الثورة الاسلامية الايرانية - إيران: من يسرق الثورة؟

Friday, 19 June 2009 17:17 | PostAuthorIconWritten by | PDF Print E-mail
Article Index
الثورة الاسلامية الايرانية
Page 2
كيف استقبلت بيروت
المعتدلون يصالحون الحكم
Page 5
مهمّة الطباطبائي في الجنوب: نسف الوقيعة بين الشيعة والفلسطينيين
الخاسر الاكبر ...اميركا
لقاء الشيعة والشيوعية.. ودول الخليج العربي
المنتصر..آية الله..
وقفوا للشاه جميعاً باستثناء واحد هو... آية الله الخميني
الصدمة الكهربائية المعاكسة...
Page 12
البريطانيون يعملون ضد اميركا لتكون لهم حظوة لدى الخميني
صادق طباطبائي يعلن (البلاغ رقم 1) في الجنوب
ايران.. هل بدأت تواجه التحدي الكبير
إيران: من يسرق الثورة؟
بريجنيف ينفذ وصية لينين في افغانستان!
حياة الامام الخميني صفحات ناصعة من علم الثورة والايمان
الازمة الايرانية من الداخل
رئيس حركة امل للصياد: امل لبنانية عربية لا ايرانية.. الامام الصدر حي
المكوك الجزائري بين طهران وواشنطن
قرار أميركي : موت الشاه؟
لعبة الكلمات المتقاطعة في ايران تبدو مهمة مستحيلة...
داوودي والقذافي يؤكدان على تعزيز العلاقات بين ايران وليبيا
Page 25
الجمهورية الصعبة (إيران في تحولاتها الداخلية وسياساتها الإقليمية)
الوكالة تقلب نظام مصدق في إيران
Page 28
All Pages
Page 16 of 28

إيران: من يسرق الثورة؟

المصدر الكفاح العربي 12/11/1979
نبيه برجي

• الخميني يواجه محاولة "انقلاب مقنع" بنقل الحرب إلى الأرض الأميركية.
• معلومات دبلوماسية إلى عاصمة عربية تؤكد تواطؤ بعض المسؤولين الإيرانيين في المحاولة.
• موقف إيران من "كامب ديفيد" والثورة الفلسطينية محور أبحاث تقوم بها لجان مشتركة أميركية – إيرانية من وراء ظهر الخميني.
• الاستخبارات الأميركية تهيىء عناصر في ألمانيا الغربية وإسرائيل وكوريا الجنوبية لتأهيلها لتتسلم السلطة في الوقت المناسب.
• استرداد الشاه كشعار لعملية السفارة الأميركية ليس أكثر من "مؤثّر صوتي".

لا أحد يستطيع أن يقول: كيف سينتهي مأزق احتلال السفارة الأميركية في طهران؟ والمأزق هذا ذو وجهين. إنه مأزق لمحتلي السفارة. ومأزق للأميركيين أيضاً. فلا أحد يظن أن محتلي السفارة سيدقمون على قتل الرهائن.. ولا أحد يتصور أن يندفع كارتر إلى إرسال "المارينز" الأميركيين لتحرير السفارة الأميركية – إلا إذا كان مستعداً لاحتلال إيران كلها لتحقيق ذلك.. في الوقت الذي لا يبدو بإمكان دولة بحجم الولايات المتحدة ألا تنزل عند مطلب تسليم الشاه.. كل ما يمكن أن تفعله هو أن تصبر أكثر، وتعلن اليوم الذي دخل فيه الشاه أراضيها. ثم تعلن أنه هو نفسه قرر الرحيل منعاً للحرج، أو لأن علاجه من مرضه ليس في مستشفيات أميركا.. إنما في مستشفيات جزر باهاما.
مع ذلك فإن الدلائل عديدة على أن عملية السفارة الأميركية ليست هي كل الحرب الإيرانية – الأميركية.. وأن هذه الحرب مرشحة للاتساع ولمزيد من الخطورة.
والذين يرقبون نتيجة هذه العملية ليسوا فقط الولايات المتحدة، بل هناك أيضاً أميركيو الداخل.. الأميركيون الإيرانيون.. والبريطانيون.. والأكراد وعربستان.. والعراق، وكل من له معركة أو قضية مع السلطة الإيرانية أو مع الثورة الإيرانية.
وإذا كان البعض يرى أن حكومة الدكتور مهدي بازركان كانت أول ضحايا عملية السفارة الأميركية فلا بد من الاعتراف بأن سقوط هذه الحكومة لم يكن يحتاج إلا لعربة عليها "ميكروفون" يهتف باسم الخميني وبسقوط بازركان. وربما يسود الاعتقاد بأن سقوط هذه الحكومة يثير استياء الأميركيين الذين كانوا مرتاحين إلى اعتدالها بالمقارنة بالمجلس الثوري. ولكن يبدو في الحقيقة أن ارتياحهم لسقوطها أكبر. لأن ذلك وفقاً للتصور الأميركي يوقع الفراغ اللازم لتدخل عناصر أخرى. ومن يمكن أن يكون المقصود بعناصر أخرى إلا جنرالات الجيش. وبالتالي فلن يكون بازركان أول وآخر من يسقط.. وسيتلوه آخرون.
