديانات في العالم.
   وتبقى الاجابات على الاسئلة التي طرحنا في انتظار نتائج التحقيقات التي تتم بسرعة وعلى الفور. (انتهى)
___________________



المصدر : "الاسبوع العربي" 
نحو قرار دولي بإدانة "كمب ديفيد"

   بدأت الجمعية العامة للامم المتحدة هذا الاسبوع مناقشة قضية الشرق الاوسط والمسألة الفلسطينية. وتشهد أروقة المنظمة الدولية نشاطاً بارزاً للمجموعة العربية, في محاولة لوضع صيغة اقتراح ستطرحه على الجمعية العامة, ينص على ادانة اتفاقيات كمب ديفيد والاتفاق المصري – الاسرائيلي المنفرد.
   وكانت لجنة فلسطين العربية, المنبثقة من المجموعة العربية في الامم المتحدة, كلفت من قبل مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد أخيراً في نيويورك, بإعداد صيغة هذا الاقتراح وعرضه على السفراء العرب في نيويورك تمهيداً للموافقة عليه وإدراجه في جدول اعمال الجمعية العامة.
   وقد عقدت المجموعة العربية الاسبوع الماضي جلسات مفتوحة ناقشت فيها صيغة اقتراح ادانة اتفاقات "كمب ديفيد" والمعاهدة الثنائية المصرية – الاسرائيلية, ووافقت المجموعة على صيغة القرار العربي مع ادخال بعض التعديلات الفنية عليه. وسيطرح هذا المشروع – القرار على الجمعية العامة خلال كانون الاول الحالي لمناقشه التصويت عليه.
   وينص القرار – دون ان يهاجم مباشرة الولايات المتحدة الاميركية – على ان نص اتفاقيات كمب ديفيد. يتعارض مع القرارات الدولية الصادرة عن الجمعيات العمومية للامم المتحدة, ولمجلس الامن الدولي, حول ازمة الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية, بإعتبار ان أي قرار من هذه القرارات يجزىء الحلول والتسويات السياسية والسلمية في أزمة المنطقة, بل يعتبر ان الجانب العربي في النزاع العربي – الاسرائيلي هو طرف واحد وان القرارات الصادرة عام 1967 وعام 1973 تؤكد على انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967.
   وعلمت "الاسبوع العربي" من مصادر دبلوماسية عربية في الامم المتحدة, ان المجموعة العربية قررت بناء لطلب من المندوب العراقي الدائم ان يدرج في جدول اعمال الجمعية موضوع منح صفة المراقب في الامم المتحدة,  لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية. وقد سبق لوزير الخارجية العراقية الدكتور سعدون حماده ان اقترح ذلك على مؤتمر وزراء الخارجية العرب في نيويورك في اوائل تشرين الماضي واتخذ المؤتمرون توصية اجماعية بشأنه. (انتهى)
___________________



لعبة الامم
مايلز كوبلاند

اذا اردت ان تفهم "لعبة الامم" فعليك ان تضع نصب عينيك القواعد التالية:
 1- ان من اول اهداف اية أمة كانت ان تبقى في اللعبة ولا تخرج منها
 2- وغالباً ما تتصرف الامة بصورة لا تهدف معها الى احراز اي نجاح في داخل اللعبة بقدر ما تهدف الى استمرار التأييد الجماهيري لزعيمها.
 3- ومن السذاجة الخاطئة بمكان ان يفسّر اي تصريح رسمي حول السياسة الخارجية بصفاء النية وخلوص السريرة, فالمناورة شرط اساسي لاي زعيم في اللعبة, فهو يُظهر ما لا يبطن, ويقول شيئاً ويعني به شيئاً اخر.
 4- ان اظهار حسن النية والتصريح بوجود اهداف مشتركة لأمم متعادية لا يهدفان الا الى تحسين الاوضاع الداخلية او الى ممارسة ضغط على فريق ثالث, ويندر ان يحملا معهما اي امل مخلص لتحقيق ما يعلنان عنه حقيقة.
 5- ان مداعبة دولة عظمى لامة ضعيفة وملاطفتها لها غالباً ما تتمخضان عن التفات الاخيرة نحو الخصم الرئيسي للدولة العظمى وذلك لتدفع بهما الى التنافس على كسب ودّها وعندئذٍ تنتهز الفرصة لتجني الارباح وتحقق المكاسب.
 6- وعندما تُصبح الامة الضعيفة ذات قوة دبلوماسية عن طريق استغلالها ذلك التنافس بين الدول العظمى على كسب ودها فإنها تتبوأ هي الاخرى مركزاً استراتيجياً يساعدها على احراز قوة اكبر عن طريق التهديد بالقيام بمغامرات ترغب عنها الدول العظمى. (انتهى)
 
المصدر: الاسبوع العربي في 11/2/1980
سركيس في اجواء جديدة:
"عند تغيير الدول... احفظ رأسك"

مصحح

   "عند تغيير الدول.. احفظ رأسك!" هذه هي الحكمة التي كان يرددها زوار الرئيس الياس سركيس وهم يغادرون القصر الجمهوري الاسبوع الماضي. وقد ساد اعتقاد الناس بأن المنطقة, ومنها لبنان, مقبلة على تطورات مهمة, وخطرة, تصل الى حد تغيير حدود بعض الدول وإطاحة بعض الرؤوس الكبيرة؟!
   والواقع ان الرئيس سركيس, بما عنده من معطيات ومعلومات, حرص على ان يضع زواره في الاجواء الحقيقية للتطورات "حتى لا يخطىء احد في التقدير, او يلوم, بحجة انه لم يطلع على ما في هذه الاجواء.." وأعاد الى الاذهان كلاماً قديماً له, قاله في الايام الاولى لانتخابه, وخلاصته انه سيكون سعيداً, وناجحاً, إذا سلم لبنان لخلفه كما تسلمه, هو, من سلفه.
   ويقول بعض المسؤولين إن المؤشرات التي تخيفهم كثيرة, ومتنوعة, اهمها:
اولا – تصاعد التوتر في الجنوب وتسارعه, وتنامي الحشود العسكرية السورية والاسرائيلية فيه وحوله.
ثانياً – الانسحابات السورية من المواقع الردعية, في بيروت والضواحي, بعد الانسحابات السابقة من المواقع الجنوبية والشمالية.
ثالثاً – تسابق الفئات المسلحة على تسلم معظم المواقع التي يخليها السوريون, أو بعضها, وعودة المسلحين الى نقاط المواجهة المباشرة, مع ما في ذلك من خطر على البلاد والعباد.
رابعاً – عودة التوتر بين مسلحي الكتائب والاحرار, بعد احداث اهمج –
خامساً – تشابك الخيوط والمصالح الدولية في المنطقة, وعبرها وحولها, وانصراف الاشقاء والاصدقاء الى الاهتمام بشؤونهم الخاصة وحفظ رؤوسهم في معمعان الصراع على الدول ومواردها وانظمتها وكياناتها.
سادساً – امتلاء الاجواء باخبار احتمالات الصدام المسلح بين سورية واسرائيل, وما يمكن ان ينتج عنه من تطورات وآثار محلية وأقليمية. خصوصاً ان هناك كلاماً كثيراً عن وعد سوفياتي بنجدة سورية ومنع اسرائيل من النيل منها. وهذا يعني ان هناك إمكاناً لوقوع مجابهة مباشرة بين اميركا والاتحاد السوفياتي بسبب التزام واشنطن باسرائيل وسلامتهاوتفوقها العسكري.
   ويضيف المسؤولون قائلين: " ان كل ما في الجو يحمل على التصور ان لبنان, اليوم, هو على عتبة احداث جسام, قد تكون مشابهة لحرب السنتين التي لم تنته فصولاً بعد"؟!.
   وعندما يقال لهؤلاء المسؤولين إن ما يطلعون به على الناس, الآن, يناقض ما كانوا يقولونه قبل فترة وجيزة عن "وضع الازمة اللبنانية في ثلاجة الانتظار" يجيبون بقولهم: ليس هناك اي تناقض او تعارض. نحن ندرك ان "الهدنة" العامة الممنوحة لنا "يجب" ان تستمر حتى شهر ايار (مايو) المقبل, موعد الانتهاء من مفاوضات الحكم الذاتي للفلسطينيين بين مصر واسرائيل. لأنه ليس هناك مصلحة لأي من هاتين الدولتين بتفجير الوضع قبل انتهاء هذه المفاوضات بالفشل او بالنجاح. ولكن من يضمن لنا ان لا تتحرك المصالح الاخرى, الاقليمية والدولية, قبل ايار (مايو) وتنسف المعادلات القائمة حالاً في لبنان والمنطقة؟!
   ويمضي المسؤولون في اعلان تصوراتهم ويقولون: من الملاحظ ان وتيرة التحرك على الساحة اللبنانية تتبدل باستمرار تبعاً لتبدل اهداف هذا التحرك, وذلك بفعل التأثيرات الاقليمية والدولية في الواقع اللبناني. فقبل قمة تونس كان التحرك اللبناني يستهدف عقد هذه القمة لتناقش الوضع في جنوب لبنان وتصوغ له القرار المناسب والمقبول لبنانياً وفلسطينياً.
   وعقدت القمة وظهر التناقض بين الموقفين اللبناني والفلسطيني,وعجز القادة العرب عن التوفيق بينهما, رغم الاجتماعات الطويلة والمساعي الحثيثة. وكان ان صدرت القرارات المعلومة التي لم ترض لبنان, ولكنه تعامل معها على اساس: "اذا لم يكن ما تريد فارد ما يكون", علماً بأن في هذه القرارات شيئاً إيجابياً يتعلق بارسال الجيش الشرعي الى الجنوب.
   وبدأت المفاوضات والاتصالات للاتفاق على "شكليات" تنفيذ قرار إرسال الجيش الى الجنوب لأن الجميع وافقوا على مبدأ هذا الارسال. واظهر التعاطي المباشر مع الموافقين على المبدأ, والجوهر, ان "الشكل" عندهم له منزلة تتساوى مع المبدأ والجوهر ان لم تتقدم عليها؟!
   وطال الجدل وتشعب, ووقف من يقول بنشر الجيش في المناطق المسيحية (جبيل وكسروان) قبل إرساله الى الجنوب (!) ومن ينادي بجعل دخوله الجنوب متوازناً: اي يدخل صور ومرجعيون في وقت واحد؟! ومن يرى  ان مبدأ انتشار الجيش يجب ان يكون من صور الى طرابلس, مروراً بالوسط التجاري لبيروت, على ان تكون الافضلية لصور..
   وفيما الجدل ناشط بصدد هذه الامور "التشكلية" بدأت الانسحابات السورية من بعض المواقع الردعية. ثم انفجرت احداث إهمج – عنايا وجاء الانتصار السوري بالانسحاب من وسط بيروت – وكان قد سبق ذلك ما حدث في افغانستان وما تركه من انعكاسات على الصعيد العالمي كله – وهكذا اختلط حابل إرسال الجيش الى الجنوب بنابل تسلم جيش التحرير الفلسطيني بعض المواقع التي أخلاها السوريون وتحفز المسلحون من هنا وهناك, لتسلم مواقع غيرها. وتبدلت الصورة وتغيرت المعطيات وصار الذي كان مطلوباً بالامس,وملحاً, غير مطلوب اليوم ويحتمل التأجيل, بينما صار المؤجل معجلاً لا يقدر على الانتظار ولو على الصعيد التكتيكي على الاقل.
   ويقول المسؤولون في النهاية: ويتضح من هذا العرض السريع ان الوضع في لبنان لا يخضع لقاعدة  ثابته ذات مقاييس دائمة بل انه شبيه بالرمال المتحركة التي تتلاعب بها الانواء, في حين ان الاهواء هي التي تلعب بلبنان وتبدل حاله من حال الى حال بين يوم وآخر.
 -وما هي النهاية ومتى تكون؟
ويجيب الرئيس سركيس عن هذا السؤال بقوله: "حاولنا فصل الازمة اللبنانية عن ازمة الجنوب فكان نجاحنا جزئياً. وحاولنا فصل الجنوب عن ازمة الشرق الاوسط فلم نوفق, ولذلك ليس عندنا غير الانتظار والعمل على تجنب الوقوع في مهاوي الخطر ومطباته. وما دام فرض علينا الانتظار فلنحاول ان ننتظر بأقل ما يمكن من الخطر والضرر".
   اما رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص الذي "خطف رجله" الى دمشق يوم الاثنين الماضي في 4-2-80, وناقش مع الرئيس حافظ بالاسد وكبار معاونيه اخطار الانسحاب السوري من بيروت ولبنان, في هذا الوقت, فانه لا يستهين بالصعوبات التي تواجه الحكم والشعب, ويرى ان النتائج تتوقف على التحرك الذي بدأه المسؤولون ونوع هذا التحرك وشموله وأبعاده. "لأن القرار السوري بالانسحاب هو قرار نهائي وما نستطيعه هو التفاهم على حدوده وحجمه وتوقيته".
   ويعترف رئيس الحكومة بأن ليس عند الحكم بديل للجيش يتسلم المواقع التي يخليها السوريون. ولكن وضع الجيش وواقع القوى المسلحة الموجودة يفرضان على الجميع ان يدعموا الجيش ويسهلوا له مهمته اذا كانوا فعلاً,لا قولاً يرغبون في مشاهدته يعود الاقوى ولاانقى على الارض اللبنانية. واذا كانوا, حقاً, يريدون ان تبسط الشرعية سلطتها على لبنان كله من الناقورة حتى النهر الكبير.  (انتهى)
___________________


 


( الحوادث يوم الجمعة 22 شباط 1980 العدد 1216)
رغم مشاغل الإدارة الاميركية في كامب دايفيد وتغيب كارتر , وسيروس فانس هناك , فقد اتصل الرئيس الاميركي بالشاه مبدياً تمنياته, وأمر " وارن كريستوفر" نائب وزير الخارجية الأميركية بتشكيل " لجنة عمل ايرانية " وأعتبر ذلك دليلا على وصول الوضع الايراني الى مرحلة الازمة , ووصف الدبلوماسيون والصحفيون الغربيون وجنرالات الجيش الايراني , الوضع بأنه حرب أهليه..
والاهتمام الاميركي لا يعني بالحتمية , التفكير في انقاذ الشاه, لان الولايات المتحدة ككل الدول الكبرى التي سبقتها في التعامل مع العالم الثالث , عندما لا تستطيع انقاذ حاكم صديق , تعيد فتح ملف البلد , تحت شعار : "كيف يمكن الاستفادة من سقوط صديقنا" !... فشعار الدول الكبرى هو : ليس المهم أن يبقى صديقنا في الحكم , بل المهم أن تبقى صداقة النظام , أن يصبح خليفته صديقنا .. والرئيس شارل الحلو , يروي أنه سأل أحد كبار المسؤولين الاميركيين , بعدما ترددت اشاعات ونظريات حول دور الولايات المتحدة في تنفيذ ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا: " ما هي حقيقة الدور الاميركي؟"
فأجابه :" دورنا كان محصورا في الاستفادة من الانقلاب. لقد وجدنا  أن قيام حكم عسكري ديناميكي شاب ينتمي لثورة 23 يوليو, مجاور لمصر من شأنه أن يريح أعصاب الرئيس جمال عبد الناصر لأنه بعد هزيمة 1967, أصبح التصلب العربي يشكل حجر عثرة في طريق السلام , وهو وضع طبيعي, لانه في اعقاب الهزائم تتحول الصلابة الى تصلب, وعبد الناصر أصبح يشعر أنه محاصر بنظم معادية تتشفى في هزيمته , فجاءت الثورة الليبية عام 1969 لتلين الرئيس المصري , وجعلته يقبل بمشروع روجرز الذي طرحناه بعد قيام الثورة الليبية بشهرين!...
الغريب أن نفس التحليل وصلت اليه الثورة الفلسطينية في الأيام الأولى , بالنسبة لتأثير ثورتي السودان (مايو 1969) وليبيا (سبتمبر 1969 )على اعصاب عبد الناصر , ووضعه السياسي في المنطقة وهناك تعليق مشهور لاحد القيادين في حركة فتح , إذ وصف النظامين الجديدين , بأنهما "عكازات الحل السلمي " التي سيستعين بها النظام المصري " المقعد" للوصول الى حل للمشكلة .. ولاحظ نفس المصدر أن الثورة في كل من السودان وليبيا أصدرت في بياناتها الاولى أعلانا بقبول القرار 242 مع انه لم تكن هناك ضرورة لذلك فهما من غير دول المواجهة , وانما كان لهذا الاعلان تأثير في دعم القبول المصري للقرار...
وافتتاحية " الواشنطن بوست " (12-8-1978 )
أكدت اهتمام أميركي بايران , وضرورة أن يكون هناك وجود أميركي سياسي عسكري اقتصادي في طهران " مهما اختلفنا على صيغة هذا الوجود ولكنه ضروري حيث تمثل ايران حجر الزاوية في الحاجز ضد النفوذ السوفياتي في منطقة حيوية تفتقر الى الاستقرار .. ولنا ان نتخيل أي ضرر يصيب مصالحنا " الأميركية " اذا ما قام في طهران " قذافي" ايراني , وهو احتمال لا يحول دونه سوى وجود الشاه . وقد اعتبر الذين يحسنون الظن , أن هذه الافتتاحية والاشارة الى أن البديل هو " نظام قذافي" وليس شيوعياً " نوع من التفكير بصوت عال, أما الذين  يسيئون الظن, فاعتبرونها نوعا من الإيحاء, أو الدعاية السوداء لانه عندما يقال للإيرانيين الثائرين ضد الشاه, ان الخطر الاكبر على مصالح أميركا هو قذافي ايراني..فمن ذا الذي يفضل شاه المصالح الاميركية على وطنية القذافي؟!
وقد اعترفت" التايم"  بأن الدوائر السياسية في واشنطن وطهران تعتقد " بوجود عناصر للمخابرات الأميركية في قيادة المعارضة , على أمل ان يحتلوا مراكز مهمة في الانقلاب المنتظر "( تايم 18-9-1978 )
على أية حال. الدول الكبرى تحتفظ دائما بالبدائل, وان كان الروس يعترفون بتفوق الاميركيين عليهمم في هذا المجال, حتى قيل أن المخابرات الاميركية , الادارة الاميركية تطبق الاسلوب الماركسي في تحليل أفضل من السوفيات أسرى " الدوغما " الماركسية .. فرغم كل العلاقات الطيبة التي ربطت الولايات المتحدة بنظام الشاه خلال الربع قرن الماضي , منذ ان اعاد الاميركيون الشاه الى عرشه, الى زيارة كارتر لطهران وقوله للشاه انه يشعر نحوه بعرفان للجميل, وبصداقة شخصية أعمق من كل المشاعر التي تربطه بأي حاكم آخر بل ذهب في أحد خطبه الى القول بأن الشاه يشاركه في أرائه حول " حقوق الانسان" في الوقت الذي كان فيه رجال السافاك يطاردون حتى الايرانيين في الخارج , ورغم قرار لجنة العفو بأن " إيران هي أسوأ مكان في العالم من ناحية إحترام حقوق الانسان 1975" ومع ذلك فلا صداقات دائمة في السياسة الدولية بل مصالح دائمة. وإذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن بديل .. فما هو؟!
فتح الملف الإسلامي
قبل الاجابة عن هذا السؤال يجب القول بأن أحداث إيران قد فتحت الملف الاسلامي أو المسألة الشرقية  من جديد فهذا العالم الاسلامي الذي يمتد من أندونيسيا الى غرب أفريقيا, يشكل في الرقعة الممتدة من باكستان الى تركيا حاجزا تاريخيا وبشريا وعقائديا ضد وصول الاتحاد السوفياتي الى المياه الدافئة , وهو بالصدفة – أي العالم الاسلامي يضم كل نفط العالم القديم ويشكل قلب آسيا وأفريقيا , وكافة مواصلات الغرب مع آسيا أو أفريقيا لابد أن تمر عبره.. وإذا كانت أهميته السياسية والجغرافية معروفة للغرب منذ الحروب الصلبية فإن أهميته الدينية برزت في السنوات الأخيرة في ضوء عدة اعتبارات سنتناولها بالتفصيل في هذه الدراسة , ويمكن أن نشير اليها الآن في سطور:
الموجة الدينية التي تجتاح العالم الإسلامي . ففي باكستان اسقط رجال الدين أو مهدوا لتحرك الجيش الذي اطاح بحكم "بوتو". وفي تركيا نمت القوى الاسلامية الى حد اعتراف مجلة "التايم" انها ستقرر مصير الحكم في تركيا في الانتخابات المقبلة . وفي مصر تكاد تكون الحركات الدينية هي المسيطرة على حركة الجماهير .. وأحداث لبنان تؤكد تغلب العامل الديني على كل العوامل الأخرى .. وأخيرا جاءت ثورة "آيات الله " في ايران .
نجاح النموذج الاسرائيلي القائم على الدين في بناء دولة عصرية متماسكة , محصنة ضد النفوذ الشيوعي, ورغم كل ما صاحب نشأتها من تأثيرات شيوعية - روسية .. وهناك مدرسة جديدة في الدراسات الاميركية تعتقد أن ظهور إسرائيل قد أعاد المنطقة الى عصر الصراعات الدينية ومن ثم لا بد من ركوب هذه الموجة بدلا من التصدي لها.
لقد حاولت الولايات المتحدة خلال العشرين عاما الماضية الاعتماد على نظم عسكرية ثورية أو علمانية تصفي الحركات الدينية , ولكنها كلها تقريبا انتهت بالعزلة عن الجماهير , وبالوقوع في احضان النفوذ السوفياتي أو التمهيد له . (انتهى)
___________________



تحت ضغط الشركات البترولية
قررت واشنطن نهج سياسة "الباب المفتوح"

