الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 32
من الذي يحرّك الخيوط في قضية الصدر؟
ضابط فرنسي كبير يقول لـ"الحوادث": موضوع الكومندان دي لابورت مادة متفجرة
والعملية كلها مسلسل رعب يقوده "المايسترو" الاكبر في الازمة اللبنانية...
(الحوادث الجمعة 5 كانون الاول 1980 العدد 1257 بقلم منير الزين من باريس)
كما قلنا سابقا ان قضية سماحة الامام هي وسيلة للابتزاز بين الدول و النتيجة دائما هي تحصيل النتائج المرجوة على حساب الامام و صاحبيه الذين يبقوا في سجنهم:الجزائر مثلا ليست الا صراع بين الولايات المتحدة الاميركية و فرنسا على الثروات الطبيعية في دولة المليون شهيد الممنوعة من اعتماد اللغة العربية كلغة رئيسية و رسمية في الدوائر الحكومية و يتم التحريض فيما بين الجزائريين و مع المغاربة في صحراء البوليساريو على سبيل المثال لتتمكن الدول الكبرى من السيطرة على الثروات الطبيعية فليس عجبا ان نسمع عن خلاف البربر مع العرب علما انه ليس هناك خلاف تاريخيا بينهم ولا عجب اذا سمعنا عن مجازر جماعية لتعميم الخوف و الفوضى التي يستفيد منها الاستعمار الاميركي تماما كما في لبنان بنفس السيناريو عبر الدماغ اليهودي المفكر .
والرواية التالية جاءت من باب الغمز و الابتزاز للفرنسيين لاتهامهم بخطف الامام الصدر من الاميركيين وكانهم براءة منها لا دعوة لهم في هذا الموضوع مع العلم ان الامام قد خطف لاحد الاسباب التالية الا و هي التوطين الذي تسعى اليه اميركا واسرائيل وتفعيل اتفاقية كامب دايفيد بالحيلة او بالقوة وكان الامام عائقا رئيسيا مدركا لكل ما سيجري.
و جاء النص كالاتي:
بمجرد ان سمعني الضابط الفرنسي المتقاعد اذكر اسم زميله السابق الكومندان جان جاك دو لا بورت.. اوصاني بالحذر وقال لي: انك تتعامل مع مادة متفجرة.
ورفض الضابط الفرنسي ان يقول لي شيئاً عن زميله الكومندان (المقدم) اكثرمن انه موجود الان في احد سجون الجزائر ونصح لي بأن ازوره مساء حتى يكون هنالك متسع من الوقت للحديث.
وظننت في البداية ان الضابط كمعظم المصادر التي يستقي منها الصحافيون معلوماتهم يريد ان يعطي اهمية بالغة لمعلومات عادية ... ولهذا احاط الحديث عن زميله دولار بورت بهذه الهالة الخطرة, غير ان هذا الانطباع سرعان ما انقلب الى ضده حين جلست في صالون شقته الواقعة على ابواب المنطقة السادسة عشرة حيث لا يفصلنا عن غابة بولونيا سوى شارع عريض. وسألت الضابط الكبير عما كان يقصد بقوله "انني اتعامل مع مادة متفجرة"؟ فنظر إلي من وراء نظارتيه العتيقتين نظرة من يريد ان يفهم طفله للمرة الاولى معنى النار وقال: هل تسمع بجان كاي؟ قلت: المرتزق؟ قال: نعم. ان صاحبنا الذي تسأل عنه اخطر بكثير من جان كاي وليكن في علمك ان للاثنين مغامرات مشتركة في لبنان و المنطقة العربية،كما ان للاثنين صداقات حميمة على اعلى مستوى حتى ضمن منظمات يسارية نضالية واحزاب وأنظمة وقد اشترك دولابورت في تسليح عدد من الحركات المسلحة والتنظيمات والميليشيات في الشرق الاوسط وأميركا اللاتينية, وبلدان افريقيا الجنوبية.