ومن وجهة نظر الثورة الإيرانية بمفهومها الخالص المجرد – أي من وجهة نظر خمينية خالصة – فإن العكس هو الصحيح إن استقالة حكومة بازركان قد سدت الفراغ الذي كان حاصلاً في المسافة بين المجلس الثوري والحكومة. وأن المجلس الثوري قادر على القيام الآن بمهامه متخلصاً من بيروقراطية الوزراء واعتدالهم.. على أقل تقدير.
مع ذلك، فإذا كانت الدنيا كلها تقوم الآن ولا تقعد لأن السفارة الأميركية التي كانت حاكمة في طهران أيام الشاه أصبحت حكومة بمجموعة من الطلاب الإيرانيين الذين يطالبون بتسليم الشاه السابق.. فإن ما يجري خلف كواليس الصدام بني الثورة الإيرانية والقوة الأميركية من صراعات هو أخطر كثيراً من مصير مجموعة الدبلوماسيين والموظفين الأميركيين.
هناك من يقول إن الثورة الإيرانية لم تمنح لها فرصة "هدنة" من الصراعات منذ أن أطاحت بالشاه.. لا أميركا هدأت، ولا السوفيات راضون. ولا العرب يريدون منح إيران الثورة فرصة لالتقاط أنفاسها. من يتحالف معها يريد منها أكثر مما يستطيع ومن يخالفها يضغط عليها بأكثر من احتمال صبرها.
لكن هناك أيضاً من يقول: الثورة الإيرانية هي التي فتحت على نفسها كل أبواب المشاكل دفعة واحدة. لقد أطلقت العنان للآراء المتطرفة الفردية. فهذا ضد عروبة الخليج.. وهذا يريد البحرين.. وذاك متهم بالعمالة للاستخبارات الأميركية. والكل يتمسحون باسم آية الله الخميني وباسم الثورة.
ولا يبدو أن الشعب الإيراني نفسه راض عن ما يجري من حوله بعد كل التضحيات التي قدمها.
والحقيقة وإنما بكليتها لا تقف مع هذا الطرف أو ذاك.. إنما في الغالب في موقع وسط.
ولكن الحقيقة لا تتمثل في مشاكل إيران وصراعاتها البادية على السطح اليوم. إنما الأصل هو في الصراعات "التحتية" التي تجري تحت الموائد لا فوقها.
وإذا كان هناك شعور لدى الجميع. لدى الشعب الإيراني نفسه ولدى كل من صادقوا الثورة الإيرانية من البداية.. وحتى لدى من تحفظوا على أساليبها وزعاماتها هو أن كل القوى تريد الآن أن تسرق الثورة الإيرانية. ويبدو وكأن المسألة هي مسألة وقت ومسألة من. من تسرق الثورة ومن الذي سينجح بين كل المتكالبين عليها في سرقتها؟".
لكن ما هي أولاً قصة الصراعات "التحتية" أو الخلفية التي لا تجد طريقها عادة إلى الصفحات الأولى من الجرائد وإلى الخبر الأول في نشرات الأنباء.
قبل أسابيع قليلة فوجىء رئيس دولة عربية ليست بعيدة كثيراً عن إيران، خاصة من الناحية السياسية – بتقرير رفعه إليها ممثل هذه الدول في الأمم المتحدة حول "تحركات" يقوم بها بعض رجال السلطة في إيران – ومنهم من يشغل مراكز حساسة – وهي تحركات تدور حول نقطتين هامتين:
- مستقبل العلاقات الإيرانية – الأميركية وكيفية التحكم في اتجاهاتها.
- موقف طهران من السلام الأميركي في الشرق الأوسط.. أي بالتحديد من "كامب ديفيد" ونتائجه من ناحية، ومن المقاومة الفلسطينية من ناحية.
ولم يتردد التقرير المرفوع من رئيس الوفد العربي في الأمم المتحدة إلى رئيس جمهوريته في أن يقول على وجه التحديد أن النقطتين غير منفصلتين بالطبع.. ولكن الأبحاث الدائرة بشأنها بين "بعض المسؤولين الإيرانيين" و"دوائر أميركية رسمية" تفصل بينهما على أساس أن موقف طهران من الشرق الأوسط هو جزء من كل أكبر هو العلاقات الإيرانية – الأميركية.
ويزيد التقرير أن "لجان عمل إيرانية – أميركية مشتركة" قد شكلت. ويستنتج واضع التقرير أن ذلك "بمعزل تام" عن الإمام آية الله الخميني، ولكن بمباركة من بعض وزراء حكومة الدكتور مهدي بازركان (المستقيلة) وعدد من ضباط الجيش المعروفين بميول فارسية متعصبة ومعادية للعرب، وهم – وهذا أهم – نفس الضباط الذين نظموا في الأشهر السابقة إعادة التعاقد على الأسلحة الأميركية للجيش الإيراني.
