الخريطة الاميركية للشرق الاوسط

Monday, 09 November 2009 14:57 | PostAuthorIconWritten by | PDF Print E-mail
Article Index
الخريطة الاميركية للشرق الاوسط
Page 2
Page 3
Page 4
Page 5
Page 6
Page 7
Page 8
Page 9
Page 10
Page 11
Page 12
Page 13
Page 14
Page 15
Page 16
Page 17
All Pages
Page 1 of 17

 

  النص الكامل لتقرير "سفن سبرينغز"
حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط:

خريطة جديدة للشرق الأوسط
• وحدة العرب إذا وافقوا على السلام مع إسرائيل أفضل من تشرذمهم

   قد تكون قراءة وثيقة وضعت في العام 1976 مدخلاً لدراسة شاملة حول توجهات السياسة الأميركية حيال الشرق الأوسط. أو قد تكون هذه القراءة مع متابعة المتغيرات التي طرأت على الساحة العربية وعلى السياسة الأميركية مدخلاً لالتقاط البناء الفكري السياسي للإدارة الأميركية.
   لن تقدم "الديار" قراءة لوثيقة "سفن سبرينغز" وإنما ستنشرها كما هي، حتى بأخطائها اللغوية، تاركة للقارىء أن يقارن ويستنتج.
   سوف يلاحظ من يقرأ هذه الوثيقة أن تحالفات عديدة قد تبدلت. فالحلف "السعودي – السوري – المصري" الذي تتكلم عليه قد أصبح الآن في خبر كان أو هو لم يكن قائماً في الأساس. لذلك لفتنا النظر إلى أننا ننشر الوثيقة كما هي دون أي تعديل. وهذا، بالطبع، لا يلزم "الديار" ولا المحرر، ولا المؤسسة بالسياسة التي تتوخاها الوثيقة.
   كما ننشر أيضاً بالنص الحرفي وثيقة كامب ديفيد مع تعديلاتها والبيان الذي أدلى به هارولد سوندرز، مساعد وزير الخارجية الأميركية. متوخين أن نقدم خدمة إعلانية لمتتبعي السياسة الأميركية في المنطقة العربية ولقرائنا الذين اعتادوا منا على الصراحة.
   اجتمع في مطلع شهر كانون الأول 1976 ثلاثون شخصية من كبار رجال الفكر والأعمال والمسؤولين الحكوميين في مركز "سفن سبرينغز" (الينابيع السبعة) في مدينة مونت كيسكو بولاية نيويورك لمدة يومين وخاضوا في نقاشات عميقة حل العلاقات العربية الإسرائيلية والدور الأميركي المنتظر.
   ويلخص التقرير الذي نورد نصه في ما يلي حصيلة الجهود التي بذلها هؤلاء لتحليل المواقف الحالية لأطراف النزاع العربي – الصهيوني ودراسة الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة للوصول إلى حل شامل للنزاع. وقد شارك في الندوة كل من:

      1 – جوزيف جونسون: رئيساً (الرئيس الفخري لجائزة كارينجي للسلام العالمي).
      2 – جوزيف جرين: رئيس مركز "سفن سبرينغز".
      3 – جوزيف بالمرانتابي: استاذ مشارك في "سفن سبرينغز".
      4 – روبرت ترايس: أستاذ مساعد في العلوم السياسية – جامعة أوهايو.
      5 – رالف كارتر: خريج جامعة أوهايو.
      6 – ألفريد اثرتون: مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط.
      7 – دين براون: رئيس معهد الشرق الأوسط، والمبعوث الأمريكي إلى لبنان أثناء الحرب.
      8 – ويليام بتلر: رئيس الرابطة الأمريكية ولجنة المحلفين الدوليين.
      9 – جون كامبل: باحث في مجلس العلاقات الخارجية.
    10 – روجر فيشر: أستاذ القانون الدولي بجامعة هارفارد.
    11 – فيليب جيلين: المحرر السياسي لصحيفة "واشنطن بوست".
    12 – جورج نمروين: مدير شؤون الشرق الأوسط في "اللجنة الأميركية – اليهودية".
    13 – باركر هارت: سفير سابق.
    14 – ريتا هاورز: محررة الشؤون الخارجية في صحيفة "نيويورك تايمز".
    15 – جي هيروتز: مدير معهد الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا.
    16 – مالكوم كير: عميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.
    17 – آن ليشتس: رئيس جمعية "فريندز" (الأصدقاء) الأمريكية.
    18 – الحاخام إسرائيل ميلر: نائب رئيس جامعة ياشيفا.
    19 – روبرت أوكلي: عضو بارز في مجلس الأمن القومي.
    20 -   جورج بيرسي: نائب رئيس مجلس إدارة شركة اكسون، إحدى كبريات شركات التنقيب عن النفط.
    21 – وليام كوانديت: مساعد بريزنسكي وكبير المستشارين في شؤون الشرق الأوسط.
    22 – وليام ريزمان: أستاذ القانون الدولي في جامعة ييل.
    23 – فريدريك روز: رئيس مؤسسة روز.
    24 – ناداف سفران: أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد.
    25 – هشام شرابي: أستاذ التاريخ بجامعة جورج تاون.
    26 – ادوارد شيهان: باحث في مركز الشؤون الدولية بجامعة هارفارد.
    27 – تيودور تانينفالد: رئيس الندوة الاستشارية في اللجنة اليهودية – الأمريكية.
    28 – سيت يتلمان: مسؤول في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي.
    29 – شارلز بوست: مندوب الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة.

وتحضيراً للندوة تلقى كل عضو مشارك نسخة من تقرير معهد بروكنغز "من أجل السلام في الشرق الأوسط"، وجدول أعمال مفصل من شأنه أن يركز النقاش خلال كل جلسة من الجلسات الخمس التي تدور حول:
     1 – الإطار العام للمشكلة.
     2 – وجهة النظر العربية.
     3 – وجهة النظر الإسرائيلية.
     4 – عملية المفاوضات والتسوية.
     5 – مستقبل الدور الأمريكي.

   وبالإضافة إلى ذلك قدمت إلى كل مشارك دراسة صغيرة تتناول المواقف الحالية لكل من الحكومات العربية والفلسطينيين والإسرائيليين، ومختلف السبل لتنشيط عملية المفاوضات وقد أعد هذه الدراسة فريق من الخبراء، وحاول المشاركون في ندوة "سفن سبرينغز" وضع "أفكار جديدة" تتناول كيفية تصرف الولايات المتحدة حيال أزمة الشرق الأوسط.
   اتخذت الندوة من تقرير فريق معهد "بروكنغز"، "من أجل السلام في الشرق الأوسط"، الذي وضع في كانون الأول عام 1975، نقطة انطلاق لها. وقيم هذا التقرير احتمالات السلام في الشرق الأوسط كما قدم عدداً من التوصيات لتحريك الأطراف الرئيسية "نحو تسوية عادلة" للنزاع القائم. وكان من بين الأهداف الرئيسية للندوة استعراض النتائج التي تمخض عنها تقرير معهد بروكنغز في ضوء المتغيرات في الأجواء السياسية المحلية والدولية التي حدثت منذ نشر التقرير، ومحاولة الوصول إلى "تفاهم ما" حول هذه القضايا التي فشل فريق بروكنغز في الوصول إلى إجماع حولها. وتركيز اهتمام خاص على الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل القريب.
وقد توصل فريق الأبحاث في معهد بروكنغز إلى خمس نتائج أساسية هي كما يلي:
     1 – مصالح الولايات المتحدة: أن للولايات المتحدة مصلحة معنوية وسياسية واقتصادية قوية في قيام سلام راسخ في الشرق الأوسط. وهي مهتمة كذلك بأمن واستقلال وخير إسرائيل، والدول العربية في المنطقة كما هي مهتمة بالمحافظة على "صداقتها" مع الطرفين وأن تجدد القتال سيكون له آثار خطيرة وبعيدة المدى من شأنها أن تهدد هذه المصالح.
     2 – الحاجات الملحة: مهما كانت إيجابيات الاتفاقية المرحلية في سيناء، إلا أن العناصر الأساسية للنزاع العربي – الصهيوني تظل متروكة دون أن يلمسها أحد بشكل فعلي. وإذا لم تعالج هذه العناصر في أقرب وقت ممكن فإن التوتر الناشىء في المنطقة سيولد خطراً متزايداً يهدد بالعنف. "إننا نعتقد بأن أفضل وسيلة لمعالجة هذه القضايا هي بالسعي من أجل التوصل إلى تسوية شاملة".
    3 – عملية المفاوضات: لقد حان الوقت لبدء عملية المفاوضات حول مثل هذه التسوية بين أطراف النزاع، سواء في مؤتمر عام أو في اجتماع غير رسمي يضم كافة الأطراف. ففي الوقت الذي يتوجب فيه عدم إهمال أو تجاهل أية خطوة مرحلية مفيدة من شأنها أن تساعد في إيجاد تسوية، ليس هنالك أية خطوات مرحلية تبشر بالخير في الوقت الحاضر وأكثرها ينطوي على سلبيات.
    4 – التسوية: إن أية تسوية عادلة ودائمة في الشرق الأوسط يجب أن تحتوي على الأقل على العناصر التالية ككل متكامل وهي:


     أ – الأمن: تتعهد كافة الأطراف المعنية بالتسوية باحترام وسيادة وسلامة أراضي الدول الأخرى كما تقلع عن استخدام القوة – أو التهديد باستخدامها – ضدها.
     ب – المراحل: الانسحاب إلى حدود متفق عليها وقيام علاقات سلام يتم تنفيذ شروط المرحلة التي سبقتها بالكامل.
     ج – علاقات السلام: تعهد الدول العربية ليس فقط بإنهاء أعمال العنف التي تقوم بها ضد إسرائيل (كالغارات المسلحة ومحاصرة القوات والمقاطعة الاقتصادية والحملات الإعلامية) بل بتقديم دليل على إحراز تقدم نحو تطوير علاقات سياسية واقتصادية طبيعية على النطاقين الإقليمي والعالمي.
     د – الحدود: تتعهد إسرائيل بالانسحاب – وحسب خطوات متفق عليها – إلى حدود 5 حزيران 1967 مع إجراء تعديلات يتفق عليها الطرفان. وربما تحتاج الحدود إلى حماية عن طريق إيجاد مناطق منزوعة السلاح تشرف عليها قوات الأمم المتحدة.
     هـ - الدولة الفلسطينية: يجب أن يكون هنالك نص على حق وحرية الفلسطينيين في تقرير مصيرهم "ويتوقف ذلك على قبول الفلسطينيين بسيادة وسلامة أراضي إسرائيل ضمن حدود متفق عليها".
وهذا إما أن يأخذ شكل دولة فلسطينية مستقلة تقبل بالالتزامات والتعهدات التي ترتبها عليها اتفاقيات السلام أو بكيان فلسطيني يرتبط طواعية بالأردن على شكل اتحاد فيدرالي ولكن شريطة أن يمارس هذا الكيان استقلالاً ذاتياً سياسياً كبيراً.
      و – القدس: لم يقترح التقرير أي حل معين لمشكلة القدس المعقدة بشكل خاص ولكنه يوحي بأنه مهما كان نوع الحل المقترح لا بد أن ينطوي – وكحد أدنى – على النقاط التالية:
             • يجب أن لا يكون هناك أية حواجز تقسم المدينة وتعيق حرية الانتقال داخلها.
             • يجب أن تحصل كل جماعة وطنية داخل المدينة – إذا رغبت في ذلك – على استقلال سياسي ملموس داخل المنطقة التي تسيطر عليها.
      ز – الضمانات: من الأفضل أن يصادق مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على اتفاقيات السلام ويتخذ ما يراه مناسباً من الإجراءات لدعمها. وبالإضافة إلى ذلك قد تكون هناك حاجة إلى ضمانات من جانب واحد أو أكثر لبعض أو لجميع الأطراف وتقديم مساعدات اقتصادية كبيرة ومساعدات عسكرية ريثما يجري تبني تدابير متفق عليها لمراقبة السلاح.
     5 – دور الولايات المتحدة: إن الحكومات المعنية مباشرة تتحمل مسؤولية التفاوض والاتفاق ولكنها من غير المرجح أن تكون قادرة وحدها على التوصل إلى اتفاقية سلام. ولذلك فإن المبادرة والحافز والإغراء يجب أن يأتي من الخارج. "وبما أن الولايات المتحدة تتمتع بدرجة من الثقة عند كلا الطرفين، وبما أنها تملك الوسائل لمساعدتها اقتصادياً وعسكرياً، فهي القوة العظمى الملائمة أكثر من غيرها للعمل بفعالية معهما في محاولة لإيجاد التسوية وللمساعدة على إيجاد إطار من المفاوضات وتقديم مقترحات ملموسة وواقعية من وقت لآخر. وينبغي على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لاتخاذ خطوات بناءة أخرى كتقديم المساعدة وتوفير الضمانات حيث يكون ذلك ضرورياً ومرغوباً.
لذلك يجب أن تتعاون الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي إلى الحد الذي تسمح فيه رغبة السوفييت في التوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
   كان عدد المشتركين في الندوة أعضاء أيضاً في فريق أبحاث معهد بروكنغز وأشار هؤلاء إلى أن فريق معهد بروكنغز قد اجتمع مرتين في تشرين الثاني عام 1976 لإعادة النظر في المقترحات التي كان قد تقدم بها قبل عام. وذكر فريق الدراسة أنه لا يرى حاجة لإجراء تعديلات أساسية على توصياته. كما توصل إلى إجماع بأن الوقت كان مؤاتياً للقيام "بمبادرة سلام" أمريكية رئيسية. وقد كرس المشتركون في الندوة معظم الوقت في الجلسة الأولى لمناقشة تقرير معهد بروكنغز وطبيعة ونوعية الأسئلة التي يجب أن توجهها الندوة. وأكد المشاركون في الندوة أن مواطن القوة في تقرير معهد بروكنغز هي:

   أنه يعالج كافة القضايا الرئيسية التي ينطوي عليها النزاع وأنه يركز على جوهر وإجراءات المفاوضات واعترافه بأنه لن يكون هناك سوى تحرك بسيط نحو طاولة المفاوضات في المستقبل القريب إلا إذا لعبت أميركا دوراً مساعداً رئيسياً، وتأكيده على ضرورة تطوير مفهوم شامل لما يمكن أن تكون عليه التسوية السلمية لحل أزمة الشرق الأوسط وكذلك إدراكه بأن ديبلوماسية الخطوة خطوة لم تعد كافية في حد ذاتها لدفع الأطراف المتنازعة باتجاه التسوية.
   وإذا اعتبر تقرير بروكنغز قاعدة لأي نقاش مقبل فقد توجه الاهتمام نحو التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة وفي الخارج التي يحتمل أن يكون لها تأثير على جدوى المقترحات الواردة في تقرير بروكنغز. وقد أولى المشتركون في الندوة اهتماماً خاصاً بدراسة المؤثرات المحتملة على السياسة الأمريكية التي نتجت عن الانتخابات الأمريكية والقيود المحلية قد تؤثر على إدارة الرئيس كارتر، وانعكاسات الحرب الأهلية اللبنانية على منظمة التحرير الفلسطينية، ومضاعفات التقارب العربي الأخير الذي ظهر في مؤتمرات القمة في كل من القاهرة والرياض، والآثار التي قد تتركها "اضطرابات" الضفة الغربية والانتخابات النيابية على موقف إسرائيل التفاوضي. إن أفضل وسيلة لتقييم آثار هذه العوامل وغيرها من الأحداث على النزاع العربي – الإسرائيلي وعلى الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة لتحقيق السلام هي في إعادة النظر في حاجات ومصالح وآراء جميع من ينتظر لهم أن يلعبوا دوراً في عملية السلام إذا كان لا بد للسلام أن يتحقق.
   وقد بدأت عملية إعادة التقييم آخذة في الاعتبار وجهات النظر العربية فيما يتعلق بالنزاع واحتمالات السلام.
إن تعدد الأطراف العربية المشتركة في الصراع مع إسرائيل واختلاف الرأي في ما بينها، يجعل من الصعب التصميم حول الوضع التفاوضي الراهن للعرب. وتجنباً للإفراط في تبسيط مجموعة الاهتمامات والمطالب العربية المعقدة، سعى المشتركون إلى تحديد القوى الرئيسية داخل العالم العربي، وللتعامل مع كل قوة على حدة، قبل التعرف إلى وجهة النظر العربية الشاملة حول ما يجب أن تشتمل عليه أية اتفاقية سلام عادلة في الشرق الأوسط.
   وقد كان لسلسلة من التطورات التي حدثت خلال العام الماضي (1975) آثاراً مفيدة على مسار وتوزيع مراكز القوى داخل العالم العربي. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو انبثاق "تحالف" – في أعقاب مؤتمر القمة العربي في الرباط – بين مصر والسعودية وسوريا والذي كان ميالاً لتأييد مبادرات السلام الأمريكية ولفكرة إيجاد تسوية شاملة. ثانياً، إن ظهور هذا "التحالف" قد رافقه ضعف "الرافضين" (العراق وليبيا والجزائر) وفي "جبهة الرفض" داخل منظمة التحرير الفلسطينية، الذين يعارضون أي نوع من التسوية مع إسرائيل. والتطور المهم الثالث هو "التردي الواضح الذي أصاب منظمة التحرير الفلسطينية كقوة سياسية وعسكرية في المنطقة ورغبتها الجديدة في التعاون مع التحالف الأول (مصر والسعودية وسوريا). أن الأطراف الرئيسية التي ستقرر على الأرجح السياسة العربية العامة في المستقبل القريب هي سوريا والسعودية ومنظمة التحرير الفلسطينية وكل طرف منها يصطدم باعتبارات متضاربة، والنتيجة هي أن التسوية المقبولة لدى الأطراف تعتمد إلى حد بعيد على شروط هذه التسوية، وعلى اعتبارات بعيدة المدى. وقد يتبين أن بعض "الصقور" الغرب مرنون في مواقفهم، في حين أن من الخطأ النظر إلى مصر والأردن وكأنهما حمائم فقط. فهاتان الدولتان لهما حساباتهما النهائية أيضاً.

إن هذه الحسابات النهائية تتعلق إلى حد بعيد بالصراع على القيادة الإقليمية في مرحلة ما بعد عبد الناصر في المشرق العربي، ويتمركز هذا الصراع حالياً في لبنان. إننا نشاهد في بعض وجوهه صورة شبيهة لما حدث في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات حين كان مصير سوريا هدفاً لصراع على النفوذ ما بين مصر والعراق والسعودية. ومع مراعاة بعض المتغيرات في الظروف، إلا أن عناصر الصراع الحالية اليوم تنطوي على ما يلي:
   أ – وضع محلي غير مستقر داخل البلاد التي يجري الصراع على أرضها (سوريا، مصر، ولبنان).
   ب – وجود دولة مجاورة – "العراق من قبل وسوريا الآن، - تطمح بوضوح إلى أن يكون لها دور مسيطر في منطقة الهلال الخصيب.
   ج – محاولة مصرية لمنع تحقيق مثل هذه السيطرة إذ أنها تظل تحدياً ضمنياً لسيادة مصر في العالم العربي.
   د – محاولات سعودية لتحقيق نوع من التوازن بين عدد من الدول العربية الأخرى واستخدام ثروتها ليكون لها وصاية على هذه الدول ولا شك أن أموراً كثيرة قد تغيرت منذ أوائل الخمسينات فمصر الآن أضعف بكثير مما كانت عليه، أما سوريا فهي أقوى الآن بينما ازدادت السعودية غنى. وما زال العراق في الصورة كقوة موازية لسوريا على الرغم من أن وزنه يبدو وقد تقلص كثيراً في الوقت الحاضر على ما يبدو. أما الفلسطينيون الذين ما زالوا هدفاً للمناورة وتبادل الاتهامات بين الدول العربية فإنهم يملكون الآن تحركاً منظماً وصوتاً يمثلهم. يجب أن تحسب سوريا ومصر والسعودية حسابه، وهي تتابع سياستها تجاه الأزمة اللبنانية.