وثيقتان تاريخيتان تثبتان ان النفط كان السبب في تخلي اميركا عن عزلتها العالمية

دراسة اعدها: ابراهيم الحلو
الجمهور 10 نيسان 1980 ص22
   
    اميركا تلهث وراء البترول, واوروبا تلهث وراء اميركا.. واميركا واوروبا تلهثان وراء اكتشاف منبع جديد للطاقة يخفف من هذا السباق المحموم على "طريق البترول".
   ويبدو ان الاتحاد السوفياتي, هو ايضاً, قد لحق بركب اللاهثين وراء هذا السائل السحري الاسود الذي يحرك الجماد ويجعل الحديد يطير في الجو ويدفع الصواريخ الهائلة عبر فضاء الكون الفسيح.
   عندما نشبت ازمة الرهائن الاميركية في الرابع من شهر تشرين الثاني الماضي وراحت واشنطن تهدد وتتوعد وتحرك الاساطيل الضخمة كما يحرك اللاعب احجار الشطرنج, كتب معلق كبير في احدى الصحف الفرنسية يقول: "قد لا يستطيع صوتي هذا ان يعلو على قعقعة السلاح في الترسانات الاميركية الرهيبة, ولكني اقول, مع ذلك ، ان الولايات المتحدة تلوح بالحرب ولا تضرب ابداً الا في حالة واحدة: اذا امتدت يد غريبة الى بترول الشرق الاوسط".
   ولما غزا الاتحاد السوفياتي افغانستان في مطلع العام الحالي, عادت واشنطن الى التلويح بالحرب, فحركت مزيداً من حاملات الطائرات والطرادات والغواصات النووية وضمنت قواعد انزال وتمركز وانطلاق في بعض بلدان الشرق الاوسط وافريقيا, غير انها اشترطت لفتح النار, ان "تتقدم القوات السوفياتية نحو الخليج العربي" المصدر الاول للبترول الذي يحرك عجل مصانع اميركا واوروبا الغربية. ثم تواترت الانباء عن اعداد وتجهيز فرقة للتدخل السريع تستطيع الانتقال خلال ساعات الى ساحة القتال بأحدث الوسائل وافتك المعدات.. وحتى الان لا تزال القوة الاميركية الضاربة تراقب, عن كثب, ساحة العراك في افغانستان وهي تأمل في ان تتحول هذه الساحة الى فيتنام سوفياتية وان يذوق الجيش الاحمر مثل الذي ذاقه الجيش الاميركي في ملحمة الهند الصينية.
   وفي الوقت الذي تقف فيه واشنطن على اهبة الاستعداد لصد كل محاولة تسلل نحو بترول الخليج يعمل 12.000 خبيرة و100.000 باحث في برنامج ميزانيته عشرة مليارات دولار لاستنباط اول مركبة تسير بطاقة غير البترول, هي السيارة التي يعمل محركها بالهيدروجين السائل.. لعلها تكون الخطوة الاولى الى التحرر من استبعاد للبترول للمستغلين بعدما كان "مستبعد الشعوب" التي تنتجه حسب الشعار الذي رفعه المؤرخ اللبناني الكبير يوسف ابراهيم يزبك قبل اربعين عاماً وجعله عنواناً لكتابه.
   ويرى الخبراء, برغم التقدم الذي تم احرازه على هذا الصعيد, ان الوقت لا يزال مبكراً جداً للقول ان بوسع العالم الغربي المصنع الاستغناء عن البترول والاستعاضة عنه بمصادر للطاقة اخرى.
   ان قصة اميركا والبترول قصة طويلة, وقصة شيقة, فالواقع ان البترول, وبترول الشرق الاوسط على وجه التحديد, هو الذي كان السبب الرئيسي في تخلي الولايات المتحدة عن "مبدأ مونرو" وكسر طوق عزلتها التاريخية, وتبني سياسة "الباب المفتوح" على العالم.
  والحكاية تبدأ غداة الحرب العالمية الاولى ايام كان الرئيس الاميركي ويلسون لا يزال ينادي بـ"اميركا للاميركيين" برغم اشتراك بلاده, عمليا, في حرب بدأت اوروبية ثم لم تلبث ان صارت عالمية.
   والواقع ان شؤون البترول, كمصدر اساسي رخيص الثمن, وافر الكمية, بدأت تحتل مركزاً مهماً في السياسة الدولية بين الحربين العالميتين.
اوروبا تناست اميركا
   فقد فوجئت الولايات المتحدة بنصوص الاتفاقات السرية التي عقدت, في غفلة منها, بين حلفائها الغربيين, وبخاصة ما يتعلق باقتسام تركة "الرجل المريض" – الامبراطورية العثمانية, واتفاقية سايكس – بيكو ونشر الرسائل الشهيرة التي تبادلها الملك الحسين الهاشمي والسير هنري مكماهون, وزير الخارجية البريطانية آنذاك.
   وبرغم عزلة ويلسون, ورفض الكونغرس الاميركي تصديق معاهدة فرساي, فإن رائحة بترول الشرق الاوسط حرضت رجال الاعمال الاميركيين على خوض معركة احتكار النفط الشرق اوسطي, فراحوا يمارسون ضغوطاً شديدة على حكومتهم للاحتجاج على اقتسام مناطق البترول العربية بين الانكليز والفرنسيين والمطالبة بأن يكون لواشنطن حصة الحليف لئبلا نقول حصة الاسد.
   وانظلقت الشرارة الاولى من حادث ربما كان تافهاً ولكنه ذو مدلول, رواه الكاتب الاميركي ب.غيرنغ في كتابه القيم: "الباب المفتوح ونظام الانتداب"
The open door and the Mandates system
قال: "في تشرين الاول عام 1919 امر الحاكم العسكري الانكليزي في فلسطين القبض على احد الرعايا الاميركيين وهو ينقب عن البترول على ساحل البحر الميت فضج رجال الاعمال الاميركيون وبدأوا يرفعون الصوت قائلين ان اغضاء حكومتهم عن الاحتكارات البترولية سينتهي بابعادهم بصورة نهائية عن منطقة الشرق الاوسط الغنية بالنفط, وكانت النتيجة ان طلب مجلس الشيوخ الاميركي, بقراره الصادر في 10 اذار (مارس) 1920, من رئيس الجمهورية توضيح الظروف والمضايقات والقيود التي يتعرض لها المواطنون الاميركيون في الشرق الاوسط من قبل سلطات الانتدابين البريطانية والفرنسية".
   ويتابع غيريغ: "هذه هي الظروف المباشرة التي ادت الى تدخل اميركي رسمي, هو الاول من نوعه, في الشؤون الشرق الاوسطية والمطالبة بتطبيق سياسة "الباب المفتوح" لا في البلدان الواقعة تحت الانتداب وحسب بل في الشرقين الادنى والاوسط بكاملهما".
   وقد اتخذت هذه السياسة طابعها الواسع بعد توقيع معاهدة النفط بين فرنسا وبين انكلترا في "سان ريمو" عام 1920, وكانت الحرب قد فتحت عيون اميركا على المستقبل الضخم الذي ينتظر البترول في العالم الحديث, واهمية استخدامه في السلم والحرب على السواء, ففي الحروب التي اخذت تتجه نحو المكننة لم يعد مفر من توفير البترول لتحريك الاساطيل الضخمة والمركبات البرية والطائرات وسائر المعدات العصرية, وفي السلام يلعب البترول دور الدم في شرايين المواصلات والمعامل ومختلف المجالات الاخرى.
   والامر الذي حث الولايات المتحدة على اثبات وجودها على مسرح النفط ما تنبأ به عدد من العلماء والاختصاصيين حول نفاد البترول الاميركي خلال فترة قصيرة نسبياً, لذلك عزمت واشنطن على فرض معركة البترول من اوسع ابوابها ولا سيما في هذه المنطقة المهمة, وبشكل يؤمن مصالح رعاياها ويضمن أسس سيطرتها الاقتصادية فيما بعد. وقد اعطت هذه السياسة ثمارها سريعاً.
   ويقول مؤلف اميركي آخر هو ك.هوفمان في كتابه "سياسة الزيت" Oil politik ان جون كادمان المستشار الفني للشركة الانكليزية – الفارسية توجه الى الولايات المتحدة في مطلع العام 1920 لاجراء المفاوضات اللازمة لمشاركة الاميركيين في "كنز الذهب الاسود".
وقد انتهى الامر فعلاً بالاتفاق على ان تسلم الشركة البريطانية – بإيعاز من حكومة لندن – نصف نصيبها من اسهم شركة البترول التركية التي انتقلت ملكيتها الى الشركة البريطانية – الفارسية لشركة "ستاندر اويل" الاميركية.
   اما الكاتب ب.شوادران فقد ضمن كتابه "بترول الشرق الاوسط المقبلة لاميركا كي تخرج, مرة والى الابد, عن عزلتها المزمنة وان تنفض عن كاهلها غبار مبدأ مونرو الذي رفع شعار "اميركا للاميركيين" وحظر تدخل الولايات المتحدة في شؤون العالم القديم لا سياسياً ولا اقتصادياً.
سياسة "الباب المفتوح"
   يقول شوادران ان التدخل الاميركي اتصف بمبدأين: اولهما انتهاج واشنطن سياسة "الباب المفتوح" التي تعني, في الواقع, مشاركة اميركا في الغنائم مثلها كمثل حليفاتها الاوروبيات, وثانيهما مساعدة حكومة الولايات المتحدة لكل الشركات الاميركية التي تطلب المساعدة الدبلوماسية دون تفريق او تحيز.
   هذا في الوثيقة الاولى, اما الثانية وهي رسالة من وزير الخارجية الاميركية تشارلز هوغ الى الرئيس كوليدج – وتاريخها 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1923, فتظهر الخطوط الرئيسية لسياسة الولايات المتحدة البترولية التي خططت لاتباعها في المنطقة العربية عندما تتهيأ لها الظروف.
   ونظراً لخطورة هاتين الوثيقتين باعتبارهما المنطلق التاريخي الحقيقي لما يجري اليوم ولما قد يقع غداً مما قد يؤثر في مصير العالم الحقيقي لما يجري اليوم ولما قد يقع غداً مما قد يؤثر في مصير العالم أجمع, نرى من المفيد ادراج بعض الفقرات المهمة منهما.
   ففي الوثيقة الاولى التي جاءت على شكل رسالة من سفير الولايات المتحدة الاميركية في لندن المستر ديفيس الى وزير الخارجية البريطانية اللورد كورزون بتاريخ 12 أيار (مايو) 1920, نقرأ هذه الفقرة:
   "... وقد نتجت عن ادارة فلسطين والعراق من قبل حكومة صاحب الجلالة خلال مدة الاحتلال العسكري, اتصالات متعددة بين حكومة الولايات المتحدة وحكومة بريطانيا العظمى تتعلق بالشؤون التي تركت لدى الجمهور الاميركي انطباعات حزينة, لان سلطات حكومة جلالة الملك في المنطقة المحلة احاطت المصالح النفطية البريطانية بحظوتها ورعايتها, وحرمت منها الشركات الاميركية, وان بريطانيا العظمى كانت تحضر بكل دقة وتأن فرض رقابة صارمة من قبلها على موارد النفط في تلك المنطقة. وكان سبب تلك الانطباعات عموماً, كما نعتقد, تقارير رسمية تتعلق بالسياسة العامة لبريطانيا العظمى المتعلقة بالنفط والاعمال القائمة حالياً على هذا الصعيد".
وتخلص الرسالة – الوثيقة الى القول:
   "ان حكومة الولايات المتحدة, بناء على كل ما تقدم, تبدي المقترحات التالية التي تجسد المبادئ التي يسر حكومة الولايات المتحدة ان تراها تطبق في المناطق المحتلة او الواقعة تحت الانتداب:
 1-تتقيد السلطة المنتدبة (البريطانية) وتلتزم بشكل دقيق بالمبادئ التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الصلح في باريس وبالمبادئ الواردة في صك الانتداب الذي اعد في لندن لتتبناه لجنة الانتداب في عصبة الامم.
 2-تضمن السلطة المنتدبة المساواة في المعاملة بين رعايا وافراد جميع الدول الحليفة من الناحيتين القانونية والفعلية وبين رعايا وافراد السلطة المنتدبة في كل ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والفعاليات التجارية.
 3-لا تمنح امتيازات اقتصادية بحتة في اراضي اي من المناطق الخاضعة للانتداب كما لا تمنح اي امتيازات احتكارية تتعلق بأي من السلع الكمالية او بأي امتياز اقتصادي ثانوي او اساسي, لانتاج او لتطوير او استثمار مثل تلك السلع الكمالية (المقصود في كل ذك, وبالدرجة الاولى, الاستثمارات البترولية).
 4-... يراعى في التشريعات المتعلقة بمنح الامتيازات الخاصة باستثمار واستغلال المواد الاقتصادية, عدم الحاق الضرر بالمواطنين الاميركيين والشركات الاميركية او الشركات الواقعة تحت اشراف المواطنين الاميركيين الخ... (والمقصود هنا ايضاً الاستثمارات البترولية قبل اي شيء...)
   ويختم السفير رسالته التي يفهم من لهجتها ان صاحبها يتكلم من مركز قوة, بالقول: "... وسيسر حكومة الولايات المتحدة ان تتسلم رداً سريعاً يتضمن اراء حكومة جلالته ليطمئن الرأي العام الاميركي في الولايات المتحدة (...)
   ويعلق المؤلف على هذه الوثيقة مستنتجاً ان حكومة واشنطن قد أذعنت, في النهاية, لضغوط الشركات البترولية الاستثمارية والاحتكارية وقررت التخلي عن عزلتها وفتح ابوابها عريضة والنزول الى ساح معركة البترول التي غيرت وجه القرن العشرين تماماً كما غير البخار وجه القرن التاسع عشر وكما ستغير – في الغالب – الطاقة النووية وجه القرن الواحد والعشرين!
   ومما يؤكد هذا الاستنتاج ما جاء في الوثيقة الثانية التي لا تقل خطورة عن الاولى وهي, كرفيقتها, عبارة عن رسالة موجهة من وزير الخارجية الاميركية الى الرئيس كوليدج بتاريخ 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1923.
يقول الوزير:
   "لقد لفت انتباهي حديثاً ان شركة نفط "سينكلير" قد شعرت بشيء من الامتعاض (...) بسبب ما تعتبره فشلاً لها في الحصول على دعم من هذه الوزارة بخصوص ما يتعلق بجهودها لتأمين امتياز نفط في شمالي ايران".
   ويضيف الوزير مدافعاً عن موقف وزارته: "ان الموقف غير المتحيز لهذه الوزارة حيال الشركات الاميركية المتنافسة, قد اتبع بشكل دقيق. واني اؤكد استعداد الوزارة لتقديم دعم دبلوماسي مناسب للمصالح لاميركية في الخارج, بقطع النظر عن الشركة التي تؤمن هذه المصالح".
   ويقول بعد قليل: "أننا ماضون في جهودنا للحفاظ على سياسة "الباب المفتوح" او تكافؤ الفرص التجارية, ولكننا لا نحاول ان نرتب التزامات على الحكومة الخ..."
الرغبة الحقيقية
   ان هاتين الوثيقتين الخطيرتين حاولتا عبثاً اظهار الولايات المتحدة بمظهر الدولة الزاهدة بالاطماع, التي لا تطلب الا مساواة مواطنيها وشركاتها بمواطني وشركات حلفائها, ربما ثقة منها بأن هؤلاء المواطنين وتلك الشركات يملكون من الامكانات المادية والطاقات التقنية ما لا يلبث ان يضمن لهم الغلبة في "معركة النفط" فيخسر النفوذان الانكليزي والفرنسي ليرثهما النفوذ الاميركي, وهذا, حصل فعلاً خلال فترة ما بين الحربين ثم طغى وتفاقم بعد الحرب العالمية الثانية.
   أما وثيقة 12 ايار 1920 فقد ظلت مدة طويلة دون جواب من قبل حكومة لندن, الى ان نشرت بنود اتفاقية سان ريمو, فعمد السفير الاميركي, بإيعاز من وزارة الخارجية في واشنطن, الى ارسال مذكرة جديدة كرر فيها مباديء مذكرته السابقة واعرب عن احتجاجه على اتفاقية سان ريمو التي اعتبرها خرقاً لتلك المباديء لانها اعطت فرنسا افضلية خاصة في المعاملة بالنسبة للمصالح الدولية في الشرق الاوسط وفي مقدمتها البترول طبعاً.
   عندئذٍ فقط اجاب اللورد كورزون وزير الخارجية البريطانية مدعياً ان حكومته لم تبن مصاف بترولية ولم تمد انابيب لها, أما الخطوط الحديدية والطرق البرية فقد انشئت لاغراض عسكرية بحتة (....)
   الا ان هذا الجواب البعيد عن الحقيقة لم يحسم الموضوع لانه لم يقنع الشركات الاميركية التي كانت على اطلاع تام بالنسبة لكل ما تقوم به الشركات الانكليزية والفرنسية في الشرق الاوسط من نشاطات متسارعة لاستغلال الذهب الاسود.
  وانتهى الامر, كما هو معروف, بتسويات اقتصادية واقتسام الغنائم بشكل سافر. ثم لم يلبث ما توقعته واشنطن ان تحقق اذا نجحت الشركات الاميركية الغنية في السيطرة اكثر فاكثر على المصالح البترولية وانتزاع الامتيازات الانكليزية والفرنسية شيئاً فشيئاً.
   ويروي مؤلف اخر هو هو لونغرينغ في كتابه "النفط في الشرق الاوسط" ان الاميرال الاميركي تشستر كان قد وقع, سنة 1913, اتفاقية بترولية مع حكومة الباب العالي, تبناها مصطفى كمال اتتورك في 9 نيسان (ابريل) 1923, وهي تسمح للشركة "الاميركية – العثمانية" بالتنقيب عن البترول على مسافة اربعين ميلاً على جانبي الطريق الممتدة بين انقرة – سيواس – كربوت – ديار بكر – الموصل حتى الحدود الايرانية, لقاء تأييد الحكومة الاميركية ضم مدينة الموصل العراقية الى تركيا, ولما كان العراق آنئذ تحت الانتداب البريطاني, فقد اسرع السياسي البريطاني الداهية "جون بول" الذي فهم مرمى تبني النظام التركي الجديد للاتفاقية القديمة, اسرع "برشوة" الولايات المتحدة بالتنازل للشركات الاميركية البترولية عن 23.75 بالمئة من اسهم شركة نفط العراق, فتراجعت واشنطن عن تأييد المطامع التركية بالموصل واعترفت رسمياً بانتداب بريطانيا على العراق, وظهر للعالم ان تلك الاساليب الدبلوماسية مجرد شعارات بعيدة عن حقيقة نيات اصحابها, وان الموضوع لا يتعلق باحترام مبادىء او قيم او تعهدات بل باقتسام الغنائم وتوزيع المصالح الاقتصادية في وقت كان العرب, اصحاب الحق الاصليون, مغلوبين على امرهم ينظرون دون ان يستطيعوا تحريك ساكن...
   في ظل سياسة "الباب المفتوح" طغى المد الاميركي على بترول المنطقة فمضى يستثمره بابخس الاثمان الى ان استقلت الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية تباعاً واستفاق فيها الوعي القومي وفتحت عيونها على ثرواتها المنهوبة, فأخذت, بالتعاون والتضامن مع دول اخرى تنتج البترول فيستغله الاقوياء والاغنياء, تعمل على كبح جماح جشع الشركات الاحتكارية والمحافظة على حقوقها الوطنية فتألفت الهيئات والمنظمات التي تولت الدفاع عن حقوق الدول المنتجة للنفط.
   ومع ذلك فما زالت الاحتكارات الاميركية الكبرى تعتبر نفط الشرق الاوسط "صيدا محروساً" – كما يقولون بالفرنسية – تدعمها القوة العسكرية الاميركية التي اعطت اكثر من برهان على استعدادها لاشعال نار حرب نووية من اجل البترول ومن اجله فقط...(انتهى)

____________________________



في حديث لمجلة لونوفيل اوبسرفاتور الفرنسية
الامير سلطان: نتمنى ان تظل دول المنطقة في منأى عن أي نفوذ أجنبي

  الجمهور 10 نيسان 1980 ص 25 -مصحح


   يرى الامير سلطان, وزير الدفاع والطيران السعودي, ان مصدر القلق الحقيقي على منطقة الخليج "هو اجتياح روسيا افغانستان, لأنه في نظرنا وفي نظر كل دول العالم سحق رهيب لارادة شعب مسلم سالم ولا تفسير له في اعتقادنا الا ما يخطط له الاتحاد السوفياتي من بسط نفوذه على المنطقة الغنية بمنابع النفط والتي ترتبط بها مصالحنا ومصالح العالم الغربي الحيوية بأجمعه".
   جاء ذلك خلال حديث مطول اجرته مجلة "نوفيل اوبسرفاتور" الفرنسية مع الامير سلطان حول بعض الشؤون المطروحة على الساحة العربية والقضايا المحلية.
   ويجد الامير سلطان ان ما حدث في ايران هو مسألة داخلية تتعلق بارادة الشعب الايراني الذي تربطه بالسعودية علاقة طيبة, اما وجود نفوذ سوفياتي في بعض دول المنطقة في منأى عن اي نفوذ اجنبي اميركياً كان ام سوفياتيا".
   وراداً على سؤال اخر, يقول الامير سلطان: انه من الطبيعي ان تتولى المملكة ودول الخليج مسؤولية تأمين الدفاع عن نفسها, شأننا في ذلك شأن كل الدول ذات السيادة, لذلك فإننا نحاول بكل وسيلة تقوية وسائلنا الدفاعية. واذا ما تعرضت المملكة ودول الخليج لاعتداء من دولة قوية كبيرة, فان الاستعانة بالاصدقاء هو امر مشروع. اما رفض المملكة لاقامة قواعد اجنبية على ارضها فهو رفض حاسم ويرتكز على مفاهيم سياستنا الخارجية وليس رفضاً متذبذباً يتغير مع الاحداث.
   وتسأل المجلة الفرنسية عما اذا كان يمكن ان يأتي الخطر من الداخل, وهل يمكن اعتبار حادث الحرم المكي محاولة لزعزعة النظام, وبالتالي استخلاص الدرس واحداث تعديل في المنهج السياسي؟
   ويجيب الامير سلطان ان "الذي يخشى من الخطر الداخلي هو الحاكم الذي يبني حكمه على القسر وظلم الظالمين. ويعيش بالتالي, في خوف دائم يجرده من صفاء الذهن والقدرة على التفكير في خدمة بلاده. اما نحن فمنذ ان وحد الملك عبد العزيز هذه البلاد, فان شاغلنا الرئيسي هو خدمة شعبنا وتطوير بلادنا. ونحن لا ندعي الكمال ولكن المنجزات الهائلة التي حققتها المملكة خلال الثلاثين عاماً الماضية اثارت اعجاب حتى اولئك الذين يختلفون معنا في الرأي والمواقف. ومن الخطأ الاعتقاد ان عائدات النفط هي كل شيء في تطويرنا الشامل لبلادنا فالمال وحده لا يكفي ولا بد ان يعتمد المال على الارادة المشتركة بين المسؤولين والمواطنين وعلى الترابط الوثيق بينهم. وهذا هو في الواقع مصدر قوتنا ونهضتنا في شتى الميادين. لذلك, فإن غضبة الشعب على الذين قاموا بالاعتداء على الحرم المكي كانت غضبة عنيفة لانها حركة مجنونة قامت على التعصب الديني الاعمى. اما مناهج التطوير في بلادنا فإنها تسير وفقاً لخطة مرسومة وليست ردود فعل لحادث الحرم كما يتصوره بعض الاوساط, لانه من غير المعقول وقف برامجنا خوفاً من ان يقال عنها انها جاءت تحت ضغط آثار حادث الفتنة في الحرم.
   وحول مطالبة فرنسا بحق تقرير الفلسطينيين لمصيرهم باشتراك منظمة التحرير, وما اذا كان بامكان باريس ان تذهب الى ابعد من ذلك, والحديث, مثلاً, عن دولة فلسطينية مستقلة, يقول الامير سلطان "ان بلاده تقدر كثيراً هذه الخطوة وهذه مبادرة شجاعة وعادلة وقائمة على الموضوعية والرؤيا الحسنة للمشكلة.
   ونعتقد ان فرنسا ستعزز هذا الاتجاه مستقبلاً".
   وتسأل المجلة الفرنسية: لا احد يتحدث عن مصر, فهل يجب فعلاً استبعادها في حالة تسوية جديدة ممكنة للمشكلة الفلسطينية؟ ويجيب وزير الدفاع والطيران السعودي: انه من المؤلم لكل عربي أن تنعزل مصر عن العالم العربي نتيجة لاتفاق السلام الذي ابرمته مع اسرائيل والذي رفضته كل البلاد العربية. واذا ما قررت مصر, مستقبلاً, الانضمام الى الدول العربية في موقفها من القضية الفلسطينية, ذلك الموقف الذي يتمثل بانسحاب اسرائيل من الاراضي التي بانسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولة له, فإن عودة مصر للحظيرة العربية ستكون امراً طبيعياً.
   السؤال الاخير الذي وجهته. مجلة "نوفيل اوبسرفاتور" الى الامير سلطان كان يتحدث عن علاقات خاصة للسعودية مع واشنطن, وان المملكة تمارس على هذه الاخيرة نفوذاً مؤكداً, وهل السعودية مستعدة لاستعمال هذا النفوذ من اجل تسوية ازمة المنطقة؟
   اكد الامير سلطان ان لبلاده "علاقات طيبة مع اميركا ومع غيرها مثل فرنسا ودول اخرى صديقة.
   ولكنه ليس صحيحاً القول ان السعودية تملك نفوذاً كبيراً للتأثير على سياسة اميركا ازاء مشكلة الشرق الاوسط, ومع ذلك فنحن نؤكد للمسؤولين الاميركان دائماً ان عليهم ان يعملوا لتأمين حل عادل لهذه المشكلة حتى لا تتعرض المنطقة لانفجار مفاجىء يهدد مصالحنا ومصالح الغرب على السواء, وان تكون السياسة الاميركية في منأى عن الضغوط التي تمارسها الصهيونية وتأخذ في الاعتبار مصالح الشعب الاميركي الحيوية في هذه المنطقة". (انتهى)
___________________



البلقنة آتية الى الشرق الاوسط
من الباب الايراني!

المصدر: "الحوادث" الجمعة 9 آيار 1980 العدد1227 (مصحح)
    انتخابات البيت الابيض تضع اميركا في حالة انعدام الوزن
بقلم سليم نصّار
     منذ قرن تقريبا, وفي عام 1885, امر رئيس وزراء بريطانيا غلادستون بشن حملة تأديب ضد المهدي الكبير في السودان. واعترف اثر مصرع قائد الحامية العسكرية الجنرال غوردون على يد المهدي وأنصاره, بأنه إرتجل قراره على نحو مخالف لارادته وقناعته.ولكنه فعل هذا  استجابة لحماس الجمهور البريطاني الذي رأى في "المهدية" وجوده السياسي والاقتصادي في افريقيا والشرق الاوسط! وبعد مرور مائة سنة على مجزرة الخرطوم, ادعى الرئيس جيمي كارتر انه واجه ظروفاً مشابهة للظروف التي أملت على غلادستون قراره المتهور, لذلك امر بالمغامرة العسكرية في ايران لاعتبارات ملحة أهمها: هياج الرأي العام الاميركي, واستفزاز السياسة "الخمينية".  وهي القوة الغامضة الجديدة التي اربكت نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الاوسط, وهددت مصالح الغرب الحيوية في المنطقة.
  من الواضح ان الادراة الاميركية تواجه في الشرق الاوسط مناخاً سياسياً مشحوناً بدعوات اجتماعية غير مألوفة. وكلها من نوع التيارات الروحية والدينية والعصبية التي أزعجت الامبراطورية البريطانية في "غاندية" الهند, و"مهدية" السودان, و"ملاية" الصومال. وبدلا من ان تحتوي تفاعلاتها بمرونة وحكمة وحذر, فقد تصدت لها بانفعال,وضيق صدر, وعداء بلغ حد الانتحار. وكأن عملية انقاذ الرهائن ليست اكثر من لغم موقوت دسه كارتر وبريزنسكي وبراون لتحريض الطلاب في طهران على قتل اسراهم. وفي رأيهم ان مشهد الضحايا ومنظر الدماء قد يستثيران الثور الاميركي الهائج, وتصبح الحملة العسكرية مطلباً شعبياً يقوي سلطة سيد البيت الابيض لدى الكونغرس, ويبرر مغامراته الحربية امام منافسيه داخل الحزبين, الديمقراطي والجمهوري.
   ومثل هذه الميكافيلية ليست بدعة جديدة في سياسة البيت الابيض. فالوثائق التي نشرت عن الحرب العالمية الثانية تشير بصورة التأكيد الى ان المخابرات الاميركية قد أبلغت الرئيس روزفلت مسبقاً معلومتها حول خطة الهجوم الياباني. واحتفظ الرئيس المقعد بالسر مع كبار معاونيه, وكتب لتشرشل ينبئه بأن إدارته تبحث عن المبررات المقنعة لتوقيت اعلان الدخول في الحرب. ثم جاءت عملية "بيرل هاربور" لتثبيت الظنون, وتقدم لروزفلت العذر السياسي الذي يطلبه, والمبرر العسكري الذي يتوقعه. وكانت صور جثث البحارة الاميركيين وهي طافية بالمئات فوق سطح مياه "الباسفيك" ... ومشاهد البوارج المحترقة, هي الدم الاحمر الذي كان يبحث عنه سيد البيت الابيض لشحن الثور الاميركي بالسخط والهياج ورغبة الانتقام. ولهذا قيل ان الولايات المتحدة دخلت الحرب عام 1941 عن طريق مرفأ "بيرل هاربور". كما يقال حالياً, انها تستعد لدخول الحرب عن طريق مضيق "هرموز". ومعنى هذا انها بحاجة الى مزيد من الاحداث الدراماتيكية كعملية انقاذ الرهائن, التي انتهت بفشل مذل ومهين للجيش الاميركي, لتوليد اكبر كمية من السخط والغضب لدى الرأي العام, خاصة بعدما نقل التلفزيون مشاهد الايرانيين وهم يعبثون بجثث الجنود المحروقة. والمهانة عند الجيش والغضب عند الشعب, هما المادتان الاساسيتان اللتان يصنع منهما الرئيس كارتر قراره العسكري.
   يبد ان هذا القرار لم يحقق النتائج المرجوة, على الصعيدين الداخلي والخارجي. فقد انقسم السياسيون حول تقديم استقالة وزير الخارجية سايروس فانس, واحتاروا في تفسير ما عجز هو عن ايضاحه كسبب يتعلق بمبدأ عام. وفانس هو ثاني وزير للخارجية الاميركية يتخلى عن منصبه لخلاف مبدئي مع رئيسه بعد "بريان" عام 1915.
   والمبدأ الذي عناه فانس يتعلق برفض استخدام الكذب والدجل والغش, كوسيلة من وسائل التعامل السياسي, ان كان مع الاعداء او مع الاصدقاء. فالحقيقة التي أوصاه كارتر بنقلها الى زعماء الحلف الاطلسي في اوروبا كانت غير الحقيقة التي نفذها في ايران. فقد حمله شرطا تعجيزيا قبلته الاسرة الاوروبية الغربية على مضض, عندما طلب تأييدها في الحصار الاقتصادي لئلا يضطر الى استعمال القوة! وبعد الاعلان عن الحظر الاقتصادي فوجئت اوروبا بالعملية العسكرية. وكانت مفاجأة الوزير المخدوع سايروس فانس مزدوجة: مرة لأن رئيسه تعمد غشه في المهمة الاوروبية...  ومرة ثانية لأنه نقل كذبة يجهلها بصورة حقيقة كان يبشر بها. ولكي لا يسبغ على نفسه صفة "الديبلوماسي الدجال" فقد آثر التواري في الظل لأن  واجبه نحو الحقيقة كان اقوى من واجبه نحو الرئيس. أو حتى نحو فلسفة الكذب التي طرحها أمامه الاكاديمي بريزنسكي كخطة تمويه لخداع السوفيات فقد حاول اقناعة بشعار ونستون تشرشل القائل: "في زمن الحرب تبقى الحقائق محفوظة بفضل حراسة الاكاذيب!"
   وهكذا سقط من هذه الادارة خامس مسؤول.وكان سقوطه احتجاجاً على وسائل التعامل السياسي مع الاصدقاء والاعداء, لا فرق. وفي رأيه أن توظيف مشكلة المحتجزين في ايران ليست اهم من قضية احتلال افغانستان, الا اذا كانت انتخابات الرئاسة اهم من وحدة الحلف الاطلسي مع اوروبا والوفاق الدولي مع السوفيات.
   ويعتقد زعماء اوروبا ان قبول استقالة فانس بهذه العجالة, هو مؤشر سياسي خطير يؤكد اصرار كارتر على تنفيذ خطوات عسكرية اضافية في وقت لاحق من هذا الربيع.وقد تكون مغامرته مستقلة عن اوروبا, كما حدث في محاولة انقاذ الرهائن. ولكنها حتماً ستورط كل اعضاء الحلف الاطلسي, حسبما حذر المستشار شميت. فهو يرى ازمة الشرق الاوسط نسخة جديدة للاحداث التي قادت الى "البلقنة" عام 1914 فقد كانت تلك المنطقة ساحة مثالية للانقلابات والاغتيالات, والحريات القومية, والتيارات الطائفية والاضطرابات الوطنية, والاعدامات السياسية. كما  كانت في الوقت ذاته,مسرحاً لصدامات القوى الخارجية مع القوى الداخلية, تماما ًكما يحدث الان فوق ساحة الشرق الاوسط بدءاً بلبنان وانتهاء بايران.
  ويرى المراقبون ان ساحة النزاع هذه قد اتسعت على طول الخط الدفاعي المهتز من ايران حتى يوغسلافيا وقد تكون وفاة الزعيم تيتو مدخلاً لتحول تاريخي ومقدمة لتوسيع مسرح العمليات الدموية. ولكن الشرق الاوسط ليس البلقان ... وعملية "الدست الكبير" في ايران لا يجوز مقارنتها بعملية خليج الخنازير في كوبا. لأن بحر الخليج غير البحر الكريبي. انه المنطقة الوحيدة في العالم التي تلتقي فيها المواقع الاستراتيجية فوق الارض, بالمواد الحيوية تحت الارض. اي انها خط الدفاع الاول لاوروبا... ودم الحياة الاساسي للحضارة الصناعية. والتاريخ مليء بالحروب التي نشأت بسبب انقطاع العلاقة بين الاستراتيجية العسكرية والحاجات الحيوية. ان ترابط الاحداث بين ما يجري في ايران وما وصلت اليه ازمة الشرق الاوسط, قد اثر بشكل عميق على التفكير الاميركي, وعلى الرئيس كارتر بنوع خاص, فلو لم تصبح اتفاقية "كامب ديفيد" مجمدة وفاشلة في بعض نواحيها, فإن الهزيمة السياسية والاقتصادية التي حصلت بعد سقوط الشاه ربما كانت اقل وقعاً. والعكس صحيح ايضاً. من هنا يرى المراقبون ان الرئيس بدأ يقترب في سياسته اكثر فأكثر من خطوات كيسنجر. كما بدأت شوكة "الصقور" من حوله تشتد وتقوى وتطالب بالتدخل في كل مكان ... وكل زمان, سواء وافقت دول حلف الاطلسي على المشاركة ام لم توافق. من هنا اصبحت الولايات المتحدة اكثر عزلة عن حلفائها في عهد كارتر منها في عهد اي رئيس سابق. كما اصبحت في سياستها الخارجية اكثر غموضاً من أي وقت مضى. وهذا ما تأخذه عليها الانظمة اليمينية المتعاطفة معها في الشرق والغرب. لأن كارتر لم يحدد خصومه... ولم يحدد اصدقاءه ... ولم يحدد الذين يقعون بينهم. وعلى هذا استحق لقب "رئيس التذبذب", و "الحاكم الذي يحيل الامور الحسنة الى ... سيئة".
  ان القرار العسكري يشبه دائماً بالسلم الكهربائي. من السهل الصعود عليه ... وإنما من الصعب النزول عليه, دون التعرض للسقوط. ولقد اكتشف "كارتر" بعد عملية ايران الفاشلة,  ان السلم العسكري الذي صعد فوقه لا يمكن النزول بواسطته الا اذا خسر رئاسة الجمهورية. وبما انه عازم على تجديد ولايته بكل الوسائل الملتوية والدموية, فإن ايران ستظل المختبر الاول والاخير لمثل هذه المغامرات.
   بين الطروحات الايجابية التي قدمها مرشح الحزب الجمهوري "ريغان" كان الكلام الذي كرره بعد 140 سنة عن "الكسي دوتو كافيل" وفيه يقول "ان اميركا تصبح في حالة انعدام الوزن عندما يقرر احد رؤسائها تجديد ولايته". لهذا طالب بتعديل الدستور لجهة حصر الولاية بدورة واحدة فقط.
   ويبدو ان هذا الكلام كان مشكلة داخلية منذ مائة واربعين سنة. ولكنه اليوم اصبح مشكلة داخلية وخارجية, لأن للرئيس الاميركي مسؤوليات عالمية تتعدى حدود بلاده. وعندما يكون هذا الرئيس "رئيساً للتذبذب", فإن مزاج العالم يصبح عرضة للانهيارات النفسية والسياسية.
وهذا مايحدث بالفعل! (انتهى)
___________________



الجمعة 20 حزيران 1980 العدد 1233 من الحوادث - محمد عبد المولى

مؤتمر البندقية يكرس سقوط القيادة الاميركية في اوروبا
كارتر يوافق على المبادرة الاوروبية شرط تأجيلها الى نهاية العام!