وقال الضابط الفرنسي الكبير: لقد عرفت دولابورت منذ حرب الجزائر, ولم يكن يومها برتبة كومندان. ومنذ تلك الفترة كنا نسميه(LE RENARD) الثعلب. وكان من اشد اعداء الجنرال الراحل ديغول.
قلت لكن هنالك من يقول ان له علاقة بالاستخبارات الفرنسية اليوم, وانه ينسق معها معظم مشروعات الانقلابات والحركات المسلحة وصفقات السلاح التي ينظمها أو يشترك فيها. واجاب الضابط الفرنسي الكبير: هذا أمر لا استطيع انا او انت ان نتأكد منه من مراكزنا التي نحن فيها, لكنني لا اعتقد ذلك, وهذا اقتناع شخصي طبعا, ما اعتقده هو ان دولاربورت يعمل لحسابه الخاص.
قلت مستغرباً: اين اذن يكمن الخطر في الحديث عن علاقة دولابورت بخطف الامام موسى الصدر؟ لقد سبق للصحافة ان تحدثت كثيراً عن زميله جان كاي واساءت الى سمعته, خاصة بعد سرقة ملايين صانع الميراج "داسو" وتهريبها. ثم اننا نعيش في فرنسا حيث يسار ويمين وشيوعيين وفاشيست ونظام ومعارضة ودولة ورجل بوليس لا يوقف الا المجرمين ... فما المانع من فتح ملف دولابورت؟
وضحك الضابط الفرنسي المتقاعد وقال: هل تعتقد ان دولابورت سيهتم بما تكتبه عنه او عن خطفه لموسى الصدر. انه اخر من يهتم بذلك. اكتب عنه ما تشاء.
قلت: اذن ..؟
قال: اعرف انك تريد ان تستدرجني. حسناً سأتكلم لكني سأبقى حذراً, ولن توقعني في الفخ. ان المشكلة ان جان جاك دولا بورت متورط في سيناريو جهنمي يصلح لأن يكون فيلماً تجسسياً مثالياً. وكل الخيوط التي نسجت هذا السيناريو متصلة بقنابل موقوته ومسدسات كاتمة للصوت وشبكات تجسس وتجسس مضاد ومصالح تجارية وسياسية وأمنية. والذي ينجو من خيط لا بد ان يتعثر بخيط اخر.
ومضى محدثي يقول ان نشر الخبر في هذا الظرف هو السر الاكبر في هذه القضية.
ونشره في المجلة الاسبانية EL PAIIZ دون غيرها لا يمكن تفسيره.
ونسبة الخبر الى مصادر جزائرية لا تعني ابداً ان الجزائريين وحدهم وراء تسريبه.
وسكوت الجزائريين عن وجود الكولونيل دولابورت في سجونهم قرابة السنة ونصف السنة, اي في الوقت نفسه الذي كانت فيه العلاقات الفرنسية الجزائرية بالغة السوء, لغز آخر.
ومحاولة الرسميين الفرنسيين لفلفة الموضوع لا تصدق,
واضراب اتباع موسى الصدر في لبنان قبيل نشر هذا الخبر ومطالبتهم بالافراج عنه شيء محير.
ودخول ايران طرفاً في الاساءة الى من يعتبر اكبر حلفائها في العالم العربي من اجل هذه القضية علامة استفهام لا يمكن الاجابة عنها.
وتوقيت القضية مع اعلان الوحدة السورية الليبية ايضاً يجعل من كل هذه المتاهات عالماً خطراً لا تستطع الاقتراب منه الا حذراً.