ويضيف التقرير الدبلوماسي أن هدف هذه اللجان يتعدى كثيراً حدود الاتفاقات الجزئية لدعم علاقات أميركية – إيرانية أكثر مراعاة لمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية والاقتصادية مع إيران.. إنما يمتد إلى "تكريس حالة انقلاب مقنع داخل إيران يتحول فيه آية الله الخميني إلى مجرد رمز يتراجع تأثيره عن السياسة الإيرانية العليا، وينحصر في الشؤون الدينية والأخلاقية، ويكف تماماً عن أن يكون له قرار بشأن محورين أساسيين للعلاقات الإيرانية – الأميركية هما النفط والسلاح.
ويفيد التقرير – أكثر من هذا – أن الولايات المتحدة لا تريد أن تخوض هذه اللعبة وحدها.. ولا بنفسها مباشرة. فثمة اتصالات مصرية – إيرانية في نيويورك أيضاً – ودون علم الخميني فيما يستنتج – تهدف إلى إزالة التوتر تدريجياً بين القاهرة وطهران عن طريق الاستفادة من الغبار الكثيف الذي يثيره اضطراب العلاقات بين إيران حالياً وعدد من الدول العربية الأخرى فيكون تعزيز العلاقات من جديد بين طهران والقاهرة على خلفية من هذا الاضطراب، لحساب تفكيك العلاقات الإيرانية – الفلسطينية الخاصة التي وصلت إلى حد تؤكد معه جهات عربية ودولة بأنها تلعب دوراً أساسياً في بلورة معادلات جديدة في المنطقة وأنها ليست بعيدة بتأثيراتها عن انطلاق منظمة التحرير الفلسطينية في هجومها الدبلوماسي العالمي الأخير. وهو أمر أكدته أنباء وساطة منظمة التحرير الفلسطينية لدى سلطات الإمام الخميني من أجل إطلاق سراح رهائن السفارة الأميركية المحتلة في طهران.
ويتضح  من التقرير أن هناك قدراً كبيراً من المصداقية أو على الأقل  الاقتراب من الحقيقة في الاتهامات الموجهة داخلياً في إيران إلى عدد من الشخصيات البارزة بالولاء للولايات المتحدة بحكم تربية جامعية أميركية أو تأثيرات أيديولوجية معينة أو بحكم صلات قديمة لم تنقطع على الرغم من انخراط هذه الشخصيات في صفوف الثورة ضد الشاه في المرحلة الأخيرة. وهكذا فإنه خلال السنة الماضية كلها نجح عدد من المسؤولين الإيرانيين في لعب دور بارز ي تثبيت عدد من بقايا الأرستقراطية السابقة والأشخاص الذين يرتبطون بشكل أو بآخر بالولايات المتحدة في مناصب حيوية. وبالفعل فإن بعضاً من هؤلاء كانوا في الخارج وقت انفجار الثورة، وعادوا إلى طهران "في خط مستقيم" إلى جهاز السلطة دون أن يدري أحد كيف تسنى أن يسقطوا من اللائحة السوداء ليستقروا في أمكنة مرموقة.. على اللائحة البيضاء.
(وعندما يقول واحد من أقرب رجال الإمام آية الله الخميني – هو الحسن بني صدر – في حديث مع "الكفاح العربي" في هذا العدد أن النظام القديم يمكن أن يعود حتى بدون الشاه.. فإن وقائع هذا التقرير تكتسب قدراً أكبر من المصداقية. إنها شهادة من داخل البيت بما فيه من غرائب).
وبطبيعة الحال فهؤلاء لا تتيسر مهمتهم إلا بإزالة الأحجار الكبيرة من طريقهم داخل إيران نفسها.. أي كل القوى المعادية للولايات المتحدة بطبيعة توجهاتها الأيديولوجية أو السياسية. ولهذا من المفهوم الآن معنى المعلومات السرية الواردة من طهران بأن آية الله الخميني تدخل بكل ثقله عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة لوقف محاولات كان ينوي "الحرس الثوري" القيام بها لتصفية القوى اليسارية التي كانت شريكاً فعالاً في الثورة... ومن المفهوم أيضاً لماذا أصدر الحزب الشيوعي الإيراني "توده" مجدداً في الأسبوع الماضي بياناً جديداً بتأكيد تأييده لآية الله الخميني على وجه التحديد والحصر... ولماذا عادت صحف ماركسية إلى الظهور بعد احتجاب.
لقد كانت معلومات طهران تشير إلى أن بعض قادة "الحرس الثوري" – وبناء على خطط مجهولة المخططين – كانوا ينوون اختراق موقف الخميني والقيام بمذبحة كبرى تطال "فدائيين خلق" و"مجاهدي خلق" اليساريين على السواء. لكن التحرك الكردي وانعكاساته الخطيرة على مسار الثورة حمل القادة على التريث بانتظار توافر الشروط "الموضوعية" التي تتيح لهم تحقيق هدفهم بـ"الاستئثار بالثورة"، أي التمهيد للثورة المضادة. وهذا ما حذر منه المفكر الفرنسي ميشيل فوكيه الزعيم الديني شخصياً لأن تحطيم القوى الأخرى الشريكة سيقود الثورة بالضرورة إلى التقوقع الذي هو البداية المنطقية للثورة المضادة.
