العقيد القذافي - Page 2
تاريخ ليبيا وصولا الى اللقاءات السعودية الاسرائيلية الليبية
صبر الاسماك لباتريسيا دوس نشر شهر آذار 1997
في بداية القرن العشرين، كانت الامبراطورية التركية تعاني انحطاطاً لا مثيل له، في حين حوّلت ايطاليا أنظارها نحو ليببا في إطار سعيها إلى امتلاك الأراضي في القارة الإفريقية.
في العام 1912 حاول الشعب الليبي مقاومة السيطرة الإيطالية، لا سيما مع "مختار" القائد المشهور (وفقاً لما يظهره فيلم "ثعلب الصحراء" المعروف) إلا أنّ إيطاليا ما لبثت أن احتلّت بقعة كبيرة من الأراضي الليبية.
لكنّ بعض القبائل البربرية حاولت استعادة الحكم، لذلك لا يمكن اعتبار الاحتلال الإيطالي نهائياً إلا في العام 1931. منذ العام 1922، تمكّن مختار، بواسطة وسائل ضئيلة، من مقاومة انتشار جيش موسوليني الذي كان يدعى آنذاك "الدوتشيه" بعد أن أفسد كافة الكمائن الموضوعة على المداخل الرئيسية للمدينة بمساعدة وحدة الأنصار التي كانت تدعمه وبعد أن عمل على إغاظة "الدوتشيه" بنفسه. وفي شهر أيلول من العام 1931، تلقى الكولونيل غرازياني رسالة ورد فيها "لقد ألقينا القبض على الشيخ عمر مختار". وخضع هذا الأخير إلى محكمة استثنائية وصدر حكم إعدامه شنقاً لكنّه لم يشِ بشركائه. وما لبثت ليبيا أن خضعت للسيطرة الإيطالية حتى انفجرت الحرب العالمية الثانية في العام 1939 وأمست ليبيا مسرح العديد من المعارك بين الجيشين الإيطالي والألماني من ناحية والفصائل البريطانية من جهة أخرى.
انتهت ثلاثة أعوام من المعارك بانتصار الجيش الإنكليزي الذي سرعان ما أرغم أعداءه على مغادرة البلد فحظيت ليبيا باستقلالها وأصبحت بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 1951 مملكة على رأسها محمد إدريس المهدي السنّوسي المعروف بالملك إدريس الأول.
في العام 1953، انضمّت ليبيا إلى جامعة الدول العربية. ولم تصبح جمهورية إلا في الأول من أيلول/سبتمبر 1969 بعد انقلاب عسكري نظّمه ضابط ليبي مع عشرة مناصرين له خلال العطلة الصيفية للملك إدريس في مقرّه الصيفي.
ومنذ ذلك الحين، تولّى الكولونيل قذافي زمام الحكم وهو يفرض سياسة مغايرة تتمتّع بعلاقات إما جيّدة إما سيئة مع الاتحاد السوفياتي سابقاً وبتحالفات أحياناً إيجابية وأحياناً سلبية مع كل من مصر وتونس وهو لا يفقد الأمل بأن يشهد لولادة المغرب المتّحد الكبير.
منذ عدّة أشهر، لم يأتِ كلام القائد معمّر القذافي ضدّ ما يدعوه بالهيمنة الأميركية في أوانه، مما أغاظ الأوساط الديبلوماسية الرفيعة المستوى في حكومة ريغن، فلم تكن ردّة الفعل مفاجئة، سيّما أنّ التهديدات تزايدت يوماً بعد يوم ولم يصدّق سكّان طرابلس حقيقة التدخّل الأميركي العسكري.
لكنّ الأميركيين، بالفعل، دخلوا الأراضي الليبية بعد أن أخلَوا في تموز/يوليو 1970 القاعدة الأميركية "ويلوس" التي سرعان ما أصبحت تعرف بقاعدة "عقبة بن نافث" حين ظنّ الليبيون أنّ الأميركيين رحلوا.
لم يتمكّن الأميركيون من النيل من القائد الذي راح يرثي فقدان الابنة التي تبنّاها إلى جانب فقدان العديد من المدنيّين في مثل تلك الأحوال بعد أن أوقع القصف 37 ضحية.
منذ قطع العلاقات الاقتصادية بين أميركا وليبيا في 7 كانون الثاني/يناير 1986، لم تعد النفقات الغذائية تصل إلى الأراضي الليبية، لا عبر المرفأ ولا بواسطة طائرات الشحن، فسعى الرئيس القذافي في شهري شباط/فبراير وآذار/مارس من السنة عينها إلى التقرّب من الجزائر. أما من الناحية الأميركية، فالقيادة لم تنتظر أي إجابة بل توغّل الأسطول البحري الأميركي إلى خليج سرت. عندئذ غضب القائد القذافي وكانت ردّة فعله عنيفة على القيادة الأميركية وراح ينعتها ب"شرطة العالم". فغضب بدوره الرئيس ريغن وبدأ القصف في 15 نيسان/أبريل 1986 وتراجعت العلاقات إلى الصفر.