 جوبير يتهم واشنطن بالتواطؤ مع موسكو لاحتواء اوروبا
 وهيث يحذر من خطر ابتعاد العالم الاسلامي عن العرب

في نهاية شهر نيسان (ابريل) 1971 عقد المديرون السياسيون لدول السوق الاوروبية المشتركة اجتماعاً تمهيدياً لدراسة سياسة التوسع التي تنتهجها اسرائيل في الاراضي العربية المحتلة.وانتهى المدراء الى تقديم نص وثيقة الى المجلس الوزاري لدول السوق المشتركة. ودعت الوثيقة الى انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة, مع اجراء بعض التعديلات الطفيفة في الحدود, وتنفيذ قرار مجلس الامن رقم 242.
ورد ابا ايبان, وزير خارجية اسرائيل آنذاك على الوثيقة, فبعث برسائل الى وزراء خارجية الدول الاعضاء في السوق المشتركة, واستثنى فرنسا, "عبر فيها عن استياء اسرائيل من اتخاذ موقف معاد لاسرائيل بايحاء من فرنسا". واطلقت الصحف الاسرائيلية على تلك الوثيقة اسم "وثيقة الخيانة"!
   في عقد السبعينات كانت اسرائيل تتهم فرنسا بأنها مسؤولة عن قيادة وتوجيه السوق المشتركة الى سياسة معادية لاسرائيل. وقد فقد هذا الاتهام معناه في بداية عقد الثمانينات لأن دولا اوروبية اخرى قد انضمت الى فرنسا. وفي مقدمها بريطانيا. وهما الدولتان الوحيدتان اللتان تحالفتا مع اسرائيل في حرب السويس ضد مصر. ولم تسأل اميركا الرسمية نفسها جدياً عن سبب انهيار التحالف الذي كان يبدو ابدياً ونهائياً, ولا يمكن زعزعة الاركان التي قام على اساسها بعد تخضب بدماء العدوان الثلاثي!
   ان الفرق بين اوروبا واميركا اليوم هو ان الاولى تفضل مصالحها القومية العامة. بينما الثانية تبني سياساتها الداخلية والخارجية على اعتبارات مصلحية خاصة وضيقة جداً. ورؤية المشاكل الدولية, وحتى الداخلية, من وجهة نظر المصالح القومية تختلف في نتائجها عن رؤيتها من زاوية المصالح, والارتباطات الشخصية!  
   وقد  يكون ذلك احد اسباب بداية انهيار التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة, هذه "القيادة" التي لم يعد لها ما يبررها بنظر الاوروبيين بعد ان قام اكثر من دليل لديهم ان اميركا تريد "اتباعا" ولا تريد "شركاء".
  في عام 1973 و 1975 ضغطت اميركا على حلفائها الغربيين ليقبلوا مؤتمر هلسنكي بشأن الامن والتعاون في اوروبا. وهذه فكرة كان الروس يصرون عليها, والاوروبيون يرفضونها منذ الخمسينات, كما قال ميشيل جوبير في مقال نشرته النيويورك تايمز مؤخراً. وقد اقترحت القوى الاعظم طريقة الامن والتعاون في اوروبا... فأحس الاوروبيون ان المؤتمر انتهى الى محاصرتهم ووضعهم بين العملاقين الجبارين: اميركا وروسيا.
   ويتساءل جوبير: هل اميركا مستعدة, نفسياً وعملياً, ان تتدخل من دور القيادة الى دور المشاركة؟ اذا كان الجواب لا, فيجب ان تدرك انها ستواجه حلفاء من الدرجة الثانية, وهذا ما تستحقه وتواجهه الان.
   ويمضي جوبير في تساؤلاته: هل قررت اميركا ان تغير وسائلها في ادارة النظام المالي العالمي, فتوقف توزيع عملة لا قيمة لها عبر العالم كله, لانه ليس لها قاعدة عمل (صناعة) وبضائع في اميركا نفسها؟ هل اميركا مستعدة ان تقنع حلفاءها انه عليهم ان يدافعوا عن انفسهم – كما فعلت فرنسا بعد جهد منفرد – بدل ان تشجعهم للاعتماد على المظلة النووية الاميركية؟ وهل تقبل اميركا ان تحد طموحها المالي والتجاري, بمعناه السياسي, وان تفهم ان هناك عالماً يحاول تحرير نفسه من سيطرة الكتلتين الاعظم؟
   يبدو ان اميركا لم تتعلم من الانتقادات الاوروبية لدورها القيادي. فهي مثلما استمرت في فرض مظلتها النووية ونظامها المالي وفهمها للأمن الاوروبي, فانها تريد ان تلعب دور القيادة في ازمة الشرق الاوسط, وترفض التدخل الاوروبي الذي يجد قبولاً لدى اطراف كثيرة بين الدول المعنية في الازمة.
   ان ما بدا من خلاف بين اوروبا واميركا حول ازمتي افغانستان وايران, وما يبدو الان من اختلاف في وجهات النظر حول كيفية حل المشكلة الفلسطينية, دفع المراقبين الاميركيين الى التساؤل: هل ما بين اميركا واوروبا الغربية مجرد سوء فهم, ام هناك استراتيجيتان على جانبي الاطلسي؟
  لا احد يستطيع انكار موجات الغضب على حانبي المحيط ان بشأن افغانستان وايران, وان بسبب المشكلة الفلسطينية. الجانب الاوروبي يرفض معادلة قديمة كانت تقول: "ما هو جيد بالنسبة لاميركا جيد بالضرورة بالنسبة لاوروبا". والاميركيون من جانبهم لا يفهمون كيف يستطيع ان يكون الاوروبيون حياديين في الشرق الاوسط في الوقت الذي تواجه فيه اميركا ازمة مزدوجة في افغانستان وايران! السلوك الحيادي في وقت الازمات مرفوض!
   ويرد الاوروبيون: نحن غير حياديين. اننا عقلانيون. ونرى الامور من منظار المصالح القومية.
ويتساءل الاوروبيون: ماذا تتوقعون منا ان نفعل؟
ويجيب الاميركيون: التحالف الغربي في خطر. ولكن, يقول الاوروبيون, ليس بسبب ايران وافغانستان, فثمة تراكمات طويلة اوصلتنا الى ما نحن عليه. انتم تتحدثون عن الضوء الاحمر في الشرق الاوسط الان. ولكن اشعاعات هذا الضوء موجودة منذ سنوات. وعام 1973 نحن الذين قاسينا من حظر النفط, لا اميركا. نحن الذين سلط الضوء الاحمر باتجاهنا, والمشكلة الكبرى ان اميركا فقدت حاسة الاستماع! فمنذ ان عمرت الاموال الاميركية اوروبا بمشروع مارشال, وبنت التحالف العسكري الغربي على اساس ميثاق شمال الاطلسي, اعتقدت انها دولة لا تناقش. مشت في طريق منفرد, طامرة رأسها في التراب, واصمت اذنيها عن اية نصيحة اوروبية. وبدل ان تستمع واشنطن الينا, اخذت تتحدث باسمنا. لقد قررت باسمنا, ولم تقرر معنا!
   ومن هذا المنطلق الفكري, المبني على حوادث عالمية كثيرة, فان اوروبا تتجه في سياستها بخط جديد: تجنب اية فرصة للتورط في سياسات ترسمها واشنطن, وخاصة في ازمة الشرق الاوسط, والمشكلة الفلسطينية.
   وكما طرح ميشيل جوبير اسئلة, فان ادوارد هيث قال ثمة اربعة اسئلة ملحة حول السياسة  الغربية في الشرق الاوسط. جوبيرعالج مشكلة القيادة, وهيث عالج مشكلة وحدة السياسة الغربية في الشرق الاوسط, وتساءل:
 1- كيف يمكن للنزاع العربي والاسرائيلي ان يحل؟
 2- كيف نجعل الدول المنتجة ترفع اسعار النفط تدريجياً وبطرق معقولة؟
 3- كيف يمكن منع الاضطرابات الداخلية من الامتداد الى حقول النفط؟
 4- كيف يمكن حماية الدول المنتجة من الاعتداءات الخارجية بدون التسبب في نشر موجة من المشاعر العنيفة المضادة للغرب؟
   الرد على هذه الاسئلة بسيط جداً بنظر هيث. "فرغم تعقيدات الوضع فثمة اجوبة بسيطة. لكن لن يجد احد جواباً على اي من الاسئلة ما لم يتحقق شرطان: الاول هو يتابع الغرب سياسته العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية بحذر وحسن تقدير فائقين. ثانيا, يجب ان يوجد حل للمشكلة الفلسطينية".
   وفي تفسيره للشرط الثاني قال:  ان غياب حل للمشكلة الفلسطينية يبعد كل العالم الاسلامي عن الغرب. وقد يجبر الزعماء المعتدلين الى تبني مواقع اكثر راديكالية (تطرفاً) حول النفط والتعاون الامني ومواضيع اخرى ذات اهمية قصوى بالنسبة الينا. والى ان تحل القضية الفلسطينية, فان اي تعاون مع الغرب سوف يدفع الشعوب الاسلامية الى طرح سؤال حول شرعية تعاون دولها مع الغرب. وهذا بدوره سوف يكون سبباً للاضطراب داخل الانظمة, ويعزل قيادات الدول المتعاونة مع الغرب.
   ويتفق هيث مع جوبير فيقول: وحل المشكلة الفلسطينية لن يتحقق الا اذا لعبت اوروبا الغربية دوراً موحداً وفعالاً في البحث عن حل. ومع ان لهذه الدول تأثيرها على الفرقاء الا انها لم تستخدم نفوذها كما تفعل اميركا. "لكن دور اوروبا يجب ان يكون مكملاً لدور اميركا"! واوروبا مارست صمتاً مطبقاً حول كامب ديفيد.   
   هذا على الرغم من انها ابدت شكوكاً حول قدرة كامب ديفيد على منح الحكم الذاتي مضموناً عملياً. ان كل ما انتهى اليه كامب ديفيد هو الغاء لتهديد مصر العسكري لاسرائيل...ان الحل الدائم يستوجب اشراك منظمة التحرير..والسوفيات يجب ان لا يغيبوا عن الحل...واذا لم تتحقق الشروط السابقة فان امن وازدهار الغرب سيبقيان في خطر!
   و مع هذا التحذير الواضح والصريح... فالسياسة الاميركية لا زالت تتغاضى عن الحقائق الاولية في ازمة الشرق الاوسط. انها مستمرة في سياسة كامب ديفيد, ومتمسكة بالنظرية القديمة القائلة: السياسة الخارجية انعكاس لوضع داخلي معين!
   تلك وجهة نظر, يقابلها رأي اخر يستند الى نظرية "الفراغ". وتفسير هذه النظرية, كما يراها الاوروبيون, يظهر حقيقة الاستراتيجية الغربية في الشرق الاوسط. واساساً, فالاوروبيون يقولون بها ليقنعوا الاميركيين بضرورة ان يقبلوا بالدور الذي ستلعبه اوروبا الغربية في حل ازمة الشرق الاوسط.
   يعتقد الاوروبيون انه اذا فشلت اتفاقات كامب ديفيد فستترك فراغاً في الشرق الاوسط, ويجب ان تملأ الدول الاخرى في الاطلسي هذا الفراغ اذا كان الغرب يريد الحفاظ على التأثير في المنطقة, ويريد استمرار تدفق النفط.
   ولتأكيد هذا المفهوم فالاوروبيون يقولون ان هدفهم ليس الوقوف بوجه الجهود الاميركية, لكنهم يريدون تكملتها بمنح الغرب امتياز قوة العتلة (الرافعة)! فيستطيعون بذلك ارسال قواتهم الى الشرق الاوسط, وهذا امر غير متاح لاميركا بسبب التزاماتها مع اسرائيل. وهذه استراتيجية توافق عليها السياسة الاميركية سراً, كما قالت ال"واشنطن بوست", ولكنها لا تستطيع الاعلان عنها الان  لظروف داخلية.
   وتوافق صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" على ذلك التحليل. فقد قالت ان اوروبا ستتقدم بمشروعها الخاص لحل ازمة الشرق الاوسط والمشكلة الفلسطينية. وأهم ما في هذا المشروع الاعلان عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. هذا مع التحفظ الآن على الجزء الثاني من المشروع الاوروبي, وهو الجزء المطالب بقيام الدولة الفلسطينية.
   ولماذا  تقسيم المشروع الى جزئين؟
   نقلت الصحيفة عن مصادر عربية في الامم المتحدة ان لدى الاوروبيين ضمانات من اصدقائهم العرب انهم لن يضغطوا للحصول على قرار بإقامة الدولة الفلسطينية قبل انتخابات الرئاسة الاميركية في نوفمبر القادم.
   وسيعتبر العرب الاعلان الاوروبي خطوة اولى, تتبعها خطوة ثانية تكون بمثابة "اعلان" يكمل قرار مجلس الامن رقم 242. الخطوة االولى تكون في الجمعية العامة للامم المتحدة, لتجنب احراج واشنطن واجبارها على استخدام الفيتو. والخطوة الثانية تكون في مجلس الامن لمنح "الاعلان" قوة الزامية.
   والاوروبيون يعتقدون ان منظمة التحرير ستوافق على مبدأ الخطوة خطوة. والولايات المتحدة بدورها تتبع سياسة مزدوجة بهذا الخصوص, وهي نفس السياسة التي اتبعتها في حل مشكلة حرب فيتنام. فقد كان كيسنجر يستعد للسفر الى الصين في رحلته التاريخية بينما كانت اميركا تمارس حق الفيتو لمنع الصين الشعبية من الدخول في عضوية الامم المتحدة. ان موقف واشنطن من الصين في الامم كان لحفظ ماء الوجه. والان اميركا تقوم بنفس الدور: تنتقد دور اوروبا علناً وتشجعهم سراً على المضي في مشروعهم. ولكن خطوة الى ان تنتهى الانتخابات الاميركية!
   انها ديبلوماسية معقدة تربك الاصدقاء, ولا ترضي الخصوم! وقد تكون مجرد "بالون" اراد خصوم كارتر ان يفجروه قبل الانتخابات ليخسر البقية الباقية من اصوات اليهود.
   ان المشكلة الحقيقية هوان طرح نظرية الفراغ وسياسة الخطوة خطوة لا يتفق ومواقف اسرائيل. ثم ان تعقيدات العلاقة الاميركية – الاسرائيلية تنتهي دائماً باجبار واشنطن على الوقوف الى جانب الرأي الاسرائيلي رغم كل مظاهره المتعنتة, ومهما كانت عواطف اميركا تجاه اوروبا الغربية! والنتيجة المنطقية لهذا: مجابهة اميركية – اوروبية في مجلس الامن حول المشكلة الفلسطينية, ثم انعزال اميركا كصديق وحيد لاسرائيل.
   هذا غير ما يتركه تصرف اميركا في مجلس الامن على اصدقائها في المنطقة. واقل الاثار هي تحول اصدقاء اميركا العرب الى اوروبا الغربية تجارياً, مما يزيد التوتر في العلاقات الاميركية – الاوروبية.
   والاميركيون لا يفهمون امكانية التداعي المنطقي للاحداث في حال فشل سياسة كامب ديفيد. وبدل ان يتبنوا وجهة النظر الاوروبية, فإنهم يقولون انها تخفي استراتيجية فرنسية خطيرة! ان فرنسا ديستان تسير على خطى فرنسا ديغول وبومبيدو. فكلهم عملوا, ويعملون على تحويل السوق المشتركة الى "قوة ثالثة" قادرة على منافسة اميركا والاتحاد السوفياتي سياسياً واقتصادياً على المستوى العالمي.
   الخلاصة, تعتقد اوروبا انها تستطيع ان تملأ فراغ كامب ديفيد من خلال قرار في مجلس الامن يعترف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وبحقه في اقامة وطن.
   لكن لماذا يتحدث الغرب عن الفراغ في الشرق الاوسط فقط؟ اميركا انسحبت من فيتنام ولم يتحدث الكثيرون عن نظرية الفراغ. وانسحبت فرنسا من الجزائر ولم يذكر احد الفراغ. وبريطانيا انسحبت من مستعمراتها الافريقية ولم تشتغل نظرية الفراغ المفكرين الغربيين! والفراغ, بالمقاييس الغربية, موجود الآن في اميركا اللاتينية, ولا احد يتحدث عنه. فلماذا, اذن, يحدث فراغ في العالم العربي فقط؟
   تاريخياً, تحدد الفراغ بالظاهرة العسكرية. كلما انسحبت قوات الاستعمار من احدى بلدان الشرق الاوسط كانت نظرية الفراغ تطل ... ثم تطورت النظرية, وانتقلت الى الظاهرة الاقتصادية... ظاهرة امبريالية. وتأميم قناة السويس كان تحدياً للظاهرة الامبريالية والعسكرية على حد سواء. ففي مرحلة من المراحل اراد الغرب ان يملأ "الفراغ" بإقامة سلسلة من الاحلاف, فتحداهم العرب بقيام الوحدة المصرية – السورية وبنشوب الثورة العراقية... ومع وجود هذه الوقائع الحديثة فالغرب لا زال يتحدث عن الفراغ وكأن اي تهديد لمصالح الغرب اصبحت تعني فراغاً!
   المهم, ان العلاقات الاوروبية – الاميركية تمر في أسوأ مرحلة عرفتها بعد الحرب العالمية الثانية. وفي ازمات عالمية كثيرة وجد الطرفان نفسيهما على طرفي نقيض. لم يخطط اي من الطرفين للوصول الى هذه النتيجة. وهما لا يريدانها. ولكن العالم متغير.واذا لم تتكيف الدول مع هذا التغير يقتلها الجمود, وتتخطاها الاحداث. والاعتراف بأن العالم يتحرك الى الامام يؤدي الى الاعتراف بالمتغيرات. ورفض الاقرار بالتغير يؤدي الى الاصطدام بجدار الوقائع الجديدة. واميركا في مرحلة التصدي للوقائع ورفض التكيف معها! انها في حالة سكون. لهذا فالاتحاد السوفياتي قد فاقها تسلحاً, وسجل عليها عدة نقاط في المجال الدولي.
   واوروبا التي منحت قيادة نفسها لاميركا اطلت على عقد الثمانينات فوجدت ان قيادتها الاميركية جامدة, ساكنة. فكان لا بد من استيقاظها لمواجهة التحدي الذي يزحف عليها من الشرق والغرب معاً. من الشرق تهديد شيوعي يمتد جنوباً, ومن الغرب يزحف عليها خوف بأن اميركا غير قادرة على حماية اوروبا التي سلمت مفاتيح استقلالها الاقتصادي والعسكري لاميركا.
   عام 1967 نشر سيرفان شرايبر, وهو مؤلف فرنسي, كتاباً بعنوان "التحدي الاميركي", دق فيه اجراس الانذار, وقال: ما لم تستيقظ اوروبا بأن التكنولوجيا الاميركية, وحتى الانظمة الادارية الاميركية, سوف تفرق القارة القديمة وتضعها في مصاف الدرجة الثانية.
   وصادقت الاحداث تحذير شرايبر. فكل الازمات الدولية التي انقسمت بها اوروبا الغربية كانت صناعة اميركية مائة بالمائة! كوريا, الصين, فيتنام, الصراع العربي الاسرئيلي, الاحلاف, التسلح النووي, والحد من الاسلحة الاستيراتيجية. ولهذا  فهم يبحثون عن "صناعة اوروبية" لحل الازمات الدولية المعقدة. لقد حاول كارتر ان يفصل "بدلة" اميركية لمحادثات الحكم المحلي بين مصر واسرائيل. فاستدعى الى واشنطن السادات وبيغين في نيسان (ابريل) الماضي. ووافق الاثنان على طلب كارتر القيام بمحادثات مكثفة على مدار الساعة كي يصلا الى نتيجة حول الحكم المحلي قبل 26 ايار (مايو). لكن يتبين بعد الجولة الاولى من المفاوضات انه من المستحيل تحقيق اي تقدم.
   ويشارك بعض موظفي الخارجية الاميركية الاوروبيين في اعتقادهم. وكذلك يفعل اعضاء في البعثة الاميركية في الامم المتحدة. ويتوقعون ان يدفع فشل محادثات الحكم الذاتي مشروعاً بديلاً للسلام يضم الفلسطينيين. وفي الصيف الماضي دفعت وزارة الخارجية الاميركية اندرو يونغ لاكتشاف امكانات اعتراف منظمة التحرير باسرائيل. ولكن الصهيونية واجهت المحاولة الاميركية بالرفض والاتهام! واستقال يونغ من رئاسة بعثة اميركا في المنظمة الدولية. وتراجع كارتر.ومع هذا فلا زال في صفوف الحكومة الاميركية  من يعتقد بضرورة اشراك منظمة التحرير في السعي الى السلام في حال فشل محادثات الحكم المحلي.
   علنا, وبلسان وزير خارجية اميركا الجديد, ترفض الحكومة الاميركية منطق الاوروبيين, لأن خطوتهم, اذا تمت, سيكون لها تأثير بالغ على التحالف الغربي, كما يقولون في البيت الابيض. "وربما فاقت اثار الخطوة الاوروبية النتائج  التي خلقتها ازمتا ايران وافغانستان على التحالف الغربي".
   والاوروبيون يقولون: اذا نجحت المفاوضات المصرية الاسرائيلية, وهذا احتمال بعيداً جداً, فإن نتائجها لن ترضي الفلسطينيين. والبديل الاوروبي لا بد منه في الحالتين.
   ان تهديد كارتر باستخدام الفيتو ضد اي مشروع اوروبي امام مجلس الامن, جاء, كما يقول المحللون, بعد ان اصيب الرئيس الاميركي بخيبة كبيرة من النتائج التي توصل اليها مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية في اسلام اباد. وابدى كارتر خيبته امام اعضاء في مجلس الامن القومي بحضور وزير الخارجية الذي كان يحمل تقريراً مختصراً, وضعه قسم الشؤون العربية في الوزارة. وبعد ان انهى كارتر كلامه عرض عليه الوزير فقرة من التقرير جاء فيها ان رأي الخبراء في الوزارة يميل الى تأييد وجهة النظر الاوروبية بأن الاتحاد السوفياتي نجح في قلب الانتقاد الاسلامي لغزو افغانستان بواسطة الراديكاليين العرب, الذين استطاعوا اقناع دول كثيرة ونافذة في العالم الاسلامي بأن المشكلة الفلسطينية هي  مفتاح ازمات الشرق الاوسط كلها.
ومع هذا فكارتر ناشد الحلفاء الغربيين "ان لا يتدخلوا في المفاوضات في الوقت الحالي... انني لا استطيع السيطرة عليهم, ولا اعتقد ان الاوروبيين سيقدمون على خطوة خلال الاسبوعين  القادمين".
لقد توقف المراقبون  طويلاً عند تعبير "الوقت الحالي" .. وقالوا ان ربط كارتر بين عدم تدخل الاوروبيين في الوقت الحالي... وبين عدم القدرة على السيطرة عليهم, يعني انه يوافق على افكارهم, والتوقيت فقط هو المشكلة!
   ان كارتر يصارع الان لرفع شكوك اليهود بأنه يحمل مشاعر ضد اسرائيل! ويقول رسميون في الامم المتحدة ان العرب والاوروبيين يتحدثون عن مناقشة المسألة الفلسطينية في مجلس الامن في الخامس عشر تموز (يوليو) القادم, وهو اليوم الثاني لمؤتمر الحزب الجمهوري في ديترويت. هذا المؤتمر الذي سينتهي الى ترشيح رونالد ريغان. والتوقيت الاوروبي يجعل كارتر يرفض بقوة اي قرار مؤيد للفلسطينيين يعرض على مجلس الامن.
   كلا الحزبان سيصرفان الصيف والخريف متنافسين على الصوت اليهودي, وسيطلقان مزيداًًًًًًًً من الوعود لاسرائيل. ومن ينجح في رئاسة الجمهورية سيجد صعوبة كبيرة في التخلص من وعوده بعد نوفمبر. لهذا, يقول المحللون, فمن مصلحة اميركا ان لا توفر اي جهد لانجاح محادثات الحكم المحلي بين مصر واسرئيل. ولهذا السبب بالذات ايضاً, استعجل كارتر  في دعوة المتفاوضين المصريين والاسرائيليين الى استئناف ما انقطع بينهم...ولكن في واشنطن هذه المرة!. (انتهى)

___________________


من الذي يحرّك الخيوط في قضية الصدر؟
ضابط فرنسي كبير يقول لـ"الحوادث": موضوع الكومندان دي لابورت مادة متفجرة
والعملية كلها مسلسل رعب يقوده "المايسترو" الاكبر في الازمة اللبنانية...

(الحوادث الجمعة 5 كانون الاول 1980 العدد 1257 بقلم منير الزين من باريس)

    كما قلنا سابقا ان قضية سماحة الامام هي وسيلة للابتزاز بين الدول و النتيجة دائما هي تحصيل النتائج المرجوة على حساب الامام و صاحبيه الذين يبقوا في سجنهم:الجزائر مثلا ليست الا صراع بين الولايات المتحدة الاميركية و فرنسا على الثروات الطبيعية في دولة المليون شهيد الممنوعة من اعتماد اللغة العربية كلغة رئيسية و رسمية  في الدوائر الحكومية و يتم التحريض فيما بين الجزائريين و مع المغاربة في صحراء البوليساريو على سبيل المثال لتتمكن الدول الكبرى من السيطرة على الثروات الطبيعية فليس عجبا ان نسمع عن خلاف البربر مع العرب علما انه ليس هناك خلاف تاريخيا بينهم ولا عجب اذا سمعنا عن مجازر جماعية لتعميم الخوف و الفوضى التي يستفيد منها الاستعمار الاميركي تماما كما  في لبنان بنفس السيناريو عبر الدماغ اليهودي المفكر .
  والرواية التالية جاءت من باب الغمز و الابتزاز للفرنسيين لاتهامهم بخطف الامام الصدر من الاميركيين وكانهم براءة منها لا دعوة لهم في هذا الموضوع مع العلم ان الامام قد خطف لاحد الاسباب التالية  الا و هي التوطين الذي تسعى اليه اميركا واسرائيل وتفعيل اتفاقية كامب دايفيد بالحيلة او بالقوة وكان الامام عائقا رئيسيا مدركا لكل ما سيجري.
  
 و جاء النص كالاتي:

بمجرد ان سمعني الضابط الفرنسي المتقاعد اذكر اسم زميله السابق الكومندان جان جاك دو لا بورت.. اوصاني بالحذر وقال لي: انك تتعامل مع مادة متفجرة.
   ورفض الضابط الفرنسي ان يقول لي شيئاً عن زميله الكومندان (المقدم) اكثرمن انه موجود الان في احد سجون الجزائر ونصح لي بأن ازوره مساء حتى يكون هنالك متسع من الوقت للحديث.
   وظننت في البداية ان الضابط كمعظم المصادر التي يستقي منها الصحافيون معلوماتهم يريد ان يعطي اهمية بالغة لمعلومات عادية ... ولهذا احاط الحديث عن زميله دولار بورت بهذه الهالة الخطرة, غير ان هذا الانطباع سرعان ما انقلب الى ضده حين جلست في صالون شقته  الواقعة على ابواب المنطقة السادسة عشرة حيث لا يفصلنا عن غابة بولونيا سوى شارع عريض. وسألت الضابط الكبير عما كان يقصد بقوله "انني اتعامل مع مادة متفجرة"؟ فنظر إلي من وراء نظارتيه العتيقتين نظرة من يريد ان يفهم طفله للمرة الاولى معنى النار وقال: هل تسمع بجان كاي؟ قلت: المرتزق؟ قال: نعم. ان صاحبنا الذي تسأل عنه اخطر بكثير من جان كاي وليكن في علمك ان للاثنين مغامرات مشتركة في لبنان و المنطقة العربية،كما ان للاثنين صداقات حميمة على اعلى مستوى حتى ضمن منظمات يسارية نضالية واحزاب وأنظمة وقد اشترك دولابورت في تسليح عدد من الحركات المسلحة والتنظيمات والميليشيات في الشرق الاوسط وأميركا اللاتينية, وبلدان افريقيا الجنوبية.
   وقال الضابط الفرنسي الكبير: لقد عرفت دولابورت منذ حرب الجزائر, ولم يكن يومها برتبة كومندان. ومنذ تلك الفترة كنا نسميه(LE RENARD) الثعلب. وكان من اشد اعداء الجنرال الراحل ديغول.
   قلت لكن هنالك من يقول ان له علاقة بالاستخبارات الفرنسية اليوم, وانه ينسق معها معظم مشروعات الانقلابات والحركات المسلحة وصفقات السلاح التي ينظمها أو يشترك فيها. واجاب الضابط الفرنسي الكبير: هذا أمر لا استطيع انا او انت ان نتأكد منه من مراكزنا التي نحن فيها, لكنني لا اعتقد ذلك, وهذا اقتناع شخصي طبعا, ما اعتقده هو ان دولاربورت يعمل لحسابه الخاص.
   قلت مستغرباً: اين اذن يكمن الخطر في الحديث عن علاقة دولابورت بخطف الامام موسى الصدر؟ لقد سبق للصحافة ان تحدثت كثيراً عن زميله جان كاي واساءت الى سمعته, خاصة بعد سرقة ملايين صانع الميراج "داسو"  وتهريبها. ثم اننا نعيش في فرنسا حيث يسار ويمين وشيوعيين وفاشيست ونظام ومعارضة ودولة ورجل بوليس لا يوقف الا المجرمين ... فما المانع من فتح ملف دولابورت؟
   وضحك الضابط الفرنسي المتقاعد وقال: هل تعتقد ان دولابورت سيهتم بما تكتبه عنه او عن خطفه لموسى الصدر. انه اخر من يهتم بذلك. اكتب عنه ما تشاء.
   قلت: اذن ..؟
   قال: اعرف انك تريد ان تستدرجني. حسناً سأتكلم لكني سأبقى حذراً, ولن توقعني في الفخ. ان المشكلة ان جان جاك دولا بورت متورط في سيناريو جهنمي يصلح لأن يكون فيلماً تجسسياً مثالياً. وكل الخيوط التي نسجت هذا السيناريو متصلة بقنابل موقوته ومسدسات كاتمة للصوت وشبكات تجسس وتجسس مضاد ومصالح تجارية وسياسية وأمنية. والذي ينجو من خيط لا بد ان يتعثر بخيط اخر.
   ومضى محدثي يقول ان نشر الخبر في هذا الظرف هو السر الاكبر في هذه القضية.
   ونشره في المجلة الاسبانية EL PAIIZ دون غيرها لا يمكن تفسيره.
   ونسبة الخبر الى مصادر جزائرية لا تعني ابداً ان الجزائريين وحدهم وراء تسريبه.
   وسكوت  الجزائريين عن وجود الكولونيل دولابورت في سجونهم قرابة السنة ونصف السنة, اي في الوقت نفسه الذي كانت فيه العلاقات الفرنسية الجزائرية بالغة السوء, لغز آخر.
  ومحاولة الرسميين الفرنسيين لفلفة الموضوع لا تصدق,
  واضراب اتباع موسى الصدر في لبنان قبيل نشر هذا الخبر ومطالبتهم بالافراج عنه شيء محير.
   ودخول ايران طرفاً في الاساءة الى من يعتبر اكبر حلفائها في العالم العربي من اجل هذه القضية علامة استفهام لا يمكن الاجابة عنها.
   وتوقيت القضية مع اعلان الوحدة السورية الليبية ايضاً يجعل من كل هذه المتاهات عالماً خطراً لا تستطع الاقتراب منه الا حذراً.
   ويعتقد الضابط الفرنسي الكبير ان الصحيفة الاسبانية لم تعرف اهمية الخبر الذي نشرته ولا عالم التشويق والرعب الذي يختفي بين سطوره. والخبر المنشور في كل الاحوال مصاغ بلغة ساذجة جداً, وربما عن قصد. ويقول الخبر ان مصادر جزائرية موثوقة قالت للصحيفة ان الذي خطف الامام موسى الصدر – بالاشتراك مع الاستخبارات الليبية  - هو ضابط فرنسي سابق برتبة كومندان ويدعى جان جاك دولا بورت. وكان دولا بورت يستخدم اسماً مستعاراً هو "الكابتن كريمه". واعطت  الصحيفة بعض المعلومات عن الكومندان فقالت انه سبق ان كان من قوا الصاعقة التي اشتركت في حرب الجزائر, وانه تم توقيفه في آب 1979 في الجزائر بتهمة العمالة للاستخبارات الفرنسية وبتهمة التحريض عل الانشقاق القبلي ضد الدولة وهو الانشقاق الذي قام به البربر.
   طبعاً اول سؤال يطرحه هذا الخبر هو لماذا توكل ليبيا الى مرتزق فرنسي مهمة خطف الامام موسى الصدر, وقد كان بين يديها ومدعوا عندها؟ هل ان الخلاف بين الامام والليبيين كان بعد مغادرته المطار من طرابلس الغرب؟
هل هناك جهة اخرى غير الليبيين؟
   هذه اسئلة تركها الضابط الفرنسي بدون اجابات علماً بأن السفارة الليبية في باريس (المكتب الشعبي) نفت نهائياً كل المعلومات التي نشرتها الصحيفة الاسبانية وقالت انها معلومات عارية عن الصحة وانها كذب وهراء.
   واعادت السفارة الليبية الى الاذهان ما سبق ان قالته ليبيا حول هذا الموضوع وكررته طوال السنتين اللتين انقضتا على اختفاء الامام (28 آب 1978).
   بقي ان الجزائر اكدت للرأي العام الفرنسي عبر وسائل اعلامها الخاصة في العاصمة الفرنسية ان الكومندان دولابورت مسجون فعلا في الجزائر منذ اكثر من عام بتهمة تهديد امن الدولة, واشارت الى ان التحقيقات مع الكومندان اثبتت علاقته بخطف الامام. وهنا ايضاً طرح الضابط الكبير سؤالاً محيراً: كيف عرف الكومندان دولا بورت – وهو مسجون في الجزائر منذ اكثرمن عام – ان الامام موسى الصدر حي يرزق في احد السجون الليبية القريبة من الحدود الجزائرية.. الان؟ هل هذه معلومات الكومندان دولا بورت ام هي معلومات الحكومة الجزائرية؟ واذا كانت المصادر الجزائرية  قد عرفت بأن دولا بورت هو الذي خطف الامام عبر التحقيقات التي اجرتها فكيف عرفت ان الامام موجود  الان بالقرب من حدودها؟ وهل الغاية من كل هذه المعلومات انقاذ الامام ام اشعال النار بين اتباع الامام واهله وانصاره والدول والمنظمات التي تتبنى قضيته من جهة.. وبين خاطفي الامام من جهة ثانية؟ هل سيبقى اصبع الاتهام موجهاً الى ليبيا وحدها .. ام انه سيشير ايضاً الى اطراف اخرى في الشرق الاوسط؟ وعلى التحديد اين ستكون رقعة الحرب التي ستدور من اجل انقاذ الامام؟ لبنان؟ شمال افريقيا؟ الشرق الاوسط؟
   ما علاقة كل ذلك بما سربته شخصية ايرانية مقربة من آية الله الخميني قبيل ايام قليلة من نشر الخبر في الصحيفة الاسبانية عن ان لدى الخميني وثائق ومعلومات مؤكدة تقول ان الامام موسى الصدر لا يزال حياً يرزق في ليبيا؟ (السلطات الايرانية نفت هذا الخبر).
   هنا يقول الضابط الفرنسي انه لا يستبعد ان تكون ايران وراء تسريب المعلومات وان الجزائر اضطرت في النهاية الى تأكيد هنذ المعلومات. ويقول الضابط ان الامام الخميني بالتأكيد كان يعطي اهمية بالغة لإعادة الامام موسى الصدر الى لبنان, اذ قد يكون عامل تهدئة حاسماً بالنسبة الى مستقبل الجنوب اللبناني الذي تهدده اسرائيل وليس هناك من يستطيع تجاوز الخط الاحمر للدفاع عنه الا ابناء الجنوب انفسهم ومن يساندهم في ايران والعالم العربي!
   طبعاً قد لا تكون هنالك علاقة بين المعلومات التي تسربت من ايران وبين المعلومات التي تسربت من الجزائر. وقد عملت مؤثرات كثيرة على لفلفة ذيول القضية في فرنسا وصحافتها واوساطها مما زادها غموضاً, بالرغم من ان الاعلان عن وجود ضابط فرنسي سابق في سجون الجزائر لا يمكن ان تقبله فرنسا على علاته او تسكت عنه في وقت لا تعيش فيه  العلاقات الفرنسية الجزائرية شهر عسل.
   الخارجية الفرنسية اكتفت .. من التعليق على القضية بالقول انها لم تعلم بقصة الكومندان دولا بورت الا مع مطلع 1980, اي بعد اعتقاله بستة اشهر على الاقل (حسب ما جاء في المصادر الجزائرية). والسلطات الفرنسية لا تزال الى الان  ممنوعة من الاتصال بالكومندان بالرغم من الاتفاق القنصلي المعقود بين البلدين حول حق زيارة السجناء في البلدين كليهما.
   وما تستغربه الخارجية الفرنسية ايضاً ان الكومندان دولا بورت غير مسجل في القنصلية الفرنسية في الجزائر كمقيم, كما تستغرب العلاقة بينه وبين ما تنسب اليه الجزائر من تهمة نقل اسلحة وذخيرة  ومتفجرات الى قبائل البربر عبر المغرب. غير ان مصادر جزائرية كشفت عن ان طائرة ذات علامة مغربية من طراز "C 140" حطت في كانون الاول (ديسمبر) 1978 فوق الاراضي التي يسكنها البربر وهي تحمل اسلحة ومتفجرات وذخار. وقالت الجزائر يومها ان محمد صادق بن يحيى الزعيم البربري المعروف كان يسافر كثيراً بين المغرب وفرنسا لإقناع الطرفين بمساعدة قبائل البربر واعطائها السلاح للدفاع عن حقوقها المهضومة.
   يومها – وهذا اغرب ما في قصة الكومندان دولا بورت – لم تتحدث السلطات الجزائرية مطلقاً عن وجود مرتزق فرنسي, واكتفت بالقول ان الايادي الاجنبية كانت وراء تمرد البربر. ولم تخف الجزائر حكاية الكومندان لأجل عيون الوفاق مع فرنسا, فقد كانت العلاقات بينهما في حضيض تدهورها.
   المسؤولون الجزائريون ايضاً يرفضون التعليق عل كل هذه التساؤلات, خاصة منها ما يتعلق بخطف الامام موسى الصدر. وهذا ما يبرر للضابط الكبير القول ان هنالك "اوركسترا" خوف وتخويف متشابكة, وأن هنالك "مايسترو" واحداً لا يمكن الكشف عنه في المرحلة الحالية. كل شيء يجب ان يبقى معلقاً الان في انتطار زوال اسباب الخوف والتخويف, ففي الاقتناع النهائي للضابط الفرنسي الكبير ان الامام لم يقم بزيارة ليبيا بضغوطات مارستها  احدى العواصم العربية , وان هذه العاصمة العربية دبرت امر اختطافه بالتنسيق الكامل مع احدى المنظمات وبتنسيق مع الكومندان دولا بورت, ولا ينفي الضابط الفرنسي الكبير الاحتمال الذي تعرضت احدى الصحف الفرنسية (ليبراسيون) عن علاقة كل هذه القضية باغتيال رجل عسكري كبير في فرنسا قبل عام تقريباً .. بل يقول ان مقتله جزء من عملية الخوف والتخويف التي يديرها المايسترو الاكبر للأزمة اللبنانية. (انتهى)
___________________