وتلاحظ المعلومات أن العناصر التي تشحن – سيكولوجيا – الخط المناهض لائتلاف القوى الثورية في البلاد لم تكن معروفة قط خلال الأيام الصعبة التي شهدتها الثورة، إذ ظهرت فجأة على السطح حتى أن صحيفة "كيهان" نفسها حذرت من أن "بعض المسؤولين يؤخذون بسحر بعض المواقف التي يطلقها طفيليون نموا كالبثور الضارة فوق جلد الثورة.
واللافت أن بعض آيات الله بدأوا يرددون نفس التصريحات التي كان يطلقها قادة البيروقراطية في البلاد وبعض الضباط ذوي "الرغبات الخاصة"، إن في ما يتعلق بالنفط أو في ما يتعلق بالسلاح، فآية الله روحاني مثلاً لا يرى مانعاً من أن يعود الإنتاج الإيراني إلى سابق عهده (أي بين 5 و6 ملايين برميل يومياً) وأن تعقد صفقات الند للند مع الولايات المتحدة، باعتبار ان النفط، على الرغم من كل مظاهر الإثارة، يظل مادة تجارية بحتة لا علاقة لها بأي موقف سياسي، وهو الموقف نفسه الذي يعتمده بعض من يعتبرهم روحاني عقبة في طريق الثورة الإسلامية الشاملة، مع العلم بأن الخميني يرى في خفض إنتاج النفط محافظة منهجية على الثروة الأولى في البلاد، من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يعيد هذه المادة السريعة الالتهاب إلى رشدها بحيث يمكن السيطرة عليها بعدما كانت في عهد الشاه "ثروة سائبة".
وروحاني الذي لا يرى ضيراً في تزويد الولايات المتحدة بما تحتاجه من النفط خشية أن يتحطم ميزانها التجاري في سوق روتردام الحرة... لا يرى ضيراً أيضاً في تجديد عقود السلاح المبرمة مع واشنطن أو إبرام عقود جديدة "تكفل للثورة إكمال طريقها إلى نهايته". وهذه المواقف الخطيرة التي تعوزها التجربة تماماً أثارت ذهول المراقبون الذين راحوا يشيعون أن النجوم الأميركية بدأت تظهر جلية فوق العمائم.
وبموازاة هذا التوجه الأميركي الرامي إلى عقد مصالحة استيعابية مع الثورة الإيرانية كانت ثمة توجهات سرية أخرى تبتغي تدمير هذه الثورة نهائياً لكي يقوم فوق أنقاضها نظام مشابه لذلك القائم في كوريا الجنوبية أو في الأرجنتين أو حتى في تركيا.
وعلى الرغم من أن المعلومات حول تلك التوجهات الأميركية السرية كانت تتدفق تباعاً على طهران، ومنها دعم وكالة الاستخبارات المركزية للعناصر المناوئة للثورة والموجودة  في أوروبا، وهو الدعم الذي لم يعرف له حدوداً معينة، فعندما جاء السيد محمد صادق طباطبائي إلى بيروت سمع الكثير وقال الكثير، ومنه أن الـ"سي.آي.آي" أحدثت في داخلها جهازاً برئاسة ستانسفيلد تورز مدير الـ"سي.آي.آي" شخصياً يتولى الإشراف على تدريب العناصر الإيرانية التي تنتمي إلى العهد البائد وتأهيلها لكي تتسلم السلطة في الوقت المناسب.
وقد كشفت هذه المعلومات أن إعداد هذه العناصر يتم في ألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية وإسرائيل. وكان مقرراً أن تستحدث معسكرات تدريب مماثلة في مصر، لكن صرف النظر عن ذلك لأسباب لا تزال مجهولة حتى الآن، وإن كان بعض المصادر يفيد بأن عدداً من ضباط القيادة المصرية رفض تورط مصر في هذه العملية.
وتقول هذه المعلومات أيضاً أن جماعة الفرقان "هي واحدة من سلسلة فرق تعدها أجهزة المخابرات في كل من الولايات المتحدة وألمانيا الغربية وإسرائيل بهدف التصفية المنظمة لرموز الثورة الإيرانية. وهذا ما حمل آية الله الخميني على وصف تلك الجماعة برقاص الساعة الذي تحركه الأبالسة، فهي تتوخى المحافظة على خط البلبلة الراهن تمهيداً لإحداث خطوط أخرى تصب جميعها عند نقطة واحدة تتمثل في سحب كل معطيات الحياة من أمام الثورة الإيرانية بحيث يفاجأ الخميني ذات يوم وقد تحولت "قم" إلى حاضرة دينية معزولة تماماً عن الآلية السياسية التي تقود البلاد".
