العقيد القذافي - Page 18
أسباب انهيار العلاقات بين السعودية وليبيا
الرياض توظف جميع علاقاتها الدولية
في خدمة القضية الفلسطينية!
(الحوادث الجمعة 7 ت2 -1980 )
قالت صحيفة "التايمز" في وصفها للبرقية التي وجهها العاهل السعودي للرئيس القذافي "بأنها خطوة نادرة من جانب المملكة". جاء في البرقية: "إننا نأسف لانضمامك إلى إسرائيل عدوة الإسلام والمسلمين في معارضة طلبنا هذه الطائرات".
ويبدو من النبرة التي صيغت بها برقية الملك خالد، ومن هجوم الإذاعة السعودية المستمر على الرئيس القذافي، أن المسؤولين في الرياض قد غضبوا من إقحام المقدسات الإسلامية في مشاكل الخلافات السياسية. وأعلن بعضهم أن الزعماء العرب الذين اختلفوا معنا في الماضي والحاضر، قد راعوا هذا الموضوع الحساس ولم يقحموا المقدسات في السياسة. خاصة وأن المملكة تعتبر نفسها القيمة على هذا التراث، والمكلفة بحمايته، الراعية لشؤونه والحريصة عليه بأن يبقى في منأى عن الخلافات السياسية. من هنا اتخذ وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز. قراره بمنع بعض الحجاج الذين كانوا يهمون بتهريب المنشورات السياسية على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم، وأعلن أن الحجاج القادمين لعبادة الله يلاقون كل الترحيب، أما الذين يهدفون إلى تنفيذ خطط سياسية على حساب الدين ووحدة الإسلام فغير مقبولين.
ومع أنه لم يعلن إلا القليل عن زيارة السيد الحبيب الشطي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، للملك خالد والمسؤولين السعوديين... إلا أن المعلومات أفادت عن وساطة مستعجلة لمنع تدهور العلاقات بين الدول الإسلامية والعربية، وخاصة بين السعودية وليبيا وبين العراق وإيران.
ولقد فوجىء الشطي بأن الرياض قد قطعت علاقاتها مع ليبيا. وقال له المسؤولون بأن المملكة قد صبرت كثيراً على الإساءة والتطاول. ومع هذا فقد تحملت التهجمات من الجميع وارتضت أن تبقى حلقة الوصل بين مختلف الدول العربية المتخاصمة والساعية إلى وصل ما انقطع وجمع ما تفرق. تشهد على هذا الزيارات التي قام بها الأمير فهد خلال العشر سنوات الماضية. ومع أنها ستظل تحتفظ بهذا الدور، ولكنها ترفض أن يفسر من قبل بعض الأنظمة بأنه قصور أو عجز تخاذل. لذلك قررت أن تعدل في استراتيجيتها السياسية، عربياً ودولياً، وتتحول في موقفها من الدفاع إلى الهجوم، خاصة في الشؤون القومية الأساسية التي لا تساوم عليها ولا تهاون.
ولقد أعارت الصحف الأجنبية الموقف الجديد اهتماماً كبيراً، فكتبت "الهيرالد تريبيون" تقول بأن إدارة كارتر قد أخطأت في تقديرها لاحتمالات ردود الفعل التي ستقوم بها السعودية إذا ما كرر الرئيس كارتر انتقاده ولو لأسباب انتخابية. وذكرت الصحيفة بما حصل لبريطانيا عندما أخطأت هي الأخرى في تقدير ردود الفعل بسبب فيلم "موت أميرة" وكان ذلك من حط فرنسا. وبالرغم من المحاولات اليائسة التي قام بها وزير الخارجية اللورد كارينغتون لإصلاح ما أفسدته الدعاوى الصهيونية، إلا أن ذلك لم يصلح الأمور كما تتمنى مسز تاتشر.
وكانت الصحيفة تعلق على الحديث الذي أدلى به كارتر إذاعة "ركو" الأميركية الأسبوع الأسبق، عندما قال بأن الولايات المتحدة لن تزود السعودية بأجهزة هجومية للطائرات التي تمتلكها والتي قد تستخدم ضد إسرائيل. ومما يذكر أن السعودية كانت قد طلبت من الإدارة الأميركية تزويدها بخزانات وقود إضافية وأنظمة لقذف القنابل لطائراتها ؟إف – 15". وقام اللوبي اليهودي بحملة في الكونغرس لأن إسرائيل ستكون هي المستهدفة من هذا التطوير.
وقد ردت الحكومة السعودية على كلام الرئيس كارتر، بأنه للاستهلاك الانتخابي. وإذا كان هو حقاً يعني ما يقول فإن المملكة لا تعدم البدائل، وهي تعرف كيف تحمي أمنها وتدافع عن القضية القومية مستخدمة لذلك كل إمكاناتها.
وتشير معلومات من واشنطن إلى أن كارتر قد اعتذر عما سماه "حمى الانتخابات" وقال إنه موافق على التعديلات التي طلبتها وزارة الدفاع السعودية.
وكان وزير الدفاع الأمير سلطان بن عبد العزيز قد صرح: "بأن علاقات بلاده مع أي بلد آخر تقوم على الاحترام المتبادل. وهي لا تتطلب أية معاهدات أو أحلاف. إن بقاء الطائرات التي طلبناها مرهون برغبتنا وإرادتنا لأننا نملك حرية القرار والموقف".
