الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 34
لبنان الضحية الكبرى
ويمثل رصيداً احتياطياً
في بنك التسوية الاميركيّة
الاسبوع العربي: 29/12/1980 "محمد سماك"
د.محمد السماك
هل طويت صفحة المبادرة الاوروبية في الشرق الاوسط؟
لكن اعتراف وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينغتون ان اوروبا لا يمكن ان تفرض تسوية شاملة في الشرق الاوسط. وان كل ما تملكه هو برنامج للعمل في المنطقة فقط.
وازاء هذا الاقرار الاوروبي بالعجز, اعرب وزير الخارجية المصري كمال حسن علي عن اعتقاد مصر بانه من غير المتوقع ان تبلور اوروبا مبادىء بيان البندقية في خطوات عملية في الوقت الحاضر ذلك انها قد تنتظر الى ان يتولى الرئيس الاميركي المنتخب السيد رونالد ريغان مسؤولياته. واستكمالاً لهذه الصورة الواقعية اعلن وزير الخارجية الاسرائيلي اسحق شامير ان اسرائيل ترفض مبدئياً قمة البندقية, الا انها لا تمانع من ان تقوم اوروبا بالتنسيق مع الولايات المتحدة لتنفيذ اتفاقيتي كمب ديفيد. من هنا كان تأكيد ابو اياد – صلاح خلف – لرئيس هيئة تحرير وكالة نوفوستي – الكسندر كراستوف – ان الثورة الفلسطينية لم تقع ابداً في وهم الانتقاد بالنسبة الى امكان وجود مبادرة اوروبية بمعزل عن الولايات المتحدة وكمب ديفيد. وهكذا تنطوي صفحة المبادرة الاوروبية لتفتح ملف كمب ديفيد من جديد.
فوزير الخارجية الاميركي المعين الكسندر هيغ يقول بضرورة التمسك باطار كمب ديفيد.. ورفض الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية, بحجة "ان تعريض انجازات معاهدة السلام المصرية – الاسرائيلية للخطر بتقديم تنازلات الى الاعداء الالداء للسياسة الشجاعة التي ينهجها السادات .. لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة.
كذلك فإن وزير الدفاع المعين كاسبار وينبيرغ اكد في حديث خاص لراديو الجيش الاسرائيلي "انه يؤيد بشدة إتفاقيتي كمب ديفيد على الرغم من انه يعتقد انهما لا تمثلان الا بداية عملية من المقرر ان تؤدي الى سلام شامل في الشرق الاوسط". وفي اطار طي صفحة المبادرة الاوروبية, وتمسك إدارة الرئيس الجديد رونالد ريغان بكمب ديفيد كما اكد هو نفسه ذلك في الرسالتين اللتين بعث بهما الى كل من الرئيس السادات ومناحيم بيغن, يأخذ التحرك الاميركي الجديد ابعاده الحقيقية. فبعد جولة سول لينوفيتش, الذي اعلن بعد زيارته لمصر واسرائيل ان مفاوضات الحكم الذاتي حققت تقدماً مهماً في الاشهر الاخيرة (؟). يقوم هذا الاسبوع الدكتور هنري كيسنجر بجولة في المنطقة تشمل الى جانب مصر واسرائيل عدداً من الدول العربية الاخرى.
ويبدو ان مهمة كيسنجر هي وضع اسس جديدة لقمة ثلاثية تجمع الرئيس ريغان الى السادات وبيغن في شهر شباط – فبراير – القادم, ذلك ان الرئيس الاميركي يقترح في اطار التمسك باتفاقيتي كمب ديفيد تعديلات جديدة تلقى قبولا لدى بعض الاطراف العربية, وتفتح الباب امام اشتراك الاردن في المرحلة التالية من التسوية السياسية دون ان يكون لهذا الاشتراك ردة فعل سلبية لدى الدول العربية الاخرى.
يبقى سؤال التالي: هل توافق مصر واسرائيل على تعديلات ريغان؟
"ان اعادة الضفة الغربية للملك حسين لن تحل مشكلة الشرق الاوسط اننا نريد حل القضية الفلسطينية.."
وأصر مبارك على ضرورة وضع اسس الحكم الذاتي اولا.. وقبل ان يشترك الاردن في اي دور.