   هناك من يقول بأن الميزان السياسي والعسكري الحالي في العالم العربي أوحى لصانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة وإسرائيل بثلاث توصيات سياسية هي:
   أولاً: ليس بالضرورة أن ترى الولايات المتحدة وإسرائيل في تضامن دول المواجهة كسوريا ومصر خطراً يهددها، بل كإحدى فرص الديبلوماسية البناءة: "فبينما يمكن أن يكون في صالح إسرائيل أن يظل العرب مفككين لا مجتمعين على محاربتها فإنه من مصلحة إسرائيل أيضاً أن يكون العرب متحدين من أجل صنع السلام".
   ثانياً: إن التحالف يمثل فرصة لقيام مفاوضات مجدية وإحراز تقدم بارز حول كافة القضايا الرئيسية التي ينبغي أن لا تهدر بالمفاوضات الثنائية (سياسة الخطوة خطوة) بل يجب متابعة هذه القضايا في إطار مؤتمر سلام يسعى إلى تسوية شاملة.
   ثالثاً: لا زال أمام منظمة التحرير الفلسطينية دور هام تلعبه في أية تسوية في الشرق الأوسط وعلى الرغم من ضعف المنظمة في الوقت الحاضر، إلا أنه ينبغي أن لا تستبعد أن على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تكونا على استعداد للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية إذا ما أريد لتسوية نهائية شاملة أن تتحقق.

وعلى صعيد آخر، دارت مناقشات كثيرة حول نقطتين:
   1 – ما هي الدلائل التي تتطلع إليها الدول العربية لتصبح مقتنعة بأن الولايات المتحدة وإسرائيل ملتزمتان جدياً بالعمل للتوصل إلى تسوية شاملة؟
   2 – ما هي الأدلة التي تستعد الدول العربية لتقديمها من أجل إظهار التزامها بالسعي إلى السلام؟

   إن لدى الدول العربية، وخاصة دول "التحالف": مصر وسوريا والسعودية قائمة معقولة وواضحة من التوقعات فيما يتعلق بالدور الذي يريدون من الولايات المتحدة أن تلعبه في المستقبل القريب. وببساطة فإن هذه الدول تريد من الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها لتحمل إسرائيل على التحرك نحو قبول المطالب السياسية العربية والمطالب المتعلقة بالأراضي. وتقول الحكومات العربية للولايات المتحدة بأنها – أي الحكومات – قد قبلت في الوقت الحاضر، بشروط قراري مجلس الأمن الدولي رقمي 242 و338. وترى أنها قد اعترفت علناً بأنها مستعدة للعيش بسلام مع إسرائيل وللقبول بحق إسرائيل في البقاء. وترى بأن الأمر الآن راجع إلى الولايات المتحدة لحمل إسرائيل على الوفاء بالتزاماتها بإعادتها الأراضي المحتلة المشار إليها في هذين القرارين (242 و338) وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الدول تتوقع من الولايات المتحدة أن تنتزع من إسرائيل اعترافاً بحق الفلسطينيين في وطن لهم في فلسطين.
الولايات المتحدة في نظر الزعماء العرب
   إن معظم الزعماء العرب لا ينظرون إلى دور الولايات المتحدة كوسيط غير مهتم، بل ينظرون إليه كطرف معني بالنزاع في الشرق الأوسط بشكل كامل. ويدرك زعماء "التحالف" بأنهم كانوا يعملون بلا جدوى بسبب تدخل الولايات المتحدة المتكرر لصالح إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم لا زالوا على استعداد لأن يعطوا مفاوضات السلام محاولة أخرى، وعلى أي حال، فإن هؤلاء غير راغبين على الأرجح في الذهاب إلى جنيف ما لم يقتنعوا بأن الولايات المتحدة تنوي أن تكون "غير منحازة نسبياً" إلى جانب الإسرائيليين. وهكذا – من وجهة النظر العربية – فإن الشرط الأساسي والمهم الذي يجب توفره لنجاح مؤتمر السلام هو أن تظهر الولايات المتحدة بعض الرغبة في اتخاذ دور حقيقي أكثر نزاهة في أية عملية مفاوضات.
   ومن بين الأشياء التي سببت قلقاً للزعماء العرب بوجه خاص، هي ما رأوه من عدم التوازن المتكرر في مساعدات الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية إلى الشرق الأوسط على مر السنين وما حدث منذ عهد قريب جداً من إقرار قانون مضاد للمقاطعة العربية الذي أظهر تحيزاً ضد الدول العربية. وخطابات الديبلوماسيين الأمريكيين في الأمم المتحدة المعادية للعرب، والحملات الإعلامية المؤيدة لإسرائيل والمعادية للعرب التي ظهرت خلال حملات الرئاسة والكونغرس الأمريكيين. وعلى وجه العموم يود الزعماء العرب أن تتسم النقاشات المحلية للنزاع بطرح مختلف وجهات النظر المتنافسة. كما يودون لو يخفف المسؤولون الأمريكيون من حملاتهم على الدول العربية والفلسطينية وأن تظهر الولايات المتحدة دليلاً  على أنها تملك القدرة والإرادة لحمل الإسرائيليين على تقديم تنازلات "إذا دعت الحاجة إلى ذلك" (..)
    كما أنهم يرغبون في أن يروا الإدارة الأمريكية الجديدة في المستقبل القريب تقنع الكونغرس بإرجاء مناقشاته المقترحة حول قيود بيع الأسلحة لإيران والسعودية وتقديم مقترحات محددة حول طبيعة وتوقيت انتقال اللاجئين العرب إلى دولة تقوم في الضفة الغربية تستخدم كقاعدة لنقاش أوسع.
    وأهم من ذلك، فإن الزعماء العرب يتوقعون من الإدارة الأمريكية الجديدة بعض التخفيف من ضغوطها على قضية المقاطعة العربية.
   ولاحظ عدد من المشتركين في الندوة بأن الحماس الذي تبنى به الكونغرس وعدد من الشرعيين إقرار قانون المقاطعة العربية لم يزد إلا من قناعة العرب بالتحيز الأمريكي فقط. وقد أعلن السعوديون (ولكن ليس الليبيون أو العراقيون) بأن المقاطعة العربية ستنتهي حالما يكون هناك تسوية سلمية ويقال بأنهم قالوا بشكل غير علني في العام الماضي بأنهم على استعداد للتساهل في تطبيق أحكام المقاطعة العربية. وعلى أية حال، فقد قال السعوديون أيضاً بأنه إذا شددت الولايات المتحدة كثيراً على قانون المقاطعة العربية فسوف يفسر ذلك كعمل عدائي من شأنه أن يؤدي إلى ردة فعل سلبية. وبالإضافة إلى مبيعات الأسلحة وقضايا المقاطعة يود الزعماء العرب لو أن المسؤولين الأمريكيين يبحثون في تقديم حوافز اقتصادية للأطراف المحلية، كتلك الحوافز التي رافقت الاتفاقية الثانية في سيناء لأن هذا يؤكد التزام الولايات المتحدة لتحقيق تسوية شاملة. وينتظر الزعماء العرب كذلك من الإسرائيليين إظهار بوادر إيجابية تنم عن التزام إسرائيل بالعمل باتجاه تسوية شاملة. وهناك قضية واحدة تستطيع أن تدلل على حسن نواياها وهي تلك التي تتعلق بالمستوطنات في الأراضي المحتلة. "ومن غير الواقعي أن ننتظر من إسرائيل أن تتخلى عن أية مستوطنة قبل إبرام خطة للتسوية" ولكن باستطاعة الإسرائيليين أن يدللوا على استعدادهم للتفاوض بإعلان تعهد بعدم إقامة أية مستوطنات جديدة في الفضة الغربية ومرتفعات الجولان.
   ومن جهتهم يؤكد الزعماء العرب على أنهم قد قدموا مؤخراً ثلاثة تنازلات هامة على الأقل تتضمن بوضوح موافقتهم على إ جراء مفاوضات سلام حقيقية هي:
   1 – استعدادهم للاعتراف بالدولة الصهيونية بالدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
   2 – الاستعداد لإشراك منظمة التحرير الفلسطينية في نوع من التمثيل ضمن "وفد عربي" في مؤتمر جنيف بدلاً من المطالبة بتمثيل فلسطيني مستقل.
   3 – الاستعداد للقبول بتسوية سلمية تكفل فقط عدلاً "جزئياً" للفلسطينيين وتسوية جزئية لبعض القضايا الرئيسية الأخرى مقابل اعتراف مشترك وإنهاء حالة الحرب. إن إسرائيل لا ترى في أعمال العرب هذه إشارات قوية لدرجة تكفي لإقناعها بالعودة إلى جنيف.

