العقيد القذافي - Page 16
المصدر:الصياد 21-3-1980 العدد 1846
القصة الكاملة لاحداث قفصة
نويره: رفضت تونس الوحدة مع ليبيا فأرسل القذافي مرتزقته
تونس – من سلامة عبد الرحمن:
اجمع السيد الهادي نويرة, رئيس الوزراء التونسي, والسيد عثمان كشريد وزير الداخلية, والسيد فؤاد المبزع وزير الاعلام "الصياد" على رواية واحدة حول احداث قفصة الدامية التي حصلت في 27 كانون الثاني – يناير الماضي.
يتلخص مفاد الرواية المستقاة من التحقيقات الاولية, في ثلاث نقاط:
1- تورط النظام الليبي في ارسال عناصر مسلحة تسللت عبر الحدود التونسية الجزائرية المشتركة للايحاء بأن الجزائر مشتركة في العملية وبالتالي تعكير العلاقات بين البلدين.
2- محاولة استيلاء هذه العناصر على المؤسسات الرسمية في المدينة وافتعال اقتتال اهلي, واعلان حكومة مؤقتة تعلن سقوط النظام البورقيبي وقيام حكومة جديدة تدعي العمل لانقاذ الشعب التونسي. وعندئذ يتدخل سلاح الجو الليبي بالقاء الاسلحة وانزال الجنود بناء على طلب تتقدم به هذه الحكومة المزعومة.
3- أما سبب كل ذلك فهو الانتقام من الرئيس الحبيب بورقيبة الذي رفض الوحدة مع ليبيا على اساس الصيغة التي طرحها العقيد معمر القذافي. وقد هدد الرئيس الليبي – كما قال الهادي نويرة – بتشكيل لجان ثورية تتكفل بشن حرب شعبية تسقط النظام البورقيبي.
أما التحقيقات, كما قال المسؤولون في تونس, فقد كشفت عن ان العناصر التي قامت بالتسلل هي ذاتها التي ارسلها العقيد القذافي الى لبنان وأوغندا, وبعضها فار من وجه العدالة التونسية.
وقد كشف وزير الاعلام التونسي السيد فؤاد المبزع ان بلاده طلبت مساعدات عاجلة من فرنسا والمغرب وحصلت عليها.
كما ان الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد اتصل بالرئيس بورقيبة واطلعه على حقيقة ملابسات الحادث.
تفاصيل الحادث
في الساعة الثانية والنصف من صباح الاحد 27 كانون الثاني 1980 رن جرس الهاتف في منزل السيد الهادي نويرة رئيس الوزراء, وكان المتكلم وزير الداخلية التونسي السيد عثمان كشريد ليبلغه ان عصابة مسلحة مزودة بأنواع مختلفة من الاسلحة المتعددة المصادر بدأت في الساعة الثانية من صباح اليوم هجوماً غادرا على مدينة قفصة واحتجزت العديد من السكان, والمعارك لا تزال مستمرة. وكان وقع المفاجأة كبيراً على الرئيس نويرة الذي سرعان ما ادار السماعة واستنفر اعضاء الحكومة وصدرت الاوامر لقوات الجيش بالتوجه الى قفصة والتدخل السريع لوضع حد لهذا الاعتداء الآثم. واحتار السيد نويرة هل يبلغ الرئيس بورقيبة المقيم خارج العاصمة في استراحة طبية ام لا, ولكن معرفته الجيدة به دفعته لاطلاعه على تفاصيل المحاولة اولا بأول.
وفي الساعة الخامسة والربع صباحاً اتصل وزير الداخلية السيد عثمان كشريد هاتفياً برئيس الوزراء السيد الهادي نويرة وابلغه سيطرة قوات الامن على الموقف, والقاء القبض على المعتدين, وان تقريراً بهذا الصدد سيقدم بعد ساعة لدولة الرئيس.