ويعتبر هذا الموقف متطابقاً مع الموقف الاسرائيلي لمناحيم بيغن. الا ان حكومة بيغن قد لا تعيش طويلاً. والبديل المرشح هو حزب العمل الذي جدد الزعامة لشيمون بيريز واقر في الاسبوع الماضي برنامجه السياسي. وبموجب هذا البرنامج يعتبر الاردن طرفاً اساسياً في مفاوضات التسوية بالنسبة لتقرير مصير الضفة الغربية. وقد وافق مؤتمر الحزب على سياسة تخول حكومة الحزب في المستقبل الانسحاب من قطاعات واسعة من الضفة الغربية والاحتفاظ فقط بالاراضي التي تعتبر حيوية لأمن اسرائيل.
وفوض المؤتمر الى زعماء الحزب التفاوض مع الفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة وخارجها لحل المشكلة الفلسطينية. اكثر من ذلك فور عودة موشي ارانس رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست من واشنطن حيث اجرى مباحثات مع ادارة الرئيس ريغان اكد "ان المشكلة الفلسطينية لن تجد حلا الا في اليوم الذي يقرر فيه الاردن الدخول في المفاوضات".
ويعكس هذا الموقف في الواقع موقف الرئيس ريغان وادارته كما يعكس موقف اصدقاء اسرائيل وعلى رأسهم فرانسوا ميتران زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي قال اثناء زيارته اسرائيل في الاسبوع الماضي: "ان هناك حاجة الى مفاوضات مباشرة بين اسرائيل والاردن والفلسطينيين ويجب ان لا يصنع شيء حول المناطق المحتلة في عام 1967 دون مشاركة الاردن".
ومن الواضح ان الادارة الاميركية المقبلة تستبعد في حساباتها التفاوضية منظمة التحرير الفلسطينية. ويؤكد ذلك اختيار الدكتور كيسنجر مبعوثاً الرئيس ريغان الى الشرق الاوسط. فالدكتور كيسنجر هو الذي الزم الولايات المتحدة بالموقف المعادي للمنظمة خاصة بعد صدرو قرار قمة الرباط في عام 1974 باعتبار المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. ومع ان مهمة كيسنجر هي العودة بالامور الى ست سنوات الى الوراء اي الى ما قبل صدور قرار قمة الرباط, فإن فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية يقول "ان المنظمة مستعدة للقاء ادارة ريغان, شرط ان تعترف الولايات المتحدة رسمياً بالمنظمة".
ويقول القدومي ايضاً" "نعرف موقف مجموعة الرئيس الاميركي المنتخب وموقف الادارة الاميركية التي هي معادية لنا, ولكن اذا ارادوا الاتصال بنا, ففي استطاعتنا التعامل معهم".
من السابق لأوانه الجزم بان ادارة الرئيس ريغان سوف ترفض كلياً اي حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية. ومما يؤكد اي حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية. ومما يؤكد ذلك الأمران الآتيان:
1 –الاقتراحات التي عرضها في الكرملين السيناتور الجمهوري تشارلز بيرسي والتي ايد بموجبها قيام دولة فلسطينية يرئسها ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
2 –"الاحترام" الذي استقبل به مقال هيرمان ايلتس سفير الولايات المتحدة السابق في القاهرة الذي نشر في مجلة "فورن بوليسي" "السياسة الخارجية" والذي دعا فيه ادارة الرئيس ريغان الى تصحيح خطأ كمب ديفيد (كان ايلتس عضواً في الوفد الاميركي في مفاوضات كمب ديفيد, وهو يعمل الآن استاذاً للعلاقات الدولية في جامعة بوسطن) باجراء حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية.
مهما يكن من امر, فإن الشرق الاوسط مقبل ليس فقط على مواقف جديدة انما على جغرافية جديدة ايضاً. وقد بدأت الخطوط الاولى في اعادة رسم خريطة المنطقة في العام الماضي عندما اجتاحت القوات السوفياتية افغانستان. ثم عندما نشبت الحرب العراقية-الايرانية. وليست معاهدات التسهيلات العسكرية بين الولايات المتحدة وكل من سلطنة عمان والصومال ومصر واسرائيل, ومعاهدة الصداقة والتعاون بين الاتحاد السوفياتي وكل من سورية واليمن الجنوبي سوى مؤشر على حالة التأهب لرسم خطوط جديدة اخرى في تحديد معالم الخريطة الجديدة.
ان الوحدة السورية – الليبية هي خط جديد. وتحديد الحدود العراقية – الاردنية هو خط جديد اخر. وقد تبرز خطوط جديدة في مطل العام القادم: وقد يكون لبنان كما توقع كيسنجر وكما خطط في عام 1975 الضحية الكبرى... فقد اراد كيسنجر ان يكون لبنان "رصيداً احتياطياً" في بنك التسوية الاميركية. يؤخذ من هذا الرصيد لاسترضاء كل فرقاء التسوية !!.. (انتهى)
___________________