ويعتقد الضابط الفرنسي الكبير ان الصحيفة الاسبانية لم تعرف اهمية الخبر الذي نشرته ولا عالم التشويق والرعب الذي يختفي بين سطوره. والخبر المنشور في كل الاحوال مصاغ بلغة ساذجة جداً, وربما عن قصد. ويقول الخبر ان مصادر جزائرية موثوقة قالت للصحيفة ان الذي خطف الامام موسى الصدر – بالاشتراك مع الاستخبارات الليبية - هو ضابط فرنسي سابق برتبة كومندان ويدعى جان جاك دولا بورت. وكان دولا بورت يستخدم اسماً مستعاراً هو "الكابتن كريمه". واعطت الصحيفة بعض المعلومات عن الكومندان فقالت انه سبق ان كان من قوا الصاعقة التي اشتركت في حرب الجزائر, وانه تم توقيفه في آب 1979 في الجزائر بتهمة العمالة للاستخبارات الفرنسية وبتهمة التحريض عل الانشقاق القبلي ضد الدولة وهو الانشقاق الذي قام به البربر.
طبعاً اول سؤال يطرحه هذا الخبر هو لماذا توكل ليبيا الى مرتزق فرنسي مهمة خطف الامام موسى الصدر, وقد كان بين يديها ومدعوا عندها؟ هل ان الخلاف بين الامام والليبيين كان بعد مغادرته المطار من طرابلس الغرب؟
هل هناك جهة اخرى غير الليبيين؟
هذه اسئلة تركها الضابط الفرنسي بدون اجابات علماً بأن السفارة الليبية في باريس (المكتب الشعبي) نفت نهائياً كل المعلومات التي نشرتها الصحيفة الاسبانية وقالت انها معلومات عارية عن الصحة وانها كذب وهراء.
واعادت السفارة الليبية الى الاذهان ما سبق ان قالته ليبيا حول هذا الموضوع وكررته طوال السنتين اللتين انقضتا على اختفاء الامام (28 آب 1978).
بقي ان الجزائر اكدت للرأي العام الفرنسي عبر وسائل اعلامها الخاصة في العاصمة الفرنسية ان الكومندان دولابورت مسجون فعلا في الجزائر منذ اكثر من عام بتهمة تهديد امن الدولة, واشارت الى ان التحقيقات مع الكومندان اثبتت علاقته بخطف الامام. وهنا ايضاً طرح الضابط الكبير سؤالاً محيراً: كيف عرف الكومندان دولا بورت – وهو مسجون في الجزائر منذ اكثرمن عام – ان الامام موسى الصدر حي يرزق في احد السجون الليبية القريبة من الحدود الجزائرية.. الان؟ هل هذه معلومات الكومندان دولا بورت ام هي معلومات الحكومة الجزائرية؟ واذا كانت المصادر الجزائرية قد عرفت بأن دولا بورت هو الذي خطف الامام عبر التحقيقات التي اجرتها فكيف عرفت ان الامام موجود الان بالقرب من حدودها؟ وهل الغاية من كل هذه المعلومات انقاذ الامام ام اشعال النار بين اتباع الامام واهله وانصاره والدول والمنظمات التي تتبنى قضيته من جهة.. وبين خاطفي الامام من جهة ثانية؟ هل سيبقى اصبع الاتهام موجهاً الى ليبيا وحدها .. ام انه سيشير ايضاً الى اطراف اخرى في الشرق الاوسط؟ وعلى التحديد اين ستكون رقعة الحرب التي ستدور من اجل انقاذ الامام؟ لبنان؟ شمال افريقيا؟ الشرق الاوسط؟
ما علاقة كل ذلك بما سربته شخصية ايرانية مقربة من آية الله الخميني قبيل ايام قليلة من نشر الخبر في الصحيفة الاسبانية عن ان لدى الخميني وثائق ومعلومات مؤكدة تقول ان الامام موسى الصدر لا يزال حياً يرزق في ليبيا؟ (السلطات الايرانية نفت هذا الخبر).
هنا يقول الضابط الفرنسي انه لا يستبعد ان تكون ايران وراء تسريب المعلومات وان الجزائر اضطرت في النهاية الى تأكيد هنذ المعلومات. ويقول الضابط ان الامام الخميني بالتأكيد كان يعطي اهمية بالغة لإعادة الامام موسى الصدر الى لبنان, اذ قد يكون عامل تهدئة حاسماً بالنسبة الى مستقبل الجنوب اللبناني الذي تهدده اسرائيل وليس هناك من يستطيع تجاوز الخط الاحمر للدفاع عنه الا ابناء الجنوب انفسهم ومن يساندهم في ايران والعالم العربي!