عودة كيسنجر!
(الاسبوع العربي 29-12 – 1980 محمد سماك)

   ليس من الواضح بعد, ما اذا كان الدكتور هنري كيسنجر يعود مرة جديدة الى الشرق الأوسط, "بالهراوة" او "بالجزرة" الأميركية. غير انه من الواضح ان عودته تتم في ضوء المواقف الهامة الآتية:
   أولاً: الاتفاق الذي تم بين اسرائيل وادارة الرئيس المنتخب رونالد ريغان على تشكيل لجنة دفاع مشتركة.
   ثانياً: تعيين الجنرال الكسندر هيغ وزيراً للخارجية الاميركية, وهو الذي طالب في عام 1979 بعقد تحالف بين اسرائيل وحلف شمال الاطلسي, "باعتبار ان اسرائيل تحتل مركزاً استراتيجياً في الجناح الجنوبي للحلف في مواجهة الاتحاد السوفياتي".
   ثالثاً: دعوة وزير الدفاع الاميركي الجديد كاسبار وينبرغر "الى تقديم المساعدات الجوهرية الاقتصادية والعسكرية لاسرائيل, وزيادة التواجد الاميركي العسكري فيها, وفي بعض دول المنطقة الاخرى.. لمواجهة الكتلة السوفياتية لصالح الولايات المتحدة".
   رابعاً: اعلان نائب الرئيس الاميركي المنتخب جورج بوش " انه من اجل المصلحة الاميركية الذاتية لا يمكننا ان نتخلى عن مسؤوليتنا كحارس للحرية في عالم مهدد بقوى عدوانية معادية لمفهوم الحرية".. و"ان السلام على طريق القوة.. القوة العسكرية ليس مجرد شعار في حملة انتخابية.."
   خامساً: اعتراف وزير الدفاع الاميركي الحالي هارولد براون رسمياً, وبصورة علنية "ان الولايات المتحدة فكرت عدة مرات اثناء حكم الرئيس كارتر في استخدام القوة العسكرية في الشرق الاوسط وافريقيا واميركا اللاتينية".
  في ضوء هذه المواقف يمكن ادراك ابعاد الرفض الاميركي الحاد لمقترحات الرئيس السوفياتي ليونيد بريجنيف حول أمن المحيط الهندي والخليج العربي. ذلك ان هذه المنطقة التي تشكل شريان الحياة اقتصادياً وبالتالي عسكرياً للعالم كله, تعتبرها الولايات المتحدة جزءاً من امنها الستراتيجي. ومن اجل ذلك فهي ترفض اي مساومة دولية حول مشاركتها الهيمنة على هذه المنطقة.  وهي – اي الولايات المتحدة – مستعدة لأن تذهب من اجل تأكيد ذلك, ومن اجل فرض هذا الواقع في لعبة الامم الى حد استعمال القوة العسكرية وليس مجرد التلويح بها.
   فالاستياء الاميركي من العملية العسكرية التي قام بها الرئيس كارتر في صحراء لوط في ايران لتحرير رهائن السفارة الاميركية لم يكن استياء ضد مبدأ استعمال القوة, انما كان استياء بسبب فشل العملية العسكرية.
   وقد رأينا بعد ذلك كيف ان البنتاغون عمد الى رفع كفاية القوات التي تم تشكيلها للتدخل السريع في منطقة الخليج عن طريق التدريبات التي جرت في مصر.. ثم عن طريق تعزيز مواقعه العسكرية في المنطقة.
   ان العقد التي تتحكم في عملية اتخاذ القرار في البيت الابيض هي اللاثقة لدى اصدقاء الولايات المتحدة... واللااحترام لدى خصومها في العالم.
   وقد عززت سلسلة التراجعات الاميركية في الشرق الاقصى, وافريقيا واميركا اللاتينية, والخليج العربي, من هذه العقد, ولذلك فإن الهاجس الاساسي الذي يهم الادارة الاميركية الجديدة, هو استعادة الثقة المفقودة, والاحترام الضائع.
   ولا توجد في العالم منطقة يتجمع فيها اصدقاء وخصوم الولايات المتحدة كالشرق الاوسط والخليج العربي. ولا توجد منطقة تهم الولايات المتحدة استراتيجياً, كما تهمها هذه المنطقة بالذات. فإذا كان كيسنجر يحمل "الجزرة", فمن اجل استعادة ود الاصدقاء.. واذا كان يحمل العصا.. فمن اجل فرض الاحترام على الاعداء. 
   انها سياسة جديدة.. باسلوب بال.. (انتهى)
___________________



لبنان الضحية الكبرى
ويمثل رصيداً احتياطياً
في بنك التسوية الاميركيّة

 الاسبوع العربي: 29/12/1980 "محمد سماك"
د.محمد السماك
   هل طويت صفحة المبادرة الاوروبية في الشرق الاوسط؟
   لكن اعتراف وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينغتون ان اوروبا لا يمكن ان تفرض تسوية شاملة في الشرق الاوسط. وان كل ما تملكه هو برنامج للعمل في المنطقة فقط.
   وازاء هذا الاقرار الاوروبي بالعجز, اعرب وزير الخارجية المصري كمال حسن علي عن اعتقاد مصر بانه من غير المتوقع ان تبلور اوروبا مبادىء بيان البندقية في خطوات عملية في الوقت الحاضر ذلك انها قد تنتظر الى ان يتولى الرئيس الاميركي المنتخب السيد رونالد ريغان مسؤولياته. واستكمالاً لهذه الصورة  الواقعية اعلن وزير الخارجية الاسرائيلي اسحق شامير ان اسرائيل ترفض مبدئياً قمة البندقية, الا انها لا تمانع من ان تقوم اوروبا بالتنسيق مع الولايات المتحدة لتنفيذ اتفاقيتي كمب ديفيد. من هنا كان تأكيد ابو اياد – صلاح خلف – لرئيس هيئة تحرير وكالة نوفوستي – الكسندر كراستوف – ان الثورة الفلسطينية لم تقع ابداً في وهم الانتقاد بالنسبة الى امكان وجود مبادرة اوروبية بمعزل عن الولايات المتحدة وكمب ديفيد. وهكذا تنطوي صفحة المبادرة الاوروبية لتفتح ملف كمب ديفيد من جديد.
   فوزير الخارجية الاميركي المعين الكسندر هيغ يقول بضرورة التمسك باطار كمب ديفيد.. ورفض الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية, بحجة "ان تعريض انجازات معاهدة السلام المصرية – الاسرائيلية للخطر بتقديم تنازلات الى الاعداء الالداء للسياسة الشجاعة التي ينهجها السادات .. لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة.
   كذلك فإن وزير الدفاع المعين كاسبار وينبيرغ اكد في حديث خاص لراديو الجيش الاسرائيلي "انه يؤيد بشدة إتفاقيتي كمب ديفيد على الرغم من انه يعتقد انهما لا تمثلان الا بداية عملية من المقرر ان تؤدي الى سلام شامل في الشرق الاوسط". وفي اطار طي صفحة المبادرة الاوروبية, وتمسك إدارة الرئيس الجديد رونالد ريغان بكمب ديفيد كما اكد هو نفسه ذلك في الرسالتين اللتين بعث بهما الى كل من الرئيس السادات ومناحيم بيغن, يأخذ التحرك الاميركي الجديد ابعاده الحقيقية. فبعد جولة سول لينوفيتش, الذي اعلن بعد زيارته لمصر واسرائيل ان مفاوضات الحكم الذاتي حققت تقدماً مهماً في الاشهر الاخيرة (؟). يقوم هذا الاسبوع الدكتور هنري كيسنجر بجولة في المنطقة تشمل الى جانب مصر واسرائيل عدداً من الدول العربية الاخرى.
   ويبدو ان مهمة كيسنجر هي وضع اسس جديدة لقمة ثلاثية تجمع الرئيس ريغان الى السادات وبيغن في شهر شباط – فبراير – القادم, ذلك ان الرئيس الاميركي يقترح في اطار التمسك باتفاقيتي كمب ديفيد تعديلات جديدة تلقى قبولا لدى بعض الاطراف العربية, وتفتح  الباب امام اشتراك الاردن في المرحلة التالية من التسوية السياسية دون ان يكون لهذا الاشتراك ردة فعل سلبية لدى الدول العربية الاخرى.
يبقى سؤال التالي: هل توافق مصر واسرائيل على تعديلات ريغان؟
   "ان اعادة الضفة الغربية للملك حسين لن تحل مشكلة الشرق الاوسط اننا نريد حل القضية الفلسطينية.."
   وأصر مبارك على ضرورة وضع اسس الحكم الذاتي اولا.. وقبل ان يشترك الاردن في اي دور.
   ويعتبر هذا الموقف متطابقاً مع الموقف الاسرائيلي لمناحيم بيغن. الا ان حكومة بيغن قد لا تعيش طويلاً. والبديل المرشح هو حزب العمل الذي جدد الزعامة لشيمون بيريز واقر في الاسبوع الماضي برنامجه السياسي. وبموجب هذا البرنامج يعتبر الاردن طرفاً اساسياً في مفاوضات التسوية بالنسبة لتقرير مصير الضفة الغربية. وقد وافق مؤتمر الحزب على سياسة تخول حكومة الحزب في المستقبل الانسحاب من قطاعات واسعة من الضفة الغربية والاحتفاظ فقط بالاراضي التي تعتبر حيوية لأمن اسرائيل.
   وفوض المؤتمر الى زعماء الحزب التفاوض مع الفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة وخارجها لحل المشكلة الفلسطينية. اكثر من ذلك فور عودة موشي ارانس رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست من واشنطن حيث اجرى مباحثات مع ادارة الرئيس ريغان اكد "ان المشكلة الفلسطينية لن تجد حلا الا في اليوم الذي يقرر فيه الاردن الدخول في المفاوضات".
   ويعكس هذا الموقف في الواقع موقف الرئيس ريغان وادارته كما يعكس موقف اصدقاء اسرائيل وعلى رأسهم فرانسوا ميتران زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي قال اثناء زيارته اسرائيل في الاسبوع الماضي: "ان هناك حاجة الى مفاوضات مباشرة بين اسرائيل والاردن والفلسطينيين ويجب ان لا يصنع شيء حول المناطق المحتلة في عام 1967 دون مشاركة الاردن".
    ومن الواضح ان الادارة الاميركية المقبلة تستبعد في حساباتها التفاوضية منظمة التحرير الفلسطينية. ويؤكد ذلك اختيار الدكتور كيسنجر مبعوثاً الرئيس ريغان الى الشرق الاوسط. فالدكتور كيسنجر هو الذي الزم الولايات المتحدة بالموقف المعادي للمنظمة خاصة بعد صدرو قرار قمة الرباط في عام 1974 باعتبار المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. ومع ان مهمة كيسنجر هي العودة بالامور الى ست سنوات الى الوراء اي الى ما قبل صدور قرار قمة الرباط, فإن فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية يقول "ان المنظمة مستعدة للقاء ادارة ريغان, شرط ان تعترف الولايات المتحدة رسمياً بالمنظمة".
   ويقول القدومي ايضاً" "نعرف موقف مجموعة الرئيس الاميركي المنتخب وموقف الادارة الاميركية التي هي معادية لنا, ولكن اذا ارادوا الاتصال بنا, ففي استطاعتنا التعامل معهم".
   من السابق لأوانه الجزم بان ادارة الرئيس ريغان سوف ترفض كلياً اي حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية. ومما يؤكد اي حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية. ومما يؤكد ذلك الأمران الآتيان:
1 –الاقتراحات التي عرضها في الكرملين السيناتور الجمهوري تشارلز بيرسي والتي ايد بموجبها قيام دولة فلسطينية يرئسها ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
2 –"الاحترام" الذي استقبل به مقال هيرمان ايلتس سفير الولايات المتحدة السابق في القاهرة الذي نشر في مجلة "فورن بوليسي" "السياسة الخارجية" والذي دعا فيه ادارة الرئيس ريغان الى تصحيح خطأ كمب ديفيد (كان ايلتس عضواً في الوفد الاميركي في مفاوضات كمب ديفيد, وهو يعمل الآن  استاذاً للعلاقات الدولية في جامعة بوسطن) باجراء حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية.
   مهما يكن من امر, فإن الشرق الاوسط مقبل ليس فقط على مواقف جديدة انما على جغرافية جديدة ايضاً. وقد بدأت الخطوط الاولى في اعادة رسم خريطة المنطقة في العام الماضي عندما اجتاحت القوات السوفياتية افغانستان. ثم عندما نشبت الحرب العراقية-الايرانية. وليست معاهدات التسهيلات العسكرية بين الولايات المتحدة وكل من سلطنة عمان والصومال ومصر واسرائيل, ومعاهدة الصداقة والتعاون بين الاتحاد السوفياتي وكل من سورية واليمن الجنوبي سوى مؤشر على حالة  التأهب لرسم خطوط جديدة اخرى في تحديد معالم الخريطة الجديدة.
    ان الوحدة السورية – الليبية هي خط جديد. وتحديد الحدود العراقية – الاردنية هو خط جديد اخر. وقد تبرز خطوط جديدة في مطل العام القادم: وقد يكون لبنان كما توقع كيسنجر وكما خطط في عام 1975 الضحية الكبرى... فقد اراد كيسنجر ان يكون لبنان "رصيداً احتياطياً" في بنك التسوية الاميركية. يؤخذ من هذا الرصيد لاسترضاء كل فرقاء التسوية !!.. (انتهى)
___________________



كيسنجر استعاد نظرية كينان في احتواء الستار الحديدي
وطبقها على الثورة الفلسطينية في لبنان
"فك الارتباط" بين القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير!

بوش ينسق مقترحات حل ازمة الشرق الاوسط تمهيداً لمشروع اميركي جديد...
 
(واشنطن – محمد عبد المولى الحوادث 27 – شباط 1981 العدد 1269 )

   بعد الحرب العالمية الثانية عينت الولايات المتحدة جورج كينان سفيراً لها في موسكو, فقضى فيها سنوات عدة, اكتسبت خلالها تجارب اعتقد انها اصبحت تشكل مدخلاً لنظرية جديدة صالحة للتطبيق في علاقة اميركا بروسيا.
   جورج كينان كان من اوائل الاميركيين الذين ابتكروا تعبير "الستار الحديدي", وصفاً لدكتاتورية النظام السوفياتي, ومنعه من تسريب اية انباء عن وقائع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل روسيا وبقية بلدان الكتلة الشيوعية.
   والنظرية التي وضعها كينان, وسجلها في اكثر من كتاب بعد تركه السلك الديبلوماسي الاميركي, قضت باحاطة الاتحاد السوفياتي بسلسلة من الاحلاف والقواعد العسكرية, منعاً لخروجه من حدود "الستار الحديدي". ولم يقل كينان ذلك مباشرة, انما اعطى نظريته مدلولا سياسيا حين طالب بضرورة "احتواء" الاتحاد السوفياتي داخل الحدود الجغرافية التي وجد فيها اثر الحرب العالمية الثانية. وسياسة الاحتواء تعني محاصرة الاتحاد السوفياتي عسكرياً وثقافياً وسياسياً.
   وبالفعل طبقت الولايات المتحدة هذه النظرية من خلال سلسلة الاحلاف التي انشأتها في اوروبا الغربية (الناتو) وفي الشرق الاوسط (بغداد) وفي جنوب شرقي آسيا (السياتو).
   فماذا كانت نتيجة هذا التعليق؟
   منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وسيطرة الاحزاب الشيوعية على بلدان اوروبا الشرقية وحتى عام 1958 نجحت النظرية الى حد ما في ناحيتها العسكرية. لم تنجح بشكل مطلق لاسباب كثيرة, اهمها محاربة العرب فكرة الاحلاف, وظهور حركة الحياد بقيادة ناصر – نهرو- سوكارنو. والثورة العراقية عام 1958 انهت حلف بغداد, فغيرت اميركا  اسمه الى "حلف السنتو". وكان لعدوان السويس 1956 فضل كبير في فك الطوق العسكري من حول الاتحاد السوفياتي.
   وخلال هذه الفترة لم يتحرك الاتحاد السوفياتي خارج حدوده عسكرياً لسببين: الاول هو ان اميركا كانت تحتكر صفة القوة الاعظم, وكانت تمتلك وحدها القنبلة النووية. والثاني هو ان الاتحاد السوفياتي خرج مثخنا من الحرب العالمية. فكان بحاجة الى البناء الداخلي اكثر من حاجته الى التوسع الخارجي.
   واذا كانت نظرية كينان في الاحتواء العسكري قد نجحت الى حد ما, الا ان جانبها السياسي سجل فشلاً رهيباً. فقد خرج الاتحاد السوفياتي الى العالم, ثقافياً وسياسياً بعد موت ستالين مباشرة. وبدأت تظهر في اسواق الشرق الاوسط ومعظم اسواق العالم الثالث الكتب السوفياتية, وبدأت شعوب الارض تتخطى "المكارثية" الاميركية وتنفتح على الثقافة الشيوعية. فظهر المد اليساري في الشرق الاوسط وفي آسيا, وفي بعض افريقيا واميركا اللاتينية.
   هنري كيسنجر, الغني عن التعريف, لم يعترف بفشل نظرية كينان في التطبيق. حورها, كي لا يقال انه يكتسب افكاره من الاخرين, واظهرها تحت اسم "الوفاق". وهذه الفكرة لا تختلف في مضمونها عن نظرية كينان. فهي محاولة لاحتواء الاتحاد السوفياتي مع الاخذ بعين الاعتبار ما حصل من تطورات دولية في الستينات.
  وفي هذا العقد اصبح الاتحاد السوفياتي قوة عظمى حقيقة مثل الولايات المتحدة. وفكرة الوفاق كما طرحها كيسنجر, تقضي باحتواء هذه القوة العظمى وليس احتواء "الستار الحديدي".
   وتبنى كيسنجر نظرية "الاحتواء" ليطبقها على دول اخرى غير الاتحاد السوفياتي و مثل كوبا الى حد ما, ومثل الصين الى حد مطلق. وفي عهد تسلم كيسنجر وزارة الخارجية الاميركية, وهي فترة طويلة نسبياً, لم يقم بأي عمل ضد كوبا, وفي عهده ايضاً توقفت حرب فيتنام ودخلت الصين الى الامم المتحدة. المهم انه أمن "شر" كوبا والصين, ولم يبق امامه سوى الثورة الفلسطينية.
   وأخذ كيسنجر يتساءل: اذا كانت فكرة الاحتواء سليمة بالنسبة للدول, التي لها أرض يمكن محاصرتها, فكيف يمكن تطبيقها على الثورة الفلسطينية وليس لها ارض محددة تعيش فوقها؟
   هذا السؤال, واجابته المفصلة, حملها احد الذين طرحت عليهم ادارة ريغان سؤالاً يتعلق بتصورهم لحل ازمات الشرق الاوسط. ومنها طبعاً الازمة اللبنانية. ويوم الخميس الماضي (في 19 شباط – يناير) دخل الرجل الى البيت الابيض, وسلم السؤال والجواب (التقرير) الى جورج بوش نائب الرئيس الاميركي.
   ولماذا الى جورج بوش وليس الى وزير الخارجية, كما يفرض الواقع؟
   يقولون في واشنطن ان ادارة ريغان ليس عندها اي تصور لحل ازمة, او أزمات, الشرق الاوسط. وقد اخذت تجمع المعلومات, وتستكشف آراء مختلف الاطراف والمعنيين في المنطقة وخارجها بهدف بلورة مشروع حل.
   ويعتبر جورج بوش, بحكم الدستور, رئيساً لمجلس الشيوخ. ويقال ان الدراسات تقدم اليه لمناقشتها مع مجلس الشيوخ, ثم غربلتها. والذين يقولون بهذا الرأي, يؤكدون عليه بالدور الذي لعبه السناتور بيرسي, رئيس لجنة الشؤون الخارجية, حين زار موسكو قبل ان يتسلم ريغان الرئاسة. فقد قال بيرسي الى غروميكو وزير الخارجية السوفياتي, ان اميركا على استعداد للاعتراف بمنظمة التحرير بشرط كذا وكذا ... وهي شروط غير تعجيزية واثارت بلبلة ولغطا كبيرين داخل اسرائيل واميركا.
   ويضيف اصحاب هذا الرأي ان هيغ ليس بحاجة الى اقناع, كما هي الحال بالنسبة لمجلس الشيوخ! وادارة ريغان منطلقة من السؤال التالي: ماذا يحفظ مصالحنا في الشرق الاوسط؟
   العرب والاوروبيون يطالبون بحل المشكلة الفلسطينية. واذا تبنت الادارة الاميركية هذا المطلب فإنها تصطدم بالكونغرس وباسرائيل. ولهذا السبب فإن عملية تقديم المقترحات والتقارير الى جورج بوش هي لتخفيف حدة الصدام بين اميركا واسرائيل واللوبي الصهيوني. فاسرائيل تخالف الرأي العربي والاوروبي في ان المشكلة الفلسطينية سبب كل ازمات الشرق الاوسط.
   ومن جهة ثانية, يقول اصحاب هذا الرأي, حين يصبح نفوذ اسرائيل ضعيفاً داخل الادارة يتجه الضغط الصهيوني الى الكونغرس. وهنا يلعب جورج بوش الدور "الملين" لهذا الضغط!
   وعلى اية حال فالقول الشائع في واشنطن انه اذا لم تستطع ادارة ريغان ان تبلور مشروع حل من الآن وحتى الانتخابات الاسرائيلية في اخر حزيران – يونيو – المقبل, فإن عملية تجيير الوضع برمته الى اوروبا الغربية واردة وجدية. وسيكون وراءها الكسندر هيغ.
   والمؤشرات التي يستند اليها اصحاب هذا التحليل كثيرة. منها ما يشاع عن ان رئيسة وزراء بريطانيا, مارغريت تاتشر, قد بحثت هذا الاسبوع مع الرئيس ريغان ازمة الشرق الاوسط, وطرحت امامه التصور الاوروبي لحل هذه الازمة. ومنها ايضاً زيارات وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا والمانيا الغربية الى واشنطن والتي ستتم في الشهر المقبل وذلك بعد مؤتمرهم السري في بون.
   ثم هناك خطاب الرئيس السادات امام البرلمان الاوروبي, وعدم رفضه للمبادرة الاوروبية. وتقول مصادر ديبلوماسية عربية في واشنطن ان هناك تنسيقا بين الادارة الاميركية الجديدة وبين الرئيس السادات لطرح البديل الاوروبي منذ الان في حال حدوث صدام اميركي – اسرائيلي محتمل!
   ان اطار الاستراتيجية الاميركية  يدور حول تقوية حلف الاطلسي, ومنحه دوراً اكثر فاعلية وقوة في السياسة الاوروبية والاطلسية والمتوسطية. وهيغ صاحب هذه النظرية. فهو يعرف ابعادها المحددة والعامة وتأثيرها على الوضع الدولي لأنه كان قائداً لقوات حلف الاطلسي.
  والاوروبيون يرضون بهذا الدور. واساساً, فمعظم اسباب خلافاتهم مع اميركا بسبب تحديد هذا الدور. الآن اذا سلمت  اميركا نهائيا بالدور الاوروبي القيادي في حلف الاطلسي, وهناك من الدلائل ما يشير الى ذلك,  فإن اهم الدول الاوروبية تربط بين امن اوروبا وامن الشرق الاوسط. وهنا العقدة التي ستواجهها اوروبا مع اميركا. البعض يقول انها ليست عقدة مستعصية الحل. وكل ما في الامر هو انه على اوروبا اقناع اميركا بالربط بين الامنين الاوروبي والشرق اوسطي. ومن حسن الظروف ان شخصاً مثل هيغ يقود سياسة اميركا الخارجية, فهو يعرف اكثر من غيره اهمية الرباط بين الامنين!
   وهيغ هو الذي اعلن عن قلق اميركا حيال التهديد السوفياتي للخليج والشرق الاوسط. وهو في نفس الوقت يعتبر قوة حلف الاطلسي امراً حيوياً بالنسبة الى مصالح اميركا. وهذا الكلام يعني- حسب تفسير "الهيرالد تريبيون" ان اميركا ريغان, تسعى الى تحسين علاقاتها مع اوروبا.. وقد ظهرت هذه الرغبة الاميركية حين ايدت واشنطن اقتراحاً فرنسياً للأمن الاوروبي. وفرنسا بالذات تعتبر ان امن اوروبا مرتبط بأمن الشرق الاوسط.
   ولباريس وجهة نظر مختلفة عن وجهة النظر الاميركية في ازمة الشرق الاوسط. ولقد رحب حلفاء اميركا كثيراً بالمبادرة الاميركية, واعتبروها اشارة طيبة من ادارة ريغان تؤكد انها لا تمانع ان يسير حلفاؤها الاوروبيون في قيادة التفاوض مع الروس بشأن الامن الاوروبي ونزع السلاح.
   المهم ماذا جاء في تقرير ذلك الشخص الذي قابل جورج بوش؟
   تفتقت "عبقرية" كيسنجر عن خطة لاحتواء الثورة الفلسطينية في لبنان! فالأرض "المفقودة" جاهزة في هذا الوطن المستضعف في الشرق الاوسط. ومحاصرة الثورة الفلسطينية في لبنان سهلة عسكرياً. فهناك اسرائيل.
   "ويمكن خلق مشكلة لبنانية تكون الثورة الفلسطينية طرفاً اساسيا فيها. فيصبح الحصار العسكري من جهتين. جهة اسرائيل وجهة لبنان". وتطبيقا لهذا التصور– يقول التقرير– خلق كيسنجر ازمة لبنان وحرب لبنان. ولقد نجح في الجانب العسكري وفشل في الحانب السياسي, تماما كما حصل لفكرة محاصرة "الستار الحديدي". لقد انحصر الكفاح الفلسطيني المسلح على ارض لبنان, في حين اعطى هذا "الحصار" زخماً سياسياً واعلامياً لمنظمة التحرير, وكان من اهم النتائج لهذه الخطة الضارة ان التمركز الفلسطيني على ارض لبنان اضر بالمصالح الاميركية بدل ان يفيدها. وهنا يقول التقرير حرفياً: "هل كانت خطة كيسنجر بهدف حماية المصالح الاميركية أم لحماية اسرائيل, واسرائيل فقط؟"
   ويقول التقرير: لقد فهم الاتحاد السوفياتي الوفاق بمعنى مختلف عما حاول كيسنجر تطبيقه. واكتشفت موسكو, متأخرة, ان الوفاق, في المفهوم الاميركي, يعني الاحتواء كما ظهر في نظرية كينان, فأرادت ان ترد على المفهوم الاميركي بطريقة اخرى, فمدت يدها الى منظمة التحرير والى كل حركة تحرير وطني في العالم. وفي الجهة المقابلة, وجدت منظمة التحرير نفسها مدفوعة باتجاه موسكو لضرب ولفك طوق الحصار الكيسنجري في لبنان. وهنا اختلط الامر على الاميركيين بفعل الدعاية الاسرائيلية, التي يهمها جداً ان يزداد طوق الحصار على الثورة الفلسطينية في لبنان. فراحت واشنطن تمزج بين محاولات فك الحصار عن الثورة, والذي تعاونت فيه موسكو والمنظمة, وبين الارهاب, الذي اطلقت عليه اسم "الدولي" لأن موسكو احد اطرافه.
   لكن ذلك لم يكن سببا كافيا لهجمة ادارة ريغان فجأة على " الارهاب الدولي". والتقارير التي بدأت تنشر, منسوبة الى وكالة الاستخبارات المركزية (السي. اي.ايه.) ليست جديدة. فما الذي جعل الاميركيين يوزعونها الان؟
   كما قلنا سابقاً, ان تفسير معنى  الوفاق قد اختلف بين موسكو وواشنطن. لقد وضعت صيغته لكي تفهمه كل دولة حسب ظروفها ومصالحها. انه مثل القرار 242. فكل طرف فسره حسب هواه ومصلحته. ونصه وضع, اساسا, لهذا الغرض!
   وشعرت الولايات المتحدة انه لا بد من تغيير او تعديل مضمون الوفاق كما وصفه كيسنجر, لان الاتحاد السوفياتي استفاد اكثر من اميركا بموجبه. وادارة كارتر, قبل ادارة ريغان, هي التي توصلت الى هذه النتيجة. لكن الادارة السابقة كانت مترددة وخائفة, ولم تنفذ اي قرار او فكرة اعتقدت بصوابهما. وادارة ريغان مصممة, كما يبدو حتى الآن, على تغيير مضمون الوفاق فراحت تضرب على وتر "الارهاب الدولي", وسمحت بنشر تقارير وكالة الاستخبارات المركزية المتعلقة بهذا الموضوع. وفي اسبوع واحد ظهرت تقارير الاستخبارات ونشرت في فرنسا وايطاليا واميركا وبريطانيا. وكلها ابرزت العلاقة السوفياتية – الفلسطينية. وملخص هذه التقارير يقول ان الارهاب الدولي هو تخطيط سوفياتي واذرعته فلسطينية.
   والامرالذي يلفت النظر في هذه التقارير هو التأكيد على ان بيروت هي المطبخ لكل هذه العمليات التي تجري في الشرق الاوسط واوروبا واميركا اللاتينية وافريقيا! وقالت التقارير ايضاً ان تسعين بالمائة من الاسلحة المستخدمة هي شيوعية! وان سفراء الاتحاد السوفياتي قد تخلوا عن مهمتهم الديبلوماسية, وراحوا يديرون شبكات للتخريب الداخلي في الدول التي يعملون بها. واعطت التقارير السفير السوفياتي في بيروت, سولداتوف, دوراً كبيراً يشمل الشرق الاوسط. وعندما انتقل الى بيروت من هافانا, روجت الصحف الغربية له, وقالت انه من اخطر السفراء, والصقت به دوراً طليعياً مؤكدة ان تقاريره تصل مباشرة الى الكرملين واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي مباشرة, متخطية وزارة الخارجية. وذهبت الى اكثر من ذلك, لتقول ان دور سولداتوف التخريبي يتخطى الشرق الاوسط ليصل الى اميركا اللاتينية, وهو المشهور بأنه صاحب ازمة الصواريخ الكوبية المعروفة!
   الهدف من وراء ذلك كله هو اعطاء فكرة على ان القضية الفلسطينية, التي تقودها منظمة التحرير, قد شطت عن طريقها, وابتعدت عن الالتزام بقضية تحرير الارض, واصبحت مجموعة تعمل لحساب الاتحاد السوفياتي!
   وواضح هنا, قصد تشويه معنى الثورة الفلسطينية ودورها, وخلق عداوات لها داخل اوروبا الغربية بالذات, وهي التي تعمل من اجل مبادرة سلام في الشرق الاوسط. وارادت التقارير ان تعيد تذكير الاوروبيين بان اطلاق الصواريخ على الطائرات الايطالية وقتل الدو مورو والجنرال مونتباتن ... هي كلها اعمال فلسطينية بتوجيه سوفياتي!
   والنتيجة المنطقية لهذه الحملة الاعلامية المركزة ضد منظمة التحرير هي محاولة الفصل بين القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية! وعملية "فك الارتباط" هنا تؤدي الى الحديث عن حكومة منفى. اي تمثيل القضية الفلسطينية من خارج منظمة التحرير! ولقد بدأ بعض الاصوات داخل الادراة الاميركية الجديدة يتبنى فكرة موشي دايان في ان اهل الضفة الغربية هم اجدر بتمثيل القضية لأنهم لم يوظفوها لمآرب دولية, مرتبطة بالاتحاد السوفياتي!
   واذا كان الهدف المباشر لربط منظمة التحرير بالاتحاد السوفياتي والارهاب الدولي, هو فك الارتباط بين القضية والثورة, فإن هدفها غير المباشر هو مردود وانعكاس هذه الفكرة على بعض الدول العربية التي تؤيد منظمة التحرير وترفض التعامل مع الاتحاد السوفياتي. والاميركيون سيستمرون في التركيز على علاقة الاتحاد السوفياتي ومنظمة التحرير في الارهاب الدولي, الى ان تصل الدول العربية المعنية ال وقت تقول فيه لمنظمة التحرير الفلسطينية: نحن ندعمكم بكل الامكانيات ولكن ليس من اجل تحقيق اهداف سوفياتية!
   وقد وعت منظمة التحرير هذه الحقائق, فراحت تنفي ادعاءات تقارير السي.اي. ايه., مركزة بصورة خاصة على ما اشيع من علاقة بينها وبين منظمة "الالوية الحمر" في ايطاليا. لكن هل هذا يكفي؟ انه جزء فقط من حملة مضادة. والجزء الاهم هو المتعلق بفك ارتباط القضية الفلسطينية بالثورة الفلسطينية. (انتهى)
___________________


