الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 4
في حديث عن الحضور العربي في الامم المتحدة وتأثيره في صنع القرارات المصيرية
يجب مخاطبة أميركا من حضارة الكومبيوتر
لا من حضارة الشعر والمفاخرة بثروة النفط
المصدر الجمهور 6 كانون أول 1979
غسان تويني
تحدث مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير غسان تويني إلى الأستاذ عادل مالك في إطار برنامجه التلفزيوني "وجوه وأحداث" فحدد نظرته إلى الحضور العربي في الأمم المتحدة وتأثيره في صنع القرارات الدولية لصالح المجتمع العربي.
قال السفير غسان تويني رداً عن سؤال يتعلق بالحضور العربي في هيئة الأمم المتحدة:
- نحاول في الأمم المتحدة أن تظل الدول العربية على إجماع مستمر ما أمكن حول القضايا المطروحة في المجتمع الدولي. أما الوجود العربي في الأمم المتحدة فهو مرتبط بجو السياسات الخارجية. وأعتقد بأنه من الممكن إبرازه بين القضايا التي تهمنا مباشرة، والتي نختلف على معظمها مع الأسف، والقضايا التي تهم العالم والتي لا يزال بالمستطاع تأمين إجماع عربي حولها.
أما في الولايات المتحدة، فالحضور العربي، مع الأسف، يشوبه الآن حضور ذاتي، فبقدر ما تكون أميركا مضطرة للالتزام بالمصالح العربية، بقدر ما تقل الشعبية العربية في أميركا. هذه مفارقة مؤلمة، وجارحة لكل عربي يريد أن يخاطب الأميركان وأن يكتسب الرأي العام الأميركي.
وكرر السفير غسان تويني هذه الحقيقة لكي لا يساء فهمها فقال:
- بنسبة ما تزداد صلة الاقتصاد الأميركي بالاقتصاد العربي وبنسبة ما يزداد الارتباط الأميركي بالعرب، تتضاءل شعبية الصورة العربية لدى الرأي العام الأميركي.
وقال السفير غسان تويني:
- بمجيء النفط، قامت بالطبع حركة أميركية أساسها صهيوني تركز على العرب. وهذه الحركة نشأت من الصراعات القائمة حول القضية الفلسطينية وهنا يجب أن نربط بين مجيء النفط ودوره في حرب 1972، وفي إطار العلاقة العربية - الأميركية، القضية الوحيدة التي كان يمكن أن تجمع بين العرب كقوة سياسية ومتحركة هي القضية الفلسطينية.
النفط دخل اللعبة – يتابع تويني بدخوله كسلاح في الحرب العربية – الإسرائيلية. إذن دخل بصورة سلبية قبل أن يتسنى للعرب أن يوظفوا النفط إيجابية في العلاقات الأميركية – العربية. جاء النفط فحارت الدعاية الصهيونية ونجحت في إعطاء صورة عن العربي وكأنه الشيخ البشع المرتدي عباءة في يده خنجر وفي اليد الأخرى "حنفية" النفط، يهدد المجتمع الأميركي والعالم المتمدن بقطع النفط عن هذا المجتمع الذي يحتاج إليه كمصدر أساسي للطاقة بعد حرب 1973 ودخول سلاح النفط الميدان بدأت بعض المصادر الأميركية تركز أهمية الارتباط العضوي القائم بين المصير الأميركي والمصير العربي. وكان ذلك بمثابة تحد ضخم لنا أن نزيل صورة "العربي البشع" التي نشرتها "كاريكاتورات" الصحف والإعلام المشجع صهيونياً.
وتساءل تويني قائلاً:
- بماذا قابلنا هذه الصورة في أميركا، قابلناها بصورة من التاريخ، أي العربي الرومانتيكي، وأننا في العصور الوسطى كنا أكثر حضارة من الأميركان وأننا أسسنا حضارة معمارية ضخمة، كما أننا أهل أدب وفكر إلخ.. في حين أن الإنسان العربي الجديد الذي نعرفه في كل بقاع العالم العربي هو الذي حياته مستقلة عن النفط مستقلة عن الثروة العربية، هو ذاك الرسام العربي الحديث في العراق، الأديب العربي الحديث في مصر، الشاعر العربي الحديث في لبنان، المفكر الفلسطيني، كل هذه الصور الحديثة للإنسان العربي الجديد بانفعال في التاريخ المعاصر ظلت صوراً غريبة مع الأسف، عن معرفة الأميركي بنا، وبالتالي غريبة عن إمكان التأثير على الذهن الأميركي والمجتمع الأميركي بنسبة ما كانت تؤثر فاعليات أخرى منافسة لنا. وأعتقد بنسبة ما كانت تسيء إلينا صورة النفط وكأنه الشيء الوحيد الوجود في العالم العربي، كانت تسيء إلينا كذلك صورة كوننا حضارة غابرة جميلة وضخمة وذات قيمة تاريخية، ولكنها غابرة وحسب.