والثبات أن آية الله الخميني كان يعرف الكثير من التفاصيل، وسواء كان ذلك عن طريق المعاينة المباشرة أم عن طريق المعلومات التي يزوده بها الأصدقاء في الداخل والخارج، لكن تدفق هذه المعلومات كان يتزامن وارتفاع التراكمات والعقبات في وجه الثورة، حتى أن الزعيم الديني ألمح لأحد القادة الفلسطينيين بأن ثمة من يعمل "هنا وهناك لكي لا نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام".
و"الكفاح العربي" ألمحت أكثر من مرة إلى أن الخميني هو بصدد القيام بثورة داخل الثورة، مشيرة إلى أن ذلك قد يتطلب بعض الوقت لأن الحائط الكهنوتي الذي شكله بعض "رجال البعد الواحد" حوله جعله يتريث حتى يتسنى له تفكيك أجزاء من هذا الحائط المدعوم من الولايات المتحدة التي تعتبر، وكما قال ستانلي هوفمان، أن الحصار التكتيكي هو الطريقة الأفضل في الوقت الحاضر، وربما على المدى المتوسط، للحد من فعالية ذلك الصوت المشع الذي يتميز به الخميني.
لكن التحرك بات أكثر من ضروري بعدما ثبت أن الولايات المتحدة نجحت في تحقيق جزء كبير من أهدافها الحيوية والتي يمكن تلخيصها تبعاً لما يلي:
- تفكيك الجبهة الداخلية بإقصاء القوى الثورية المعروفة بعدائها الأيديولوجي للولايات المتحدة.
- زعزعة الاقتصاد إلى الحد الذي أصبح فيه "أي حل" هو الحل، وكانت تلك بمثابة السانحة الذهبية التي أتاحت للبورجوازية التحايل على الخط العقائدي للسلطة وفرض أشكال اقتصادية معرقلة لعمليات تثوير بنيان قطاعات الإنتاج المختلفة.
- إثارة بعض الأقليات، وهنا لا بد من الإشارة إلى شوفينية بعض رجال الدين وبعض العسكريين التي كانت وراء تحريك الحساسيات القومية، لا سيما وأن هذه الأقليات التي كانت مسحوقة في عهد الشاه رأت الفرصة مناسبة للتململ في ظل الفوضى التي تعكس ضعف السلطة المركزية.
وقد أدى استخدام الأقليات العنف في التعبير عن تململها إلى إظهار البلاد وكأنها أقرب إلى التفكك منها إلى الوحدة. وفي هذا المجال قامت الإدارة الأميركية بدور بارع للغاية إذ راحت تشيع في بعض الأوساط الدينية والسياسية والعسكرية أن ليس ثمة من إمكانية لإعادة توحيد البلاد، إلا بدعم خارجي كبير، وهذا ما يجب أن تضطلع به الولايات المتحدة بالذات زاعمة أن وجود الاتحاد السوفياتي على حدود إيران "يفترض" فيه دور الذي يرغب في ازدراد أجزاء حيوية من إيران لا ترسيخ ارتباطها بالسلطة المركزية.
وتفاقم خط الأقليات استتبع "استعمال" العسكر – وهو ما تردد الخميني طويلاً قبل الإقدام عليه – كما أنه استتبع بالضرورة، البحث عن مصادر للسلاح والذخيرة، وكانت الولايات المتحدة تنتظر مجرد إشارة لتلبية جميع الطلبات ما دام ذلك يؤي إلى تدجين الثورة وبالتالي تدجين ستة ملايين برميل من النفط يومياً خرجت من "الاحتياطي الأميركي" بين ليلة وضحاها.
وقد لاحظ المراقبون في الجولة الأخيرة من الحرب الكردية أن الخميني أمر بتقليص دور القوات المسلحة تفادياً لانبعاث الروح الإمبراطورية في صفوف الضباط. وهذه الخطوة كانت أول علاج عملي للحمى الأميركية.
وسيناريو احتلال السفارة لم يكن عفوياً، بل إنه مدبر بإتقان، فالثورة باتت فعلاً داخل الحصار، ولم يكن يجدي، في هذه الحال، سوى نقل المعركة إلى "الأرض الأميركية" بعدما خاضت الولايات المتحدة حربها خلال الأشهر التسعة الماضية فوق الأراضي الإيرانية. وهذه هي بداية المجابهة الحقيقية التي لم تكن مسألة استرداد الشاه فيها سوى "مؤثر صوتي"، حتى أن السؤال الذي طرحه البعض بشكل تلقائي، بل وساذج: "ماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل؟" لم يكن يجيب على السؤال الآخر، أي السؤال الحقيقي: من هو الذي سينتصر في هذه الحرب التي لن تكون على جبهة واحدة؟
والرد البديهي يتوقف على قوة الجبهة الداخلية التي يبدو أنها لم تتخذ أية إجراءات لتعزيزها عن طريق إعاة التلاحم بين عناصر الثورة المختلفة، وهذا هو "الامتياز الإستراتيجي" الأميركي الوحيد في حرب يتحتم أن تنتصر فيها الشعوب.