الرواية في وكالة الانباء الرسمية
وكالة الانباء التونسية وزعت النبأ في الصباح في بيان مقتضب قالت فيه: "قامت مجموعة مسلحة صباح اليوم الاحد عند الساعة الثانية بشن هجوم مسلح على مدينة قفصة مستخدمة انواعاً من الاسلحة المختلفة, وقد انقسمت الى ثلاثة اقسام حيث توجهت مجموعة منها الى ثكنة الجيش, واخرى الى مركز الشرطة, واخرى الى ثكنة الحرس الوطني وقد جاء المسلحون من الحدود الجنوبية الغربية".
النبأ أثار الدهشة والاستغراب الشديدين في الجزائر حيث استدعى وزير خارجية الجزائر السيد محمد الصديق بن يحيى القائم بأعمال تونس في الجزائر وطلب منه توضيحات في الموضوع, بينما اتصل الرئيس الشاذلي بن جديد بقائد الناحية العسكرية في منطقة الحدود التونسية الجزائرية وطلب منه تقريراً مفصلاً حول الموضوع.
وقد اكد التقرير العسكري على انه لم يتسلل اي شخص اطلاقاً من الحدود الجزائرية نحو تونس ولم يشاهد اي تحرك مشبوه على الحدود المشتركة.
اتصال الشاذلي ببورقيبة
في ضوء هذا التقرير اتصل الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد هاتفياً بالرئيس بورقيبة ودار بينهما حديث لمدة نصف ساعة, تأثر خلاله الرئيس بورقيبة شديد التأثر وعبر عن تقريره لهذه البادرة حيث زوده بتفصيلات عن الهجوم ومصدر الاسلحة والمهاجرين, وابعاد هذه العملية. كما شكر الرئيس الجزائري على روح التضامن الاخوي مع تونس في هذه اللحظة الحرجة وقال: ان هذا لدليل على عمق الروابط الاخوية بين شعبينا.
وكانت الساعة الثامنة والنصف عندما اعلن وزير الداخلية السيد عثمان كشريد انتهاء الهجوم واستسلام المعتدين وسيطرة القوات المسلحة التونسية على الموقف سيطرة تامة وتشكيل هيئة تحقيق في القضية ستنشر بياناً مفصلاً بالموضوع منعاً لكل التباس.
وعلى الفور قامت تظاهرات تلقائية تعبر عن استنكارها لهذا الاعتداء الاجرامي وتطالب بمعاقبة المجرمين. وبدأت برقيات الاستنكار والتأييد ترد على مقر رئاسة الجمهورية.
نويرة يتحدث للصياد
وفي حوار "للصياد" مع رئيس الوزراء التونسي الهادي نويرة حول ملابسات احداث قفصة
قال:"ان ما حدث هو عدوان مدبر قامت به مجموعة من المرتزقة القادمين من ليبيا بهدف ضرب استقلال وامن البلاد, واثارة حرب اهلية هدفها تقويض تونس وهدم كيانها انتقاماً للعقيد القذافي الذي طلب الوحدة مع تونس على اساس صيغة طرحها لا تخلو من الطرافة والضحك, وقد سبق للقذافي انذاك ان هدد بضرب تونس وتشكيل لجان ثورية تتكفل بشن حرب شعبية للاطاحة بالنظام من اجل تحقيق الوحدة معه, وها هو القذافي يفي بوعده, ويهدي تونس الخراب والقتل والدمار, فكل الادلة الدامغة, والنتائج الاولى للتحقيقات كشفت التورط المباشر للعقيد القذافي في هذا العدوان الاجرامي الاثم, فهؤلاء المرتزقة هم من الفارين من وجه العدالة التونسية, وقد تم تدريبهم في معسكرات ليبيا, وقاموا بمهمات تخريبية في لبنان واوغندا, وهذ ما يجعلنا نتخذ, مرغمين, قرارات لتجميد علاقاتنا مع النظام الليبي الارهابي بسحب السفراء, وانهاء مهام المراكز الثقافية, ونحن على يقين بأن العلاقات الاخوية بين الشعبين الليبي والتونسي لن تتأثر, فالشعب التونسي يكن كل محبة وتقدير لشعب ليبيا الشقيق الكريم, ولا شك في ان الشعب الليبي الشقيق يدرك خطورة اللعبة التي يمارسها النظام الليبي الحاكم".
