العقيد القذافي - Page 25
ديموقراطية حقيقية... ولكن في جنوب أفريقيا، وليس في شمالها
د. مصطفى عـبدالله الأثنين 27 أبريل 2009
( عندما تشرق الشمس يحس الناس بوجودها، ويبصروا نورها؛ لكن بعض التعساء يتعامون عن رؤية الحقيقة، فيضيعوا الوقت والمال في البحث عن بدائل لسنن كونيه وتراث إنساني ظل يتجدد عبر العصور )
إحتل الإنجليز جنوب أفريقيا عام 1795 ثم ضمّوها الى إمبراطوريتهم التي كانت لا تغرب عنها الشمس عام 1806، وظلّت تحت السيادة البريطانية حتى عام 1910 حيث تم إنشاء دولة بإسم "إتحاد جنوب أفريقيا" كانت تتبع للتاج البريطاني ؛ وفي عام 1913 تم إصدار قانون الملكية لأهل الأرض الأصليين بحيث نص ذلك القانون على عدم تمكين أهل البلاد الأصليين من إمتلاك أكثر من 7% من مساحة مملكة إتحاد جنوب أفريقيا التي تم فيها إكتشاف كميات هائلة من الألماس والذهب في الفترة من عام 1867 الى عام 1984.
بدأت أول جذور الديموقراطية في عام 1939 عندما تم تفكيك الحزب الوحيد حينها والمسمى بحزب الإتحاد الى حزبين هما "الحزب الوطني"، و "حزب جنوب أفريقيا". بالطبع هذه الأحزاب أنشأها البيض، وظلّت حكرا عليهم خاصة بعد أن فاز الحزب الوطني في إنتخابات عام 1948 حيث جسّد حكم البيض في جنوب أفريقيا؛ ولكن الأسس الديموقراطية بين البيض ظلّت مقدّسة وكما أتى بها الإنجليز عندما إستعمروا هذه البلاد الغنية بمعادنها الثمينة.
قام الحزب الوطني بترسيخ التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وذلك بسلب حق الأغلبية السوداء من بين أيديها وإعطاءه للمستوطنين البيض وهم أقلية.
في عام 1961 أجري في البلاد إستفتاء شعبي ( للبيض فقط) من أجل إنهاء النظام الملكي وإعلان جمهورية جنوب أفريقيا التي ظلّت تابعه للتاج البريطاني من خلال رابطة ما سمي ب"الكومنويلث" أو "الرخاء العمومي" . ظلّ الحكم العنصري في جنوب أفريقيا حتى عام 1990 عندما أعلن الحاكم الأبيض "إف دبليو دي كليرك" إنهاء الحكم العنصري في جنوب أفريقيا نتيجة للضغوط الدولية المستمرّة والتي إشتملت على الحصار الإقتصادي، والثقافي، والسياسي وكان المحرّك وراء تلك الوقفة الدولية الصلبة حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" بقيادة الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلاّ.
جرت أول إنتخابات عامة في جنوب أفريقيا شملت كل سكان الجمهورية من جميع الألوان والمزيج العرقي عام 1994 وفاز في هذه الإنتخابات بأغلبية ساحقه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة المناضل نيلسون مانديلاّ الذي أصبح على إثر ذلك أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا.
لم يستأثر نيلسون مانديلا بالسلطه، ولم يستغل مكانته العالمية الحقيقية ليعلن نفسه رئيسا مدى الحياة، أو الزعيم الوحيد، أو القائد العالمي، أو عميد المناضلين، أو ملك ملوك أفريقيا؛ وإنما إعتنق الديموقراطية الحقيقية وحافظ على مبادئها بكل أمانة؛ وكان من أهم نتائج تلك العقلية المتفتحة لنلسون مانديلاّ أن فاز ثابو إمبيكي ـ في إنتخابات حرة ونزيهة ـ برئاسة الجمهورية عام 1999 منتزعا بذلك السلطة من "الزعيم العالمي الحقيقي" نيلسون مانديلا الذي أثبت بذلك على أنه قائد وليس حاكم؛ وبذلك إحتفظ لنفسه بركن لامع في التاريخ العالمي لن تغيره أو تشكك في مصداقيته الأجيال القادمة.
