الإمام الصدر عن الجنوب: الحل قريب بمبادرة سورية – سعودية مشتركة
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
* غياب السيادة اللبنانية عن الجنوب يدين المقاومة ومن مصلحتها الإصرار على إعادة الشرعية لتلك المنطقة
(ا.ل) – الإمام موسى الصدر يحمل اليوم فوق ظهره "صليب الجنوب اللبناني" ويرتحل به من بلد إلى آخر، ومن مسوؤل إلى آخر، ومن لجنة إلى أخرى، محاولاً أن يكسر طوق "الجمود" الذي فرضته ظروف مبادرة السادات حوله.. فمن الكويت، إلى سوريا، مروراً بقيادة المقاومة، فالمسؤولين اللبنانيين، فالقيادات المحلية الجنوبية، والبيروتية "يشلح" سماحة الإمام الجنوب كجبته السوداء فوق كتفيه، ويحاول ألا يتعثر؟؟
التقيناه صباحاً.. متعباً من مواعيد كثيرة، وهموم أكثر. قلنا له:
• نقلت "الصياد" في عددها الأخير إن لقاءكم في الكويت مع السيد خالد الحسن قد أسفر عن مشروع تأليف لجنة
لبنانية – فلسطينية عليا لضبط وتنظيم الأمور الملحة في الجنوب، فهل برأيكم هذا هو الحل الأمثل؟
- برايي إن الحل الأمثل هو في عودة الشرعية اللبنانية إلى الجنوب. فمن مصلحة المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني أن يسهل ويساعد على إتمام هذا الأمر. ذلك لأن القضية الفلسطينية اليوم أصبحت تمر في أدق مراحلها وهي مرحلة التحول، أو الثمرة، وهنا تتضاعف الملاحظات والدقة ومحاولات إبراز قيادة المقاومة قيادة صالحة لتوجيه شعب وإدارة حكم أو غير صالحة. وبعبارة أخرى، إسرائيل والكثير من القوى الدولية تعمل لإسقاط منظمة التحرير في الامتحان الذي يجري لاختيار القيادة المستقبلية للشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني. وتشرك إسرائيل وحلفاؤها في هذا المضمار الرأي العام العالمي، الأنظمة الدولية، والمؤسسات وتظهر مكبرة كل حدث يجري في الجنوب اللبناني.. وتضاعف من دقة الموقف إن هذا الامتحان، أي امتحان صلاحية قيادة المقاومة، يجري بعد المحنة اللبنانية الدامية، وبعدما أدخلت هذه المحنة من مضاعفات وتأثيرات على المقاومة. وجندت أناساً في العالم غيروا مواقعهم ومواقفهم وحملوا صليب لبنان في وجه القضية الفلسطينية.
إذن. الظرف دقيق، ولا يمكن أن يبرر أنصار القضية الفلسطينية، فكيف بقيادتها، غياب السيادة اللبنانية الشرعية عن أرض الجنوب، خاصة من قبل الفلسطينيين الذين يعانون طغياناً إسرائيلياً يمنعهم من ممارسة حقهم في وطنهم. وكذلك، لا سيما بعد أن ولدت الشرعية اللبنانية في لبنان، في جو من الأخطار واعتبرت خشبة الخلاص الوحيدة.
أقول: في هذ الظروف غياب السيادة اللبنانية عن الجنوب يدين القيادة الفلسطينية أمام الرأي العام العالمي، كما وأن ممارسة السلطة الشرعية اللبنانية سيادتها على أرض الجنوب وفي أماكن تواجد الفلسطينيين تخلق لهم مناخاً إيجابياً في العالم وفي المنطقة تساعدهم على إنجاح قضيتهم.
والمعادلة قائمة كلياً أو جزئياً.. فعودة درجة من الشرعية وهي: الأمن مثلاً، تخفف درجة من المحنة.. وكلما زادت خدمات الدولة اللبنانية وتواجدها كلما ساعدت القضية على الرغم من أن هذا التواجد خلال سنوات ما قبل المحنة كان ضئيلاً ولم يكن محبباً إلى قلوب الناس.. وهناك سبب أساسي آخر لهذه المعادلة وهي: أن الجنوب بسبب قربه من إسرائيل وبسبب التحولات الحربية والأمنية الأخيرة أصبح مسرحاً لتلاعبات إسرائيل، بشتى صورها.. كما وأنه أصبح ميداناً لتجاوزات خطيرة من قبل أفراد، عصابات، أحزاب، ومنظمات، وغياب السلطة اللبنانية يجعل هذه الأحداث في عهدة المقاومة الفلسطينية وتحملها ما ليس من مسؤولياتها، ومهما حاولت المقاومة الفلسطينية من ضبط الأمور فإنها لا تتمكن من ذلك حتى أن بعض جهات لبنانية تصدت في مرحلة من الزمن لاغتصاب أراض وبساتين بحجة التأميم، وعندما حاولت القيادة الفلسطينية منع تلك الجهات قوبلت بالرفض وسمعت: أن هذه أرض لبنانية لا علاقة لكم بها. مع العلم أن الناس في لبنان وبخاصة في جنوبه، وفي العالم، يحملون المقاومة مسؤولية هذه الأحداث...