في 25 كانون الأول/ديسمبر 1970، أبرمت ليبيا اتفاقاً مع السودان ومصر كما أنّ فرنسا أرسلت للقائد الليببي 116 طائرة نفاثة من نوع ميراج.
وفي ذلك الحين كانت الصناديق مكدّسة على طول الطريق المؤدّية إلى البحر وهي ترمز إلى الماضي الغابر المليء بالتبادلات المتنوّعة مع الولايات المتّحدة.
نشأ القذافي في مدينة سرت وأظهر، وهو في العاشرة من عمره، ذكاء مفعماً فأرسله والده إلى المدرسة. وراح الولد معمّر كلّ أسبوع يقطع مسافة الخيمة العائلية ليصل إلى المدرسة. وفي العام 1959 تابع القذافي دروسه في مدرسة سبها في الفزان حيث أنشأ الخليّة الأولى للحركة الثورية. رغم أنّ الشرطة علمت بأمر نشاطاته، إلا أنّه لم يتوقّف بل راح يضع الرايات والشعارات تدعو إلى "الوحدة" أو "يعيش ناصر"، فالتأم حوله الشباب الذين يتوقون للتغيير. وما لبث أن نظّم مظاهرة ناجحة ضمّت ما يقارب 4000 طالباً وعاملاً. فغضبت السلطات منه ومن التجمّعات الهائلة كما يحصل في كافة البلدان، إلا أنّه باشر بدعوته للوحدة ولا سيما لوحدة كلّ العرب. فانتهى به وبأصدقائه الشباب الأمر في مظاهرات نظموها في ملعب المدرسة؟
ذات مساء وفي طريق عودته من اجتماع، تمّ اعتقال القذافي ونُسِب إليه خلال هذا الاجتماع معارضة الانقلاب الانشقاقي الذي كان السبب المؤدّي إلى قطع العلاقة بين مصر وسوريا إلى جانب المظاهرة ضدّ التجارب النووية الفرنسية في الصحراء. لا يمكننا أن نلومه على اندفاعه هذا، فنحن يمكننا أن نفسح عن نفسنا لدى حضورنا رالي باريس - داكار على سبيل المثال... ونُسِبت إليه أيضاً المظاهرة ضدّ قطع العلاقات بين سوريا ومصر و الحرب الاستعمارية في الجزائر. كيف يجرؤ ذاك الشاب على تحدّي النظام؟ هل هو طالب عادي أو مثير للفتنة؟
في العام 1961، طرد القذافي من المدرسة بسبب ممارسته للنشاطات السياسية فتابع عندئذ دراسته في مسراطة عاصمة السجاد الليبي.وحين سأله أحدهم "ماذا تريد أن تعمل حين تنهي دراستك؟ أجاب: "أريد أن أنضمّ إلى المدرسة الحربية" إذ إنّه كان يؤمن أنّ الجيش، في بلد يتآكله الفساد، يبقى المؤسسة الوحيدة القادرة على فرض إرادة الشعب".
وانضمّ القذافي إلى المؤسسة العسكرية في بنغازي. وما هي إلا سنوات حتى نشأت حركة الضباط الأحرار المؤيّدين للوحدة التي فتحت الطريق أمام الحركة الثورية. وبعد سنوات من الصبر والتحضير، قرّر القائد يوم الاثنين 1 أيلول/سبتمبر 1969 أن يباشر بثورته. التقى بأصدقائه وتوجّه معهم إلى بنغازي حيث احتلوا مبنى الراديو وانتظروا منذ الساعة السادسة وعشرين دقيقة وصول العامل الفني في الراديو. لدى وصوله، أجبروه على بث آيات من القرآن والاتصال بطرابلس حيث احتلّ أصدقاؤهم الساحة العسكرية. ووصلت الثورة إلى أوجها عند احتلال البيضاء وبنغازي من دون وقوع أي حادث. فنشر القذافي بلاغه الرسمي الأول الذي أثار إعجاب عدد كبير من الشعب الليبي لدى قراءته.
حين احتلّ القذافي زمام الحكم، كان يعي أنّ الشعب ينتظر بفارغ الصبر رؤية التغييرات التي سيجريها. وعقد اجتماعه الأول في الساحة الخضراء التي سرعان ما تحوّلت إلى الساعة الحمراء المشهورة.
تموز/يوليو 1970: رحيل الجيش الأميركي من القاعدة العسكرية "ويلوس" بعد أن سبقهم الجيش الإنكليزي بثلاثة أشهر. فخلت الأراضي الليبية من الجنود الغريبة.
توزّع الشعب إلى مجالس شعبية أساسية متعدّدة وانتخب كلّ مجلس لجنة إدارة مسؤولة عنه. أما مجموعة اللجان فشكّلت المجلس الشعبي الصغير... (الكتاب الأخضر)
وعملت اللجان الشعبية على تطهير الجهاز الإداري في الإدارات العامة. أما النقابات والرابطات المهنية فأدّت دوراً أساسياً من أجل تثبيت سلطة الشعب وإرادته. وراح العمّال يشاركون في اتّخاذ القرارات فلم يعودوا موظّفين بل أصبحوا شركاء...