قام العقيد معمر القذافي بالمواصلة مع نيلسون مانديلا لكن الأخير لم يتمكن من هضم معمر القذافي، ولم يتمكن من إستيعاب طريقة تفكيره. طالب العقيد معمر القذافي من نيلسون مانديلا أن يعلن نفسه زعيما أبديا لجنوب أفريقيا لكن نيلسون مانديلا لم يكن يبحث عن زعامة، ولم يكن يحلم في أن يحمل من الألقاب أكثر من لقب واحد وهو "مناضل من أجل بلده". أعرض نيلسون مانديلا عن العقيد معمر القذافي، ورفض نظريته، وكتابه الأخضر... رفض نيلسون مانديلا "الجماهيرية" على نسج معمر القذافي، وفضّل بدلا عنها الديموقراطية الغربية التى كان يرى فيها العقل، والحكمة، وفوق كل شئ الصدق والشفافية. إعتنق نيلسون مانديلا الديموقراطية الغربية التي أساسها التداول السلمي على السلطة من خلال التنافس الحزبي النزيه الذي يرتضي بإختيار الشعب من خلال صناديق الإقتراع النظيفة. إعتنق مانديلا الديموقراطية الغربية، ولم يتوان لحظة أو يتردد في تطبيقها في بلاده؛ وكان له ما أراد.
ترك مانديلا السلطة، وخلف وراءه من إختاره الشعب ففاز ثابو إمبيكي في إنتخابات حرة ونزيهة برئاسة جمهورية جنوب أفريقيا بسودها وبيضها، وبأقلياتها العرقية الأخرى ولم يميز بين هذا أو ذاك إلا بمقدار مساهمة كل منهم في مشروع النهوض بالبلد. إنتخب شعب جنوب أفريقيا ثابو إمبيكي للمرة الثانية على رأس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحين وجد ثابو إمبيكي نفسه غير مؤهل للإستمرار في حكم بلده ـ نتيجة للشبهات التي أحيطت به فأثرت على أدائه السياسي ـ قرر ترك كرسي الحكم بمحض إرادته لمن هو أقدر منه عليه.
قرار ثابو إمبيكي بالإعتزال قبل إنتهاء مدته البرلمانية حسب قانون الإنتخابات ترك فراغا في السلطة في جنوب أفريقيا تم ملأه وفق مقتضيات الدستور بحيث تولى "كجاليما موتلانثي" رئاسة الجمهورية الى حين حلول فترة الإنتخابات الموالية؛ وكان ذلك عام 2008.
جرت في جنوب أفريقيا إنتخابات برلمانية حرة يوم 22 أبريل 2009 أتت ب "جاكوب زومه" للحكم، وفاز حزب المؤتمر الأفريقي ب 65.9% من أصوات الناخبين من الشعب الجنوب أفريقي البالغ عددهم 17,680,729 ناخبا؛ بمعنى أن عدد أولئك الراضون عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي كان قد بلغ 11,650,748 مواطنا حرا من أبناء جمهورية جنوب أفريقيا ( كم يبلغ عدد الراضين من الشعب الليبي عن حكم القذافي ؟)؛ في حين فاز تحالف الديموقراطيين ب 16.66%، بينما تحصل حزب مؤتمر الشعب على 7.42%. كان العدد الإجمالي للأحزاب التي شاركت في هذه الإنتخابات البرلمانية 26 حزبا تمثّل جميع فئات شعب جمهورية جنوب أفريقيا.
ذلك كان ما حدث في جنوب أفريقيا؛ ولكن ما الذي حدث قبل ذلك في شمال أفريقيا؟.
يتكوّن الشمال الأفريقي من 5 دول تطل على البحر الأبيض المتوسّط، وهي دول عربية تتاخم أوروبا من على الضفة الأخرى للمتوسط. جميع دول شمال أفريقيا تفتقر الى أدنى مستوى من مستويات الديموقراطية الحقيقية منذ أيام الإستقلال وظل كذلك الى يومنا هذا:
في ليبيا: لم تجر في ليبيا إنتخابات رئاسية مطلقا لإختيار الحاكم منذ عهد الإستقلال، وحتى يومنا هذا. كان في البداية وبعيد الإستقلال الملك إدريس السنوسي يتربّع على سدة الحكم بتفويض أسري وإسناد بريطاني وأمريكي لم يكن للشعب فيه رايا بأي شكل من الأشكال. بعد عام 1969 إعتلى سدة الحكم العقيد معمر القذافي إثر إنقلاب عسكري، وظل في الحكم الى يومنا هذا.
يفتخر العقيد معمر القذافي بأنه عميد الحكام العرب( أي أطولهم مدة في الحكم) ويعتبر ذلك مفخرة وميزة كبرى. كما أنه ينتظر بفارغ الصبر وفاة الحاج "عمر بونجو أونديمبا" رئيس جمهورية الغابون الأفريقية منذ عام 1967 أي بمدة سنتين قبل إستيلاء العقيد القذافي على السلطة في ليبيا ليصبح بعدها العقيد معمر القذافي عميدا لحكام أفريقيا ؛ كما أنه بموت الحاج عمر بونجو سوف يكون عميدا لجميع حكام العالم. يعتبر العقيد معمر القذافي تلك ميزة كبرى، ومفخرة غير مسبوقة.(انتهى)
__________________________