وآية الله الخميني يعرف جيداً أن الثورة، وكما قال له صديقه ميشيل فوكيه، لا تدمر الأفكار الحليفة بل تتفاعل معها. وهذا هو المطلوب في الوقت الحاضر بعدما دخلت العملية الثورية مرحلة الاقتحام.. والسؤال هل يسبق هذا "الاقتحام الثوري" اقتحام كل أولئك الذين يتربصون ليسرقوا الثورة الإيرانية؟
 _____________________________________________

الدرس الإيراني في العلاقات العربية الأميركية

المصدر الأسبوع العربي 26/11/1979

إثر انفجار الموقف في الضفة الغربية على أوسع نطاق، منذ احتلالها في عام 1967، فإن السؤال الذي رفعته أكثر من عاصمة عربية هو: أين تقف الولايات المتحدة من هذا الانفجار؟
ظاهرياً، سجلت موافقة الولايات المتحدة على التوصية التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناشدة إسرائيل إعادة النظر في قرار طرد رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة إلى دولة عربية، سابقة في سجل التصويت الأميركي في الجمعية العامة. ذلك أن هذه الموافقة كانت الأولى التي تصدر عن الولايات المتحدة بشأن جانب من جوانب الصراع العربي – الصهيوني.
غير أن الطلب الأميركي بعدم إبعاد الشكمة لا يعني بالضرورة معارضة السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه ليس لإسرائيل سياسة محددة من الضفة الغربية.
ويقول جورج بول وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق في مقال نشره في مجلة "هاربر": إن الضم ليس ممكناً. والفلسطينيون لا يمكن إبعادهم من الضفة، فما هي سياسة إسرائيل على المدى البعيد نحو الأراضي المحتلة؟
ويجيب بول عن السؤال بقوله: حتى الآن هي سياسة اللاسياسة. أي أن تفعل لا شيء مطمئنة إلى ثقة القادة الإسرائيليين بأن التأييد الأميركي غير المحدد سوف يعمل بطريقة ما من أجل مصلحة إسرائيل؟
واعتبر جورج بول في مقاله "أنه إذا كانت إسرائيل تراهن في دورها على مغفرة الولايات المتحدة باعتبارها الشقيق الأكبر، فإن ذلك سيكون خطأ أميركا الكبير مخاطبتهم إسرائيل ليس اللغة الدبلوماسية، إنما لغة الاحترام. والرؤساء ووزراء الخارجية وأعضاء مجلس الشيوخ والنواب يتنافسون باستمرار في إصدار البيانات بأنه يمكن الثقة بأميركا إلى الأبد كحامية لأمن إسرائيل.. وأن الولايات المتحدة لن "تضغط" أبداً على إسرائيل في محاولة "لفرض" حل أو حتى من أجل إقناع الحكومة الإسرائيلية بتغيير موقفها".
وقد أظهرت معركة انتخابات الرئاسة الأميركية مدى صحة ما ذهب إليه جورج بول في مقاله، خصوصاً بعد التصريحات والبيانات التي أدلى ويدلي بها كل من روبرت كيندي وجيمي كارتر.
ولكن هل أن هذا الموقف الأميركي هو في مصلحة الولايات المتحدة نفسها؟
قبل أن تقر الزيادة الجديدة على المساعدات الأميركية لإسرائيل كان حجم المساعدة بموجب إحصاءات العام الماضي يبلغ 7 ملايين دولار  يومياً. خمسة من الحكومة ومليونان من القطاع الخاص.
ولكن ليس المهم ما تدفعه الولايات المتحدة إلى إسرائيل، إنما المهم هو ما قد تخسره الولايات المتحدة إذا ما اتخذ العالم العربي قراراً بمقاطعتها نفطياً.. ومالياً وتجارياً كما فعلت إيران الإمام آية الله الخميني؟!
أن الولايات المتحدة تستورد أكثر من 50 بالمئة من حاجتها من النفط، والتي تبلغ حوالي 9 ملايين برميل يومياً (أي ما يعادل كل نتاج السعودية) من الخارج. ومن أصل هذه النسبة، تستورد من الدول العربية وحدها أكثر من 40 بالمئة، ما يجعل العالم العربي أكبر وأهم مصدر للنفط للولايات المتحدة.
وبسبب أهمية النفط العربي استراتيجياً (اقتصادياً وعسكرياً) للولايات المتحدة، وبسبب ثقة البيت الأبيض بأن سياسته من القضايا العربية تتناقض مع الأماني والآمال والحقوق العربية، فقد عمد إلى تشكيل قوة عسكرية لاحتلال منابع النفط العربي – أو على الأقل للتهديد باحتلالها – إذا ما بادرت – أو على الأقل إذا ما فكرت – أية دولة عربية بحظر، أو على الأقل بخفض نتاجها من النفط المصدر إلى الولايات المتحدة.