يتمّ إنشاء المجلس الشعبي بعد عقد اجتماعات متتالية بين المجالس الشعبية الأساسية واللجان الشعبية من جهة والاتحادات والنقابات والرابطات المهنية من جهة أخرى (الكتاب الأخضر). وكانت اللجان الشعبية تؤدّي دورها في كلّ الأماكن، هذا ما يبرهن عن وجود ديمقراطية شعبية مباشرة حقيقية.
يتمتّع الشعب الليبي بفضل "الذهب الأسود" بورقة رابحة حقيقية. فالشركات النفطية في البلد لم تكن منظّمة لأنّ الشعب كان يظنّ أنّه لا يستفيد البتّة من ثروته. وفي حين تمّ تنظيم الأجهزة السياسية والإدارية، كان الكولونيل قذافي يجري تغييراً جذرياً في إدارات الشركات النفطية في طرابلس ويشكّ في الوقت عينه بضرورة الانتماء إلى جامعة الدول العربية بعد أن تمّ اكتشاف البترول في أراضيها سيما أنّه من الممكن أن يستفيد وحده من تلك الثروة الجديدة ليضع حدّاً للبؤس والاضطهاد من حوله. لكنّه كان متأكّداً أنّ إرادة الله مغايرة. فباشر الجهاز الحاكم باستثمار ثروة البلد لمصلحة الشعب إلا أنّ النظام الرأسمالي بقي موجوداً.
في كانون الثاني/يناير 1970، طالبت ليبيا برفع سعر النفط بنسبة 40 سنتاً للبرميل الواحد.أفاد الليبيون أنّهم يكتفون بسعر 30 سنتاً للبرميل الواحد فاضطرّت الشركات على الموافقة، هذا ما شكّل الانتصار الأول للشعب الليبي.إلا أنّ انعكاس ذلك لم يقتصر على ليبيا فحسب إذ إنّ البلدان المنتجة للنفط كالعراق وإيران رفعت أيضاً سعر برميل النفط الخام.مما شكّل بالنسبة إلى القذافي معركة جديدة هدفها ضبط الشركات النفطية ومراقبتها.و أعلن الرائد الركن جلود في العام 1971 أنّ الشركات النفطية باتت تشكّل دولة داخل دولة. بعد فترة أمّم القذافي شركته وأطلق عليها اسم "شركة الخليج العربي للتنقيب".فصارت ليبيا ترمز إلى العروبة وتناضل ضدّ الإمبريالية وتدعم قضية تحرير الشعوب.
في 17 نيسان/أبريل 1970، قرّرت كلّ من مصر وليبيا وسوريا إنشاء إتّحاد الجمهوريات العربية المتّحدة. وكانت السودان تتوق إلى الانضمام إلى هذا الاتّحاد في حين فاق حلم القذافي ذلك بكثير إذ كان يأمل أن يرى مصر تندمج ضمن تلك الدول المتّحدة.
في 12 آب/أغسطس 1972، قرّر كلّ من الرئيس المصري ورئيس مجلس قيادة الثورة الليبية إنشاء دولة موحّدة في بنغازي تعبيراً عن إرادتهما لدمج البلدين دمجاً تاماً.
في 16 كانون الأول/ديسمبر في تونس، ظهر الأمل من جديد لدى الكولونيل القذافي فأعلن ما يلي: "الشعبان الليبي والتونسي شعبان لا تفصلهما إلا حدود اصطناعية فالوحدة أمر لا بدّ منه".(للمراجعة المصدر:الصياد 21-3-1980 العدد 1846 : القصة الكاملة لاحداث قفصة )
في العام 1973، تابع الكولونيل القذافي جهوده من أجل الوحدة التامة فأفاد بما يلي:
"إنّ الروابط بين كلّ من مصر وليبيا هي بالغة الأهمية... وهي تشكّل حقيقة لا مفرّ منها أبوجود وحدة أو لا..."
في 18 تموز/يوليو، تظاهر الشعب في شوارع طرابلس من أجل التعبير عن ضرورة وجود الوحدة. لكنّ "مسيرة الوحدة" توقّفت في 23 تموز/يوليو قرب الأراضي المصرية.
بعد فشل محاولة الوحدة بين مصر وليبيا، اقترح القذافي مشروع الاندماج مع تونس، فقرّر كلّ من رئيس ليبيا ورئيس تونس تشكيل جمهورية إسلامية تتمتّح بدستور موحّد وبجيش واحد. لكنّ الاندماج لم يحصل إذ إنّ الرئيس التونسي بدّل رأيه. فلم يقتنع القذافي بذلك فقال: "ثمّة رؤساء يعترضون قيام الوحدة المحتّمة، فتلك الوحدة ستحصل رغم إرادتهم".