أميركا وعرش العولمة
24-8-2006 وكالة اخبار لبنان

المربع المدمر في حارة حريك هو مشعر يقشعر البدن أمامه خصوصاًَ بعد رؤية الضحايا والشهداء في معظم الأرجاء لا سيما الأطفال الإرهابيين الذين حازوا على صفقهم هذه من قبل أن يولدوا.
   المشهد يتكرر، إنه نفس المشهد الذي حدث في 11 أيلول في نيويورك في أميركا. فهل يا ترى أن اليد التي قامت في تأدية المشهد الأول هي نفسها التي قامت بالمشهد الثاني في حارة حريك. أم أنه انتقام للمواطن الأميركي بهدف امتصاص نقمته الغريزية لما يشفي غليله، عندئذٍ يرضى فيخرج رئيسه الذي يمثله والحامل للدعوى الدينية الجديدة من موقع الاتهام بالفشل وهو الذي شعبه إلى الهزائم المتتالية والهلاك في المستقبل. وفي هذه الحال يكون قد أعاد لهذا المواطن الأميركي عراقته وهيبته وردّ له اعتباره.. وأيّ اعتبار!.. أين هي حذاقة وذكاء القياديين في البنتاغون أو لم يعتبروا من فيتنام أو من غيرها أنه لا يمكن طمس إرادة الشعوب أو قهرها أو سلب رأيها أو تحييد خيارها أو إخضائعها للإملاءات التي تناسبها... هذا كله تحت شعار الحرية والديموقراطية المزيفة ألا وهي ديمقراطية الرأسمالية الإقطاعية والمستعمرة.
  أو لم يعتبروا أن هذه الشعوب وإن كانت لا تملك تكنولوجيا حديثة كالتي بحوزة أميركا أو حليفتها إسرائيل، لا يمكن استعبادها. أو لم تعتبر أميركا أنه بإمكانها أن تدمر قدر ما تشاء ولكن لا يمكنها أن تعمّر خصوصاً إذا ما كانت مرفوضة ومنبوذة نصاً ومضموناً من هذه الشعوب.
  ها هو أحد المبعوثين من السفارة الأميركية يفتتح معرضاً فنياً في بيروت ويقول متحدياً: ها هي أميركا تعود إلى لبنان في عالم النشاطات والثقافة. ولكنه في نفسه يعلم جيداً أن المواطن اللبناني لا يُقَيِّم ولا يحضر هذه المناسبات كطريقة واضحة للتعبير عن استيائه من نظرة أميركا المتعالية والمتسلطة.
إن البلدان التي كانت مستعمِرَة المنطقة قد اعتبرت من تجربتها أن الشعوب لا يمكن استعمارها أو حكمها بلغة القوة فهي قد أدركت ذلك من خلال ما اخترته وبئساً للذي لم يدرك هذه الحقيقة.
وكيف بالتالي لأميركا الناشئة في هذا العصر الحديث أن تعلم ذلك. كيف لها ذلك وهي تركيبة من شعوب وحضارات متعددة ومختلفة ومتنوعة لا يجمعها سوى آلة عملة الدولار وبالإضافة إلى ذلك فإن تاريخها يقوم على استعباد البشر وسلبهم من أرضهم وإبادتهم كالأفارقة والهنود الحم (السكان الأصليين) الذين استولت على أرضهم لأنهم وجدوا فيها إله الذهب معتقدين أنهم بذلك الذهب بإمكانهم أن يفعلوا ما يشاؤون به طالما أن الإنسان ضعيف أمام هذه المادة. غير أن الأحداث في الشرق برهنت وتبرهن أن المعركة في الشرق الأوسط بشكل عام هي معركة المادة والتكنولوجيا مع الإيمان والروح.
بعد انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب العالمية الثالثة الباردة لم يعد لأميركا عدوّ يوحّدها وظهر هذا حتى في أحد أفلامها السينمائية الكوميدية. فها هي تخلق لنفسها الحجج بخلق أو إيجاد عدوّ جديد ألا وهو الإرهاب الغير محصور في مكان واحد أو بلد واحد أو قادة واحدة وبالتالي يتحرك شبح الإرهاب في اتجاه بوصلة توجهها كيفما تشاء وحسب أهدافها وبما يمكنها أن تسيطر على البلد الذي تبغاه وفق مصالحها الاقتصادية التوسعية حيث سينتهي بها الأمر بأن تحكم هذا العالم فتحكمه حينها بسياسة رعاة البقر.
أميركا مرفوضة اليوم من عدد من الشعوب. كيف لا وهي التي ضحت بجنودها في فيتنام حيث كانت تختبر قدرتها العسكرية. فما الذي يمنع أن تضحي أميركا وتستغني عن حليفتها المدلعة اسرائيل. فوالله أن هذا اليوم آت وسكان الشرق الأوسط جميعاً والعالم سيشهدون.
لقد فشلت أميركا في أفغانستان والعراق ولبنان فوداعاً لغلبة الشعوب بالأسلحة الحديثة المتطورة ووداعاً لأهلها بالجلوس على كرسي أو عرش العولمة. قد يكون من الأجدى لها أن تبحث عن الحياة والماء في المريخ وتنفق مجهود شعبها على أحلامها التوسعية التي لا يحدّها حدود فلربما حكمت هذا المريخ المسكين الشعب الأميركي طيب ليس عنده نسبة عالية من الثقافة يظن معظمه أن الكرة الأرضية مقتصرة على الولايات المتحدة. إنه شعب مسالم لا يحب الحرب همّه شرب البيرة ومشاهدة مباريات البايسبول بعد أن يكون قد أنهكه العمل بعد عناء يوم شاق من العمل وبعد أن يكون قد أثقله دفع الضرائب التي تخصص للمجهود الحربي حيث يتم صناعتها في الولايات المتحدة ويأتي بها إلى الشرق الأوسط للتجربة الميدانية الحية والمدفوعة!!!
مع الاشارة أن أعمال العنف تكاثرت ابتداء من أحداث 11 سبتمبر حتي الآن، وأصبحت ظاهرة ميزت بداية هذا القرن، و الواضح أن هذا العنف ليس عشوائيا إنما يرضخ لتخطيط ولأيديولوجية مبرمجة ترتكب ضمن إطار منهجي، وتنطلق من قاعدة دينية تتمحور من خلال البيانات و التقارير سواء أتت من أميركا على لسان جورج بوش أو من جماعات المتطرفين من الإسلاميين على لسان بن لادن. والفكرة تدور حول حماية " المقدس " بما يجعل العنف وسيلة للدفاع عن هذا المقدس الذي يرى كل طرف من زاويته أنه مهدد بالخطر .
أيعقل أن تكون البلاد المنتجة للذهب الأسود هي التي تتعرض للقتال بأحدث الأسلحة ولمختلف أشكال البؤس والأسى بدل أن تكون في حالة نعيم ورخاء واستقرار وتطور؟!...
أكتب هذه الأسطر قبل أن يدفع المواطن الأميركي المزيد من ضرائبه على مشاريع غازية توسعية خائبة تقودها الإدارة الأميركية عسى وعلى أمل أن تبدل من اعوجاج سياستها في التعاطي مع الشعوب فلا تنظر إليهم كأرقام وتعيد النظر بتعاطيها مع البشر. إنها دعوة لأميركا لأن تستيقظ من سكرتها بفوزها على المعسكر الشرقي ولتعترف أنها ليست لوحدها على وجه هذه الأرض. (انتهى)  زاهر بدر الدين
___________________



اللوبي اليهودي تحت مجهر الاكاديميين:
اسرائيل باتت عبئا على مصالح واشنطن

السفير 22/8/2007

   (أ.ل) – كتب محرر الشؤون الإسرائيلية في جريدة السفير:

     بسبب الإحباط المتزايد في صفوف الأميركيين من الحرب في العراق، بات التجرؤ وانتقاد إسرائيل اكثر سهولة. وثمة من يعتقد أن كتاب الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر وإخفاق إسرائيل في تحقيق الانجازات في حرب لبنان الثانية زادت إمكانية الحديث عن إسرائيل. ولكن إلى جانب ذلك هناك التغير الملحوظ، وإن كان لا يزال طفيفا، في موقف الرأي العام الأميركي من إسرائيل ومكانتها في المنطقة. ونشرت صحيفة «معاريف» تقريرا عن كتاب اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية» الذي كتبه البروفسوران ستيفن فولت وجون ميرشهايمر من جامعة شيكاغو. وأثار الكتاب ضجة كبيرة حتى قبل أن يصل إلى رفوف المكتبات، حيث يتعرض لحملة قوية من جانب المنظمات اليهودية الأميركية. ومن المقرر أن يبدأ بيع الكتاب في الرابع من الشهر المقبل. ويشير الكاتبان، وهما بين أكثر المختصين شهرة واحتراما، إلى ان اللوبي اليهودي الذي يضم أيضا جماعة «إيباك» يؤثر بشكل حاسم على السياسة الأميركية وخصوصا في الشرق الأوسط، وأن هذا التأثير يلحق الضرر ليس فقط بالولايات المتحدة وإنما كذلك بمصالح إسرائيل. ويقول فولت إنه «بسبب انتهاء الحرب الباردة، باتت إسرائيل عبئا يثقل كاهل الولايات المتحدة من الناحية الاستراتيجية. ومع ذلك ليس هناك سياسي طموح يجرؤ على الإقرار بذلك علنا أو حتى إثارة مثل هذا الاحتمال». ويعزو سبب ذلك إلى القوة الكبيرة التي يملكها اللوبي المناصر لإسرائيل في الولايات المتحدة. ويقول الباحثان في الكتاب أن «لب ألباب اللوبي يتكون من يهود أميركيين يبذلون جهودا جبارة في كل يوم لإخضاع السياسة الخارجية الأميركية، لخدمة المصالح الإسرائيلية» أو أن «يهودا أميركيين أقاموا شبكة مذهلة من المنظمات للتأثير على السياسة الخارجية الأميركية، والتي تعتبر إيباك الأقوى والأشهر بينها... فالكثير من المنظمات في اللوبي من أجل إسرائيل، مثل إيباك ومؤتمر الرؤساء، تدار على أيدي أناس ينادون بمقاربة متصلبة وفي الغالب يؤيدون السياسة التوسعية التي يقودها الليكود». ومع ذلك يرى الكاتبان أن جماعات الضغط هي جزء من النظام الديموقراطي الأميركي، غير أن وضعها يستحق نقاشا عاما حول مدى خدمة اللوبي الإسرائيلي أو ضرره على الولايات المتحدة. ويأتي الكاتبان بأمثلة تشير إلى أنه بسبب مواقف «إيباك» منعت الولايات المتحدة إسرائيل من التفاوض مع سـوريا ومع جماعات معتدلة في إيران. كما أن «إيباك» هي التي أثرت على السياسة الخارجية الأميركية التي أيدت إسرائيل في حربها على لبـنان ولم تسـمح بوقـف الحرب باكراً. ويستند الكتاب في معظمه على مقال طويل نشره الكاتبان في مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» في آذار .2006 وكان المقال هذا قد أشعل سجالا أكاديميا وإعلاميا حول الحجج الواردة فيه. وتم اتهام الرجلين بأنهما عدوين لإسرائيل ومعاديين للسامية، وأنهما يرفضان حق إسرائيل في الوجود وأنهما باحثان غير جديران وأفكارهما سطحية. وقد تم تحديث المقالة بحيث تغطي أحداث العام والنصف الأخير، بما في ذلك حرب لبنان الثانية والعلاقات الأميركية الإيرانية. وتعرض الكتاب قبل صدوره لانتقادات حادة وخصوصا من جانب مسؤولين أميركيين سابقين وباحثين أكاديميين. وبالمقابل فإن آخرين انبروا للدفاع عن الكتاب وأطروحاته. ومع ذلك يبدو أن اللوبي اليهودي أفلح هذه المرة أكثر من السابق في تقييد حركة وحضور الكاتبين في المحافل الأكاديمية وفي وسائل الإعلام. وقد أشارت «معاريف» إلى أنهما لا يفلحان في عقد اجتماعات وندوات أكاديمية لمناقشة أطروحات الكتاب خلافا لما كانا قد نجحا فيه في أعقاب نشر مقالتهما الأصلية. وقد نشرت «نيويورك تايمز» أن الكثير من المؤسسات الأكاديمية خافت من استضافة نقاشات حول الكتاب وزعمت أن الموضوع مشحون وموضع خلاف. ولهذا السبب تم إلغاء الكثير من اللقاءات التي كانت مقررة مع البروفيسورين، الأمر الذي أكد حجتهم الأساسية بأنه لا يتوفر جو في أميركا يسمح بمناقشة مثل هذه القضية بسبب قوة اللوبي اليهودي ومن بين الجهات التي ألغت اللقاءات مع البروفيسورين مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، والذي يعتبر من أهم المؤسسات البحثية الأميركية. وقد تلقى البروفيسور ميرشهايمر مكالمة من إدارة المجلس أوضحت له أن الإلغاء تم من أجل «حماية المجلس» لأنه إذا سمح لهما بالحضور فإن هذا سيغضب عددا كبيرا من الناس. وأشارت إدارة المجلس إلى أن هذا موضوع «ساخن جدا، لدرجة لا يمكن الحديث عن الأمر في المجلس من دون إحضار أحد من الطرف الثاني مثل إيف فوكسمان من الرابطة ضد التشهير». وقد أرسل البروفيسور ميرشهايمر رسالة مطولة إلى إدارة مجلس شيكاغو عرض فيها حججه، التي اعتبر فيها أنّ «ثمة من يدعون أن آراءنا مثيرة جدا للخلاف، بحيث لا يمكن أن تعرض بشكل منفرد. غير أن هذه الآراء تبدو مثيرة للخلاف فقط بسبب أن جزء من الجماعات والأفراد الذين ننتقدهم في مقالتنا الأصلية، وصفوا بطريقة مشوهة أقوالنا وهاجمونا ووجهوا لنا اتهامات شخصية باطلة، مثل الزعم بأننا لا ساميون. إن هدف الحملة ضدنا، هو ردع المؤسسات المحترمة مثل مجلس شيكاغو عن السماح لنا بالحديث أمام الجمهور». وشدد ميرشهايمر على أن «مواقفنا ليست متطرفة. وكتابنا لا يثير شكوكا حول حق إسرائيل في الوجود كما أنه لا يعرض الجماعات المناصرة لإسرائيل وكأنها متآمرة «للسيطرة» على السياسة الخارجية الأميركية. إن الكتاب يصفهم فقط كجماعة ذات مصالح تعمل بشكل فعال جدا. ونحن نزعم أن أثر اللوبي من أجل إسرائيل قاد إلى تخطيط سياسات تتناقض مع المصالح القومية الأميركية. كما أننا نزعم أن هذه السياسة، بشكل غير مقصود، تلحق الضرر أيضا بإسرائيل وأن على الدولتين انتهاج أساليب عمل أخرى». عموما بدأ الهجوم المضاد من جانب اللوبي اليهودي ففي الرابع من أيلول أيضا سيصدر كتاب رئيس الرابطة ضد التشهير إيف فوكسمان بعنوان «أكاذيب فتاكة: اللوبي الإسرائيلي وأسطورة السيطرة اليهودية». ومن الواضح أن هذا الكتاب هو لائحة الدفاع اليهودية ضد لائحة الاتهام التي يمثلها كتاب البروفيسورين. تجدر الإشارة إلى أن استطلاعا نشرته مجلة «السياسة الخارجية» الأميركية أظهر أن 14 في المئة فقط من الخبراء الأميركيين في هذا الشأن اعتبروا أن إسرائيل حليفا تخدم العلاقة معه مصالح الأمن القومي الأميركية. (انتهى)
___________________



الثورات الثلاث
هنري كيسنجر  (عن «واشنطن بوست»)
الاخبار 8-4-2008  ص15
 
النقاش الوطني الطويل المتوقَّع بشأن سياسات الأمن القومي، منتظَر حدوثه. أساساً، القضايا التكتيكيّة غطت على أهمّ تحدٍّ ستواجهه الإدارة الجديدة: كيف نُخرج نظاماً دوليّاً جديداً من ثنايا ثلاث ثورات متزامنة تجري حول الكرة الأرضيّة:
1 - تحوّل نظام الدولة التقليديّة في أوروبا.
 2 - التحدّي الإسلامي المتطرّف للمفاهيم التاريخيّة الخاصة بالسيادة.
 3 - انتقال نقطة الارتكاز في الشؤون الدوليّة، من منطقة المحيط الأطلسي نحو المحيطين الهادئ والهندي.
تفيد الحكمة التقليديّة بأن الاستياء من الأحاديّة المزعومة للرئيس جورج بوش هو في قلب الخلافات الأوروبية ـ الأميركيّة. لكن سيظهر قريباً، بعد التغيير المرتقب في الإدارة الأميركيّة، أنّ الاختلاف المبدئي بين ضفّتي الأطلسي، هو أنّ أميركا لا تزال دولة ـ أمّة تقليديّة، يستجيب شعبها لدعوات التضحية لمصلحة تعريف للمصلحة العامة أوسع من التفسير الأوروبي.
إنّ أمم أوروبا، التي استنزفتها حربان عالميّتان، اتفقت في ما بينها على نقل مظاهر مهمّة من سيادتها إلى الاتحاد الأوروبي. غير أن الولاء السياسي، الذي يترافق مع مفهوم الدولة - الأمة، أثبت أنه غير قابل للانتقال آلياً. وهكذا، تحيا أوروبا فترة انتقاليّة بين ماضٍ، تسعى إلى تجاوزه، ومستقبل لم تبلغه بعد.
خلال هذا المسار، تغيّرت طبيعة الدولة الأوروبية، وتقلّصت قدرة الحكومات الأوروبية على الطلب من شعوبها تقديم التضحيات، بطريقة دراماتيكية، بعدما لم تعد هذه الدول تعرّف عن نفسها بمستقبل متميّز ولم يُختبر بعد تماسك الاتحاد الأوروبي. ولطالما كانت الدول صاحبة التاريخ الأطول والمستمرّ، شأن بريطانيا وفرنسا، هي الأكثر رغبة في تحمّل المسؤوليات العسكرية الدولية.
ويمثّل عدم التوافق على استخدام قوّات حلف شمالي الأطلسي في أفغانستان، دراسة حالة في هذا المجال. بعد حوادث الحادي عشر من أيلول عام 2001 ، فعّل حلف الأطلسي، تلقائياً ومن دون طلب من الولايات المتحدة، المادّة الخامسة من ميثاقه، والتي تنصّ على المساعدة المتبادلة. لكن عندما أوشك الحلف على تولّي المسؤوليات العسكرية، أجبرت المعوقات الداخلية عدداً من الحلفاء على تحديد عديد القوات المؤمنة، وتقليص بعثاتهم من أجل إنقاذ الأرواح المعرَّضة للتهديد فقط. نتيجة لذلك، يمرّ حلف الأطلسي بعملية تطوير نظام ثنائي المستوى ــ تحالف على الطلب لا تتماشى قدرته على العمل المشترك مع التزاماته العامّة. مع الوقت، يجب اعتماد أحد هذين الخيارين: إمّا إعادة تعريف الالتزامات العامّة، أو وضع نظام رسمي ثنائي المستوى بشكل تكون فيه الالتزامات السياسية والقدرات العسكرية متناغمة عبر نظام شبيه بتحالف الراغبين.
وفيما يتضاءل الدور التقليدي لدول أوروبا بموجب خيارات حكوماتها، فإن هبوط دور الدولة في الشرق الأوسط، متأصّل في كيفيّة بناء هذه الدول. أقيمت الدول الوريثة للإمبراطورية العثمانية على أيدي القوى التي انتصرت في نهاية الحرب العالمية الأولى. خلافاً للدول الأوروبيّة، لم تعكس حدودها المبادئ الإثنيّة أو التمايز اللغوي، وإنما التوازن بين القوى الأوروبية في تنافسها خارج المنطقة.
اليوم، الإسلام الراديكالي هو الذي يهدّد البنية الهشّة للدولة، عبر تفسير أصولي للقرآن، باعتباره أساس منظمة سياسية عالمية. يرفض الإسلام الجهادي السيادة الوطنيّة المبنية على نماذج الدولة العلمانيّة؛ يسعى إلى التمدد إلى أي مكان توجد فيه نسبة سكانية مهمة تعتنق الإسلام. وبما أن النظام الدولي والبنية الداخلية للدول القائمة لا شرعية لهما في عيون الإسلاميين، فإن إيديولوجيّتهم لا تترك سوى مساحة صغيرة للمفاهيم الغربية حول المفاوضات أو التوازن في منطقة ذات مصالح حيويّة لأمن الدول الصناعية وعافيتها. هذا الصراع مستشرٍ: لا نملك خيار الانسحاب. نستطيع التراجع من أيّ مكان، كالعراق، ولكن فقط لنكون مجبرين على المواجهة من مواقع جديدة، نتمتع فيها على الأرجح بقدر أقل من الأفضلية. حتى المدافعين عن انسحاب أحاديّ الجانب من العراق يتحدّثون عن الاحتفاظ بقوّات لمنع نهوض «القاعدة» أو التطرّف.
هذه التحوّلات تحدث في مواجهة نزعة ثالثة، هي انتقال نقطة التوازن في الشؤون الدولية من المحيط الأطلسي إلى الهادئ والهندي. وللمفارقة، فإنّ إعادة التوزيع للقوّة هي باتجاه جزء من العالم، حيث لا تزال الدول تمتلك خصائص الدول الأوروبية التقليديّة. الدول الرئيسية في آسيا ـ الصين واليابان والهند، ويُحتمل أن تنضم إليها إندونيسيا - ينظر بعضها إلى بعض كما كان ينظر المشاركون في الميزان الأوروبي للقوّة إلى بعضهم، كمتنافسين متأصّلين، حتى حين تشارك رسمياً في مغامرات تعاونية.
في الماضي، كانت تغييرات كهذه في بنية السلطة تقود عادة إلى الحرب، كما حصل مع صعود ألمانيا في القرن التاسع عشر. اليوم، أخذ نهوض الصين على عاتقه دوراً كهذا بطريقة تثير قدراً أكبر من المخاوف. صحيح أنّ العلاقة الصينية - الأميركية ستتضمن، من دون شكّ، عناصر جيوبوليتيكية وتنافسيّة تقليديّة. لا يجب تجاهل ذلك. لكن هناك عناصر معاكسة. العولمة المالية والاقتصادية، الالتزامات في مجالي البيئة والطاقة، والقوّة التدميريّة للأسلحة المعاصرة، كلّها عناصر تفرض بذل جهد ضخم في مجال التعاون العالمي، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين. علاقة تخاصم ستترك البلدين في وضعية مشابهة لأوروبا بعد الحربين العالميتين، عندما حقّقت بلدان أخرى تفوّقاً، سعت إليه الدول الأوروبية عبر صراع تدمير ذاتي بعضها مع بعض.
ليس هناك جيل سابق كان عليه التعامل مع ثورات مختلفة تحصل في الوقت نفسه، في أماكن عديدة من العالم. البحث عن علاج، وحيد وشامل، هو أمر خيالي. في عالم حيث القوّة العظمى الوحيدة تعتنق الإرث التقليدي للدولة - الأمة، وحيث أوروبا عالقة في حالة منتصف الطريق (ما بين الدولة - الأمة وما بعدها)، وحيث لا ينطبق نموذج الدولة - الأمّة على الشرق الأوسط، الذي يواجه ثورة يحرّكها الدين، وحيث أمم جنوب وشرق آسيا لا تزال تمارس سياسة توازن القوى، ما هي طبيعة النظام العالمي الذي يمكن له التوفيق بين هذه الرؤى المختلفة؟ ماذا يجب أن يكون عليه دور روسيا، التي تشدد على مفهوم سيادة شبيه بالذي تدافع عنه الولايات المتحدة، وعلى مفهوم استراتيجي لتوازن القوى شبيه بذلك الموجود في آسيا؟ هل المؤسّسات الدولية الموجودة حالياً، ملائمة لهذا الهدف؟ ما هي الأهداف التي يمكن لأميركا تحديدها لنفسها وللمجتمع الدولي واقعياً؟ وهل عملية التحوّل الداخلي للدول الكبرى هي هدف يمكن الوصول إليه؟ ما هي الغايات التي يجب التطلّع إليها عبر الاتفاق، وما هي الظروف القصوى التي تبرر التصرّف الأحادي؟
هذا هو نوع النقاش الذي نحتاج إليه، لا الشعارات التي ترفعها مجموعات الأبحاث لاجتذاب عناوين الصحف. (انتهى)
___________________

سياسة اميركا الاوروبية تمثل فقدان القيادة!