رواية وزير الداخلية
أما وزير الداخلية السيد عثمان كشريد فقد سرد القصة للصياد على الوجه التالي:
في الساعة الثانية من صباح الاحد 27 كانون ثاني (يناير) 1980 استيقظ سكان مدينة قفصة التونسية على دوي الرصاص وانفجارات القنابل, وفهم انه وصلت المدينة مجموعة من المسلحين انقسمت الى ثلاث مجموعات الاولى توجهت الى ثكنة احمد سليمي, والثانية الى مركز الشرطة والثالثة الى مركز الحرس الوطني, وكان هدفها احتلال المؤسسات التابعة للسلطة وفرض حصار عليها واعلان حكومة موقتة تعمل على طلب مساعدات عاجلة من ليبيا التي كانت قد اعدت لارسال مجموعات اخرى واسلحة بواسطة الطائرات.
وقال كشريد: كانت الخطة في مرحلتها الاولى تقضي دخول مجموعة من ليبيا الى تونس على ان تتسرب من الحدود الجزائرية, للتأكيد على الانطباع بأن الجزائر تؤيد هذه المجموعة, وكانت تضم 49 شخصاً. وكان في اعتقادهم ان هناك مجموعة اخرى تنتظرهم في قفصة ويقدرعدد افرادها بـ400 شخص, لكن عندما وصلوا خاب ظنهم حيث وجدوا بانتظارهم 20 شخصاً فقط.
وهنا وقع ارتباك بين افراد المجموعة, وبعد اخذ ورد فيما بينهم قرروا الهجوم من ثلاثة محاور, وعمدوا الى الاستيلاء على عدد من السيارات الخاصة وعلى حافلة سياحية جزائرية بداخلها 44 شخصاً, وجعلوا منها حاجزاً لهم عند اشتباكهم مع قوات الامن. كما انهم قتلوا عدداً من المدنيين الذين رفضوا الانصياع لاوامرهم.
عدد الضحايا
وعدد كشريد الخسائر البشرية فقال: كانت حصيلة المعارك حوالي 18 قتيلاً وجريح من المدنيين, ومقتل 38 من الحرس الوطني, و 3 من الشرطة, وجرح قرابة 90 من افراد الحرس الوطني, واعتقال 42 من المعتدين.
واكدت التحقيقات ان ليبيا والعقيد القذافي شخصياً وراء هذا العدوان المدبر الذي يستهدف النظام والاستقلال في البلاد. كما ان الخطة التمويهية التي لجأ اليها المعتدون كانت ترمي الى الايقاع بين البلدين الشقيقين الجزائر وتونس وضرب العلاقات الحسنة وحسن الجوار, ولكن يقظة قوات الامن وسكان مدينة قفصة المجاهدة احبطت المؤامرة واكدت ارادة تونس شعباً وحكومة وحزباً بالتصدي لكل المتآمرين, وبالدفاع عن استقلال ووحدة البلاد والضرب بيد من حديد على أيدي المرتزقة والعابثين.
الاسلحة المصادرة
وعن الاسلحة قال نويرة :استطعنا مصادرة كمية متنوعة منها, كان استخدمها المعتدون والمرتزقة, منها: 40 رشاشاً, و43 بندقية رشاشة, و44 بندقية عادية, و60 مسدساً, ورشاشات كلاشنكوف, و24 جهازاً لاسلكياً, وكميات هامة من العتاد. كل هذه الاسلحة وغيرها من المعدات التي اكتشفناها في مخزن بالمدينة كانت محضرة منذ عدة اشهر لتنفيذ هذه المؤامرة.