وخلاصة الأمر أن تحمل المقاومة الفلسطينية مسؤولية الشؤون الحياتية للناس في الجنوب تحمل لما لا يتحمل. وإضافة أعباء لا طاقة للمقاومة بحملها مع أنها ليست في حالة تتمكن من تحمل مسؤوليات جديدة إضافية على مسؤولياتها الفلسطينية. وهذا يعني أن الرأي العام العالمي يعلق أهمية كبرى على موقف المقاومة من هذه النقطة، كما وأن الموقف في لبنان يكاد يكون مصيرياً بالنسبة إلى موقف المقاومة من أمر السيادة في الجنوب.
• نفهم من كلامكم سيدي أن المقاومة الفلسطينية، تتحمل وحدها مسؤولية عدم تنفيذ الاتفاقات المعقودة مع السلطة اللبنانية، وأنكم شخصياً تحملونها مسؤولية الأوضاع المتدهورة ورفض رجوع الشرعية إلى منطقة الجنوب؟
- إن الأسباب التي منعت تنفيذ الاتفاقية وبالتالي حالت دون دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب ليست أسباباً فلسطينية محضة، بل أنها تعود إلى أعذار إسرائيلية أيضاً وإلى مواقف إسرائيلية لصيانة البوابات المفتوحة التي تعبر عنها "بالجدار الطيب".. إنني أؤكد هذا الأمر لما لي من اطلاع ومتابعة على مجريات الأمور. ولكن، مع ذلك، أرى أن مصلحة المقاومة هي في أن تصر على إعادة الشرعية إلى الجنوب وفي أن تعمل أقصى ما يمكنها في هذا السبيل الأمر الذي لم يحصل حتى الآن، سيما بعد أن تعهد الرئيس سركيس وأخذ على عاتقه مسؤولية ما ينجم عن الانسحاب الفلسطيني من مواقع أمامية بسبب الفراغ الأمني.
• المقاومة تقول بأنها انسحبت منفردة من مواقعها في الجنوب، ولم تدخل السلطة الشرعية مباشرة لأخذ هذه المواقع، فإن إسرائيل أو غيرها ستجد الفرصة مناسبة للانقضاض على هذه المواقع.. وهذا ما يعرض المقاومة، والجنوب لمزيد من الأخطار..
إن الجهات العربية والدولية التي تعمل في هذا المضمار تؤكد ما التزم به الرئيس سركيس، من أن الانسحاب الفلسطيني يؤدي إلى فراغ أمني وهذا يتحمل مسؤوليته الرئيس سركيس الذي ينوي إعادة الشرعية ودخول الجيش اللبناني المزمع إرساله إلى الجنوب.
أما حديث اللجنة اللبنانية – الفلسطينية فإنها في الواقع كانت ضرورة ملحة منذ أن توترت العلاقات بين المقاومة الفلسطينية وبين السلطات اللبنانية في بداية السبعينات، حيث أن شؤوناً كثيرة كانت تعالج، بين اللبنانيين والفلسطينيين في غياب السلطة القادرة الوطنية.. ولا شك أن الحاجة إلى مثل هذا العمل المشترك تزداد اليوم أكثر من أي وقت آخر..
• سيدي، نسمع أن تجميد البحث في تنفيذ الاتفاقات في الجنوب في هذه المرحلة بالذات، يرجع إلى كون السلطات السورية التي كانت عنصراً فعالاً في دفع الطرفين اللبناني والفلسطيني إلى إنهاء مشكلة "التنفيذ" قد أوقفت نشاطاتها مرحلياً، بسبب الأوضاع الجديدة التي خلقتها زيارة السادات لإسرائيل، فما رأيكم؟
- حتماً . لأن الاتفاقيات وتنفيذها وعودة الشرعية إلى الجنوب، كما بحثنا في بداية هذه المقابلة، هي لمصلحة المقاومة الفلسطينية مئة بالمائة.. وليست عقاباً أو تأديباً أو هضماً لحقوقها.. أما سوريا فقد كانت إلى جانب المقاومة دائماً، وكان إصرارها لتنفيذ الاتفاقيات ومشاركتها في مفاوضات شتورة من صميم رغبتها في صيانة المقاومة. قد يكون الإصرار السوري على تنفيذ الاتفاقيات خف هذه الأيام، ولكن هذا الأمر بسبب انشغال القيادة السورية في مواجهة الموقف العربي الذي حول رأساً على عقب بفعل مبادرة الرئيس السادات.. وليس أبدا بسبب تغير في العلاقات السورية الفلسطينية كما يقال هنا. كما وأن قولي هذا لا يعني تغير موقفي من القضية الفلسطينية، إطلاقاً، بل كان هذا الكلام حديثي ونصيحتي الدائمين مع القيادة الفلسطينية منذ البداية وفي مواقف مشابهة أيضاً.