المصدر: الحوادث 25/4/2008 عن الغارديان

    بخلاف معظم المعلقين والمسؤولين الاميركيين فقد إنبرى جورج بول, وكيل وزراة الخارجية السابق, لمهاجمة سياسة كارتر طالباً من الدول الاوروبية الا تساند طلبه وتؤيده في خطواته السياسية والاقتصادية والعسكرية.
   لماذا؟ على هذا يقول جورج بول:
   "لم تعد الولايات المتحدة ذلك الفيل الضخم, في نظر الاوروبيين والدول الشرقية, بل تحولت الى هذه الصورة على الصعيد السياسي ايضاً, ويجب الانستغرب الصورة الباهتة والمؤلمة التي يرسمها النقاد والمهتمين بشؤوننا, ذلك ان الرئيس كارتر بتصرفاته الفردية وقراراته القائمة على ضيق النظرة وعدم الاهتمام بكل ما هو غير اميركي, قد عزز هذه اللوحة واعطاها المادة الصحيحة لأن تتكامل".
   ويحدد جورج بول رد فعل كارتر منذ احتلت السفارة الاميركية بطهران, ووصف رد فعله بأنه: "مرتجل واهوج وغير عاقل. وكان لا ينقصه في انفعاله تجاه الازمة السوفياتية – الافغانية, سوى نفاد الاسلحة السياسية والاقتصادية مثل حظر القمح ومقاطعة الالعاب الاولمبية وقطع العلاقات الثقافية, لكي يصل الى هذا المأزق. كل هذه المواقف الفردية, قد انتجت ردود الفعل السلبية من جانب بعض الدول الاوروبية مثل فرنسا والمانيا".
   "لا شك في ان هذه التصرفات قد عززت وزادت من الشكوك الاوروبية نحو البيت الابيض. فالكون الذي كان معروفاً قبل كوبرنيكس, لا ينطبق على الوضع السياسي الحالي. لأنه ليس بالضرورة ان تدور سياسة اوروبا حول البيت الابيض. فقد اثبتت الاحداث ان فقدان الاتزان في سياسة اميركا الخارجية قد انقذها بالتالي الثقة الدولية بخط سياسي موحد. لأن سياسة الرأسين فوق جسم واحد اصبحت سياسة عقيمة غير مجدية".
   "إن التذمر الناتج  عن تخبط سياسة اميركا لا يعكس الاخطاء في التكتيك بل يصل الى الاستراتيجية. اي انه يقفز من الاسلوب الى الجوهر. وعلى هذا, فإنه من غير المتوقع ان يكون رد الفعل الاوروبي مشابهاً لرد الفعل الاميركي. فالذي يجلس على عتبة موسكو ليس كالذي بينه وبينها بحار وأوقيانوسات".
   "بالإضافة الى هذا فإن كارتر يدعي  بأنه لا يثق بنوايا الكرملين, ولكنه في الوقت ذاته يطالب بإحياء اتفاقية سالت – 2 معه .... يهاجم الغزو في افغانستان ثم يرسل الى موسكو من يستأنف الحوار. ان اكثر ما يقلق الاوروبيين هو هذا التصرف الاميركي غير التجانس وغير الواضح بالنسبة لقضية العرب الاولى مع اسرائيل. فمن جهة يرفض كارتر الوجود الاسرائيلي في الضفة الغربية...ومن جهة ثانية, يعزز اسرائيل بالامدادات العسكرية, لكي يساعدها على تنفيذ مخططاتها التوسيعية. هذا كله يجري في الوقت الذي يعتمد الاوروبيون اعتماداً كلياً على نفط العرب ويعرفون انه قضية حياة أو موت بالنسبة اليهم!"
   هذا كله يشير الى انحراف خطير في السياسة الاميركية. وهو ليس نهاية ... بل بداية لعملية طويلة لن تتوقف إلا إذا اخذت واشنطن موقفاً وصريحاً من المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية. وإذا ما تأخرنا في اتخاذ هذا الموقف فإننا سنجد انفسنا نحن واسرائيل في جهة ... بينما العالم كله في الجهة المعادية. هذا هو غيض من فيض, بالنسبة لخلافات حلفائنا معنا وإذا نحن ظهرنا بمظهر العاجز عن دفع سياسة خارجية صحيحة, فإن هذا الواقع ينعكس على مشاكلنا الداخلية ايضاً. فالدور يفقد قيمته ويتدهور شيئاً فشيئاً ... والبطالة في ازدياد... واصدقاؤنا في اوروبا الغربية لا يتوقعون الانفراج بعد الانتخابات.  ولقد سألني مسؤول فرنسي كبير: هل هذا معقول. ان الولايات المتحدة بسكانها ال220مليونا, بقياداتها العالمية لا تستطيع ان تختار من بين كل هؤلاء سوى كارتر وريغن. ان نظامكم الانتخابي هو نظام سيء يجب ان يبدل. ولم استطع ان ارد على ملاحظته. لأنه كان على صواب. (انتهى)
___________________



فرنسا تعود إلى قيادة الأطلسي... بلا تنازل عن «استقلاليّتها»
القطيعة التي أعلن نيكولا ساركوزي إجراءها مع
فرنسا الديغوليّة وصلت إلى حدود حلف شمال الأطلسي.
شارل ديغول أخرج باريس من قيادة الحلف، وساركوزي
أعادها إليها. عودة جاءت مُرفَقَة بـ«كتاب أبيض» عسكري
سيُعرَض على البرلمان الفرنسي ويتضمّن خطّة إعادة
هيكلة الجيش وخفض عديده وتعديل استراتيجياته

باريس ــ بسّام الطيارة                               
  الاخبار عدد الاربعاء ١٨ حزيران ٢٠٠٨
 
 لم يعد من الضرورة التذكير بأنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يفعل ما يقول: لقد تعهّد العودة إلى «القيادة العسكرية لحلف الأطلسي» وها وهو يعلن التنفيذ بشكل رسمي على شكل «كتاب أبيض» حول تحسين قدرات الجيش الفرنسي رغم نفي محيطه هذا الأمر مرات عديدة.
  مجدّداً، يبرهن ساركوزي أن «النفي خلال مراحل التحضير»، ما هو إلا طريقة لتحضير الرأي العام لتقبّل ما يسوَّق، وهو ما بات يُعرَف بـ «الإدارة الساركوزية» للإصلاحات.
  بعد أيام سيكون ممكناً لجميع الفرنسيّين الاطّلاع على التوجّهات الجديدة للقوات المسلحة الفرنسية للسنوات الـ15 المقبلة، وذلك عن طريق شرائهم «الكتاب الأبيض» الذي ستنشره وتوزّعه دار «أوديل جاكوب» للنشر، وهي طريقة تذكّر كثيراً بالأسلوب المتّبع في الولايات المتحدة.
  وعلمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة أن اللجنة التي كلّفت صوغ الطروحات الساركوزيّة، قد استمعت إلى ما يزيد على ٥٠ شخصية من فرنسا ومن خارج البلاد، تمثل تيّارات متعددة لمسألة الدفاع، منها السياسية ومنها الدينية والاجتماعية. كما لم يهمل الخبراء العنصر «الأجنبي»، فتم الاستماع إلى شخصيات وباحثين من آفاق مختلفة بينهم الوزير اللبناني السابق غسان سلامة.
  ولا شكّ في أن ما سيُطرح على البرلمانيّين الفرنسيين في ٢٣ تموز المقبل من برمجة لمستقبل جيش فرنسا سيمثّل ثورة على أكثر من مستوى: أولاً عسكري إذ إن النموذج الجديد للجيش سيكون مختلفاً تماماً عمّا سبقه. واقتصادي ــ اجتماعي ثانياً، بحيث إن المخطط (إذا وافق عليه البرلمان) يقضي بصرف ٥٤ ألف عسكري من أصل ٣٢٠ ألف من الخدمة.
  وكل هذا سيقود إلى «نوع من القطيعة الثقافية» للمواطن الفرنسي الذي تشرّب في تاريخه مفهوماً محورياً للجيش كلبنة للحمة الشعب الفرنسي، وخصوصاً أنه لم يهضم حتى اليوم إلغاء جاك شيراك للخدمة العسكرية في مطلع عهده.
  ولا تتوقف القطيعة المعلنة على الشق النفسي ــ التاريخي، ذلك أن هناك شقاً «سياسياً مئة في المئة» في هذا التحول الجديد للمفهوم العسكري الفرنسي. فساركوزي نفسه أعلن أمس، لدى تقديمه خلاصات «الكتاب الابيض»، أنه يريد العودة الى القيادة العسكرية لمنظمة حلف شمال الأطلسي.
  وأشار في هذا السياق إلى أنْ «لا شيء يتعارض مع مشاركتنا في البنى العسكرية للحلف الأطلسي»، مضيفاً إن فرنسا هي في النهاية «حليف مستقل وشريك حر»، إذ لمّح إلى أنها ستحافظ على «استقلالية القرار»، مشدّداً على المبادئ التي أرساها الجنرال ديغول الذي سحب بلاده من القيادة العسكرية الأطلسية.
  وأوضح ساركوزي أن «فرنسا ستحافظ في جميع الظروف على حرية التقدير الكامل في شأن إرسال قواتها في مهمة ما»، وأنها «لن تضع أيّ كتيبة تحت القيادة الأطلسية في زمن السلم». غير أنّه شدد على أن «القدرة النووية الفرنسية ستظل وطنية حصراً» أي أن قرار استعمال السلاح النووي سيظل في يد الرئيس الفرنسي وحده.
  وأوضح ساركوزي «نوعية الأخطار الجديدة» التي يمكن أن تواجه فرنسا في المستقبل القريب وعدّد في طليعتها الخطر الإرهابي. ورأى ضرورة كبيرة في إعطاء الشق الاستخباري أكبر مجهود لأنه بفضله «لم يتم استهداف فرنسا خلال هذه السنوات القليلة الماضية باعتداءات إرهابية».
  وفي كلمته نفسها، ذكّر ساركوزي بأن «التهديد موجود وحقيقي» وأنه بإمكانه أن يأخذ «شكلاً جديداً أكثر خطورة» مثل استعماله لـ«الوسائل الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية وهجمات عبر الإنترنت وانتشار الأوبئة على نطاق واسع وأزمات صحية أو كوارث مناخية».
  ورغم إعلانه أنه «لن يتخلى عن أفريقيا»، إلا أن بعض ما تسرّب عن «الكتاب» يفيد أن عدداً كبيراً من القواعد الفرنسية في القارة السمراء ستُقفَل لنقل «المجهود العسكري» نحو منطقة أزمات تمتد من المحيط الأطلسي إلى المتوسط، والخليج والمحيط الهندي في ما يشبه تقاسم مهمات مع الدول المؤثرة في «الحلف الأطلسي» على حدّ تعبير أكثر من خبير.
  وبرّر ساركوزي هذا التغيير الكبير في حضور فرنسا في جنوب المتوسط، بأنه «رغبة في تحديث الاتفاقات من دون التخلي عن هذه القارة»، مشيراً إلى ضرورة تعاون جميع الدول الأوروبية والأفريقية التي تتقاسم الفكرة القائلة إنّ «أفريقيا ستكون مفتاح التنمية والأمن الدولي خلال السنوات المقبلة».
 ويرى أكثر من خبير، أنّ ساركوزي يذهب في المسار نفسه الذي خطّه سلفه شيراك بعودته إلى الحلف الأطلسي بصفة مراقب أولاً، ثم قبوله المشاركة في حرب كوسوفو تحت راية الحلف. والأكيد أن الرئيسين (شيراك وساركوزي)، رغم إعلانهما انتماءهما إلى الديغولية التاريخية والسياسية، فهما يتّبعان سياسة تقارب مع الأطلسي، بعدما اختفت موجبات وجود الحلف مع انهيار الكتلة الشيوعية.
 وكما كان متوقّعاً، سارعت كل من الولايات المتحدة وقيادة حلف الأطلسي إلى الترحيب بالقرار الفرنسي. واكتفى المتحدث باسم البيت الأبيض، غوردن غوندرو، بالقول «إننا نرحّب بهذا النبأ».
أما في بروكسل، فجاء الترحيب أكثر حرارة، بحيث أعرب الأمين العام للحلف ياب دي هوب شيفر عن سعادته بنية ساركوزي استعادة دور فرنسا الكامل في القيادة العسكرية للحلف.
وأعلن المتحدث باسم الأطلسي جيمس اباثوراي أنّ «الأمين العام يرحّب بإعلان الرئيس ساركوزي».(انتهى)
___________________



إنه مأزق العولمة والرأسمالية الجديدة المتوحشة
الأزمات تجتاح أسواق المال العالمية.. والخليج ليس بمنأى

  الثبات الجمعة 19 ايلول 2008-
 
   لم يكن سقوط عملاق المصارف الاميركية "ليمان براذرز" و"ميريل لينش", والذي انعكس على "وول ستريت" انهياراً بشكل مدوً, إلاّ مظهراً جديداً لأزمة العولمة الجديدة, التي تولد الازمات تلو الاخرى, مما يؤكد ان هناك خللاً في المنظومة الرأسمالية الحالية, يترجم في كل فترة في شكل انفجارات في مؤسسات اقتصادية ومالية عملاقة نمت بشكل مصطنع, قد لا يتفق احياناً حتى مع مفاهيم اقتصاد السوق. ولهذا, مع اندلاع ازمة "ليمان براذرز" و"ميريل لنش", لم تنجح الاجراءات المالية الاميركية, التي تم تنسيقها بين مختلف المصارف المركزية حول العالم من لجمها, ولا في تهدئة عمليات البيع المحمومة لأسهم المصارف والمؤسسات المالية والصناعية في مختلف بورصات العالم, بعد مرور اكثر من ثلاثة ايام, لا بل تكشفت المزيد من الازمات, التي تطال مؤسسات مالية واقتصادية اميركية عالمية.
   هكذا بعد اقل من 24 ساعة من إفلاس "ليمان براذرز" وإنقاذ "ميريل لينش" بصفقة مع "بنك اوف اميركا", اندلعت ازمة لا تقل خطورة تهدد مصير الشركة الاكبر في العالم في مجال تأمين, وهي شركة "اميركان انترناسيونال غروب – إيه أي جي", التي تبين انها تحتاج الى اكثر من 80 بليون دولار لإنقاذها, وبرزت شدة وخطورة المصير الذي وصلت اليه هذه الشركة, ان حاكم نيويورك, دايفيد باترسن, لم يجد امامه الثلاثاء في 16 ايلول, سوى 24 ساعة فقط, ليعطيها مهلة للأنقاذ!
  الازمات التي تعصف بالمؤسسات المالية والعقارية والتأمينية وغيرها, باتت تفرض على النظام الرأسمالي – بحكوماته ومؤسساته المالية – إعادة النظر في مفاهيم ومبادىء العولمة ونظام السوق, ذلك لأنه حتى في زمن الكساد العظيم 1929 – 1934, وفي زمن انهيارات البورصات العالمية عام 1987, لم يكن النظام المالي والمصرفي مهدداً بهذا الشكل الخطير والمرعب, مما يعني ان النظام الرأسمالي الحالي سيكون امام مهمة ملحة, وهي التخلي عن احد اهم مبادئه: عدم التدخل في الاسواق المالية, وترك الحرية للسوق ليقرر مصير ومسار الامور الاقتصادية.. وهو امر بأي حال لم تتخلّ عنه قائد العولمة والنيوليبرالية, الولايات المتحدة الاميركية, التي ظلت على الدوام حكومتها تتدخل في الاسواق, وتضخ بلايين الدولارات لإنقاذ مؤسساتها المتعثرة.
  الأزمة المالية الجديدة اميركياً, كان لها انعكاسها المدوى على اسواق العالم, ومنها الاسواق العربية, وتحديداً الخليجية, التي أُجبرت او فُرض عليها الانخراط في مجموعة الاسواق العالمية, والانفتاح عليها تحت ضغوط العولمة, فوجدت نفسها في صميم الازمة, رغم ان علاقات المؤسسات المالية ورجال الاعمال الخليجيين مع اسواق المال العالمية لا تتميز بالشفافية, فاجتمع حكام المصارف المركزية الخليجية في جدة, وتداولوا في التخفيف من وطأة الازمة وانعكاساتها على الاسواق العربية, وما يمكن تأكيده على حد مصادر مصرفية عربية على صلة بعمليات الاستثمار المالي, ان هناك بنوكاً إسلامية وتجارية وصناديق سياسية في الخليج متضررة جراء الازمة الحالية, وهي مكشوفة ولو اسمياً خصوصاً ان هناك هيئات استثمارية خليجية كانت قد اشترت قبل اقل من ستة اشهر بنك سيتي غروب, كما تم عقد صفقة ببليوني دولار لإنقاذ ميريل لنش, ناهيك عن ان هناك بنوكاً اسلامية وخليجية توظف اكثر من 30 في المائة من ودائعها المقدرة بأكثر من 500 بليون دولار في اسواق غربية واميركية.
  هل من انعكاس للأزمة على اسواق لبنان؟
   يبدو انه لن يكون هناك اي تأثير على الاسواق المالية في لبنان, بسبب صغر السوق المالي اللبناني, وعدم وجود إقراض مالي غير مسؤول من قبل المصارف اللبنانية, اضافة الى تركيز المصارف على الودائع في السوق اللبناني, وعدم اتجاهها الى اي مغامرة غير محسوبة, لا بل هي لا تجيدها في الاسواق العالمية.. واذا كان من خطر قد يلوح في الافق, فهو إقراض المصارف اللبنانية للدولة اللبنانية بقدر كبير, خصوصاً ان هذه الدولة مضطرة لتلبية استحقاقات داهمة في العام 2009. (انتهى)
___________________


خدعة اميركية خطط لها هنري كيسينجر!!
الازمة المالية العامة هدفها إمتصاص السيولة النقدية
من منطقة الخليج التي بلغت اكثر من 2 ترليون دولار...

الخواطر 6-12 شباط 2009 العدد 2350-

   (أ.ل) – يرى الخبير الاقتصادي في منطقة الخليج, ناصر المنصوري, ان الازمة المالية ما هي فعلاً وواقعاً إلا خدعة امريكية عن بكرة ابيها" تهدف لامتصاص السيولة النقدية من منطقة الخليج على وجه الاخص خاصة في ظل الفوائد النفطية الضخمة والتي بلغت اكثر من 2 ترليون دولار, على حد قوله. واضاف: "حينما رأت الولايات المتحدة معدلات النمو باقتصاديات دول المنطقة ارادت امتصاص هذا النمو متعمدة إحداث ازمة مالية".
وتابع يقول: ان هذه الخدعة الامريكية لا تستهدف فقط دول منطقة الخليج بل "تمتد لتشمل جميع الدول التي تهدد سيادتها الاقتصادية مثل الصين ودول الاتحاد الاوروبي التي تضررت كثيراً, قائلاً: انا متابع للسياسات الاقتصادية الامريكية منذ منتصف ال80 من القرن الماضي وقد قمت بمثل تلك الخطوات من قبل.
   واشار الى ان المؤسسات المهيمنة على الاقتصاد الامريكي تسعى الى الاضرار باقتصاديات بعض الدول التي تشعر بخطورتها واقرب مثال على ذلك ما قام به الملياردير الامريكي جورج سورس في انهيار دول النمور الاسيوية حيث تسبب في انهيار بورصات تلك الدول وساهم بدرجة كبيرة في انهيار العملة الوطنية لتلك الدول, ومن ثم تعرضها لانهيار اقتصادي منذ سنوات عديدة.
واضاف ان بذلك تضمن الولايات المتحدة هيمنتها على الاقتصاد العالمي وعدم وجود منافس قوي لها.
واستدل المنصوري على صحة كلامه انه على الرغم من ان الولايات المتحدة الامريكية الاقتصاد الاكبر في العالم والمفترض انه المتضرر الاكبر من ازمة الرهن العقاري ومن ثم الكساد العالمي فإن سعر الدولار الامريكي شهد في عز الازمة ارتفاعاً مقابل العملات الرئيسية الاخرى مثل الين واليورو ليصل الى مستويات لم يصلها منذ حوالي عامين.
   وبشأن تعرض الاقتصاد الامريكي لخسائر كبيرة من جراء الازمة المالية اعتبر ان ما تعرضه وسائل الاعلام تبالغ فيما تعرض له الاقتصاد الامريكي من خسائر, مضيفاً ان خسائر الاقتصاد الامريكي تنحسر في تراجع اسعار العقار التي ستعاود الارتفاع مجدداً بعد انتهاء الازمة الى جانب ضخ عدة مليارات الدولارات والتي تعد قليلة اذا ما قورنت بحجم السيولة الذي ضخته الدول الاخرى. وتوقع المنصوري انه بحلول منتصف العام القادم فإن الولايات المتحدة ستسارع بإعلان تعافي اقتصادها لمستويات نمو ملحوظة.
   وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز قد ألمح في وقت سابق الى ان الازمة المالية التي تعصف بأسواق المال العالمية ربما تكون مدبرة لاستنزاف ثروات الدول الخليجية, واصفاً هذه الازمة بـ"الحرب الخفية".
   وفي هذا المجال جاء في مقالة هنري كيسينجر نشرتها "الخواطر" في عددها رقم 2336 تاريخ 26ايلول -2 تشرين الاول 2008 تحت العناوين التالية:
"كيسنجر يقترح لحل الازمة المالية الاميركية القيام بعملية نهب الثروات التي حققتها الامم الاضعف بفعل ارتفاع عائدات النفط"...
  قال كيسينجر: لا احد من خبراء المال, ولا رؤساء المؤسسات المالية الاميركية, ولا حتى البيت الابيض نفسه, يستطيع ان يعرف حجم الهوة التي تقف البنوك وشركات التأمين الاميركية على حافتها.
"البضائع" المعقدة لعمليات التمويل والاستثمار والمضاربات والتأمين تجعل من المستحيل على اي مؤسسة ان تعرف حجم الديون غير القابلة للتحصيل التي تتراكم لدى مؤسسة اخرى, او القيمة الحقيقية لأصولها.
   هذا هو السبب الذي ازال "الثقة" بين البنوك, وهو السبب نفسه الذي ما يزال يمنعها من إقراض بعضها البعض, لتدوير عملياتها اليومية, فالقرض الذي تدفعه اليوم للبنك المجاور, قد لا تحصل عليه غداً, إذا اعلن افلاسه.
   في البدء, كانت ازمة الرهون العقارية "غير المضمونة" هي التي كشفت عن ان هناك اصولاً ذات قيمة إسمية ضخمة, لا قيمة لها في الواقع.
وبسبب الفارق الكبير بين القيمة السوقية لاسهم شركات القروض وبين موجوداتها الحقيقية, فقد كان من الطبيعي, مع إنكشاف الهوة, ان تنخفض اسهم هذه الشركات ومعها كل البنوك التي تمول عمليات الاقراض العقارية.
   وفي الواقع, فقد دأب الاحتياط الفدرالي على الاخذ بخيار طباعة الورق الاخضر على امتداد السنوات الاربع الماضية. من ناحية, لتمويل كلفة الحرب في العراق وافغانستان, ومن ناحية اخرى, لخفض قيمة الديون الاميركية التي تبلغ نحو 9 تريليونات دولار, واحد و نصف تريليون دولار منها للصين وحدها.
إذا كان الاحتياط الفدرالي لا يملك المال الكافي لشراء المزيد من "الثقة", فهل يمكنه العثور على مصادر للتمويل تكفي لردم ثقب اسود؟
الجواب, نعم!
وهو ببساطة "إعادة نقل الثروة التي جنتها الامم الاضعف, بفضل عائدات النفط, لدرء العواقب التي تعانيها الامم الاقوى".
   الى هنا وينتهي ما كتبه وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر في مقال نشرته "واشنطن بوست".
كيسنجر لم يقل صراحة, فلنذهب لنأخذ تلك الاموال من الدول الخليجية. ولكنه اوعز "اكبر عملية نقل للثروة في التاريخ من الامم الاقوى الى الامم الاضعف الى العواقب الوخيمة الناجمة عن ارتفاع اسعار النفط.
هذا التلميح يقصد تحديداً ان السبيل الوحيد لتجاوز الازمة الراهنة هو إيجاد وسيلة لقلب عملية "نقل الثروة" تلك.
   ومن الناحية العملية, فإن كيسنجر يقترح معالجة "اكبر عملية نقل للثروة في التاريخ", بما يشبه اكبر عملية نهب واستيلاء في التاريخ.
   الذين كانوا يعتقدون ان احتلال العراق هو اكبر عملية نهب في التاريخ, بحاجة اليوم الى ان يعيدوا النظر في حساباتهم. فهناك, الى جانب العراق, امم اخرى تدخل دائرة النهب.
   حسب تقديرات جوزف ستيغليتز, الحائز جائزة نوبل للاقتصاد عام 2001 فان الحرب في العراق وافغانستان تكلفان نحو 160 مليار دولار سنوياً.
   هذا المبلغ لم يتم تمويله, على امتداد السنوات الخمس الماضية من دافعي الضرائب الاميركيين.
ما سيحصل هو ان الولايات المتحدة ستعمل على تمويل الثقب الاسود, بتفريغ جيوب الاخرين. وبإعادة "نقل الثروة" الى حيث كان يجب ان تبقى في مكانها (لدى الدول الاقوى فحسب).
   لقد تم تمويل حرب مدمرة يعتقد انها استهلكت اكثر من تريليون دولار. فلماذا لا يكون ممكناً تمويل تريليون دولار او اثنين او ثلاثة اخرين لإنقاذ اقتصاد "القوة الاعظم"؟
كل الامبراطوريات في التاريخ كانت تفعل ذلك: تحلب مستعمراتها, وتبتز المرتبطين بها, وتستنزف مواردهم. فهي تعتبر ان ثراهم في الاصل ثراؤها.   هل ستجد الدول الاخرى نفسها تواجه الافلاس؟
في الواقع, ليس بالضرورة. لانه سيتم إقناعها بشراء اصول لا تعلم حتى "الشياطين الزرق" ما هي قيمتها الحقيقية!. (انتهى)
___________________



كيسنجر: حان وقت انتهاء التبعية لاميركا!

الخواطر 26 شباط 2009 العدد2352



1979

   (أ.ل) – كيسنجر "إما نظام عالمي جديد يتحرر من التبعية للولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً او ان الفوضى ستكون البديل", خياران لا ثالث لهما من وجهة نظر هنري كيسنجر, وزير الخارجية الامريكي الاسبق.
   وقال كيسنجر, الذي تولى الخارجية الامريكية في الفترة بين عامي 1973 و1977 في مقال له بصحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية اليوم الثلاثاء: إن "التغيير والخروج عن التبعية للولايات المتحدة في ظل ما يتعرض له النظام العالمي الحالي من عدم الاستقرار اصبح ضرورة.. وإنه لا توجد فرصة أنسب من تلك التي يمر بها العالم حالياً لإحداث ذلك التغيير".
   وتابع المستشار الامني السابق للرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون انه: يستحيل مع حجم الهزيمة التي منيت بها واشنطن اقتصادياً ان تبقى دول عديدة قابعة خلف الهيمنة الامريكية... او ان شئت فقل الفشل الامريكي.. على كل دولة ان تعيد تقييم مشاركتها في الازمة السائدة في العالم".
   واضاف ان امريكا ستبقى صاحبة الزعامة, لكنها لن تحافظ على موقع مدعي الوصاية, مشيراً الى ان عام 2009 وخاصة مع دخول الادارة الجديدة البيت الابيض, سيشهد امراً من اثنين: "إما ان تقبل الولايات المتحدة بإعادة صياغة النظام العالمي لضم القوى الاقتصادية الصاعدة ومنحها جزءاً من كعكة السلطة العالمية, او ستعمد الى شن مزيد من الحروب في مسعى منها لإطالة فترة زعامتها المطلقة في العالم", على حد قوله.
   وتابع بالقول: "اميركا بين خيارين: القبول ان تكون الاولى بين مساوين لها في النظام العالمي, او تقوم بتدمير المعبد على رؤوس الجميع في حال عجزت او أبت ان تقدي هذا التنازل.
   وشنت الولايات المتحدة منذ هجمات سبتمبر 2001 حرباً ضد ما أسماته "الارهاب", قادتها لاحتلال افغانستان في نفس العام واحتلال العراق في 2003.
   وتوقع كيسنجر, وسيط معاهدة كامب ديفيد عام 1978 بين العرب واسرائيل, ان تسعى كل دولة الى الاستقلال بنفسها الى اقصى درجة ممكنة, فما عادت هناك دول تفضل السير وراء الولايات المتحدة, فاقتصاد واشنطن اصابته نكبة بالغة, وقراراتها السياسية غالباً لم تعد تثير جدلاً حولها.
   لكنه استطرد موضحاً لتلك الدول التي قد تبدأ فعلياً في الاستقلال هذا العام بأن "الاستقلال معناه ان تعرف كل دولة دورها فيما يواجهه العالم وموقعها من الازمة العالمية, وعلى كل دولة ان تدرك انها لن تحل مشكلاتها وازماتها بمنأى عن الاخرين, إنما عن طريق الجهد المشترك".
   ومع وجود الاستقلال بهذا المعنى سيقوم نظام جديد يأخذ طريقه للقوة ما دام الجميع يعرف اولوياته, وفي حالة فشل هذا النظام في عمل تقارب بين تلك الاولويات فسينهار هذا النظام مخلفاً بديلاً واحداً وهو الفوضى".
   وطالب كيسنجر في ختام مقاله بصحيفة "ذي إندبندنت" بإجراء تنسيق بين النظامين السياسي والاقتصادي في العالم من خلال طريقيتن, الاولى: إقامة هيئة تنظيمية سياسية دولية. والثانية: تقليص الوحدات الاقتصادية الى حجم يمكن إدارته عبر الهيئات السياسية القائمة, التي من المحتمل ان تقود الى مذهب تجاري جديد, ربما يتعلق بالوحدات الاقليمية. واشار الى ان اتفاقية عالمية جديدة على نمط "بريتون وودز", التي تمت عقب الحرب العالمية الثانية, ستكون النتيجة الافضل لهذا الجهد.
   وتعاني الولايات المتحدة من اثار ازمة مالية طاحنة ضربت اركان النظام المالي والمصرفي الامريكي, ووصفها كثيرون بأنها "11 سبتمبر جديدة", وتجاوزت هذه الازمة الجوانب الاقتصادية لامريكا الى سمعتها كدولة عظمى لها هيمنتها على الاقتصاد العالمي.
   وكان لوزير المالية الالماني بيير شتاينبروك في وقت سابق تصريح له دلالته في هذا الشأن قال فيه: إن الازمة المالية كلفت الولايات المتحدة مكانتها باعتبارها القوة العظمى بلا منازع في النظام المالي العالمي.
وجدير بالذكر ان الرئيس المنتخب باراك اوباما سيتم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة اليوم بعد ساعات, حيث يعول عليه الكثيرون في حل مشكلات وازمات الولايات المتحدة, خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي,واللذين كثيراً ما تحدث عنهما في جولاته الانتخابية.  (انتهى)
___________________


 إدمان النفط..  ام انه إدمان الحرب؟!

