الثورة الاسلامية الايرانية - وقفوا للشاه جميعاً باستثناء واحد هو... آية الله الخميني
اقتحم الشاه خلوة رجال الدين في "قم" عام 1963
فوقفوا له جميعاً باستثناء واحد هو... آية الله الخميني
فقال له الشاه: كان يجب ان آتيك بجزمة والدي...
فردّ عليه الخميني: ولكن جزمة والدك كبيرة عليك!...
(الجمهور 22 شباط 1979 )
يصفونها بأنها أضخم ثورة في العصر الحديث. حّركها رجل واحد وقادها في مفازات متناهية الخطورة الى ان ارسى قواعدها في المرفأ الامين. هذا الرجل المتواضع, البسيط, الصلب, الذي بدا انه لا يعرف المساومة ولا المزايدة, يحمل على منكبيه الان ثقلاً باهظا. ثقل اعادة بناء دولة كبيرة تعد حوالي 300 مليون انسان. دولة انهار كل ما فيها خلال شهور الكفاح الطويلة وأصبح على زعيم الثورة آية الله روح الله الخميني, ان يعيد البناء حجراً حجراً ولبنة لبنة.
فمن هو هذا الرجل؟ وماذا يخبىء له الغد؟
برغم كل ما كتبته الصحافة العالمية عنه. عن كفاحه. عن مقاومته العنيدة لنظام عرف بالقسوة والعنف واتهم سيده بالغطرسة, فثمة جوانب من شخصية هذا الرجل الفريد ما تزال مجهولة لا يعرفها الا قلة من الذين تابعوا نضاله المتواصل طوال خمسة عشر عاما.
من هؤلاء النقيب رياض طه, الذي تتبع خطوات الزعيم الشيعي منذ 1963 كما التقاه في أكثر من مناسبة فكّون عنه فكرة, وحصل على معلومات جديرة بتسليط اضواء جديدة على جوانب مجهولة من شخصية آية الله الخميني يعرضها في هذا الحديث:
-
جاء في تصريح نشرته الصحف انك زرت آية الله الخميني عندما كان في فرنسا, في شهر تشرين الثاني, فما هو انطباعك عن هذا الرجل الذي يملأ اليوم سمع العالم وبصره؟
- لقد كان اللقاء مع الزعيم الديني مفيداً جداً. وقد تأثرت بشخصيته القوية ومهابته الطاغية كما أعجبت ببساطته وميله الى العيش المتقشف الزاهد. غير اني اعترف بأن شخصيته لا تفسح في المجال لأي انسان ان يناقشه, وينتقد خطته وذلك لما يفرضه على جليسه من احترام آسر. فلقد كان في نيتي ان أردد على مسمعه مثلا عربيا قديماً هو: "لا تكن لينا فتعصر ولا قاسيا فتكسر" غير أن الجو الذي خيم على لقائنا لم يسمح لي بابداء هذه الملاحظة. واني أحمد الله اليوم على اني لم اقل ذلك في حينه لأن صلابة الرجل قد نجحت وان ملاحظتي في محلها لأنه كان يملك من المعطيات ما لا نعرف عن استجابة شعب ايران له واستماتة الشعب في مقاومة سلطة الشاه. -
متى سمعت بالخميني, لأول مرة, وهل كنت على علم بجهاده في الماضي؟
- كان السيد الخميني مغمورا فيما مضى بالنسبة الى القراء العرب والاجانب ولكنه كان معروفا في ايران وفي النجف وبعض انحاء العراق كما كان معروفا في بعض الاوساط الشيعية في لبنان وسائر البلدان العربية. واذكر اني سمعت باسمه لأول مرة في صيف 1963 حيث جاءني أحد رجال الدين من مشايخ الجنوب بأخبار عن "حركة الامام الخميني" وقد نشرت شيئاً من تلك الانباء في جريدة "الكفاح" حينذاك. ولقد سطع نجم الخميني لأول مرة في تلك السنة بالذات عندما قاد حركة علماء الدين الايرانيين ضد سلطة الشاه لأنها اصدرت قانونين أحدهما يقضي بتوزيع الاراضي العائدة لرجال الدين. والقانون الثاني يتعلق بإعطاء المرأة حقوقها السياسية. فقد تبين للعلماء ان المقصود بالقانون الاول تجريد الاوقاف والحوزات الدينية من الاراضي تشكل لها ريعا يضمن استغلالها وقد طالب الخميني يومئذ باستصلاح الاراضي الايرانية التي تشكل النسبة الكبرى من الاراضي المزروعة وتوزيعها على الفلاحين. اما بشأن قانون إعطاء المرأة حقوقها فقد تبين لرجال الدين ان المقصود بذلك الخروج على قواعد الدين والتقاليد والعادات المرعية في ايران. ويومها أراد الشاه ان يتحدى حركة رجال الدين فذهب الى عاصمتهم الدينية "قم" واقتحم آيات الله والعلماء في مجلسهم لمجابهتهم. وقد وقف رجال الدين جميعا احتراما للشاه باستثناء واحد هو السيد روح الله الخميني, الذي كان والد الشاه الحالي قد قتل والد الخميني في حملته ضد رجال الدين. وكان الشاه يعرفان الخميني هو قائد الحركة الدينية الجديدة ضد السلطة, فشاء ان يهدده بمصير والده لذا قال له: "كان يجب أن أتي اليك وأنا ألبس "جزمة" والدي... فرد الخميني بقوله: "ولكن جزمة والدك كبيرة عليك".