وعن اقتراحاته لكي يكون الحضور العربي أكثر تأثيراً في تقرير القضايا العربية قال السفير غسان تويني:
هنالك اختيارات أساسية، الاختيار الأول، وهو اختيار مهم، يجب أن نقرر كعرب، هل نريد اكتساب أميركا؟ إذا كنا نريد اكتساب أميركا أو نريد معاداة أميركا؟ إذا كنا نريد اكتساب الرأي العام الأميركي ونقيم علاقات محبة بيننا وبين الأميركان، فيترتب على ذلك مخاطبة أميركا بما تفهم وما تحب. أما إذا كنا نريد أن نحارب أميركا فلا حاجة بنا لمخاطبة الأميركان، لأن مخاطبة أميركا بمعاداتها وبشن الحرب عليها لن يجدينا نفعاً.
الاختيار الثاني: أية صورة عن العرب نريد أن نعطي. هل نريد أن نعطي عن العرب صورة العربي الفيتنامي، أم العربي الذي هو فاعل وصانع ومشارك في الحضارة الإنسانية. وهذا الخيار يجب أن يبنى ويقرر في العالم العربي.
وقال تويني: القواعد الأساسية التي انطلق منها لرسم خطة فاعلة للحضور العربي في أميركا هي الآتية:
أولاً: يجب أن ندعو إلى إنسان عربي حديث جديد متحضر، متعلق بأرضه متمسك بمبادئه وتراثه، ولكن طماح إلى خلق مجتمع عصري.
ثانياً: أن نعطي عن أنفسنا صورة مقبولة أميركياً، لا أن نجعل مقاييس المجتمع الأميركي هي مقاييس المجتمع العربي، ولكن أن نقدم المجتمع العربي للأميركيين بقصد اكتساب صداقتهم أو تأييدهم بمفاهيم مقبولة أميركياً.
ثالثاً: أن نخاطب الأميركيين بلغتهم، أي أن نحدث أميركا بالإنكليزية.
رابعاً: أن نقيم موجة عقلانية، أي أن نتوجه إلى أميركا من منطلقات العلم الحديث والصناعة الحديثة ومنطلقات حضارة الكومبيوتر، لا حضارة الشعر والمفاخرة بالثروة وبحاجة أميركا إلينا.
وخلص السفير تويني إلى القول:
- إذا تمكنا من التركيز على هذه القواعد نكون قد أقنعنا الأميركي بالقضية الفلسطينية وبالمسألة اللبنانية وبضرورة معالجتهما معالجة عادلة.
وعن تأثير الحضور العربي في صنع القرارات المتصلة بالقضايا العربية المصيرية قال السفير تويني:
- أولاً كل المستعربين، أي الأميركان الذين درسوا حضارتنا ويدرسون مجتمعنا والاقتصاد العربي، هؤلاء هم بالنسبة إلينا ركيزة هامة.
ثانياً: ركيزة الترابط النفطي والصناعي هي رأسمال ضخم إذا عرفنا كيف نسلله عبرها إلى العقل الأميركي وإلى المجتمع الأميركي.
ثالثاً: عندنا كل الطبقة الأميركية الفعالة من أصل عربي، مثل الأطباء والأساتذة في الجامعات، ورجال الأعمال، هؤلاء يشكلون خميرة ضخمة يمكن الاستفادة منها إذا حافظنا لها على ولائها الأميركي، أي أن نتصرف كمجموعة أميركية من أصل عربي، لا كمجموعة عربية أو لبنانية مزروعة كجسم غريب في صميم المجتمع الأميركي. وهذه المجموعة يمكن أن تكون أقنية متشعبة ومتعددة لإقامة فاعلية لنا، شرط أن تنقل هذه الفاعلية صورة مطامحنا المستقبلية لا صور منجزاتنا الماضية.
*********************