السفير بتاريخ 18 تموز 2008
سمير كرم

   (أ.ل) - كانت الولايات المتحدة الأميركية في نحو نصف مساحتها الحالية..
كان ذلك وهي تستعد لخوض الحرب ضد المكسيك بهدف الاستيلاء منها على تكساس. وقبل أن تبدأ الحرب بشهور قليلة كتب جون اوسوليفان في المجلة التي كان يرأس تحريرها »ديموكراتك ريفيو« (صيف ١٨٤٥) يقول:
» ينبغي أن لا يسمح لأي امة على ظهر الأرض أن تتدخل في القدر الواضح لأميركا بأن تنتشر في ربوع القارة بأكملها، من اجل التطور الحر لملاييننا الذين يتكاثرون سنويا وبسرعة، ومن اجل الديناميكية الطبيعية التي يغزون بها الحقول، وكذلك من اجل نظامنا السياسي المتفوق«.
من يومها أصبح اصطلاح »القدر الواضح« جزءا من القاموس السياسي الأميركي بل جزءا من الثقافة الشعبية الأميركية يلجأ إليه الكتاب والإعلاميون.. ولا يزال يدل على ان على أميركا واجبا مقدسا ان توسع حدودها وتوسع آفاق الدفاع عن مصالحها. في تلك الحرب ضمت الولايات المتحدة إليها ٥٢٣ ألف ميل مربع من الأرض شملت تكساس وكاليفورنيا وولايات الجنوب الغربي الأميركي.
بدأت الإمبراطورية الأميركية ولم تتوقف حروب الولايات المتحدة بأنواعها وأهدافها المختلفة .. بل امتدت الى ما وراء المحيطين اللذين يحيطان بها الاطلسي من الشرق والهادي من الغرب.
ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الجدال والخلاف حول ما يسمى سلطات الحرب حتى ان عدد التقارير الرسمية والبحثية التي صدرت حول الموضوع لا يكاد يحصى. وقبل أيام صدر تقرير جديد حول الموضوع نفسه عن لجنة كانت قد تشكلت في العام الماضي برئاسة وزيري الخارجية السابقين الجمهوري جيمس بيكر والديموقراطي وورن كريستوفر. لم يتردد التقرير الجديد في أن يقول صراحة في بدايته إن تقارير الخبراء غالبا ما ينتهي أمرها إلى جمع الغبار فوقها أكثر من التهيئة لتغييرات مصيرية في السياسة وتمنى ان يتجنب هذا التقرير ذلك المصير.
   ولست اعتقد ان هذه اللجنة او تقريرها سيكونان اسعد حظا، وبصرف النظر عن نوعية التوصيات التي يرفعها التقرير الى »الرئيس القادم للولايات المتحدة«. والتقرير يقول »ان استطلاعات الرأي العام التي اجرتها مؤسسة غالوب على مدى نصف قرن حول موضوع سلطات الحرب تظهر ان الاميركيين يشتركون في الرغبة في ان تجري مشاورات بين الرئيس والكونغرس (قبل الدخول في حرب)… لكن هذه المشاورات لا تجري في اغلب الأحوال. وهذا أمر غير صحي ولا يدعم حكم القانون انه لا يبعث برسالة سليمة الى قواتنا ولا الى الرأي العام، ولا هو يشجع على الحوار بين فرعي السلطة«. وينتهي التقرير الى اقتراح صيغة جديدة لقانون سلطات الحرب لتصدر في عام ٢٠٠٩ لتكون بديلا عن الصيغة الراهنة التي صدرت في عام ١٩٧٣ في أعقاب نهاية حرب أميركا على فيتنام ونتيجة للخلافات والصراعات التي أثارتها داخل الولايات المتحدة.
   قرنان من الزمان بل اكثر مضيا منذ صدور الدستور الاميركي لم ينقطع خلالهما النقاش والصراع الفكري والسياسي حول سلطات الرئيس في الحرب مع ان الدستور يحتوي على نص صريح يمنح الكونغرس وحده سلطة اعلان الحرب مع ذلك من البدايات الاولى والرؤساء الاميركيون المتعاقبون يدخلون الحروب خارج الاراضي الاميركية دون الرجوع الى الكونغرس لأخذ قرار منه وحتى دون التشاور معه. حتى ان المرات التي دخلت فيها الولايات المتحدة الحرب بإعلان من الكونغرس تعد على أصابع اليد الواحدة.
   في كل مرة يصدر تقرير جديد بتوصيات جديدة… وكأن الفرق هائل بين حرب توفرت لها الأسانيد القانونية وأخرى بدونها. انما هي مماحكات قانونية بين السلطة والمعارضة يضيع اي معنى ايجابي لها اذا ما تذكرنا ـ مثلا ـ كيف ان الديموقراطيين ركبوا موجة المعارضة الشعبية العارمة للحرب في العراق ونجحوا في انتزاع الاغلبية من الجمهوريين في انتخابات عام ،٢٠٠٦ ولم يلبثوا ان اصطفوا وراء المؤسسة العسكرية ووجدوا أنفسهم يقرون ميزانيات الحرب كما هي ويتراجعون عن مطلب وضع جدول زمني للانسحاب من العراق.. ولم يعد الأميركيون او غيرهم قادرين على التمييز بين الموالاة وهم المحافظون الجدد الجمهوريون والمعارضة »الديموقراطية« ولم تعد حرب بوش كما كانوا يسمونها أيام الانتخابات بل حرب اميركا. لقد شاع في الفترة الاخيرة ـ حتى داخل الولايات المتحدة نفسها ـ القول بأن الهدف الحقيقي من غزو العراق واحتلاله كان النفط فإن اميركا اصبحت مدمنة على النفط  ولا تستطيع التخلص من هذا الادمان…وربما الادمان على النفط العربي بوجه خاص.
فهل صحيح انه ادمان على النفط  ام انه في الحقيقة ادمان على الحرب لا تستطيع الولايات المتحدة ان تتخلص منه بل انها تغرق فيه أكثر وأكثر بمضي الزمن؟
   ان النفط لم يمنع عن اميركا في اي وقت حتى في وقت الحظر النفطي العربي ابان حرب تشرين/اكتوبر .١٩٧٣ ولم تضطر في اي وقت لخوض حرب لان النوبة اصابتها بسبب نقص في امدادات حقن النفط او جرعاته.
   انما الحقيقة ان الولايات المتحدة تضحي بالكثير بما في ذلك صدقيتها وسمعتها واقتصادها وحتى الحريات الديموقراطية لمواطنيها من اجل تلبية ما يفرضه عليها الإدمان على الحرب. وصل الامر الى حد ان نفقاتها العسكرية تبتلع نسبة تتجاوز ٥٥ بالمئة من ميزانيتها الاتحادية في حين لا يحظى التعليم الا بنسبة لا تكاد تصل الى خمسة بالمئة. انها تحتفظ بأقوى وأضخم قوات مسلحة عرفها التاريخ على الإطلاق. وقبل سنوات اعلن الجيش الاميركي في تقرير رسمي انه اصبح للقوات الاميركية وجود في اكثر من مئة دولة من دول العالم. وأنه يحتفظ بجنود عاملين وعناصر مدنية مساعدة في انحاء العالم يؤدون مهمات يفوق عددها ١٢٠٠ مهمة. وقد اعتبر تخطي رقم المئة في عدد الدول التي توجد فيها قوات اميركية علامة فاصلة في التاريخ العسكري الاميركي … فإن تعداد سكان هذه الدول يصل الى نحو ثلثي تعداد سكان العالم.
   وقبل ايام نشر موقع »فورين بوليسي لن فوكاس« ـ وهو موقع بحثي أميركي ذو اتجاهات يسارية واضحة ـ معلومات مفادها ان الولايات المتحدة تملك ٢٠٠ قاعدة عسكرية في انحاء العالم والبنتاغون عازم على زيادة هذا العدد كثيرا في العلن وفي السر. (العراق اهم المواقع المرشحة لأعداد من القواعد الدائمة كما هو معلوم). بل انه يعتزم اعادة قواعده الى مناطق كان قد اجبر على الانسحاب منها (الفيليبين في مقدمها). وحديث عسكرة الفضاء متداول بدون حرج في اوساط البنتاغون والبيت الابيض.
   وبوضوح لم يسبق له مثيل اصبحت المؤسسة العسكرية الاميركية تعمل مباشرة في خدمة النظام الرأسمالي وعلى حساب الطبقات الافقر في المجتمع الاميركي والعالم. ان الميزانية العسكرية الاميركية التي تبلغ الآن اكثر من ٥٠٠ مليار دولار تسحب من رصيد العمال والفقراء والسود وليس من رصيد الشركات العملاقة.
   وتسير عملية عسكرة المجتمع الاميركي بخطى اسرع مما يستطيع الرأي العام الاميركي استيعابه.. بالاضافة الى عمليات توسيع حلف الاطلسي التي بدأت بمجرد انهيار النظام المعادي الذي من اجل التصدي له كان هذا الحلف قد أنشئ اصلا. وفي هذا السياق نفسه تتجه الولايات المتحدة نحو عسكرة علاقاتها مع دول اوروبا الشرقية (الاشتراكية السابقة) بإنشاء الدرع الصاروخي الذي يشكل بحد ذاته سواء في جمهورية التشيك او في بولندا قاعدة عسكرية اميركية متقدمة قادرة على ان تصل الى اي هدف في روسيا او اوروبا ككل واي هدف في الشرق الاوسط والصين وجنوب آسيا.
   لقد ادى ادمان الحرب الى فرض هيمنة المؤسسة العسكرية الاميركية على السياسة الخارجية الاميركية وبالتالي على السياسات الخارجية (والداخلية ايضا) للدول التي تخضع لتوجيهات واشنطن … على الاقل المئة دولة التي توجد فيها قوات اميركية تؤدي »مهمات عسكرية« .. (سرية في معظمها). لقد اصبحت السياسة الخارجية الاميركية، وبصفة خاصة في السنوات منذ بداية القرن الحالي، تقع بأكملها خارج نطاق »الديموقراطية الاميركية«، وأصبح البنتاغون هو صاحب الكلمة النهائية في قضايا العلاقات الخارجية وليس فقط قضايا الحرب والسلام. فالقوات المسلحة هي المكلفة بحماية مصالح اميركا في العالم في اطار استراتيجية الامن القومي التي صدرت في عام ٢٠٠٢ بعد احداث ايلول/ سبتمبر ٢٠٠١ . وهي تنص على ان الاستراتيجية الاميركية لا تسمح بمنافسة الولايات المتحدة من جانب اي دولة او مجموعة دول او قوى في العالم.
   وليس غريبا ان يغيب اي دور حقيقي للرأي العام الاميركي في قضايا السياسة الخارجية. الا في استطلاعات الرأي ويستطيع الرأي العام ان يعبر عن نفسه بشتى الطرق من الاستطلاعات الى المظاهرات الى الاحتجاجات بكافة أشكالها .. ولكنه لا يستطيع ان يغير مسار السياسة الخارجية الاميركية، خاصة في ما يتعلق بقرار الحرب ومسارها. ولقد كانت آخر مرة لعب فيها الرأي العام الاميركي دورا في تغيير السياسة الخارجية دوره في انهاء حرب فيتنام عام .١٩٧٣
   وقد قضت النخبة الحاكمة السنوات العشرين التالية لهذا الحدث تحاول ان تحكم قبضة المؤسسة العسكرية على السياسة الخارجية بحيث لا يتكرر »المشهد الفيتنامي«.
   وفي سبيل تحقيق هذه الغاية لم يعد المجتمع العسكري ـ الصناعي كيانا ثنائيا كما كان منذ نشأته وإلى وقت قريب. الآن اصبح كيانا واحدا لا يمكن التمييز فيه بين ما هو عسكري وما هو صناعي .. وصارت الهيمنة للجنرالات، بل للجنرالات ذوي الاتجاهات اليمينية المتطرفة. لقد تعسكرت الولايات المتحدة انتاجا وسياسة وثقافة .. وأصبحت هيمنة العسكريين تنذر بظهور فاشية عسكرية اميركية تصنع تحولا عالميا في الاتجاه نفسه. وقد أدت هذه الهيمنة في السنوات الاخيرة الى تدني أوضاع الاقتصاد الاميركي، وها هي الولايات المتحدة تستعد لادارة جديدة ورئيس جديد وهي مقبلة على واحدة من اسوأ ازماتها الاقتصادية منذ الكساد الكبير عام .١٩٢٩
   لقد ادى الادمان على الحرب بالولايات المتحدة الى ان اصبحت دولة تثقلها الديون الى درجة خطيرة وانها تعيش ـ بالدين ـ بمستوى أعلى بكثير من قدراتها الاقتصادية الحقيقية. وتجدر الاشارة الى ان اكبر الدائنين لاميركا هي الصين والهند والسعودية (…)
   يقول تقرير استراتيجية الامن القومي الأميركي: »ان للولايات المتحدة مصالح دائمة في الشرق الاوسط وخاصة في السعي الى سلام شرق اوسطي شامل يؤمن اسرائيل وشركاء الولايات المتحدة العرب الأساسيين، ويحافظ على التدفق الحر للنفط بأسعار معقولة«. وفي ضوء الظروف الراهنة يصبح من الضروري التساؤل عما اذا كانت الولايات المتحدة ستلجأ للتدخل العسكري في المنطقة لتأمين »اسعار معقولة للنفط«؟ وهذا ليس مجرد سؤال افتراضي.
   ولعل الاقرب الى المنطق ان تفكر المؤسسة العسكرية الاميركية في جعل الخلاف الحاد مع ايران ذريعة لمثل هذا التدخل.
   لقد بدأ تحميل جدول اعمال الرئيس الاميركي القادم ـ ايا كان ـ ببنود خطط المحافظين الجدد الذين يستمدون الهامهم السياسي والاستراتيجي من المؤسسة العسكرية .. وليس العكس كما يظن.
والمسألة لم تعد الإدمان على الحرب لا يخضع للسيطرة، انما كدافع يطلب الاشباع مع توفر امكانيات عسكرية حتى في غياب الامكانيات الاقتصادية.
   انما يبدو ان الدافعين متداخلان: إدمان النفط  يفضي الى إدمان الحرب وإدمان الحرب يحتاج الى النفط وذريعة النفط.
   فمن يهمه بعد ذلك اذا كانت سلطات الحرب للرئيس ام للكونغرس؟!
___________________

الجــلاد والضحيّــة

   (أ.ل) – كتب رئيس المركز العربي للابحاث النفسية والتحليلية الدكتور عدنان حب الله في جريدة السفير في عددها الصادر بتاريخ:30-1-2009 العدد 11209 القسم الثقافي مقال بعنوان الجلاد والضحية تناول فيه النزاع في الشرق الاوسط تاريخيا وردود الفعل الخارجية للاحداث على الساحة وكيف استطاعت ان تدخل ثقافة الهولوكوست في البرامج الدراسية وتبرز نفسها دائما في موقع الضحية امام الرأي العالم العالمي وجاء فيه:
   في حزيران ١٩٦٧, وفي اليوم الثاني بعد اندلاع الحرب، خرجت الجماهير في فرنسا وفي بعض عواصم اوروبا، بمظاهرات صاخبة ضد اعتداء الجمهوريّة العربية المصرية، على الشعب الاسرائيلي المستضعف. ونزل في الشارع ما تبقى على قيد الحياة من المعتقلات النازية، بلباس السجن المميز، مربّطين بسلاسل. وصور كاريكاتورية للبكباشي عبد الناصر كما كان يعرف بلباسه العسكري وفي شنباته القصيرة ويده المرفوعة يحيّي الجماهير الصاخبة مذكرا بهتلر.
   وصدرت كل الجرائد، بمانشيتات تقول ان السلاح الجوي هاجم اسرائيل لكنه اصيب بنكسة كبيرة. ولم تظهر حقيقة غدر واعتداء اسرائيل الا بعد ستة اشهر.
عرفت الحقيقة بالتفاصيل وهي ان عبد الناصر لم يكن مصمما على الهجوم على اسرائيل، وان هذه الاخيرة كانت هي المعتدية.
   كتب العديد من المقالات التي تقول بان اسرائيل مهددة من جميع الدول العربية بالفناء، وهي تمثل الحضارة الغربية في الشرق وهي قلعة الديموقراطية بين شعوب متخلّفة يسودها الطغيان والانظمة الدكتاتورية.
  استغلّت اسرائيل هذه الكذبة، وروج لها الاعلام الغربي الى درجة ان الشعب الاوروبي اضحى بأكثريته مؤيدا لاسرائيل، بغض النظر عمّا ترتكبه من اغتصاب واضح للأرض واضطهاد شعب كان يمكن ان يعيش بسلام لولا انها طردته وشردته من ارضه.
اسرائيل عرفت نقطة الضعف عند الضمير الغربي فاستغلّته الى ابعد الحدود، من تأييد سياسي، الى الحصول على احدث الاسلحة، الى المساعدات المالية والاقتصادية.
واضحت في كل مناسبة تشعر بأنها مهددة بالضعف، تتماهى مع موقع الضحية فتعطل أي هجوم يطالها، وتعطل المنطق وتلغي الحق. اصبحت هنالك ثقافة الهولوكوست تبشر بها وتسعى الى نشرها وتعميمها في كل المجالات الثقافية، الروايات، الافلام، المسرحيات، الرسوم واللوحات، واقيمت لها متاحف تعيد الذكرى او تذكر بما حصل للشعب اليهودي من مآس.
الى درجة انها استطاعت ان تدخل ثقافة الهولوكوست في البرامج الدراسية فيتعلمها الاطفال منذ حداثة سنهم تحت عنوانplus jamais ça  أي لا يتكرر ذلك ابدا.
   اللافت للنظر ان الشعب الاوروبي تجاوب مع هذه الدعاية، لان لا احد يستطيع ان يصدها او يتحداها والا تعرض لأكبر الاهانات والمضايقات المهنية، اذا ما لاحقه القضاء بتهمة اللاسامية.
الشعوب الغربية ساهمت في انماء ودعم هذه الثقافة، تخفيفا للشعور بالذنب وتكفيرا عن جرائمها المخالفة للقيم الجمهورية وللمبادئ التي ترعرعت عليها منذ اندلاع الثورة الفرنسية سنة .١٧٩٢
خطيئة مزدوجة:
اولا: كل بلد ساهم في اشعال المحرقة. وارتكب بحق اليهود جريمة لا تغتفر. القصص والروايات
 كثيرة، التي تظهر جريمة الشعب الاوروبي بحق الانسانية منذ حقبة الاستعمار وما بعده.
الثاني: ما حصل ابان الحرب العالمية الثانية اظهرت وحشية وهمجية لم يعهد الشعب الاوروبي انهما موجودتان وكامنتان في نفسه رغم القيم الانسانية التي كان يبشر ويعتبرها صدا منيعا ضد البربرية.
من هذا المنطلق تغاضى الأوروبيون عن جرائم اسرائيل وعتّموا عليها في اعلانهم، كما لو كان في اللاوعي حاجة الى طرف ثالث يدفع عنه فاتورة بربريتهم، فالشعب العربي والفلسطيني بصورة خاصة اصبحا ضرورة لتصحيح التاريخ وتخفيف الشعور بالذنب عندهم من الجرائم التي ارتكبتها. ولا نعجب ان اكثر حكومة تطرفا تجاه الفلسطينيين هي التي ارتكبت افظع الجرائم تجاه اليهود. فالحكومة الالمانية وجمهورها، تشعر من باب المسؤولية، بواجب دعم اسرائيل حتى ولو كان في الشر والظلم، فقط لانها كانت في السابق تحتل موقع الجلاد.
   اذاً اسرائيل تعرف كل ذلك فموقع الضحية الذي تماهت به منذ تأسيسها، منذ ستين سنة اضحى ضرورة وجودية كي تستدر عطف الدول الغربية، وتلزمها دفع جزء من التعويض على حساب الشعب الفلسطيني والعربي في آن واحد. واذا تماهت اسرائيل بالجلاد والنازي، تطلب ذلك بالمقابل من الشعوب الغربية السكوت عنها، وتغطية جريمتها واعادة الذكرى التي تؤلمهم عبر الاعلام الذي يسيطر عليه. فيكفي ان تكبس على الزر حتى تتحرّك الافلام الوثائقية فتظهر اكوام الجثث البشرية والرافعات تنقلها الى المقابر الجماعية او صور الاطفال وهي تذهب الى غرف النار غير مدركة ما سيحصل لها.
يعتبر موقع الضحية الذي تحتله اسرائيل من اهم الاسلحة التي تضمن لها خط الرجعة مهما ارتكبت من مجازر ومظالم، ولا سيما اذا كانت مدعومة باعلام هائل وارشيف جاهز تحركه حينما تشاء.
اذا قيمنا ما حصل في غزة فماذا نستنتج:
    نستطيع القول ان شعب غزة حقق نصرا فقط بفضل مجهوده. فهو لم يكبد اسرائيل خسائر فادحة وإن استطاع ان يفشل مشروعها السياسي. لكن الاهم من كل ذلك هو انه ظهر على شاشات الاعلام وعبر الجماهير التي نزلت الى الشارع وقد احتل موقع الضحية. أي انه استطاع بحكم صموده وصبره ان يتحمل جراحه ويظهر للعالم وجه اسرائيل المتخفي وراء ديموقراطية كاذبة. فانتزع من اسرائيل اهم سلاح عندها وتجسدت به الضحية بعد ان انتقل الاسرائيلي الى موقع الجلاد.
   هذا الموقع الجديد يشكل خطرا ويحدث ضررا اكثر من الاسلحة الفتاكة. وقد ساهمت اسرائيل على غير علم من التداعيات في تأجيج نتائج الحرب لغير مصلحتها. وكنا نراها كلما صمد الشعب في غزة كلما ازدادت اضرارا وارتكبت مزيدا من الفظائع واستعملت اسلحة محظورة دوليا، ما جعل العالم اجمع يدينها.
   التواطؤ على الجريمة مع الاعلام الغربي، عقد مبرم دون الاعلان عنه ما بين الغرب واسرائيل. فبما ان وسائل الاعلام هذه سكتت عن الجرائم النازية طيلة سنوات فيجب ان تسكت بالمقابل على جرائم اسرائيل.
  لكن الاحداث التي حصلت في غزة وصلت من الفظاعة الى درجة، لم يعد بالامكان السكوت عنها.
فتطور الاعلام من فضائيات ومواقع الكترونية، جعل الارض مكشوفة، ولم يعد بالامكان اخفاء حقائق الحرب وفظائعها. فصرخة اهالي غزة وصلت الى اقصى المعمورة. الجميع كان يسمع بكاءهم وصراخ اطفالهم، يطلبون النجدة ولا احد يستطيع ان يفعل شيئا، سوى ان يكون شاهد زور على جريمة ترتكب امام عينيه.
اسرائيل كشفت اوراقها امام العالم، وقطعت اوصال السلم وامكانية التعايش مع العالمين العربي والاسلامي.
وتفوقها العسكري الذي ارادت ان تتباهى به وترفع من معنويات جنودها بعد اخفاقها في جنوب لبنان، انقلب عليها ما جعلها تفقد موقع الضحية الذي كانت تبتز به الغرب.
   اكيد شعب غزة قد دفع الثمن غاليا ولكن دماء اطفالها ودموعهم واستنجادهم كان له وقع على نفوس العالم بانه حقق واقعا جديدا فبتنا نعرف الآن فعلاً من هو الجلاد ومن هي الضحية.
___________________


الهوية والثقافة واللغة

بقلم:دكتور عدنان حب الله

بتاريخ:الجمعة 17 نيسان 2009 جريدة السفير العدد 11272
 
يقتصر عمل التحليل النفسي على اللغة في أبعادها الكلامية. فالمحلل لا يملك ادوات اخرى يتعامل بها غير النطق والسمع. وكما قالت لي احدى المريضات: هذا هو السحر بعينه. فكيف يمكن ان يتحقق لها هذا التقدم والتحسن بحالتها وأنت لم تنطق بكلمة واحدة. وعندما تنكشف لنا علاقتنا بالكلام التعبيري وبمن يسمعه يظهر السبب ويزول العجب. فالجملة التي تنطق من فم المريض تتبع مسيرة في اتجاه السامع، وبعدما تلقى عنده الإدراك، تعود الى سمع الناطق بغير ما تفوّه به، فهي في ارتجاعها أضحت غير ما كانت، وتحمل في معناها اكتشافاً جديداً. ويكفي في بعض الأحيان ان نقول للمريض اسمع جيداً ما قلته ولا يغيب عن ذهنك، حتى يتحقق له إدراك لحقيقة لم يكن يعهدها في نفسه من قبل.
وقد يتساءل من أين أتاه هذا القول المفاجئ الذي لم يكن يخطر على باله. انطلق من مكان مجهول، ليست له أية سيطرة عليه. يتحكم في قوله في مسيرته وفي أفعاله على غير علم منه. تنطلق الحقيقة من تلقاء ذاتها، ولا حاجة لافتعالها، لأنها مستقلة خارجة عن سيطرة الأنا، ولا تنتظر إذناً، سوى حضور المجال الملائم، والوقت المناسب والاذن الصاغية الحياديّة.
من هذا المكان المجهول، موطن الحقيقة الذاتية، تساءل «فرويد» عن ماهيته، وكيف يمكن ان يحمل في طيّاته معرفة تجهل نفسها، وتبقى في حالة الستر تتحكم في مسيرتنا الحياتية وحتى في قدرنا. ولم يجد «فرويد» انسب من كلمة اللاوعي، ولكن كما يتبادر الى الذهن، كيف يمكن ان ندرك فحواه، وهو بحكم موقعه متعسر على الوعي. فالادراك لمكنون اللاوعي لا يمكن ان يحصل خلاله، بل ما بعد القول او الفعل.
تكوين الذات الفاعلة مبني على انقسامها على ذاتها ـ أي ان الانسان منذ ان بدأ يتكلّم ميّز ما بين ما يمكن ان يقال وما لا يقال. فاللاوعي يتكون من المكبوت وليس من النسيان، كما يتهيّأ للبعض. فالذاكرة يمكن ان تستحضر معرفة معينة منسية، من دون أن يتأثر الشخص بها، أما المكبوت: فعندما يرفع الستر عنه يولد عندنا عنصر المفاجأة، ومعرفة جديدة كنا نجهلها. فالمكبوت هو بمثابة الحقيقة التي نحاول بشتى أنواع المقاومة أن نخفيها عن وعينا، لأنها إن دخلت إلى حيز الإدراك تصبح واقعاً لا يمكن تجاهله أو الالتفاف حوله.
الكبت والحقيقة
ولكن ما هي ماهية هذه الحقيقة؟
ليست ميتافيزيقا ولا هي بيولوجية ولا هي دينية، إنما أحرف او كلمات او جملة، تدخل كلها في سياق لغوي، يكشف وجهاً من أوجه الذات. أي باختصار الكبت او الحقيقة هما لغويان بامتياز، يتخفيان بأعراض نفسية، جسدية او مسلكيّة.
من هذا المنطلق حدد «فرويد» حقل اللاوعي في عملية الكبت وحدد المدخل إلى اكتشافه:
الأحلام وكما يقول الباب الملوكي.
العارض المرضي كبديل عن المكبوت.
هفوات اللسان، حيث تنطق الحقيقة من تلقاء نفسها من دون استئذان، تفاجئ الناطق والسامع.
الافعال المغلوطة، حيث تفاجئنا افعالنا على غير ما كنا نشتهي. ولكن تنجح في رفع الستر عن المكبوت.
وعلى ضوء هذا الاكتشاف وضع «فرويد» نظريته الديناميكية لتكوين الذات:
اللاوعي: الذي يتفاعل حسب قانون العمليات الأولية: النقلة ـ التكثيف ـ والتحويل.
النقلة: نقل الصورة إلى طرف جزء مشترك في صورة اخرى مغايرة.
التكثيف: حصر عدة معان او تصورات في شكل واحد.
التحويل: نقل المشاعر والعواطف الى شخص بديل، يرتبط بصلة الاصيل من دون ان يكشف هويته.
ما قبل اللاوعي: هو انتقال الشيء الى حقل معرفي، قبل ان يصبح كلمة.
الوعي هو الإدراك عن طريق عالم اللغة، كي تأخذ الاسماء مكانها، وتصبح من مكتسبات الانا.
وهنالك ما يمكن السماح له بولوج حقل الوعي ومنه من يرفض، لأنه يشكل خطراً عليها، فيكبت ويعود إلى حقل اللاوعي.
وهنا دخل لا كان على خط فرويد بعد اطلاعه على اكتشافات الالسنية لفردينارد دى سوسير عبر البنية اللغوية من دال ومدلول والعلاقة بينهما، لكي يجعل من الدال العمود الفقري والافضلية في تكوين الذات.
فاعتبر ان العمل التحليلي يقتصر على تحليل الخطاب وليس اكثر. فكل خطاب مقوم على ذاته ما بين البيان والمبيّن. أي مثلاً قلت كذا وكذا، ولكن في الواقع تقصد كذا وكذا مغاير او مناقض لما ورد في البيان.
واعتبر ان اللغة التي نتعامل بها ما هي الا نتيجة عمليات ثانوية، مشابهة ومتطورة عن العمليات الاولية التي ذكرناها. وللغة الوعي ليست سوى امتداد للغة اللاوعي.
فهذه العمليات الثانوية لها محوران:
الاول: الاستعارة او المجاز، ايجاد الشبه وسكبه لغوياً، فيعبر عن الأصل بصيغة وبأوصاف مختلفة methaphore أي المجاز
الثاني: الكفاية: اعتماد الجزء بديلاً عن الكل. methonemie
مع كل ما يشمل ذلك من تلاعب بالالفاظ: التشابه بالاضداد، المرادف والتنويه الخ.
ومن هذا المنطلق سواء الوعي او اللاوعي يسبحان ويستمدان تكوينهما من عالم اللغة.
فاللاوعي: خلافاً لما يُشاع انه موطن الغرائز والنزوات، وسلة النفايات لكل ما هو همجي وبغيض. «فهو مبني كبقية اللغة» ولو كانت بدائية كما يُعرف عنها لا كان.
أما الوعي: فهو عالم اللغة المتعارف عليها التي تمكننا من التعريف عن هويتنا.
فنحن من دون لغة لا توجد لنا هوية. فهي مكوّنة ومكونّة وسيلة للتعبير وفي الوقت نفسه مؤسسة للهوية منذ أن يسمع الطفل اسمه اذ يكتشف المفعول السحري للكلمة، التي تلبي طلباته ان ما لفظها.
والهوية تبدأ من أحادية الدال الذي يتماهى به. ويعود الفضل الى لا كان في تحديد الهوية الذاتية عندما يدخل الطفل عالم اللغة، فإذا كانت هذه الأخيرة لا متناهية، فلا بد من دال أول يكون بمثابة البداية يتبعه دال ثان يعبر عن الاول. والذات تبزغ كفارق نتيجة عملية الانتقال من الاول الى الثاني.
وهذا الفارق لا يختزل ويحمل في طياته تعريفاً للذات: يقول «لا كان» الدال هو ما يعبر عن الذات بالنسبة لدال آخر.
وكي يحصل هذا التعريف لا بد من حقل لغوي تجد الكلمات معناها، وتفك رموزها، وتفك ألغاز الجمل. وهذا المكان يعرّف «لاكان» عنه بالآخر الكبير كنز معاني اللغة. فكلما تخاطب طرفان كان هذا الآخر الكبير ثالثهم كي يمكن كل طرف على فهم الطرف الآخر.
هذا الآخر الكبير يتجسّد في البداية في الأم: لذلك نعرف مصدر اللغة المكونة للذات: «اللغة الأم» قبل أن ينفصل عنها وينتقل الى الأب، لأنه يشكل في مفهوم العلاقة: أنه يجسّد موضوع نقصان الأم أي موضوع رغبتها. «الفالوس».
ويشير «لاكان» إلى واقع اللغة والسعي عن طريقها هو أن هذا «الفالوس» الدال الأول لا يظهر الا بشكل نقصان في حقل الآخر الكبير، يطاله الكبت الاولي. ويأتي الدال الثاني لكي يعبّر عنه، ويترك بسبب نقصانه فراغاً يستدعي الطلب عبر الكلام لكي بملأ هذا الفراغ من دون أن يتمكن من إكفاء هذا الطلب. لان ما بعد الطلب بقية، تصبح موضوعاً لنقصان وسبباً لانطلاق الرغبة وهي ما يميّز الانسان عن الحيوان. كل ذلك يحصل في حقل الآخر الكبير وعلاقته بالذات.
إذا انتقلنا الى عالم الثقافة، فنجدها في مخزون الآخر الكبير. فالهوية الثقافية هي امتداد للهوية الذاتية ولا يمكن تعريف وتمييز هذه الأخيرة من دون انتمائها إلى هوية ثقافية.
وهنا يجب أن نميّز ما بين الثقافة المكونّة والثقافة المكتسبة. الأولى تدخل في تكوين الذات على غير علم منها. والثانية خيار انطلاقاً من الاولى.
فانا عربي على سبيل المثال، ولكن ثقافتي فرنسية او انكليزية.
ويحصل الاغتراب عندما يحلّ المكتسب محل المكوّن كبديل عنه.
وتظهر أزمة الهوية الثقافية عندما يلتبس الامر ويدبّ الاختلاط ما بين المكوّن والمكتسب. فتتفوّق هذه الاخيرة على الاولى بسبب طغيانها، كما هو الحال للثقافة الغربية، وهذا ما تعاني منه الثقافة العربية بعد دخول موجة العولمة.
العولمة:
دخل العالم عصر العولمة بعد أن انهارت الحواجز الجغرافية والفضائية.
صار الإعلام المرئي والمسموع يجتاح كل بيت من دون استئذان. وحققت شتى طرق المواصلات تعارفاً بين الشعوب وتبادلاً ثقافياً وزادت المعرفة بالآخر المغاير. وأضحت الشعوب تتصارع فيما بينها ليس فقط على الأسواق الاستهلاكية والأرباح المالية السهلة من دون استحقاق إنما أيضاً في صراع ثقافي وطغيان ثقافة على أخرى.
وكانت من جرّاء ذلك الصراع تداعيات كثيرة منها سلبي ومنها ايجابي.
السلبي: البلدان الضعيفة او المهمشة على صعيد التاريخ الحضاري، شعرت بأن هويتها الثقافية مهددة، وبدأت تخلط بين الارتهان الاستهلاكي، وبين قيمة الهوية التي تأبى أن تسعر أو تنسى وتصبح ضحية لتسلط حضارات أخرى تكتسب قوتها فقط من تفوقها الإنتاجي او تفوقها التكنولوجي والعسكري. فهذه الشعوب مهدّدة في هويتها الثقافية التي تعطي معنى لوجودها، لأنها إذا استسلمت فهي حتماً ستزول كما زالت حضارات غابرة عبر تطور التاريخ الإنساني.
الإنسان لا وجود له من دون هوية تميّزه عن الآخر، والشعوب لا وجود لها من دون هوية ثقافية تؤمن ديمومة تاريخها واستمرارها في مستقبل لها مكانة به، تحافظ على قيمتها التي تضفي معنى على وجودها.
وهذا الوعاء الحافظ والحاضن لكل حضارة هو اللغة. وعلى سبيل المثال وهي تجربة شخصية، لم اشعر بغربة، رغم أنني تنقلت في عواصم غربية متعددة، إلا في بلد عربي لا يتكلم فيه اللغة العربية، رغم انه عربي جغرافياً وأصوله عربية. فكل شيء بدا لي هجيناً. مجموعة من الشعوب تشكل أكثرية والشعب الأصلي اقلية.
والقاسم المشترك هو لغة غربية يتواصل بها الجميع دون ان يشعر أي واحد أنه ينتمي اليها. فالاغتراب في اللغة هو اغتراب عن الهوية. بل اكثر من ذلك الجيل الناشئ أصبح يشعر ان التكلم باللغة المغربة افضل واكثر تطورا واعلى حضارة، من اللغة الاصلية المكوّّنة.
اكثر من ذلك: الثقافة متعددة الأوجه: فهي تشمل التراث الادبي والفلسفي، والدين، والموسيقى او الفنون في كل أشكالها والعادات والتقاليد المتوارثة، ولكن ما اريد ان اتوقف عنده هو فن العمارة، في أي منطقة في العالم تخضع العمارة لتجانس وامتداد مع الطبيعة. وعندما تصبح معادية للطبيعة تفرز شرخاً ما بين الداخل والخارج. فعندما ترى برجا يعلو 100 متر الى 300 متر بارز في سماء صحراء، فهو نشاز ومؤذ للعين المجردة، لأنه يقف حاجزاً يحول دون امتداد الرؤى في المتناهي الأفقي. وإذا تعدّدت هذه الأبراج تصبح الشوارع عمودية بدلاً من أن تكون افقية، تصل بينها جسور يمكن سكانها من الانتقال من برج إلى آخر من دون حاجة للنزول الى الشارع.
أضف إلى ذلك ان هذه الابراج معادية لأشكالها المتنوعة، وكذلك بسكانها المتعددي الجنسية، تخلق قطيعة في التواصل الاجتماعي، وتدعو إلى العزلة، عكس ما هو متوارث عن فلسفة المجتمع الإسلامي الذي يدعو إلى تعزيز اللقاء والتواصل الاجتماعي سواء في البناء، حيث يتداخل البرّاني والجوّاني، لتصب الأحياء في النهاية في الساحة ملتقى الجميع او في تفضيل صلاة الجمعة على الصلاة الفردية.
وهذا مما سيؤدي حتماً إلى عنف واضطرابات نفسية، لأن الشارع قد سلب من ملكية الأطفال نظراً الى سجنهم في الطبقات العليا. أضف الى ذلك دخول الانترنت الذي أضحى المكان الوحيد للهو. وهو كما يعرف علماء النفس، يحصر الناظر في علاقة ثنائية تؤدي حتماً إلى عنف داخلي، لأنه غاب عنها الطرف الثالث.
عودة السلفية
امام هذه الهجمة الثقافية الجديدة، نجد الشعوب العربية في حيرة من أمرها تفتش عن هويتها الثقافية دون أن تجد لذلك سبيلاً يمكنها من التمايز والتواصل مع الجو الحضاري.
«وهنتنغتون» عندما تناول هذا الموضوع عبر كتابه: صراع الحضارات. او صدام الحضارات. لم يأخذ بعين الاعتبار الا المنحى السلبي وهو عودة الدين بشكله السلفي. وجواب من هذا النوع يعطي احقية للثقافة الغربية وسيطرتها الاستعمارية كما لو كانت حقاً مكتسباً، كونها تملك القوة اللازمة لهذا الهدف. فأين مثلاً جنود المارينز في العراق وأفغانستان وارتكابهم المجازر من وصية الأباء الأثني عشر في دعم الديموقراطية ومساعدة الشعوب المضطهدة، أين جنود فرنسا صاحبة الثورة الأولى ورسالة حقوق الإنسان من فظائع جنودها في الجزائر والبلدان المستعمرة وأين جنود انكلترا من أعمال شكسبير وممارساتهم القمعية في افغانستان والعراق.
وهكذا فنحن أمام هجمة ثقافية مصابة بنوع من انفصام الشخصية، تدعو إلى القيم في الداخل وتستبيح في الخارج ما تحرمه انتهاكاً لحرية الإنسان في الداخل.
الثقافة ليست بحاجة إلى القوة والى السلاح لكي تنتشر، هدفها الفكر تدخل اليه من دون استئذان إذا حملت قيماً يجهلها، وفلسفة تنويرية تساهم في تطوير ثقافته المتوارثة.
فسقراط وافلاطون وارسطو لم يدخلوا الى الثقافة العربية ويفتحوا عصرها الذهبي عن طريق السلاح إنما عن طريق الترجمات. المعرفة العلمية لا تحمل في طياتها الحقيقة المطلقة. وهذا باعتراف العلماء أنفسهم. فالاكتشاف العلمي يكشف عن جزء من حقيقة هذا الكون، ولا يعطى له الحق باستخدام العلم وسيلة لتحقيق أطماعه. فمعرفة العلم شيء ومعرفة الحقيقة شيء آخر.
واعتقد ان عودة السلفية ردة فعل سلبية على هذه الهجمة العلمية التي تحمل في طياتها معتقداً بأفضلية الحضارة الغربية. فبدلا من ان تستحضر الماضي لكي تنقضه على ضوء التطور الفكري والثقافي، إذ بها تأخذ الحاضر الى الماضي لكي تطوعه وتخضعه لمفهوم السلف.
فتكون بهذه العقلية قد أوقفت الزمن وأعادته الى ما كان سببا في تخلفنا وضعفنا الحاضر. وتكون بالتالي قد ألغت التطور التاريخي بما حمل لنا من علوم وفنون وفلسفة، مما يجعلنا أكثر نفوراً من الثقافـة الحديثـة واكـثر استــعداداً للاستعمار الجديد.
التجربة التحليلية تحمل ضوءاً مستنيراً عبر معالجة العقد والامراض النفسية. فاذا اعتبرنا ان سبب المرض يعود الى صدمات نفسية تعود الى الطفولة او الى عقدة قد سترها الكبت عن وعينا، فعملنا يقضي عبر التداعي الحر الذي يمدنا بخيوط تتجه باستمرار نحو النواة المرضية، واكتشف «فرويد» انه كلما اقتربنا من هذه النواة زادت المقاومة والمعاناة. والهدف النهائي هو استحضار الماضي كي نعالجه على ضوء الوعي المستنير فنحوله من اللاعقلاني الى عقلاني، فلا نلقيه ولا نتنكر له، ولكن منذ معرفتنا الجديدة به نتعامل معه بطريقة مختلفة ونحول قوته المرضية إلى قوة بناءة لمصلحة الذات ومصلحة الجميع.
فاذا تصالحت الذات مع نفسها ومع هوية ثقافتها اصبحت كلاً لا يتجزأ ويتبدد الاغتراب.
واعود الى ما ذكرته في البداية من ان اللغة هي المحيط الذي ينحر به، كلما توغلنا بالاتجاه الصحيح، اكتسبنا تقدما ومعرفة، ودال جديد يمكنّان من اعادة النظر بما كان ثابتاً كي يصبح متحولاً، فلا يبقى حرف في مكانه. على غرار الكمبيوتر إذا أدخلت نصاً جديداً على نص ثابت لا تبقى كلمة في مكانها.
وانضم الى صديقنا ادونيس عندما تكلم في كتابه «الثابت والمتحول»، بان الثقافة هي حركة دائمة ومستمرة لا يمكن أن تجمد والا تحولت الى ثقافة بالية يطمرها غبار الزمن. (انتهى)
___________________