ومع أنه كان يمكن – كما أثبتت التجربة الفرنسية – ضمان المصالح النفطية الأميركية باتباع سياسة واقعية وموضوعية متوازنة من الصراع العربي – الصهيوني. فإن الولايات المتحدة تسير بعينين مغلقتين وراء السياسة نفسها التي سار عليها من قبل الرؤساء السابقون، من ترومان حتى جونسون، وإلى حد ا، نيكسون وفورد.
وقد يثبت أن التهديد الأميركي باحتلال منابع النفط ليس سوى صرخة في الظلام. ففي ضوء تجربة الأزمة الأميركية – الإيرانية، فإن أكثر ما قامت به الولايات المتحدة هو إجراء مناورات عسكرية في بحر العرب. وعلى الرغم ن أن العلاقات الإيرانية – السوفياتية ليست على أحسن ما يرام. فإن التحسب الأميركي من ردة الفعل السوفياتية حال دون ارتكاب أية حماقة عسكرية ضد إيران.
فكيف يكون الأمر، وثمة علاقات ومعاهدات ومواثيق بين الاتحاد السوفياتي وبعض الدول العربية؟ بل كيف يكون الأمر، والاتحاد السوفياتي الذي سيتحول في السنوات القليلة المقبلة إلى مستورد للنفط، لا يجد في السوق العالمية غير الدول العربية مصدراً للنفط.
أما الودائع المالية العربية في الولايات المتحدة، والتي يزيد حجمها على مئة ألف مليون دولار، فإن أقصى ما يمكن أن تعرض له هو المصادرة، كما حدث للودائع الإيرانية التي تبلغ 12 ألف مليون دولار (؟) ولكن إذا كانت الولايات المتحدة قد وجدت مبرراً في حادث احتجاز رهائن سفارتها في طهران، فأي مبرر ستجد لمصادرة الودائع العربية.. إذا ما قرر أصحابها سحبها لاستثمار أفضل.. في مكان أفضل؟!
ثم ماذا يكون مصير الدولار، كوحدة مالية عالمية إذا ما قررت الدول المنتجة للنفط تسعير نفطها بالذهب بدلاً من الدولار؟.. أو على الأقل بسلة عملات كما سبق أن اقترح وزير نفط دولة الإمارات العربية المتحدة؟
بالإضافة إلى ذلك كله. فإن قمة حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والعالم العربي يصل إلى ملياري دولار في السنة. (يضاف إليها حجم المشتريات العسكرية). صحيح أن هذا الرقم لا يشكل رقماً أساسياً في التجارة الأميركية الخارجية، إلا أنه أكثر من 15 مرة من حجم التبادل التجاري الأميركي مع إسرائيل!
ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تغامر بكل مصالحها هذه. فتستعدي الدول العربية لاسترضاء إسرائيل؟. ولكن هل صحيح أن حال الاستعداء هذه تعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر؟
حتى الآن لا تتصرف الإدارة الأميركية على أساس الإحساس بأي خطر جدي. فالاحتجاجات العربية الخجول على مصادرة الأموال والممتلكات الإيرانية، رافقها طلب أميركي بزيادة إنتاج النفط العربي لسد النقص المترتب على وقف شحنات النفط الإيراني إلى الولايات المتحدة.
ولكن هل تنفع هذه السياسة على المدى البعيد؟
قبل أسابيع قليلة من سقوط الشاه في إيران، كان الرئيس كارتر يشيد بالشاه ويمتدح نظام حكمه المستقر والقوي. أما الشاه الآن فإنه يشكل عبئاً لا يطاق على كاهل أية دولة تمنحه تأشيرة دخول. أفلا تشكل هذه الحادثة وحدها درساً للولايات المتحدة لتعيد النظر في حساباتها الخاطئة في الشرق الأوسط؟
والقرار العربي الذي اتخذ في عام 1973 بمبادرة الملك فيصل رحمه الله، بخفض إنتاج النفط، وبحظر تصديره إلى الولايات المتحدة وهولندا. ألا يشكل  هو أيضاً درساً وعبرة؟؟.
على الرغم من حمى المزايدات في تأييد إسرائيل التي بدأت ترتفع مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية. فقد ارتفعت أصوات اميركية عديدة محذرة من النتائج الوخيمة لهذه السياسة.
وجاءت أزمة إيران بانعكاساتها النفطية والمالية والاستراتيجية على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لتوسع من دائرة المتخوفين من النتائج السلبية المحتمة للسياسة الأميركية الحالية من الصراع العربي – الصهيوني. حتى أن بعض زعماء المنظمات الصهيونية بدأوا يدركون هذه الحقيقة، قلقين من مغبة تحميل إسرائيل مسؤولية أية أزمة تصيب الاقتصاد الأميركي من جراء أية مبادرة عربية بالمقاطعة.. مما يرفع من حرارة العداء للسامية في الولايات المتحدة.
يبقى أن تظهر الدول العربية ولو حداً أدنى من التضامن على استعمال هذا السلاح الفعال.

