الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 48
ابتزاز امريكي للبنان
رأي القدس 27/05/2009
لا بد من الاعتراف بأن اللبنانيين، بمختلف طوائفهم واحزابهم، استطاعوا رغم النكبات والانتكاسات والحروب الأهلية، الحفاظ على تجربتهم الديمقراطية، التي تكاد ان تكون الوحيدة الصامدة بعناد، في منطقة تكاد ان تكون الأكثر ديكتاتورية في العالم بأسره.
فمن يتابع المشهد اللبناني والحراك الديمقراطي المتأجج فيه، مع اقتراب موعد الذهاب الى صناديق الاقتراع، لانتخاب برلمان جديد، يخرج بانطباع مفاده الاحترام والإجلال لديناميكية هذا الشعب، وحرصه على التمسك بالحد الأدنى من التقاليد الديمقراطية والتنافس الحضاري بعيداً عن أعمال العنف المتوقعة في بلد حافل بالمشاكل والتوترات والتدخلات الاقليمية والخارجية.
مشكلة لبنان انحصرت دائماً في أمرين اساسيين، الأول فساد نخبته السياسية الحاكمة واختباؤها خلف الشعارات الطائفية والقبلية السياسية، والثاني ارتهان هذه النخبة ورموزها لقوى اقليمية وخارجية توظفها بطريقة أو أخرى لخدمة مصالحها.
الصراع في لبنان يدور حالياً بين تيارين أساسيين، الأول تمثله جماعة الرابع عشر من آذار وهي خليط من المسيحيين والسنة وبعض الدروز والشيعة، يتزعمها السيد سعد الحريري ولوردات حرب سابقون خاضوا الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف السبعينات مثل سمير جعجع، أو سياسيون ورثوا الزعامة عن آبائهم مثل وليد جنبلاط وأمين الجميل. اما التيار الثاني فيضم اكثرية شيعية بزعامة 'حزب الله' وحركة 'امل'، الى جانب التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون، وتيار المردة المسيحي الاقل نفوذاً بزعامة سليمان فرنجية الحفيد، علاوة على قيادات سنية ممثلة في عمر كرامي، ودرزية بزعامة طلال ارسلان، ومستقلين مثل الحزب القومي السوري.
تطوران أساسيان ظهرا على الساحة السياسية في الأيام القليلة الماضية ربما ينعكسان بطريقة أو بأخرى على مجرى الانتخابات ونتائجها:
' الأول: تمثل في زيارة جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي لبيروت وتصريحاته التي هدد فيها بوقف المساعدات الامريكية للبنان في حال فوز المعارضة بقيادة 'حزب الله'.
' الثاني: نشر مجلة 'ديرشبيغل' الالمانية تقريراً اكدت فيه توصل المحكمة الدولية المتعلقة بمقتل الراحل رفيق الحريري الى أدلة تثبت تورط مجموعة تابعة لحزب الله في عملية الاغتيال هذه.
من الواضح ان الهدف الاساسي من زيارة نائب الرئيس الامريكي هو ايصال رسالة الى اللبنانيين بأن الولايات المتحدة، وبالتالي اوروبا، لن تعترفا بأي حكومة لبنانية جديدة لا يتزعمها 'تيار المستقبل' بزعامة سعد الحريري وحلفائه، اي ان مصيرها سيكون مماثلاً لمصير حركة 'حماس' في قطاع غزة. وتزامن هذا التهديد مع تسريب معلومات حول تورط حزب الله في عملية اغتيال الحريري، بهدف تجريم الحزب، والصاق تهمة الإرهاب به.
وهكذا يبدو التدخل الامريكي الغربي واضحاً في الشؤون الداخلية اللبنانية من خلال محاولة التأثير بشكل مباشر في العملية الانتخابية ونتائجها.
الشعب اللبناني في معظمه شعب وطني، يرفض الارتهان للمشاريع الامريكية التي هي مشاريع تخدم اسرائيل في الغالب. ولذلك من الصعب علينا ان نتصور تجاوبه مع هذه التدخلات الامريكية في خياراته السياسية، ونظرته الى مستقبل بلاده.
فهذا الشعب الذي انتصر دائماً للمقاومة التي حررت اراضيه بالقوة والتضحيات المشرفة، وتقديم مئات الشهداء فداء للوطن وحريته واستقلاله، ودحرت العدوان الاسرائيلي في حرب تموز (يوليو) عام 2006، هذا الشعب سيترجم حتماً مواقفه الوطنية برفض اشكال الابتزاز والتشويش الامريكي كافة من خلال ترجمة مواقفه الوطنية هذه عبر صناديق الاقتراع. (انتهى)