محاولة اعلان حكومة انقلابية
وعن اهداف هذه العملية بتحديد ادق قال وزير الداخلية السيد كشريد: لقد كان الهدف من هذه العملية احداث اضطرابات في البلاد وتضمنت الخطة ان يقوم المرتزقة, بعد احكام سيطرتهم على قفصة واحتلال مراكز السلطة بالمدينة, اعلان حكومة وطلب تدخل ليبيا, التي كما ذكرت, اعدت طائرات ومعدات خصيصاً لهذا الغرض, وكانت تنتظر اشارة بنجاح المرحلة الاولى للتدخل, وقد اعترف المرتزقة خلال استجوابهم بهذه المعلومات وباشياء اخرى سنعلن عنها في الوقت المناسب".
وعن سر اختيارهم بالضبط للحدود الجزائرية التونسية: "لم يأت الاختيار عفوياً بل هو مخطط ومدبر, فالشعب التونسي يدرك ابعاد وخطورة النظام القذافي واعماله العدائية ضد تونس, وما كان له ان يتقبل عملاً مثل هذا يأتي من هناك لقد اعتقد ان مجيء المرتزقة من ناحية الحدود التونسية الجزائرية يمكن ان ينطلي على شعب تونس وسكان قفصة ويخفي هذه اللعبة, وكانت النتيجة ان تلاحم اهالي قفصة مع جيشهم ومع عناصر الامن الوطني ووضعوا حداً لهذا المخطط الرهيب.
مساعدات فرنسية ومغربية
وقال السيد فؤاد المبزع وزير الاعلام التونسي في تصريح خاص بالصياد: "ان التحقيقات اكدت تورط النظام الليبي, وكشفت عن مؤامرة خطيرة تستهدف اقامة حكومة موقتة كان من المقرر ان تعلن مباشرة بعد نجاح الخطة صباح يوم 28 كانون الثاني يناير الماضي, وتعمل على طلب مساعدات عاجلة من ليبيا. بعد ان اعدت عدداً من الطائرات الخاصة لنقل الاسلحة والافراد من اجل استكمال الشق الثاني من المؤامرة.
واضاف وزير الاعلام: امام هذا الموقف الخطر والذي يهدد استقلال بلادنا فقد طلبنا من فرنسا مساعدات عاجلة وحصلنا على هذه المساعدات العسكرية في حينها, كما ان المغرب الشقيق ارسل لنا مساعدات تضامنية تمثلت في طائرتين عموديتين وطائرة نقل".
ومن جهة اخرى اكدت كل من حركة الوحدة الشعبية لتحرير تونس المعارضة وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي يرئسها احمد المستيري وحسيب بن عمار, المعارضة استنكارهما لهذا العدوان وطالبتا باحداث تغييرات جذرية في الوضع السياسي و الاقتصادي والاجتماعي الراهن في البلاد حتى لا تتكرر هذه المأساة.
وعلمت الصياد ان سلطات الامن التونسية القت القبض على 60 شخصاً متورطين في المؤامرة الا انهم لم يشاركوا في هذا العدوان, كما ان البحث يجري للقبض عن 7 اشخاص اخرين من قبل سلطات الامن التونسية.
واكد السيد محمد الصياح بدوره للصياد: ان الحزب الاشتراكي الدستوري التونسي قرر القيام بحملة تضامن مع سكان قفصة وبتوعية الجماهير التونسية على خطر المؤامرة الموجهة ضد حرية واستقلال تونس. في حين لا تزال تونس حتى هذه اللحظة تعيش في حالة طوارىء قصوى ويسود التوتر الشديد على الحدود التونسية الليبية.
التحضير منذ 3 اشهر وروى مدير الامن العام, "للصياد" ملابسات الاعتداء فقال: الاعتداء تم وفق خطة جرى الاعداد لها والتدرب على تنفيذها منذ ثلاثة اشهر في ليبيا, واوكلت المهمة الى عناصر هاربة من وجه العدالة التونسية والمرتزقة الذين عملوا لحساب القذافي في أوغندا وفي جنوب لبنان.(انتهى)
_____________________________________