وقد نقل على لسان مسؤول في الرياض قوله أن طهران هي التي هددت بأنها ستضرب آبار النفط في السعودية وأنها كانت جادة في تصريحها. لذلك كان من الطبيعي أن تتم وسائل الحماية والردع والوقاية على أقوى المستويات، لأن هناك مسؤولية تجاه الشعب إذا ما نفذت هذه التهديدات.
وقال المسؤول أنه يستغرب جداً هجوم المنتقدين لأن المملكة قررت الدفاع عن نفسها... دون أن تذكر كلمة ضد الذين كانوا السبب في عملية الدفاع عن النفس.
وحتى بعدما هاجمت طهران المملكة وأعلنت بأنها ستقصف مصافيها، اجتمع وزير الخارجية بالوكالة الأمير سلطان (كان الأمير سعود غائباً في الأمم المتحدة) بسفير إيران في السعودية، وأبلغه حرص المملكة على إزالة الوضع المتأزم بين بلدين إسلاميين مثل إيران والعراق، وقال له إن الملك على أتم الاستعداد للتدخل عندما يطلب منه، وذكر يومها على لسان السفير الإيراني بأنه لقي كل تجاوب واهتمام لدى المسؤولين في الرياض.
والمعروف أن السعودية قد حاولت في كل المناسبات فتح الحوار والتعاون مع الثورة في إيران. وكانت في كل مرة تقابل بالسلبية. ففي المؤتمرات الدولية أعطيت التعليمات للديبلوماسية السعودية بأن تؤيد مواقف طهران بدون تحفظ. وأثناء الفيضانات كانت المعونات التي قدمتها المملكة هي الأسرع والأضخم. وعندما زار قطب زاده الخليج قيل له بأن يتفضل على الرحب والسعة. وأكثر من هذا – كما يقول أحد الديبلوماسيين العرب – أن الأمير سعود الفيصل كان يتحدث مرة على الهاتف مع وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد. أثناء زيارة قطب زاده للكويت وأعطاه السماعة وتحدث معه ودعاه لزيارة السعودية. ورد قطب زاده "إن شاء الله"...
ولكن الزيارة لم تتم.
ويضيف أحد الوزراء السعوديين فيذكر بأن المملكة تتعاون مع جميع الأنظمة من موقع الاحترام المتبادل. ويروي أن شاه إيران كان سيقوم بزيارة رسمية للرياض. وقبل وصوله بيوم واحد قام الشيخ عيسى بن خليفة بزيارة مفاجئة للملك فيصل وطلب منه أن يطرح موضوع استقلال البحرين، وقال إنه قد تلقى تهديدات بأن الشاه سيضم هذا البلد العربي. وغضب الشاه من زيارة الشيخ عيسى واعتبرها تحدياً له وألغى الزيارة دون أن يعلم الملك. ولم يصدر أي رد فعل من المملكة سوى أنها احتفظت بوعدها نحو عروبة البحرين. وهو الوعد الذي سلم به الشاه بعدما اعتذر من الملك فيصل في أواخر 1969، واقتنع بوجهة نظره. ودور الملك فيصل في استقلال البحرين معروف لدى الأمم المتحدة.
ويضيف المسؤول: نحن لم نشتم إيران، ولكننا حاولنا دائماً البحث عن علاقات جيدة معها. ولكنها علاقات تعزز الشعور المتبادل بالاحترام... وتلغي العداء والمهاترات. وهذا ما فعلناه دائماً في علاقاتنا مع الرئيس القذافي. فقد قام بزيارة المملكة وزرناه، وكان التعاون بين بلدينا قائماً على أفضل المستويات. خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية التي يعرف جيداً أن السعودية تعتبرها قضيتها المركزية، وأن دورها في جمع كلمة العرب – إن كان في الحرب أو في السلم – هو الدور الذي كان ينقذ القسمة والتفرقة والتشرذم. بدءاً بحرب 1973 وانتهاء بمؤتمري بغداد وتونس.
وتشير معلومات بيروت إلى أن السيد الحبيب الشطي لم ييأس... وإن هناك محاولات أخرى ربما تقوم بها إحدى دول عدم الانحياز بالتعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية وذلك بهدف إنقاذ الوضع من التردي. خاصة بعدما انضمت تونس وسلطنة عمان والأردن والعراق إلى الموقف المؤيد للمملكة. ويتوقع المراقبون انهيارات جديدة في الصف العربي ربما يصل إلى الصف الإسلامي. وهذا ما يؤثر على القضية المركزية، أي القضية الفلسطينية.
وفي هذا أعلن السيد ياسر عرفات عن دور منظمة التحرير بقوله: إننا سنواصل جهودنا الخيرة كما تعودنا. وسنبقى جسور ثقة في أمتنا العربية وفي منطقتنا لكي تتوجه كل البنادق وكل الأنظار نحو القدس الشريفة".
وتحت هذا الشعار يمكن لمنظمة التحرير أن تلعب هذا الدور.(انتهى)
_______________________________