   في هذا الوقت، وفي ضوء هذا الجمود الواضح، كيف يمكن لمختلف الفئات العربية أن تقدم، وما هي النتائج المحتملة لكل مجموعة رئيسية إذا لم ينعقد مؤتمر جنيف في المستقبل القريب؟
   إن التطور الرئيسي الذي حدث خلال العام الماضي (1975) هو استعداد سوريا الواضح لتبني سياسة السعودية ومصر للتسوية عن طريق التفاوض. إن "التحالف" العربي الجديد (مصر، سوريا، والسعودية) مستعد للقبول بمبادرات السلام الأمريكية ولتبني نهج سياسة معتدلة حيال إسرائيل. وعلى أية حال، إذا لم يتجسد السلام كأمر واقع، سيهاجم الرافضون سياسة الاعتدال تلك ويعتبرونها فاشلة، هذا علاوة على النتائج الخطيرة التي ستترتب على استمرار وجود التحالف وعلى سير النزاع العربي – الإسرائيلي وعلى استقرار الوضع الداخلي لمصر وسوريا.
إن العناصر الرئيسية للموقف التفاوضي للتحالف هي كما يلي: سيقول "التحالف" للولايات المتحدة بأن بمقدوره أن "يسلم" الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى جنيف، "فالشعب الفلسطيني يريد السلام وهو على استعداد للقبول بتسوية جزئية لمطالبه مقابل السلام". ويدعم التحالف مطالب الفلسطينيين لممارسة حقهم في تقرير المصير والسيادة في دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويحتج "التحالف" بأنه ومنظمة التحرير الفلسطينية، قد قدموا دلائل عديدة تنم عن استعدادهم للتفاوض. أنهم مستعدون لتوضيح هذه الدلائل أكثر وأكثر ما دامت الولايات المتحدة تدرك أن هناك حداً ما لا يمكن معه إعطاء مزيد من التوضيح لهذه الدلائل، بدون إلحاق أذى تام بعمليات المفاوضات بأكملها.
   وسيقول "التحالف" للإسرائيليين بأنه "يتفهم" شكوكهم تجاه النوايا العربية وأنه "يدرك" أن هجس الأمن عندهم "مبرر" تماماً. أن الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية لن تغير من أفكارها بين عشية وضحاها، في ما يتعلق "بشرعية" الدولة اليهودية و"عدالة" القضية الصهيونية. وعلى أية حال، فإن الزعماء العرب مستعدون لفصل آرائهم عما هو صحيح وعادل عن التوصل إلى اتفاقات ملموسة بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل والدول العربية، وهذا ما يبدد مخاوف الإسرائيليين بالنسبة لقضايا الأمن ويمكن أن تتغير أنماط السلوك بسرعة لتلائم متطلبات الوضع الراهن. فالقيم والمشاعر والشكوك تتغير ببطء أكبر بكثير من تغير السلوك، كما لا يمكن تدجينها إلا بعد أن تقوم أنماط جديدة من التفاعل الإسرائيلي – العربي وتصبح أمراً روتينياً، وأخيراً فإن التحالف يدرك بأن السياسة الإسرائيلية الراهنة تدور حول الدفاع عن الوضع القائم. ولا يتوقع من إسرائيل أن تعيد الأراضي المحتلة بدون قتال، والشيء المنتظر منها هو أن تحاول الاحتفاظ بكل شيء في الوقت الحاضر ونتيجة لذلك سيطلب "التحالف" من الولايات المتحدة أن "تسلمه" إسرائيل كما "سلم" هو منظمة التحرير الفلسطينية.
   إن رغبة الولايات المتحدة لممارسة ضغط على إسرائيل لتدخل في عملية مفاوضات وتقديم تنازلات كبيرة ينظر إليها "التحالف" على أنها الثمن الذي يجب أن يدفع مقابل المخاطر التي تقع على عاتق هذا "التحالف".
كان المسؤولون الأمريكيون يخبرون الزعماء العرب بأنه ليس بمقدور الولايات المتحدة أن تقدم مبادرات جديدة إلا بعد انتخابات الرئاسة عام 1976 والآن، وبعد أن انتهت الانتخابات فإن "التحالف" يتوقع تحركاً سريعاً من الإدارة الأمريكية الجديدة. وإذا لم تستطع الولايات المتحدة "حمل" إسرائيل إلى طاولة المفاوضات فإن "التحالف" وسياسته المعتدلة سيوصمان بالفشل الذريع.
   ويرى بعض المشاركين في الندوة بأنه نتيجة ذلك ستكون انتعاش الرافضين ومواقفهم المتشددة المعادية لإسرائيل   واندلاع حرب جديدة وعدم استقرار داخل الدول العربية المعتدلة. والنتيجة هي أن الافتقار إلى تقدم سريع نحو السلام سيترتب عليه على الأرجح تجدد أعمال العنف بين دول المواجهة وإسرائيل وعدم استقرار داخلي في مصر وسوريا. ويرى البعض الآخر من المشاركين بأنه حتى لو لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع إسرائيل بالحضور إلى طاولة المفاوضات، فإن الدور الجديد والمهم الذي تلعبه السعودية ربما يمنع الموقف من التدهور مرة أخرى، والانتقال إلى العنف المكشوف. "وربما كان السعوديون وبعض الأنظمة العربية المحافظة مهتمين بما سيربحه المتطرفون من قوة إذا حدثت جولة قتال أخرى، أكثر من اهتمامهم بأعمال إسرائيل". ونتيجة لذلك فإن الدول العربية المحافظة بزعامة السعودية ربما تحاول "تلطيف" مواقف دول المواجهة بصرف النظر عن قبول الإسرائيليين بإجراء مفاوضات. إن الفكرة الأصلية للتحالف قد انبثقت من السعودية ومن بعض الحكومات العربية المحافظة، كما أن سياسة الاعتدال قد تمت متابعتها في محاولة لرفض وضع عالمي سيؤدي بالتالي إلى عدم استقرار داخلي. وإذا فشلت سياسة الاعتدال فإن التحالف سيمنى بالفشل وتكون النتيجة هي أن المتطرفين الذين وقفوا دائماً ضد الاعتدال سيتعزز وضعهم السياسي.
   ومن وجهة نظر السعودية، والكويت والإمارات العربية المتحدة، فإن الحرب اللبنانية والنزاع العربي – الإسرائيلي معاً يثيران اعتبارات متناقضة.
   فهم – تقليدياً – يفضلون الاحتفاظ برصيدهم كمؤيدين مخلصين للقضية الفلسطينية وهم لا يريدون أن تصبح سوريا أو مصر قويتين جداً. ولكن – وفوق ذلك كله – فإن السعوديين وغيرهم من أمراء النفط محافظون، وباستطاعتهم إدراك المؤثرات المقلقة التي تنشأ من استمرار كلا النزاعين كاتجاه الحياة السياسية في العالم العربي نحو التطرف وتوتر العلاقات العربية مع الولايات المتحدة وكخطر قيام حرب أهلية عربية أوسع وأخطر من إعلان حظر جديد على تصدير النفط، وهكذا. إن هذه الاعتبارات العملية تنم عن مصلحة سعودية قوية لإعادة بناء لبنان مستقبل ولإيجاد تسوية شاملة وطويلة الأمد للنزاع مع إسرائيل.
   ومن أجل هذه الغاية يصبح من الضروري بالنسبة للسعودية أن تضغط لإيجاد حل للخلافات غير المنظورة من شركائها العرب الرئيسيين في "التحالف" (مصر وسوريا) أو لوضع حد للمواجهة بين سوريا والفلسطينيين. ومن الواضح أن هذه الأهداف قد تحققت _ ولو إلى حين – في مؤتمري القمة في الرياض والقاهرة في تشرين الأول عام 1976. وبينما يبدو أن السوريين حصلوا على حصة الأسد في اتفاقي الرياض  والقاهرة إلا أنهم قدموا تنازلاً كبيراً عندما تعهدوا بأن لا يجعلوا أية دولة تقوم في الضفة الغربية تدور في فلكهم السياسي. وعلى أية حال، ما من شك بأن المعادلات التي وصفت في هذين الاجتماعين كانت بمثابة نجاح ديبلوماسي كبير للسعودية.
   إن المقارنة بين وجهتي النظر العربية والإسرائيلية حول القضايا الأساسية التي يتوجب حلها، وحول الخسائر والأرباح المتوقعة من العودة إلى جنيف، تثير أسئلة خطيرة وهامة حول ما إذا كانت ستجري مفاوضات رسمية في المستقبل القريب أم لا... ومن غير الواضح أن إسرائيل مستعدة في هذا الوقت للذهاب إلى جنيف أو لإجراء "التنازلات الإقليمية والسياسية التي تطالب بها الدول العربية والفلسطينيون. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن مجرد إعلان الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، بأنها مستعدة للاعتراف بوجود إسرائيل مقابل "تنازلات" إسرائيلية كبيرة أمر غير كاف. إن هدف السياسة الإسرائيلية الأول هو "قيام علاقات طبيعية تماماً بين الدول العربية وإسرائيل لإنهاء أعمال العنف والتهديد فقط. وتتوقف فرص انعقاد مؤتمر جنيف على قدرة الأطراف  المعنية في التقرير سلفاً ما هي الأهداف التي يسعى المؤتمر في النهاية، إلى تحقيقها فإذا كان بمقدور العرب الموافقة على الهدف المتعلق بالتوصل إلى تسوية نهائية وعقد صلح فستجد الحكومة الإسرائيلية إن من الصعب عليها إجراء "تنازلات" إقليمية.
   ويبدأ الإسرائيليون تحليلهم لأية مقترحات سلام بالنظر إلى "الحد الأدنى" والحد الأدنى، في تقرير بروكنغز، يتطلب من إسرائيل أن تقدم أشياء ملموسة تتعلق بالأرض مقابل وعود عربية غير ملموسة، ويمكن النكوث بها. وببساطة، فإن الزعماء الإسرائيليين لا يعتقدون بأن بمقدورهم وضع الثقة في العرب في ما يتعلق بمثل ذلك التنازل المتبادل. وتدور الاهتمامات الإسرائيلية الأساسية حول الأمن الإقليمي، ولا ترى في مواقف العرب التفاوضية إلا قليلاً من الإغراءات التي تدفعها لإجراء "تنازلات" إقليمية. كما أنها لا ترى أي داع لإجراء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية في هذا الوقت.
لقد دفعت الأحداث في لبنان كثيراً من الإسرائيليين إلى الاعتقاد بأن أفضل حل للمشكلة الفلسطينية "ربما يكمن في ترك الأمور على ما هي عليه". وقد "أنعشت" الحرب اللبنانية الآمال بأن منظمة التحرير الفلسطينية ستواجه إحدى مصيرين: "إما أن تدمر نفسها وإما أن تدمر في مكان ما أثناء عملية الاقتتال بين العرب". وبسبب "الضعف" المستوطن في منظمة التحرير الفلسطينية، وبسبب الثقة المتضعضعة التي تضعها إسرائيل في وعود العرب الغامضة في ما يتعلق بجعل العلاقات العربية – الإسرائيلية علاقات طبيعية، فإنه ليس في نية الإسرائيليين القبول بقيام دولة فلسطينية في السنوات القليلة القادمة. وإضافة إلى ذلك، ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن السؤال الجوهري هو: كيف يتبادل العرب والإسرائيليون وجهات نظر بعضهما بحيث يتم تحقيق تقدم ملموس باتجاه التوصل إلى تسوية عادلة طويلة الأمد؟
   وتنبع مخاوف إسرائيل من شكوكها العميقة بمعظم الأطراف الرئيسية الأخرى والتي ستشترك على الأرجح في وضع تسوية سلمية وهي الدول العربية والفلسطينيين والأمم المتحدة والدول الكبرى. ويتساءل الإسرائيليون لماذا يهتم العرب بالتوصل إلى تسوية بعد النجاحات السياسية  المثيرة التي حققوها من خلال "الابتزاز النفطي" وبعد أن تجمعت لديهم طاقة لا حد لها للحصول على أحدث أنواع الأسلحة؟

   أليست تصريحاتهم الأخيرة (حول اهتمامهم بالتوصل إلى تسوية) مجرد أمور تكتيكية؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يتوجب على إسرائيل أن تتعاون مع الخطة التي وضعها العرب بالتنازل عن الأراضي التي تحتاجها لأغراضها "الدفاعية"؟

   ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإن "حق تقرير المصير" بالنسبة للفلسطينيين يعني قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تحكمها منظمة التحرير الفلسطينية وتكون بمثابة تهديد حقيقي لأمن إسرائيل. "وستكون القوات السوفييتية المساعدة للفلسطينيين على بعد أقل من عشرة أميال من ناتانيا، كما ستكون الطائرات الإسرائيلية التي  تقلع من المطارات الإسرائيلية تحت رحمة "الإرهابيين" المسلحين بصواريخ محمولة على الأكتاف وهكذا. وعلى ضوء ذلك فإن إسرائيل راغبة في الوقت الحاضر في النظر في مسألة تقرير المصير بالنسبة للفلسطينيين في نطاق ترتيبات مع الحكومة الأردنية لإشراف على الموضوع. وعلاوة على ذلك فإن إسرائيل مهتمة بمشكلة استمرارية السياسة العربية. وحتى لو افترض الإسرائيليون بأن الزعماء العرب الحاليين مستعدون فعلاً لتحقيق السلام، فما الذي سيضمن لإسرائيل بأن زعماء آخرين قد يأتون إلى الحكم ولا يتبنون نفسالسياسة ويتنكرون للاتفاقيات القديمة ويستأنفون المواجهة والحرب معها؟  وفي مواجهة مثل هذا الاحتمال الذي قد ينشأ من جراء التقلب المستمر في طبيعة التحالفات العربية وبسبب عدم الاستقرار الداخلي في عدد كبير من الدول العربية وعدم قدرتها، في الغالب، على الوفاء بالتزاماتها، فإن افسرائيليين يبررون موقفهم بالقول بأن عليهم الاستمرار في المحافظة على "حدود يمكن الدفاع عنها".
   ويعتقد المشاركون في الندوة بأن المنطق الذي يكمن وراء هذا الموقف الإسرائيلي ينم عن تصور إسرائيلي في  فهم مقترحات بروكنغز وسياسة التحالفات العربية. وإذا كان نقض العرب أو تنكرهم للشروط المقترحة في تقرير بروكنغز، والذي تخاف منه إسرائيل، سيحدث قبل إتمام عملية الانسحاب وقيام علاقات طبيعية، فإن إسرائيل ستظل تحتفظ "بحدود يمكن الدفاع عنها". وإذا كان مثل ذلك النقض أو التنكر سيحدث بعد إتمام عملية الانسحاب الإسرائيلي، فسيكون هناك سلسلة من العمليات المتواصلة – (تحالفات جديدة، ومواثيق اقتصادية، ومؤسسات دفاعية متقلصة القدرة) – والتي قد يكون أمامها فرصة للنمو وتحقيق السلام. وكنتيجة لذلك، فإن أية دولة عربية ستسعى إلى التراجع عن موقفها سيتم عزلها وتدبر أمرها. والجهة التي تدعم الاقتراح القائل "بسلام على مراحل" تذكر للدلالة على التغيير الدراماتيكي في السلوك المصري الذي اتخذ في أعقاب اتفاقية مرحلية واحدة.
   ويعارض الإسرائيليون ذلك قائلين بأن الإشارات التي تأتي من الدول العربية بما فيها مصر، لا تعمل إلا القليل في سبيل حل القضية الجوهرية، فيما يتعلق باستعداد العرب – أو عدم استعدادهم في النهاية – للقبول بإسرائيل كدولة شرعية. كما يجدون في التصريحات الأخيرة ما يثير القلق مثل قول الرئيس السادات "أن السلام متروك للأجيال القادمة لتقريره" وكذلك ضعف الاستجابة لمشروع آلون والتهديدات اليومية التي تصدر عن الصحف السورية.
ويرى الإسرائيليون بأنه إذا كان العرب الآن مستعدين للاعتراف بإسرائيل فإن بمقدورهم إظهار هذا الالتزام بعدة طرق علنية. وبعبارة أكثر وضوحاً، فإن الإسرائيليين يريدون من الدول العربية أن تكف عن القيام بمحاولاتها لجعل إسرائيل دولة "منبوذة" داخل المجموعة الدولية.
   إن النقيض المتواصل من الخطابات المناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة، والتي تغطي الآن ما يقارب من نصف مناقشات الجمعية العمومية،  والمحاولات المتكررة لمؤازرة إسرائيل بجنوب إفريقيا كدولة عنصرية، والعدد الضخم من قرارات الأمم المتحدة (بما فيها قرارات منظمة "اليونسكو") والتي تدين سياسة إسرائيل وممارساتها في الأراضي المحتلة، والمؤتمر الأخير الذي عقد في العراق حول مناهضة الصهيونية، كل ذلك جعل إسرائيل متحفظة ومتشككة في تصريحات العرب حول حسن نواياهم. وهناك من يقول بأن الدول العربية قد خفضت من حدة هجماتها العدائية إسرائيل في الأمم المتحدة وأن الوفود العربية في الأمم المتحدة قد أذعنت لانضمام إسرائيل إلى المجموعة الأوروبية في منظمة "اليونسكو" خلال دورتها الأخيرة. وقيل أيضاً بأن الدول العربية مستعدة للتخفيف من لهجتها المعادية لإسرائيل أكثر وأكثر حين تأخذ المفاوضات مجراها بصورة حقيقية.
   كما ترغب إسرائيل في أن ترى بعض الاعتدال في المقاطعة الاقتصادية العربية لها. وكحد أدنى، فإن الإسرائيليين يريدون من العرب أن يتخلوا عن الدرجتين الثانية والثالثة من المقاطعة كدليل على حسن النوايا. "وربما كان الأمر أكثر أهمية هو أن الإسرائيليين يبحثون عن بعض الالتزامات من جانب الفلسطينيين التي تدل على أنهم مستعدون للتنازل عن الميثاق الوطني الذي وضع عام 1968 والذي ينادي بتدمير إسرائيل، وبأنهم مستعدون للاعتراف بسيادة وشرعية دولة إسرائيل".
   ويعتقد المشاركون في الندوة بأنه إذا كان الميثاق مجرد إعلان قديم العهد عن الأهداف الفلسطينية" ولا يمثل سياسة   منظمة التحرير الفلسطينية"، فإن لدى قادة منظمة التحرير حوافز قليلة للاعتراف بإسرائيل إلا إذا تقرر لهم دور رسمي في عملية المفاوضات.
   وتشك إسرائيل في أن تلعب الأمم المتحدة دوراً متعاظماً في البحث عن السلام. إن القلق الواضح الذي يساور إسرائيل بأن الأمم المتحدة قد لا تلعب دوراً نزيهاً في أية عملية مفاوضات قد تزيد نتيجة لما تراه من محاولات لإعادة تفسير قراري مجلس الأمن 242 و338 بطريقة تتعارض مع مصالح إسرائيل، وبالموقف السلبي للأغلبية الساحقة في الأمم المتحدة تجاه إسرائيل. كما أن الإسرائيليين غير حريصين على أن يروا الدول الكبرى تلعب أي دور جماعي رئيسي، خاصة وأن الإسرائيليين لم تكن لهم تجربة جيدة في تعاملهم مع الدول الكبرى. فهم سرعان ما يشيرون إلى الاتفاق الثلاثي عام 1950 والانسحاب من سيناء في أعقاب حرب 1956 كأمثلة على ذلك، حيث ضمت الدول الكبرى مصالح إسرائيل سعياً وراء أهدافها الذاتية. وفي الوقت الراهن، فإن الإسرائيليين متخوفون من أن تكون ضمانات  الدول الكبرى لأية تسوية سلمية بدائل للتعهدات التي يجب على الدول العربية أن تأخذها على نفسها، لا تكملة لها.
   لقد استطاعت إسرائيل التخفيف بعض الشيء من تأثيرات العزلة العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية الشاملة التي تعاني منها في العالم، بفضل العلاقات الشائكة والودية التي عملت على تطويرها مع الولايات المتحدة. وقد تزايد توجه إسرائيل إلى الولايات المتحدة طلباً للدعم في مختلف المجالات خاصة بعد حرب حزيران 1967 عندما امتنعت فرنسا عن تزويدها بالأسلحة. وتنتظر إسرائيل من الولايات المتحدة أن تساعدها في التصدي للضغوط الديبلوماسية التي تتعرض لها من جانب الدول العربية والجهات المؤيدة للعرب داخل الأمم المتحدة. والأهم من ذلك أن إسرائيل تنظر إلى الولايات المتحدة كمزودها الرئيسي بالأسلحة. وفي المقابل يتوقع القادة الإسرائيليون أن تمارس الولايات المتحدة ضغطاً عليهم من وقت لآخر لتقديم تنازلات ما كانوا ليقوموا بتنفيذها لو لم تكن تزودهم بالأسلحة. كما أنهم يتوقعون توتراً في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية عندما تتقدم الولايات المتحدة بمطالب إلى إسرائيل قد يبدو فيها خطر على أمن إسرائيل أو تعتبر غير مجدية في ضوء المشاكل السياسية المحلية التي يعمل القادة الإسرائيليون في ظلها.