طبعاً قد لا تكون هنالك علاقة بين المعلومات التي تسربت من ايران وبين المعلومات التي تسربت من الجزائر. وقد عملت مؤثرات كثيرة على لفلفة ذيول القضية في فرنسا وصحافتها واوساطها مما زادها غموضاً, بالرغم من ان الاعلان عن وجود ضابط فرنسي سابق في سجون الجزائر لا يمكن ان تقبله فرنسا على علاته او تسكت عنه في وقت لا تعيش فيه العلاقات الفرنسية الجزائرية شهر عسل.
الخارجية الفرنسية اكتفت .. من التعليق على القضية بالقول انها لم تعلم بقصة الكومندان دولا بورت الا مع مطلع 1980, اي بعد اعتقاله بستة اشهر على الاقل (حسب ما جاء في المصادر الجزائرية). والسلطات الفرنسية لا تزال الى الان ممنوعة من الاتصال بالكومندان بالرغم من الاتفاق القنصلي المعقود بين البلدين حول حق زيارة السجناء في البلدين كليهما.
وما تستغربه الخارجية الفرنسية ايضاً ان الكومندان دولا بورت غير مسجل في القنصلية الفرنسية في الجزائر كمقيم, كما تستغرب العلاقة بينه وبين ما تنسب اليه الجزائر من تهمة نقل اسلحة وذخيرة ومتفجرات الى قبائل البربر عبر المغرب. غير ان مصادر جزائرية كشفت عن ان طائرة ذات علامة مغربية من طراز "C 140" حطت في كانون الاول (ديسمبر) 1978 فوق الاراضي التي يسكنها البربر وهي تحمل اسلحة ومتفجرات وذخار. وقالت الجزائر يومها ان محمد صادق بن يحيى الزعيم البربري المعروف كان يسافر كثيراً بين المغرب وفرنسا لإقناع الطرفين بمساعدة قبائل البربر واعطائها السلاح للدفاع عن حقوقها المهضومة.
يومها – وهذا اغرب ما في قصة الكومندان دولا بورت – لم تتحدث السلطات الجزائرية مطلقاً عن وجود مرتزق فرنسي, واكتفت بالقول ان الايادي الاجنبية كانت وراء تمرد البربر. ولم تخف الجزائر حكاية الكومندان لأجل عيون الوفاق مع فرنسا, فقد كانت العلاقات بينهما في حضيض تدهورها.
المسؤولون الجزائريون ايضاً يرفضون التعليق عل كل هذه التساؤلات, خاصة منها ما يتعلق بخطف الامام موسى الصدر. وهذا ما يبرر للضابط الكبير القول ان هنالك "اوركسترا" خوف وتخويف متشابكة, وأن هنالك "مايسترو" واحداً لا يمكن الكشف عنه في المرحلة الحالية. كل شيء يجب ان يبقى معلقاً الان في انتطار زوال اسباب الخوف والتخويف, ففي الاقتناع النهائي للضابط الفرنسي الكبير ان الامام لم يقم بزيارة ليبيا بضغوطات مارستها احدى العواصم العربية , وان هذه العاصمة العربية دبرت امر اختطافه بالتنسيق الكامل مع احدى المنظمات وبتنسيق مع الكومندان دولا بورت, ولا ينفي الضابط الفرنسي الكبير الاحتمال الذي تعرضت احدى الصحف الفرنسية (ليبراسيون) عن علاقة كل هذه القضية باغتيال رجل عسكري كبير في فرنسا قبل عام تقريباً .. بل يقول ان مقتله جزء من عملية الخوف والتخويف التي يديرها المايسترو الاكبر للأزمة اللبنانية. (انتهى)
___________________