• نتيجة اتصالاتكم المكثفة، هذه الأسابيع مع الأوساط الفلسطينية، والعربية، واللبنانية، هل توصلتم سماحة الإمام إلى صيغة ما تعجل بإنهاء "الجمود" الحاصل في ساحة الجنوب الآن؟
- ليس في الأفق أثر للجمود، بل أن الحوار ومحاولات الإقناع والاقتناع مستمرة. والذي يطلع على مشاكل الشعب الفلسطيني والصعوبات الداخلية والعربية والدولية التي تعانيها قيادة المقاومة يتمكن أن يفهم سبب هذا الوضع. وفي تصوري إن مبادرة سورية – عربية على الأبواب لدعم الموقف الرسمي اللبناني. والمعروف أن هذه البادرة لا تكتفي بالضغط من أجل تنفيذ الفلسطينيين للاتفاقيات بل وأيضاً من أجل تخفيف جهات لبنانية في الجنوب من التلاعب بالأبعاد الخطرة وغير المعقولة للأزمة.. ولا شك أن الأمل قائم بوضوح، سيما إذا استمر العهد في مساعيه للوفاق.
• هل أنتم أيضاً سيدي، تربطون حل قضية الجنوب بالوفاق اللبناني؟
- لا أربط، لكن للوفاق تأثير كبير على تنفيذ الاتفاقات وعلى سد سائر الثغرات الموجودة في جسم لبنان. ذلك لأن الوفاق يمنع من مخاطبة الفلسطينيين بمنطقين غير واقعيين هما في الواقع نتيجة مرحلة التحدي الذي يتحكم بكل شيء في الوضع الراهن. بينما مع حصول الوفاق ستكون لنا لغة تخاطب وحيدة مع المقاومة الفلسطينية شأنها شأن سائر المسائل اللبنانية. أقول: ستكون لغة التخاطب هي اللغة التي استعملها الرئيس سركيس في خطابه أمام السلك الديبلوماسي في بداية السنة، لغة المصلحة الوطنية الواضحة التي لا تنفصل عن البعد القومي والمسؤولية الإنسانية تجاه هذه القضية.
• هل تعتقد، سماحة الإمام، أن مشروع التوطين الذي تقوم ضجة كبرى حوله الآن هو مشروع حقيقي أم بالون اختبار للنوايا والقدرات؟
- مشروع التوطين كلام في الأندية السياسية وحلم راسخ في نفس القيادة الإسرائيلية لأنه مشروع تصفية الشعب الفلسطيني وإنهائه كشعب.. ذلك الحلم الذي كانت إسرائيل تعبر عنه يوماً ما بعدم الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبتسميتها المقاومة: "برجال من العرب". إن إسرائيل تحاول أن ترسخ في الأذهان وفي التاريخ أن أرض فلسطين يسكنها شعب واحد وهو الشعب اليهودي.
وأن العرب المقيمين في هذه الأرض – على حد تعبيرهم – إنما سكنوا بطبيعة الجوار وليسوا أصحاب الأرض. وما مشروع التوطين في لبنان إلا جزء من هذه الخطة: تقليل عدد الفلسطينيين في اليهودا والسامرة، تغيير المناخ الثقافي والاجتماعي والتربوي لهؤلاء.. إذابة الفلسطينيين في أماكن سكنهم... و... نهاية الشعب الفلسطيني. أما الحقيقة فإن هذا الشعب موجود: ولا يمكن لأحد تجاهله.. ولم يقبل بهذا المشروع أحد في العالم العربي..
• لنرجع إلى المبادرة التي تكلمتم سيدي عنها؟..
- المبادرة سورية - سعودية مشتركة. وربما كويتية أيضاً.
• هل هي قريبة؟
- نعم.. قريبة، وبإمكانها أن تحل الإشكال.
• هذه المرة هي الأولى التي يلتقي فيها السوريون والسعوديون في مبادرة واحدة لحل إشكالات الجنوب اللبناني، وعلى ما نذكر كان هناك تباين في الآراء بين الدولتين حول موضوع الفلسطينيين في لبنان؟
- كلا. ليست هذه المرة الأولى.. بل الموقف الحقيقي للسعودية كان منسجماً دائماً مع الموقف السوري أمام الأزمة اللبنانية. (انتهى)