تعديلات في الحدود
   تتميز السياسة الإسرائيلية الحالية بتفاوت في الآراء بحيث ستكون هناك على الأرجح أكثرية معارضة لكافة مقترحات السلام. كما أنه سيكون ضرباً من المستحيل تحقيق إجماع مؤيد لأية خطة سلام. وفي إسرائيل خليط واسع من "الناس المعنيين"، يحملون أفكاراً مختلفة تتعارض مع بعضها البعض، ولكنها جميعاً آراء هامة وفي نفس الوقت ليست حاسمة أو فاصلة. فعلى سبيل المثال يستطيع المرء أن يقول بأن نصف أعضاء مجلس الوزراء، وربما أكثر، موافقون على تقرير معهد بروكنغز لأكثر من سبب. ومع ذلك فإننا لا نعرف الكثير عن إمكانيات قبوله من إسرائيل، لأن مجلس الوزراء هو ائتلاف مكون من عدة أحزاب أهمها تلك التي هي نفسها ائتلافاً لأحزاب مختلفة، والموافقة يجب أن تكون إجماعية تقريباً حتى يتم إقرارها. ومثل هذا الإجماع لم يكن يوماً علامة مميزة للسياسة الإسرائيلية. إن طبيعة الانقسام في البيئة السياسية الإسرائيلية تتجه إلى إعطاء الأولوية لخط تحرك موحد لا من الوجهة العملية فحسب بل من الوجهة الذهنية أيضاً، فالناس ميالون لاعتناق أفكار يشترك فيها الكثيرون كفكرة الشك في النوايا العربية في البحث عن السلام، والإصرار على "الحدود الآمنة". إنهم يفضلون التفكير بحل في إطار الأمر الواقع إذا لم يكن في إطار القانون، أي تعديلات في  الحدود مقابل إنهاء حالة الحرب. وحتى لو افترضنا بأن العرب سيوافقون الآن على التخلي عن بعض الأراضي، فإن ذلك سيخمد المواجهة ولكنه لا ينهيها، والشواهد على ذلك كثيرة، فالتحالف العربي لا زال كما هو لم يتغير، بل إنه انبعث من جديد، وسباق التسلح لا زال قائماً مما سيعمل على تأجيل عملية البدء في إقامة علاقات طبيعية، والتي تعتبر  المؤشرات الحقيقية للاعتراف وتحقيق السلام، إلى أجل غير مسمى وفوق كل ذلك كله، فإن عدم التوصل إلى اتفاقية رسمية سيوفر المناخ الملائم جداً للانتشار النووي والذي لا يمكن أن يكون لمصلحة العرب، أو لمصلحة إسرائيل، بل وربما عرض كلا الطرفين لكارثة حقيقية.
   إن الوضع في الضفة الغربية ليس مسألة تتعلق بصورة أساسية، بل مشكلة سياسية جوهرية تتعلق بمستقبل دولة إسرائيل. هل ستكون دولة مزدوجة القومية؟ هل ستمتد إلى "حدود إسرائيل في التوراة"؟ (..) إن إسرائيل في الوقت الحاضر غير مستعدة للانتقال إلى بحث مسألة الضفة الغربية لأنها لم تصل بعد إلى اتفاق جماعي حول الشكل الذي ستكون عليه إسرائيل في المستقبل.
   وستكون القدس مشكلة أخرى يصعب جداً على الإسرائيليين بحثها. فالروابط الدينية والسياسية والعاطفية القوية التي تربط ليس الإسرائيليين فقط بل اليهودية العالمية بالمدينة وأماكنها الدينية، جعل من غير المرجح أن تقبل أية حكومة إسرائيلية بأية مشاركة لها في حكم المدينة في المستقبل القريب، كما أنه من غير المحتمل أن تعيد القطاع الشرقي من القدس الذي كانت قد احتلته في حرب حزيران 1967. وعلى ضوء المشاكل التي ستواجهها إسرائيل حين يصار إلى بحث القضايا المهمة كمطالب الفلسطينيين في حرية تقرير المصير، ومشكلة الضفة الغربية ووضع القدس، فإن السؤال الذي يطرح هو ما إذا كان هناك قضايا يشعر الإسرائيليون أنهم مستعدون لمناقشتها، وعلى الرغم من أن كافة القضايا "قابلة للنقاش" إلا أن بعضها أكثر قابلية للتسوية من تلك القضايا الآنفة الذكر.
    ويسود الاعتقاد بأن هناك إمكانية تحقيق تقدم مهم في الوقت الحاضر حول القضايا المتعلقة بالاعتراف المتبادل بين الدول العربية وإسرائيل وإجراءات أمنية محددة بخصوص عدة مناطق. ومن وجهة نظر إسرائيلية، فإن من غير الحكمة الموافقة على ترتيب القضايا قبل البدء في عملية المفاوضات الحقيقية.
   وفي عدة مراحل من الندوة أثيرت أسئلة حول الدور الذي ينتظر أن يلعبه السوفيات في الشرق الأوسط في المستقبل القريب. ويعتقد المشاركون في الندوة أن قوة الاتحاد السوفييتي في المنطقة آخذة في التراجع "والذي زاد من خيبة أمله هو مواقفه التي تتسم بالحذر". أن السوفييت على استعداد لتوطين أنفسهم على تسوية سلمية إذا ما أحسوا بأنه سيكون لهم يد في قطف الثمرة الأخيرة. ولا بد من إشراك السوفييت في عملية المفاوضات في دور لحفظ ماء الوجه على الأقل، وإلا فمن المحتمل أن يكون بمقدورهم تقويضها.
    إن السوفييت غير مرتاحين "للنفوذ المتدني" الذي يمارسونه في الوقت الحاضر في العالم العربي، كما أنهم انزعجوا لانتشار الأحزاب الشيوعية الخارجة عن سيطرتهم خلال الحرب الأهلية اللبنانية، واللهجة المعارضة لهم في مؤتمر القمة في الرياض. ومنذ أن طرد الخبراء السوفييت من مصر، يبدو أن العراق أخذ يزداد ابتعاداً عن مواقفه المؤيدة للسوفييت. كما أن مستقبل العلاقات السورية  - السوفييتية غير واضح. وبالإضافة إلى ذلك ظهر السعوديون على مسرح الأحداث كقوة عربية مهيمنة، وهذا يعود بعض الشيء إلى سياستهم المعادية للسوفييت. ولذلك ليس من المتوقع أن يلعب السوفيات دوراً رئيسياً إلا إذا ظهرت مجموعة من الظروف السياسية الجديدة وغير المتوقعة، ويملك السوفييت القدرة على الوقوف كحجر عثرة في طريق المفاوضات. فهم يستطيعون، على سبيل المثال، دعم النشاطات "التخريبية" التي تقوم بها جبهة الرفض داخل منظمة التحرير الفلسطينية، أو أنهم قد يفترضون موقفاً معرقلاً خلال مفاوضات السلام. إن تدهور الموقف السوفييتي في الشرق الأوسط، مقروناً باهتمامه المتواصل بالمنطقة وقوته الكبيرة، يجعل من الصعب تحديد نوع الدور الذي سيلعبه السوفييت فعلاً. فمن ناحية، من الصعب توقع قيام أي نوع من عمليات التوسط لإيجاد تسوية لا يكون الاتحاد السوفييتي طرفاً فيها.

    ومن ناحية أخرى، فإن من الصعب كذلك، وبنفس الدرجة، تصور مشاركة سوفياتية فعالة بموجب القواعد الأساسية التي يبدو أنها تبرز الآن، ومنها بالتحديد أن مشاركة الأطراف الخارجية تتوقف على مدى قبولها لدى الأطراف المعنية بالنسبة للنزاع. إن بالإمكان إحضار  الاتحاد السوفييتي بسهولة إلى طاولة المفاوضات كمشارك "أقل مرتبة" في الإطار الراهن وهذا يعود إلى دوره الرسمي كدولة مشاركة في رئاسة مؤتمر جنيف. وبعد ذلك يمكن أن يتوقف دور السوفييت على مدى مساعدتهم وجديتهم في موقفهم. فإذا تبين أن الروس غير متعاونين، فمن المحتمل أن تجري معظم المفاوضات بصورة غير رسمية، وبذلك يجري الحد من أثر المشاركة السوفييتية. وفي مثل هذه الحالة ستكون جنيف بمثابة اجتماع للتصديق على الاتفاقيات التي تم وضعها سراً، وليس كميدان لإجراء مفاوضات رسمية موسعة. وأثير في الندوة سؤال حول ما إذا كان الاتحاد السوفييتي مستعداً للبدء في إقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل كوسيلة لتعزيز القبول به كوسيط لقد شجعت الولايات المتحدة السوفييت على اتخاذ مثل هذه الخطوة، إلا أن السوفييت قد اتخذوا موقفاً محدداً بالنسبة لإسرائيل فقد قال السوفيات مراراً وتكراراً بأنهم سيقيمون علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل فقط عندما توضح إسرائيل أنها مستعدة للقيام بجولة جديدة للتوصل إلى تسوية، ولذلك سيكون الموقف السوفييتي غير منسجم مع سياستهم المعلنة القائلة بأنه على السوفييت إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل قبل البدء بالمفاوضات.
    وأكد المشتركون في الندوة على أنه مهما كان الدور الرسمي الذي سيتبناه السوفييت في جنيف، فمن المتوقع أن يواصلوا السعي وراء مصالحهم الذاتية في المنطقة. ومن المرجح على سبيل المثال، أن يواصل السوفييت استخدام مبيعات الأسلحة، كوسيلة كلسب النفوذ في الدول الرافضة. ويمكن تصور قدرة السوفييت على "إلحاق الأذى" من خلال الأنباء الأخيرة غير المؤكدة عن صفقة أسلحة سوفييتية كبيرة لليبيا، وعن صفقة اسلحة سوفييتية أخرى للعراق تبلغ قيمتها ما يزيد على 4 بليون دولار، وتضم طائرات "ميغ – 23" و"ميغ – 25" وصواريخ تطارد الهدف على ما يقارب من 500 ميل. وربما كان هنالك سبب آخر وراء مثل هذا السلوك السوفييتتي، وهو ما تنطوي عليه هذه الصفقات من "يسرة في الحصول على العملات الصعبة".
   إن مبيعات الأسلحة والهبات التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل هي التي فتحت الباب، ولذلك فإن السوفييت يتحركون بسرعة كي لا تفوتهم سوق مبيعات الأسلحة. واتفق المشاركون في الندوة على القول بأن النفوذ السوفييتي سيزداد، على الأرجح، إذا لم تحرك باتجاه التوصل إلى تسوية في المستقبل القريب. وإذا لم يبد السلام ممكناً في أعين المعتدلين من الزعماء العرب، فمن المحتمل جداً أن يعودوا مرة أخرى إلى الاتحاد السوفياتي للحصول على الأسلحة. وعلى ضوء الوضع السياسي الداخلي في الاتحاد السوفييتي فإن الزعماء السوفييت لن يمتنعوا عن إعطاء أسلحة إلى الزعماء العرب للاستعداد لجولة أخرى مع إسرائيل.
   ومن المحتمل أن لا يكون بمقدور السوفييت البدء بحرب أخرى في الشرق الأوسط، ولكنهم قد لا يبذلون الكثير من الجهد لإيقاف الحرب إذا ما نشبت في المنطقة. إن أحياء أي دور جديد للاتحاد السوفييتي في المنطقة سيثير المخاطر الكامنة ويرفع من درجة تكاليف جولة أخرى من القتال. فكما أنه من غير المرجح أن تسمح الولايات المتحدة بهزيمة إسرائيل، فإن من غير المرجح أيضاً أن يسمح الاتحاد السوفييتي لأي من "زبائنه الرئيسيين أن يمنوا بهزيمة عسكرية كبيرة أخرى.
   واستقر الرأي على أنه إذا كان لا بد من تحقيق السلام. فإنه يتوجب على كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة أن يعلنا التزامهما المشترك لدعم التسوية وذلك بالتوصل إلى نوع من الاتفاق للحد من تدفق الأسلحة، وربط العلاقات الأمريكية – السوفيتية الموسعة بتصرفاتهما في الشرق الأوسط. ولاحظ المشتركون في الندوة بأن كافة الاتفاقيات الأمريكية – السوفيتية الناجحة (كمعاهدة حظر التجارب النووية ومعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية) قد قامت على أهداف محددة ومتفق عليها. ولم تكن الدولتان العظميان يوماً قادرتين على العمل المشترك في الشرق الأوسط "لأن السوفييت لم يكونوا مهتمين بالأمر كثيراً". وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من الاتفاق الآن على أسس واضحة للعمل المشترك، فسيتوجه السوفييت، على الأرجح، إلى تعزيز نفوذهم الإقليمي على حساب مصالحهم المشتركة مع الولايات المتحدة.
   لم يكن الفشل في التوصل إلى حل عادل ودائم لمختلف القضايا التي تفصل بين إسرائيل وجيرانها العرب أمراً تعوزه المحاولة، فخلال ثلاثين عاماً تقريباً من حكم الانتداب البريطاني لفلسطين، قامت محاولات متكررة للتقريب بين وجهات النظر الصهيونية والعربية في ادعاء كل منها بحقه في فلسطين، كما أن العملية لم تنته بقيام إسرائيل عام 1948.
والمشكلة كانت غير قابلة للحل حتى الآن لأن الأطراف نفسها على خلاف جوهري حول معظم النقاط الرئيسية المسببة للخلاف. وهكذا لا يتوجب أن تكون عملية المفاوضات والتسوية وسيلة لتوصل إلى اتفاق  بين الأطراف التي تشارك في الالتزام الرئيسي لتحقيق السلام فقط، ولكنها يجب أن تكون أيضاً وسيلة لتهدئة الظروف المسبقة لمثل ذلك السلام وباختصار، فإن العملية نفسها يجب أن تؤدي إلى تغير في المواقف، وتحويل المفاهيم وتقلص في المخاوف وأزمات الثقة. عندها فقط يمكن تصور إمكانية التوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل ودول المواجهة العربية. وهكذا فإن الإجراء له تأثير مهم على جوهر القضية.
   كما يتوجب إدراك تأثيرات الإطار السياسي الواسع الذي ستجري فيه المفاوضات وبسبب أنماط الخلاف التقليدية في التفاعل بين الأطراف. فقد كان من العسير دائماً أن يعترف طرف بأية بادرة إيجابية تصدر عن الطرف الآخر.
   وإذا أريد لعملية المفاوضات أن تنجح فمن الأهمية بمكان أن تقوم الأطراف بإعطاء تفسير واضح للبوادر التي تظهر عن الطرف الآخر. ويرى المشاركون في الندوة أن هناك ثلاثة أنماط محتملة من أنماط التوجه: مواجهة (بوادر عدائية تماماً) سلام يقوم على المصلحة (بوادر صداقة على وجه التحديد) وإنهاء حالة الحرب (بوادر تقابل بوادر من الطرف الآخر) ويبدو أن العلاقات العامة بين الأطراف قد تغيرت مؤخراً من العداء الصريح إلى تبادل البوادر. وعلى أية حال، فإن من غير الممكن التحرك باتجاه السلام الذي يقوم على المصالحة، والذي يمثل الاتجاه الأوحد الذي سيقلل من مخاوف نشوب حرب وقائية وينهي خطر انتشار نووي، ما لم تتغلب الأطراف على تضعضع ثقتها في بعضها البعض، وما لم تتفاوض للتوصل إلى تسوية شاملة.
   من المعترف به أن عملية التوصل إلى تسوية عربية – إسرائيلية تتطلب إطاراً ديبلوماسياً مقبولاً يعتد به. وقد هدفت قرارات الأمم المتحدة رقم 242 و238 ومشروع روجرز عام 1969 ومذكرة يارينغ في شباط 1971، إلى دفع الأطراف للقبول بأسس عامة تقوم عليها اتفاقية السلام الدائمة. وقد نجحت المحاولتان الأولى والثانية لأنهما كانتا غامضتين عن قصد وتعمد.