وكان ذلك الموقف من المواقف المشهورة التي جعلت اسم الخميني يرتفع عملا بالحديث الشريف: "أفضل جهاد كلمة حث في حضرة سلطان جائر". -
وماذا عن سجن الخميني ونفيه؟
- في تلك الفترة بالذات, أي في مطلع صيف 1963, راى الشاه أن يقمع حركة الخميني بالالقاء به في السجن, مما زاد في شهرته وفي التفاف الايرانيين حوله, فضلا عن النجفيين وسائر علماء الشيعة. وفي يوم خروجه من السجن, ألقى آية الله الخميني خطابا عنيفا في منزله هاجم فيه الشاه واتهمه بأنه عميل للاستعمار وبأنه متعاون مع اسرائيل التي تحتل اراضي فلسطينية وتعتدي على مقدسات اسلامية. ورد الشاه على التحدي بنفى الخميني الى تركيا, حيث أمضى سنتين ثم انتقل الى النجف في العراق وبقي حتى أخر صيف 1978. -
ثم لماذا اختار فرنسا منفى جديدا له دون كافة الدول الاسلامية؟
- هناك اكثر من رواية, الا أن ارجح الروايات هي رغبة الخميني في ايجاد منابر عالمية, بعدما ضاقت به النجف. وقيل انه قصد الكويت ثم عاد من الحدود الى النجف بعدما ثبت له ان السلطات الكويتية كالسلطات العراقية لا تستطيع ان تفسح له المجال الاعلامي كما يتسنى له في عاصمة كباريس. -
هل تعتقد ان حركة دينية صريحة كحركة الخميني خليقة بإدارة سياسة دولة عصرية كبيرة كإيران في أواخر القرن العشرين؟
- إذا عرف الخميني وأعوانه المثقفون العصريون كيف يوفقون بين روح الاسلام وبين مقتضيات التطور فان هذه الحركة سوف تنجح في الحكم كما نجحت في المعارضة. ذلك لأن روح الاسلام لا تناقض التحديث والعصرية, انما المشكلة هي في القوالب الجامدة التي يتمسك بها رجال الدين المتخلفون. على ان تطبيق الشرع الاسلامي بل النظام الاسلامي الكامل في الحكم لم ينجح الا في فترات قليلة في التاريخ. وهذا ما استوقف المؤلف الفرنسي الكبير غوستاف ليبون منذ خمسين سنة عندما ألف كتابه "الحضارة العربية" إذ تساءل: " كيف نجح النبي وبعض خلفائه في إدارة دولة اسلامية من كبرى الدول العظمى في حينها, بينما فشل خلفاء وملوك اخرون في ادارة هذه الدولة بل في المحافظة عليها". وقد وجد ليبون تفسيرا وحيدا لهذه الظاهرة هو ان النظام الاسلامي يتطلب من الحاكم الاحاطة بكل شأن من شؤون الناس والتدخل في امورهم الدنيوية والدينية, ولذا فلا ينجح الحاكم بإداء هذه المهمة الا اذا كان عبقريا. واستنتج المؤلف الفرنسي بأن انهيار الدولة الاسلامية وسقوطها وتجزئتها كان بسبب وجود قادة من غير العباقرة على رأس تلك الدولة. -
هل تعتقد ان قيام دولة شيعية كبيرة في العالم الاسلامي أمر يضعف وحدة الصف بين المسلمين؟
- نقد طرح الخميني حتى الان مبدأ "الجمهورية الاسلامية" لا "الجمهورية الشيعية". واذا كان قصده من ذلك العودة الى الينابيع والى اصول الاسلام وتخطي الفروقات والخلافات السياسية والمذهبية التي قسمت المسلمين بعد اذن فان في هذا الطرح ما يساعد على توحيد كلمة المسلمين لا على تجزئتها. وفي رأيي ان على الدول العربية, كما سبق وصرحت الى بعض الصحف, ان تبادر الى توثيق صلاتها بإيران الجديدة لكي تجعل من دعوة الخميني عامل توحيد وعنصر تضامن عربي – ايراني نحن في حاجة اليه اكثر من ايران, ذلك ان ايران الشاه كانت حليفة لاسرائيل وايران الخميني تتبنى قضية فلسطين أكثرمما تتبناها الدول العربية. ومن المفارقات المؤلمة ان نجد مصر اليوم في جانب المتعاطفين مع اسرائيل في حين تنتقل ايران الى جانب العرب.
ولقد شاركني في هذا الرأي بعض الشخصيات التي قابلت ولي العهد السعودي الامير فهد بن عبد العزيز الذي كان يدعو في مجالسه مع الشخصيات العربية الى وجوب تعزيز الصلات الاسلامية انطلاقا من نجاح حركة الخميني.