 لعولمة تهدد باختفاء اللغات المحلية والثقافات
  
أفادت دراسة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة نشرت مؤخراً أن نصف اللغات المحلية في العالم في طريقها إلى الزوال، الأمر الذي يهدد الثقافات والبيئة في آن واحد.
واعتبرت الدراسة التي أعدها فريق من خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن "أسرار الطبيعة التي تتضمنها الأغاني والقصص والفن والصناعات الحرفية لدى الشعوب الأصلية قد تختفي إلى الأبد بسبب ظاهرة العولمة المتصاعدة في جميع المجالات".

وقد نشرت هذه الدراسة في مؤتمر يعقده برنامج البيئة في نيروبي منذ الخامس من شباط 2004 حول البيئة. وأعلنت الأمم المتحدة أن حوالي سبعين وزيرا للبيئة من القارات الخمس يشاركون في هذا المؤتمر الذي تبنى في يوم انعقاده الرابع خطة للدفاع عن الثقافات واللغات المحلية التي تمثل إحدى الأولويات لحماية البيئة.
وأوضحت الدراسة أن "بعض الأبحاث تقدر عدد اللهجات المحلية في العالم بما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف، منها ما يقارب خمسة آلاف لشعوب أصلية. لكن هناك أكثر من 2500 لغة مهددة بالاختفاء على المدى القصير بعد أن بدأ بعضها يفقد  صلته بالطبيعة".
وقال الخبراء إن 234 لغة أصلية معاصرة اختفت كليا، محذرين من أن 90% من اللغات المحلية في العالم سوف تختفي في القرن الحادي والعشرين.
وقال الكاتب النيجيري الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1986 وولي سوينكا في مؤتمر صحفي إن الثقافة هي المصدر الرئيسي للمعرفة والعلوم نظراً لأنها تأخذ مصدرها من البيئة المحلية.
وحذر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة كلاوس تويبفر من أن تحرير الأسواق في العالم، الذي هو مفتاح التنمية الاقتصادية في الدول الغنية والفقيرة، قد يتم على حساب آلاف الثقافات والتقاليد المحلية.
وأضاف أن "الشعوب المحلية تملك معرفة حيوية بالحيوانات والنباتات والبيئة المحيطة بها، وهي تحافظ في ثقافاتها وتقاليدها على الأسرار المتعلقة بالسكن والأرض في بيئة ودية وبطريقة مستمرة".
وأكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن "اختفاء لغة مع مضمونها الثقافي يوازي حرق كتاب عن الطبيعة"، مشيراً إلى أن حوالي 32% من اللغات المحلية في العالم توجد في آسيا و30% في أفريقيا و19% في منطقة المحيط الهادي و15% في القارة الأميركية و3% في أوروبا.
وتأتي غينيا الجديدة على رأس الدول التي تنتشر فيها اللغات المحلية إذ توجد فيها 847 لغة، وتليها إندونيسيا بنحو 655 لغة، ثم نيجيريا (376) والهند (309) وأستراليا (261) ثم المكسيك (230) والكاميرون (201) والبرازيل (185) والكونغو الديمقراطية (158) والفلبين (153). (انتهى)
 
___________________



كيسنجر يتحدث عن التحديات التي تواجه سياسة أوباما الخارجية

نوفوستي 23-4-2009
  
 موسكو، 23 أبريل (نيسان). نوفوستي. أكد السياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر أن صورة السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما تتمثل في التعددية، والإصرار المتكرر على تمييز نفسه بصورة علنية عن سلفه، والمفاوضات الموسعة على عدد من الجبهات بصورة متزامنة، والتأكيد على بناء علاقات شخصية مع نظرائه.
وقال كيسنجر الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية في عهدي الرئيسين نيكسون وجيرالد فورد، إن التحدي الذي يواجه أوباما الآن يتمثل في ترجمة مبادراته الموسعة إلى إستراتيجية سياسة خارجية متناغمة.
وذكر كيسنجر في مقال نشره في صحيفة "الشرق الأوسط"، أن الأمر تطلب شجاعة لتدشين المفاوضات حول ذلك العدد الضخم من الموضوعات، التي كان من بينها الحوار الاستراتيجي مع الصين، للارتقاء بالمفاوضات الجارية إلى مستوى أعلى، والحوار حول الحد من التسلح مع روسيا، الذي شهد توقفا منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وكذلك مبادرته غير المسبوقة تجاه إيران.
وأشار كيسنجر الى أن مفاوضات الحد من التسلح مع روسيا سوف تؤدي إلى التأثير على الدور الروسي في جهود وقف تخصيب اليورانيوم الإيراني، وسوف يساعد الحوار الاستراتيجي مع الصين في تشكيل المفاوضات مع كوريا الشمالية، كما سوف تتأثر المفاوضات بمفاهيم التوازنات الإقليمية للمشاركين الرئيسيين. وأكد أنه بالنسبة لروسيا، فإن ذلك ينطبق بصورة خاصة على حيز الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى، وبالنسبة للولايات المتحدة والصين، فإنه ينطبق على البنية السياسية لشمال شرق آسيا، والدول المطلة على المحيط الهادئ. أما المفاوضات مع إيران، فسوف تتأثر بشدة باستمرار التقدم في استقرار العراق، أو ما إذا كان الفراغ الناشئ سوف يحفز من نزعة المغامرة الإيرانية.
وقال كيسنجر إنه عندما تستأنف المحادثات مع روسيا، تصبح الحاجة إلى تعريف الموقف التفاوضي وإستراتيجيتها الأساسية أمرا شديد الأهمية على نحو خاص. وأشار الى أن الرئيسين باراك أوباما ودميتري ميدفيديف اتفقا على تمديد اتفاقية "ستارت-1" (اتفاقية خفض الأسلحة الاستراتيجية)، التي تنتهي هذا العام، وخفض الرؤوس الحربية من 2,200 التي تم الاتفاق عليها في معاهدة "سورت" (لخفض ترسانتهما النووية)، والتي وقعها الرئيسان بوش وبوتين في 2002، إلى عدد أقل.
وأضاف: "المشكلة في ذلك هي أن قواعد الإحصاء (المعيار الذي يتم من خلاله إحصاء الترسانات النووية) تختلف بين الاتفاقيتين.. فبموجب قواعد "ستارت-1" يتم إحصاء الصواريخ حسب قدرتها، وعدد الرؤوس الحربية القادرة على حملها، وليس تلك الموجودة حاليا. أما معاهدة "سورت"، فيتم إحصاؤها بالصواريخ المثبتة بالفعل. ووفق معيار "ستارت"، فإن الترسانة الأميركية تزيد على 5000 رأس حربي. وللوصول إلى رقم 2200 يجب إزالة كل الرؤوس الحربية المتعددة من صواريخنا، الأمر الذي سيثير تساؤلا حول إمكانية تخزينها، أو الحاجة إلى تدميرها. وقبل إحياء لعبة الأرقام التي طغت في السبعينات، فلا بد من تسريع المقدمات المنطقية للمراجعات الجارية، لتقديم أسس للدبلوماسية". (انتهى)



___________________



ابتزاز امريكي للبنان

رأي القدس 27/05/2009

   لا بد من الاعتراف بأن اللبنانيين، بمختلف طوائفهم واحزابهم، استطاعوا رغم النكبات والانتكاسات والحروب الأهلية، الحفاظ على تجربتهم الديمقراطية، التي تكاد ان تكون الوحيدة الصامدة بعناد، في منطقة تكاد ان تكون الأكثر ديكتاتورية في العالم بأسره.
   فمن يتابع المشهد اللبناني والحراك الديمقراطي المتأجج فيه، مع اقتراب موعد الذهاب الى صناديق الاقتراع، لانتخاب برلمان جديد، يخرج بانطباع مفاده الاحترام والإجلال لديناميكية هذا الشعب، وحرصه على التمسك بالحد الأدنى من التقاليد الديمقراطية والتنافس الحضاري بعيداً عن أعمال العنف المتوقعة في بلد حافل بالمشاكل والتوترات والتدخلات الاقليمية والخارجية.
مشكلة لبنان انحصرت دائماً في أمرين اساسيين، الأول فساد نخبته السياسية الحاكمة واختباؤها خلف الشعارات الطائفية والقبلية السياسية، والثاني ارتهان هذه النخبة ورموزها لقوى اقليمية وخارجية توظفها بطريقة أو أخرى لخدمة مصالحها.
   الصراع في لبنان يدور حالياً بين تيارين أساسيين، الأول تمثله جماعة الرابع عشر من آذار وهي خليط من المسيحيين والسنة وبعض الدروز والشيعة، يتزعمها السيد سعد الحريري ولوردات حرب سابقون خاضوا الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف السبعينات مثل سمير جعجع، أو سياسيون ورثوا الزعامة عن آبائهم مثل وليد جنبلاط وأمين الجميل. اما التيار الثاني فيضم اكثرية شيعية بزعامة 'حزب الله' وحركة 'امل'، الى جانب التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون، وتيار المردة المسيحي الاقل نفوذاً بزعامة سليمان فرنجية الحفيد، علاوة على قيادات سنية ممثلة في عمر كرامي، ودرزية بزعامة طلال ارسلان، ومستقلين مثل الحزب القومي السوري.
تطوران أساسيان ظهرا على الساحة السياسية في الأيام القليلة الماضية ربما ينعكسان بطريقة أو بأخرى على مجرى الانتخابات ونتائجها:
' الأول: تمثل في زيارة جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي لبيروت وتصريحاته التي هدد فيها بوقف المساعدات الامريكية للبنان في حال فوز المعارضة بقيادة 'حزب الله'.
' الثاني: نشر مجلة 'ديرشبيغل' الالمانية تقريراً اكدت فيه توصل المحكمة الدولية المتعلقة بمقتل الراحل رفيق الحريري الى أدلة تثبت تورط مجموعة تابعة لحزب الله في عملية الاغتيال هذه.
من الواضح ان الهدف الاساسي من زيارة نائب الرئيس الامريكي هو ايصال رسالة الى اللبنانيين بأن الولايات المتحدة، وبالتالي اوروبا، لن تعترفا بأي حكومة لبنانية جديدة لا يتزعمها 'تيار المستقبل' بزعامة سعد الحريري وحلفائه، اي ان مصيرها سيكون مماثلاً لمصير حركة 'حماس' في قطاع غزة. وتزامن هذا التهديد مع تسريب معلومات حول تورط حزب الله في عملية اغتيال الحريري، بهدف تجريم الحزب، والصاق تهمة الإرهاب به.
وهكذا يبدو التدخل الامريكي الغربي واضحاً في الشؤون الداخلية اللبنانية من خلال محاولة التأثير بشكل مباشر في العملية الانتخابية ونتائجها.
الشعب اللبناني في معظمه شعب وطني، يرفض الارتهان للمشاريع الامريكية التي هي مشاريع تخدم اسرائيل في الغالب. ولذلك من الصعب علينا ان نتصور تجاوبه مع هذه التدخلات الامريكية في خياراته السياسية، ونظرته الى مستقبل بلاده.
فهذا الشعب الذي انتصر دائماً للمقاومة التي حررت اراضيه بالقوة والتضحيات المشرفة، وتقديم مئات الشهداء فداء للوطن وحريته واستقلاله، ودحرت العدوان الاسرائيلي في حرب تموز (يوليو) عام 2006، هذا الشعب سيترجم حتماً مواقفه الوطنية برفض اشكال الابتزاز والتشويش الامريكي كافة من خلال ترجمة مواقفه الوطنية هذه عبر صناديق الاقتراع. (انتهى)
 

 ______________________-

الخاتمة

لعبة الامم -مايلز كوبلاند

     لقد كان واضحاً تماماً ان المحافظة على السلطة هي هدف في حد ذاته, لا يختلف في هذا نظام عن نظام. ولكي يتسير هذا فلا بد من توفير القوة السياسية لهذا النظام ليصبح حكماً ذا فاعلية جيدة. وتتوفر عادة هذه القوة السياسية في كل المجتمعات مهما كان وضع تنظيمها وحالته, الا انها اما ان تكون علنية, او تبقى كامنة في المجتمع مدّخرة فيه. ولكن النقطة الحاسمة في هذا المجال هي ان القوة الكامنة تبقى في معظم مراحل الحكم اكثر بكثير من تلك التي تظهر علناً وتصبح امراً واقعاً. ففي الدولة الدستورية, تحد اعتبارات الشرعية او القانونية نشاطات الحكومة في تشكيلها للقوة السياسية, بنفس النسبة التي تحد نشاطات اولئك الذين تتعارض مصالحهم مع النظام القائم. اما نظام الحكم الثوري, فإنه لا يقيم وزناً لمثل تلك الاعتبارات, وذلك لان اسم "الثورة" نفسه وتعريفها لا يملكان ايا من معاني الشرعية او القانونية. وهذا هو مصدر ضعف الثورة باستمرار, وكما ان عدم شرعية الثورة وقانونيتها لا يضعان اي قيود لنشاطها لتوفير القوة السياسية اللازمة لها, فان كل ما عجزت الثورة عن تجنيده وتسخيره من القوى السياسية المدفونة في المجتمع لا يخضع اطلاقاً في نشاطه وتفجره لاعتبارات الشرعية او القانونية ولذلك يبقى بحقيقته خطراً كامناً يهدد باستمرار أمن الثورة وبقاءها.
وهكذا يبقى امام نظام الحكم الثوري طريقان لا ثالث لهما لمعالجة هذا الخطر المهدد لكيانه. فأول هذين الطريقين ذو نهاية خطيرة, مع ان بدايته تبدو للوهلة الاولى على انها اساس النفعية, والنزوع الى جر المغانم بأية وسيلة كانت وهذا ما اطلقنا عليه آنفا اسم "سياسة الانجراف والمساومات" التي غالباً ما تحرص عليها بعض الحكومات الثورية, بغية توطيد اركانها عن طريق الظهور بالمظهر الشعبي, الذي تلتف حوله الجماهير الغوغائية, وذلك بدل جعل قوتها السياسية امراً واقعياً ومحققاً.
   وثاني الطريقين هو ذاك الطريق الذي نصحنا آنفا باتباعه, وهو الذي يقود حقاً الى ثورة فعلية تدرك بعمق كاف النظرية الاساسية التي يقوم عليها الحكم الثوري. وبعبارة اخرى, فان على نظام الحكم الثوري ان يتخذ كل ما يراه ضرورياً من التدابير لايجاد قوة حقيقية له سواء اكان ذلك باللجوء الى اجراءات القمع والارهاب ام الى سياسة الاصلاح والبناء. وعليه كذلك ان لا يغفل عن تلك القوة الكامنة في المجتمع ويتركها دون السيطرة عليها وتجنيدها له.
    ومن المأمول ان يكون هذا التقرير مفيداً ومساعداً للثورات في اتقان عملها, وان يكون مقدمة لها الى ما يسمى "الضرورات, وفن تنفيذها". (انتهى)
___________________



خلاصة

    أما وقد اطلنا ههنا بعرض السياسة الاميركية وبجوانبها المتفرقة وتلونها حسب الظروف وان كان عموماً يوحي بالخبث الداعية لوجود الديمقراطية والحريات العامة وأهمها حرية التعبير. وللحفاظ على سياق الموضوعية فإن السياسة الاميركية الخارجية مهما كان شكلها ولو اخذت طابعاً استغلالياً او استعمارياً فإن هذا لا يعني ان سياسات بقية الدول هي سياسات الانبياء والاشراف والرسل والمرسلين وانما لكل دولة سياستها التي تتبعها حسب مصالحها ولعلّ ادقها والعنها ينبع من العوامل العسكرية او الامنية او الاقتصادية بما يؤدي في النهاية وهي أسوأ الحالات الى التهديد بوجود وكيان هذه الدولة الامر الذي يمس جذور الدولة المستهدفة وبالتالي وفي هكذا احوال الامور تنذر  بعواقب غير سليمة. لطالما علمنا التاريخ ان العالم تسيره الحضارة المتطورة والاقوى في نفس الوقت والتي تتمتع بالحداثة والتطور والازدهار والاستقرار ابتداءاً من الفراعنة الى اليونان والبابليين والعرب وآخرهم الحضارة الغربية وفي هذه الحال تكون هذه الامة مصدراً لاجتذاب باقي الشعوب الامم.
   ويبقى بعد عرضنا لهذا التسلسل الحضاري ان نستخلص الحكمة القائمة على ان كل حضارة بعدما تصل الى اوج عطائها وتطورها واهم شيء الى الغنى المادي والثقافي والعلمي والحضاري وفي هذه الحال فهي تتحول تلقائياً الى هدف مباشر من الدول الافقر والاقل حظاً والتي بدورها تحسد الدول المتحضرة على الرخاء والراحة والازدهار فلم لا تأخذ نصيبها من هذه الثروة (هذا اذا ما كان هذا الرخاء على حساب تعاستهم كالغناء الفاحش في الدول الغربية الصناعية في يومنا هذا) و مثال على هذا الامر هو غزو الماغول للوطن العربي وهو الحدث الذي كان محطة رئيسية في تأخر الحضارة العربية والاسلامية.
   وهكذا تتعرض البلاد المتحضرة والاغنى ثروة الى هجمات وغزوات للنيل من ثرواتها واقتسام المغانم او الحدّ من توسع وانتشار الامة السّائرة الى التطور .تاريخياً هكذا كانت الحال دائماً اما اليوم وبما ان الغاية تبرر الوسيلة فلا مانع من التضحية بالابرياء في عملية استباقية للاحداث- 11 ايلول- من اجل السيطرة على مصادر الثروات وتطبيق السياسة التوسعية والاستعمارية الجذور.
    العالم في تغير مستمر وهذا التغير يترافق مع فئة من الناس  في حين يتم رفضه من فئة اخرى كون هذا التغيير قد يحمل ايجابيات ولكنه قد يحمل  سلبيات اكبر وأعظم  وهنا على الشعوب ان تقرر ماذا تريد وان تشارك في القرار الذي يرضي مصالح الدول جمعاء الغنية و الفقيرة و الوسطى اي طرح عملية تسطيح مع الغاء لحق الفيتو للدول الكبرى للقيام بنهج او سياسة اقتصادية جديدة لا استعباد فيه لا يسيء للبيئة و لا للاطفال الذين يعملون دون السن القانونية.
   فما الذي يمنع ان تكون الحرب العالمية الرابعة (اي ما بعد الحرب العالمية الثالثة الباردة فيما بين المعسكر الشرقي و الغربي) بين المدن التي تلحق بآخر وسائل التطور و التكنولوجيا  و الريف الذي يحافظ على الماضي و القيم و تتواجد فيه اكبر نسبة باطلين عن العمل نتيجة اجتياح الآلة مكان الانسان البشري.فاليوم الطائرات تطير بواسطة الحاسوب الالكتروني من خلال توجيهها من القاعدة على الارض كذلك الامر بالنسبة للطائرات الحربية التي ستتحرك من القاعدة من دون طيار.اما الجنود و العسكر فان الرجل الالي قد اصبح جاهزا للتحرك و تلقي الاوامر مع غياب لاحساس الذنب لمحرك هذه الالة لان الامر لا يتطلب سوى كبسة زر (و هو يتناول المشروبات )حتى يموت المئات و ينجرح العديد دون ان ننسى الاعاقات...
   و بالتالي ان احد اسباب البطالة هو حلول الالة مكان الانسان في صناعة السيارات و غيره.وهذا مؤشر سييء لان الحروب تشتعل بشكل رئيسي انطلاقا من البطالة و غياب فرص العمل الامر الذي سيوجد حالة عنف عند الانسان تجعله يكره الالة و يدمرها وطبعا سيكون هناك مستفدين من عالم الالة فتنشأ حالة عداء و عنف وفوضى وحتى حرب او مشاغبات مستمرة بين العالم المادي و البشري تماما كما في الافلام العلمية.و للاسف ان التطولر العلمي لا يهدف دائما الى خير البشر و انما العكس تماما:التطور و العلم و التكنولوجيا هم في بادىء الامر نتيجة طموح الانسان للحصول على افتك و اقوى الة حربية او اية وسيلة اخرى تمكنه من القضاء على العدو المفترض للوصول الى السلطة و السيطرة ..والشهرة و المال...
    فمثلاً قد يكون عامل التغيير حاملا في طياته ما هو مفيد للبشرية والانسان بشكل عام كالطّب او العلاجات ولكن حين يحمل هذا التغيير عوامل تزوير الحقائق والتاريخ والجغرافيا للوصول الى هدف معين فإن هذا الامر ليس الا بداية لزوال واندثار وفناء شعوب وقوميات بأكملها ... انه صراع الحضارات ايضا.. وبالختام دعونا لا ننسى ان كل من هذه الامم مهما قويت وتوسعت وانتشرت لا بد ساقطة في النهاية ليأتي دور غيرها والتاريخ يعيد نفسه.
   وبعد الحضارة الغربية فإنه متوقع لشعوب الشرق وأهمها وأولها الصين ان تتبوأ سلم الحضارات السّباقة او ربما سيكون بلدا لم يسمع به احد. ويفسر هذا الامر من جراء الخوف الغربي من الحركة الناشطة للفرد الصيني ونشاطه و سرعة نمو اقتصاده و ارتفاع الطلب على منتوجاته. وبما ان الحضارة الغربية والاميركية ستزول من تلقاء نفسها وذلك بحكم التاريخ فإن هذا الامر سيقع من داخل هذا البلاد بعد ان يكون قد أصابها الترهل وتكون قد استهلكت طاقتها البشرية الى ابعد حدودها في الانتاج والعطاء نتيجة للاضطراب المستمر وغياب الطمأنينة الناتج عن العيش بتنافس وسباق مع الغير بهدف ترأس هذا العالم وتسييره في خطة رقمية منظمة. ومن بعدها يتم غزو الفضاء.....
(انتهى)
______________________________________

 

انتهت النشرة

 

 
القائمة الرئيسية
  • الرئيسية
  • الأرشيف
  • عن الوكالة
  • عباس بدر الدين
  • قالوا في عباس بدر الدين
  • الصحف اليومية
  • راسلنا
Banner
Banner
حول ملف الإخفاء
  • س س
  • العقيد القذافي
    • ليبيا القذافي
  • لكلمته صولة
  • مطالبات
  • مطالبات - تابع
  • التوطين
  • د.مسيكة :هذه هي وقائع التحقيق
  • التحقيق الايطالي في جريمة الاخفاء
  • من المؤكد
  • قانون انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ونظامه الداخلي وملاك موظفيه العام
  • موسى الصدر لماذا هو؟
  • معلومات عن خطف الإمام وصحبه
Banner
للعلم والمعرفة
  • العلمنة
  • الوفاق الذي عاش 30 عاماً
  • مصير لبنان في مشاريع
  • تاريخ قوات حفظ السلام في لبنان
  • الخريطة الاميركية للشرق الاوسط
  • الاستراتيجية الاميركية في المنطقة
  • الثورة الإسلامية الإيرانية
  • طائرة الموت الايرانية
Banner
Banner
Banner
Banner

Copyright © 2010 LNA.
All Rights Reserved.

Designed by MS Graphics.