تجاوز القرار 242
أما المحاولتان الأخيرتان فقد فشلتا نوعاً ما لأنهما كانتا تسعيان إلى الوضوح والتحديد. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان بالإمكان استئناف مفاوضات جدية بدون إعلان عن أسس عامة أخرى. إن قراري مجلس الأمن غامضان على وجه الخصوص فيما يتعلق بالسلام، وفيما يتعلق بالانسحاب، كما أنهما يلزمان الصمت المطبق حيال القضية الحساسة التي تتناول حقوق الفلسطينيين، ويمثل تقرير معهد بروكنغز محاولة لتخطي قراري مجلس الأمن متطرقاً إلى المشاكل الهامة بشيء من التفصيل. والجدير بالاهتمام هو معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن من المساعدة في إتمام عملية التسوية باقتراح مجموعة مشابهة من الأسس، أو في ما إذا كانت ستتمكن من استخدام "مساعيها الحميدة" لدفع الأطراف للموافقة على مثل تلك الأسس قبل عملية التفاوض حول قضايا أكثر جوهرية، ولعله من الممكن اقتراح الأسس التالية على سبيل المثال:
   "تتعهد الأطراف المعنية بالنزاع بالعمل على تحقيق السلام، وبعدها توافق على البحث عن حلول للمشاكل التي تباعد بينها بالوسائل الديبلوماسية، والابتعاد عن استخدام القوة أو التهديد بها.
   إن هدف المفاوضات هو تحقيق الأمن لكافة الأطراف والتحديد الواضح لحدود السيادة لكل دولة والتي لا تقلص السيطرة على الأراضي عن طريق القوة، والفرصة التي تسمح للشعب الفلسطيني بممارسة حقه في تقرير المصير في إطار خطة تسوية شاملة.
   اعتراف الأطراف بأنه إذا ما أريد التوصل إلى اتفاقية دائمة ونهائية فلا بد لهذه الاتفاقية أن تتلائم مع المصالح المشروعة لكافة الأطراف مع الأخذ بالاعتبار  السيادة الإقليمية والأمن مع أن الإسرائيليين يبدون رغبتهم في التأكيد على الحاجة إلى "التزام" عربي "لتحقيق سلام حقيقي" والدخول في مفاوضات مباشرة، في حين أن العرب سيؤكدون على الحاجة إلى انسحاب إسرائيلي من كافة الأراضي المحتلة وعلى حق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم.
   إذا أمكن التوصل إلى اتفاق على إطار مشترك، سواء تم ذلك علناً أم في السر، فإن عملية التسوية يمكن أن تتقدم بعدة طرق، وقد تعتمد على عدة أساليب في آن واحد أو في مراحل مختلفة من الجهود الشاملة.
   وفي البداية لا بد من الأخذ بعين الاعتبار إجراء مفاوضات مباشرة. فالإسرائيليون يصرون منذ وقت طويل على المفاوضات المباشرة وهذا يعود بشكل جزئي إلى القيمة المعنوية بالنسبة لإسرائيل وهي ترى العرب يتعاملون معها كطرف مواز أو متكافىء. وقد كان هناك بالطبع مفاوضات مباشرة بين العرب والإسرائيليين في الماضي. بعضها كان – يجري علناً والبعض الآخر سراً. وقد نجحت المفاوضات المباشرة أكثر ما نجحت في وضع بروتوكولات مفصلة للتنفيذ في حال التوصل إلى اتفاقية أساسية من خلال وسائل أخرى. وكانت تلك هي الحالة في محادثات فصل القوات الثانية في سيناء. ولكن في الحالات الأخرى لم يكن للمفاوضات المباشرة سوى أثر ضئيل لا يتجاوز التوصل إلى بعض التفاهم الضمني. ويبدو أن المشكوك فيه أن يتم تحقيق السلام عن طريق المحادثات المباشرة فقط، بالرغم من أنه يتوجب على أطراف النزاع، في بعض المراحل، أن يتعاطوا مع بعضهم البعض مباشرة بالنسبة لبعض النقاط من أجل وضع البنود النهائية للاتفاقية. وليس لدى الولايات المتحدة بالطبع أية معارضة لقيام مفاوضات مباشرة. ولكن من ناحية عملية لا ينظر إليها – أي المفاوضات المباشرة – كأنجع وسيلة للبدء في عملية التسوية ويؤكد المنهج الآخر لتحقيق تسوية على ضرورة التوسط من قبل طرف ثالث. فقد حاول الدكتور جونار يارينغ مبعوث الأمم المتحدة أن يلعب هذا الدور بطريقة فاشلة أو كما فعل هنري كيسنجر ولكن مع تحقيق نتائج أفضل وربما يكون دور الوسيط – بكل بساطة – هو نقل الرسائل بين الأطراف المعنية، أو قد يحاول بطريقة نشيطة أن يقنع الأطراف بتلطيف وجهات نظرها فيما يتعلق بالتوصل إلى صيغة تسوية أو قد يقترح الوسيط حلولاً محددة وإن كان ذلك على حساب سمعته والشك في نزاهته.
   كما أن التجارب التي مر بها الذين توسطوا في نزاع الشرق الأوسط هي أيضاً مختلفة ويبدو أن النجاح يتوقف بعض الشيء على شخصية الوسيط – وهذا أكثر أهمية – ماذا يمثل هذا الوسيط. فالدكتور هنري كيسنجر كان ناجحاً إلى حد ما لأنه كان ممثلاً للرئيس الأمريكي وكان قادراً على تقديم التزامات معينة وتحذيرات لم يكن بوسع وسيط من الأمم المتحدة على سبيل المثال، تقديمها.
   والوسيلة الثالثة للتسوية هي ما يسمى بالتحكيم فإذا وصلت أطراف النزاع إلى طريق مسدود فمن الضروري لطرف ثالث أن يقترح حلاً إذا ما وجد. ولهذا الأسلوب عدة سبل قد تشبه مجهودات الوساطة وخاصة عندما يقوم الوسيط بدور نشيط..
   وفي بعض الأحيان – خلال ديبلوماسية المكوك التي اتبعها كيسنجر بعد حرب تشرين 1973 – طلبت أطراف النزاع من كيسنجر تقديم اقتراح أمريكي لسد ما تبقى بينهم من ثغرات. وينطلق التحكيم من أن الأطراف تريد التسوية ولكنهم غير قادرين على الاتفاق حول شروطها، ويقوم الحكم بواجب بناء على موافقتهم.
   وفي غياب تلك الموافقة ومن باب الحرص على الوصول إلى اتفاق قد تحاول قوى خارجية العمل على تسوية مفروضة. وفي عام 1969 درست الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إمكانية تبني موقف عام وبالتالي استخدام نفوذهما لحمل الأطراف المترددة على المساهمة به. والسؤال الآن هو ما إذا كان يتوجب على الولايات المتحدة وحدها أن تحاول ردم الهوة بين الأطراف بخليط من الإغراءات السلبية وغير السلبية. وعيب هذا المسلك بالطبع أن الحل المفروض قد لا يثبت وجوده بسرعة إذا كانت الأطراف لا تشعر بخطر في التخلي عن الاتفاق.
   وبوسع المرء أن يتصور بسهولة المراحل العديدة التي سيمر بها الاتفاق حيث يسيطر على كل مرحلة نوع خاص من المفاوضات، وفي البداية، قد تكون هناك حاجة إلى وسيط ماهر يحقق الاتفاق الأساسي على الإجراءات وجدول الأعمال. ويمكن أن يتبع ذلك جولة من المحادثات المباشرة حول مواضيع أساسية والتي ربما يصل بعضها إلى طريق مسدود. وعند هذه النقطة يمكن لطرف ثالث التدخل للخروج من الطريق المسدود، أما بموافقة الأطراف أو بممارسة مجموعة من الضغوط.
   إن التوقيت والتناسق والتجسيد المادي للأشياء تصبح غاية في الأهمية في التحرك من موقف لآخر. ولكن هذه الأشياء مطلوبة حتماً إذا أريد السلام.
وكنقطة بداية مفيدة للتهيئة لمؤتمر جنيف يمكن أن تتركز المناقشات على مبادلة الأراضي بإقامة علاقات طبيعية على مدى فترة طويلة من الزمن. ويمكن أن تكون نتيجة مجموعة كهذا اتفاقاً عاماً على أساس النقاط التالية:
     1 – إن جميع الأطراف بمن فيهم الفلسطينيين يريدون أن تبدأ مفاوضات السلام عام 1977.
     2 – إن جميع الأطراف مستعدون لإعلان "سند تعهد" بالاعتراف المتبادل حسب سير العملية في مراحل لاحقة.
     3 – أن يكون هناك توقع معقول لاستمرار العملية بمعنى أنه ستكون هناك سلسلة من الأشياء يجب تحقيقها وأن المناقشات لن تحدد في موضوع آخر.
    4 – أنه سيتم تقديم نظام للمفاوضات المختلطة وأنه يجب تجنب الصيغ الجامدة لاستمرار المناقشات.
    5 – أن التحسن في المستقبل يعتمد على قديم جميع الأطراف "لتنازلات" مقبولة كدليل على حسن النية نحو الآخرين.

   إن مفتاح النجاح يكمن في بذل الولايات المتحدة لجهود استثنائية لتحديد وتدبير التنازلات المقبولة من كل طرف. ويعتقد المشاركون في الندوة أن ما يلي يمكن أن يعتبر مقبولاً ومعقولاً:
     1 – يقبل الإسرائيليون إلى حد ما مبدأ اشتراك الفلسطينيين "بشكل ما" في المفاوضات.
     2 – تلزم الدول العربية نفسها التفاوض حول جدول الأعمال الذي سيشمل عناصر السلام التام والكامل الذي تريده إسرائيل.
     3 – يقبل الفلسطينيون (منظمة التحرير الفلسطينية) الالتزامات والمبادىء الواردة في قرار مجلس الأمن رقم 242 وغيره من القرارات.
  

وفي إطار نتائج المرحلة الأولى، فإن المرحلة الثانية ستشمل المناقشات والاتفاقيات حول إعلان المبادىء لتوجيه عملية المفاوضات الأساسية. وستشمل المرحلة الثالثة جمع مواضيع مختلفة كبنود محددة للمفاوضات كما حدث في تقرير معهد بروكنغز ثم صياغة التفاصيل الخاصة بالمفاوضات الرسمية التي ستجرى في جنيف. ويعتقد المشاركون في الندوة أن الاتفاقات التي يتم التوصل إليها في مراحل ما قبل افتتاح المحادثات الأساسية ستعتبر قاعدة صلبة تسمح للمفاوضين بالتحرك بسرعة نحو تسوية نهائية شاملة، وعادلة. إن المشكلة الأولى في خطة كهذه هي أن المناقشات لن تعدى المرحلة الأولى. فلن تكون أطراف النزاع مستعدة في هذا الوقت لتقديم أية تنازلات للانتقال إلى المحادثات الأكثر أهمية. وعلى الأصح فإن هذا المنهج سيسمح لأي طرف بإعاقة التحسن المفيد نحو جنيف برفضه تقديم تنازلات ضرورية بينما يدعي علناً أن اشتراكه في المحادثات التمهيدية يظهر التزامه بالبحث عن السلام.
   والبديل الثالث للتوقيت والشكل العام هو عقد مؤتمر سلام بأسرع وقت ممكن لبدء العملية ثم التأجيل وإيكال المهمة لمجموعات عمل تقوم بتسيير المفاوضات الأصلية في شكل أقل حجماً، ثم يجتمع المؤتمر الأساسي مرة أخرى للمرحلة النهائية من العملية. إن هذه الخطة ستستفيد من الفرص الحالية للتحرك وستلزم الأطراف بمفاوضات جادة، وتجعل التوقعات واقعية، وتقلل من الضغوط الخارجية وتتيح الوقت الكافي لتبادل كامل لوجهات النظر حول جميع المواضيع.
وبالرغم من مناقشة أوجه مختلفة عديدة من الخطة، فإن الاقتراح الأساسي أيد عقد مؤتمر دون جدول أعمال رسمي مع قيام عدة مجموعات عمل منسجمة تناول مشكلات محددة، وعدد من اللجان لتنسيق ودراسة المشكلات المختلفة وبرنامج زمني مرن يسمح للأطراف المعنية بدراسة جميع جوانب المشكلات قبل البدء في عملية المساومة.. للوصول إلى السلام لا بد من الحصول على ثلاثة أهداف رئيسية:
     1 – جعل جميع الأطراف تواجه الحقيقة وتقلل من توقعاتها بخصوص أية نتائج تكون "مقبولة" أو "غير مقبولة".
     2 – المساعدة في إزالة صورة الشيطان المرسومة في ذهن كل طرف عن الطرق الأخرى، وذلك باقتناع كل طرف بأن الآخر ربما ليس سيئاً كما كان يعتقد من قبل.
     3 – إقناع الأطراف المعنية أن احتمالات السلام حقيقية بتحقيق نتائج ملموسة تدفع بالعملية إلى الأمام.

ويمكن تحقيق هذه الأهداف بتغيير طبيعة الحوار بثلاثة طرق أساسية:
     1 – بتحويل بؤرة الاهتمام في المناقشات من مواضيع الماضي إلى مواضيع المستقبل.
     2 – بتغيير المناقشات من مواضيعها الغامضة إلى مقترحات محددة، والأحزان إلى مداواة المواقف المتطرفة إلى اتفاق.
     3 – تفتيت المشكلة الكبرى إلى مجموعة من المشكلات الصغيرة وتقدير النجاح بمقياس غير مقياس التسوية الشاملة. وكذلك يجب أن تشمل أية تسوية ناجحة "جهاز سلام" يتم تصحيحه لمعالجة أية نزاعات تظهر في المستقبل. وهذه العملية المستمرة ستحمي الاتفاقية كلها والسلام الذي يأتي به من التعرض للخطر بانتهاك أو من عدة انتهاكات. وقد أثار هذا البديل جدلاً بين المشتركين. وانتقده البعض بأنه "غير واقعي" و"مفرط في التفاؤل" وأشار المشتركون إلى أنه لا حاجة هناك إلى "مؤتمر تعليمي" ذلك لأن كلاً من الجانبين العربي والإسرائيلي يعرفان ما يعتقده ويؤمن به الطرف الآخر.
   وتكمن المشكلة الأساسية في "تضارب المصالح" وليس في "عدم الفهم" وأثار عدم وجود جدول أعمال انتقادات كثيرة على أساس أنه يجب أن لا يذهب أحد إلى المفاوضات دون أن يكون لديه رأي واضح كيف سيخرج منها.
   بالإضافة إلى ذلك فإن طول هذه العملية ربما يؤدي إلى فقدان الزخم وشعور المتفاوضين بخيبة الأمل. ويعتقد بعض المشاركين في الندوة أن الخطة المقترحة "ثقافية" فقط بمعنى أنها تؤكد تعديل التوقعات على ضوء الحقيقة وعلى أن هذه العملية كانت مستمرة منذ حرب حزيران 1967 وأنه حدث تحسن هام وملموس نحو هدف التفاهم المشترك بين العرب وإسرائيل.
_______________________________


Prev - Next >>

Last Updated (Sunday, 17 October 2010 12:13)

 
القائمة الرئيسية
  • الرئيسية
  • الأرشيف
  • عن الوكالة
  • عباس بدر الدين
  • قالوا في عباس بدر الدين
  • الصحف اليومية
  • راسلنا
Banner
Banner
حول ملف الإخفاء
  • س س
  • العقيد القذافي
    • ليبيا القذافي
  • لكلمته صولة
  • مطالبات
  • مطالبات - تابع
  • التوطين
  • د.مسيكة :هذه هي وقائع التحقيق
  • التحقيق الايطالي في جريمة الاخفاء
  • من المؤكد
  • قانون انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ونظامه الداخلي وملاك موظفيه العام
  • موسى الصدر لماذا هو؟
  • معلومات عن خطف الإمام وصحبه
Banner
للعلم والمعرفة
  • العلمنة
  • الوفاق الذي عاش 30 عاماً
  • مصير لبنان في مشاريع
  • تاريخ قوات حفظ السلام في لبنان
  • الخريطة الاميركية للشرق الاوسط
  • الاستراتيجية الاميركية في المنطقة
  • الثورة الإسلامية الإيرانية
  • طائرة الموت الايرانية
Banner
Banner
Banner
Banner

Copyright © 2010 LNA.
All Rights Reserved.

Designed by MS Graphics.