____________________

 الازمة الايرانية من الداخل
صراع الإمامين

• الخلاف كان كامناً تحت الرماد حتى قبل انتصار الثورة
• الموازاييك الايراني استيقظ مع تراخي قبضة الحكم
بقلم ابراهيم الحلو

المصدر :الجمهور 20 كانون الاول 1979  ص23-مصحح

   عندما وصلت "البعثة الحكومية لتقصي الحقائق" الى مدينة تبريز, عاصمة اذربيجان, استقبلتهما تظاهرة صاخبة ضمت عشرات الالوف من الاذربيجانيين المؤيدين لزعيمهم الروحي آية الله شريعتمداري, الرجل الثاني في الزعامة الدينية بعد آية الله الخميني.
   ولفت "البعثة الحكومية" التي يرئسها ابو الحسن بني صدر, وزير المال والاقتصاد وعضو "المجلس الثوري" والمسؤول السابق عن الشؤون الخارجية, ان اللافتات التي رفعها المتظاهرون "المداريون" ركزت شعاراتها على ضرورة تعديل الدستور الايراني الذي اقر قبل اسبوعين في استفتاء شعبي قاطعته اذربيجان وكردستان وبلوشستان وغيرها من المناطق التي تسكنها اقليات عرقية او دينية. ومرد معارضة جماعة شريعتمداري للدستور الجديد هو ان هذا الدستور يعطي آية الله الخميني سلطات شبه مطلقة منها, على سبيل المثال لا الحصر, حق الموافقة, او عدمها, على اي مرشح لرئاسة الجمهورية الاسلامية, كما اسند اليه شخصياً سلطة تعيين كبار قادة الجيش في القطاعات البرية والبحرية والجوية واقالتهم عندما يشاء.. وبكلمة ان الدستور الجديد يجعل من الخميني اكثر من "شاه" واكبر من دكتاتور.. ويحول الجمهورية العتيدة الى ملكية مطلقة من طراز الملكية الفرنسية قبل الثورة, حيث كان الملك  يستمد سلطته من الله وليس من الشعب, وهذا الطراز من الحكم المطلق بالذات هو الذي فجر الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789, ام الثورات في العالم.
   واذا كانت الثورة الفرنسية قد اطاحت نظام الملكية الاستبدادية "والحق الالهي" للملوك, فقد أرست مكانهما جمهورية حقيقية ديمقراطية جعلت لها شعاراً شهيراً "حرية, عدالة, مساواة" ووضعت لها دستوراً دائماً هو "شرعة حقوق الانسان" التي لم تجد منظمة الامم المتحدة, بعد قرن ونصف القرن, افضل منها لتتبناها, مع بعض التعديلات في الشكل لا في الجوهر, ولتجعل منها قانوناً  اساسياً عالمياً تعمل بمقتضاه المنظمة الدولية.
   وكما كانت الثورة الفرنسية ام الثورات العالمية التقدميةو فقد كانت الجمهورية الفرنسية الاولى ام الجمهوريات الديمقراطية في العالم.
   اما الثورة الايرانية فقد سارت في خط معاكس, فبعدما اطاحت نظاماً امبراطورياً مستبداً يعود تاريخه الى 2500 سنة, وبعدما قوضت اقدم عرش في التاريخ, جاءت, تحت لواء الدين, لتقيم "جمهورية اسلامية" ذات دستور يقر مبدأ "الحق الالهي" ويلقي بالسلطات  المطلقة بين يدي رجل واحد هو زعيم هذه الثورة آية الله روح الله الخميني.
  الا ان المبادئ التي قام عليها دستور "الجمهورية الاسلامية" لم تكن مفاجأة لأحد, ذلك ان آية الله الخميني كان قد شرحها وفصلها في "الكتاب الاخضر, المستقى من مجموعة كتابات الزعيم الشيعي الايراني (نشر مؤخراً بالفرنسية والانكليزية فضلاً عن الفارسية).
   يقول الخميني مكرساً "الحق الالهي" للحاكم:
  "الحكومة الاسلامية خاضعة لقانون الاسلام الذي لا يستمد لا من الشعب ولا من ممثليه بل مباشرة من الله ومن ارادته القدسية.."
  "هذا القانون يجب  ان يخضع له كل الناس وينفذه كل الناس بلا استثناء ولا اعتراض. وعلى الجميع طاعة حكام الحكومة الاسلامية لأن تلك هي ارادة الله. وليس لاحد اي حق التدخل في الارادة الالهية وليس عليه سوى واجب واحد اوحد هو الطاعة".
  لما كان الله تعالى لم يعين احدا ًبالاسم لتولي شؤون الدولة الاسلامية في غياب الامام الثاني عشر المتخفي, فما الذي ينبغي لنا ان نفعل؟. ننتظر ظهور رجل كفوء تجتمع في شخصه الفضائل المثلى, فيقيم دعائم الدولة الاسلامية, لان قتل هذا الرجل يجسد الولاية التي اسندها الله تعالى الى نبيه الكريم لقيادة شعبه, عندئذٍ يتوجب على الشعب ان يطيعه طاعة مطلقة. وانه لمن الخطأ الاعتقاد ان السلطة التي اعطاها الله للنبي كي يحكم المؤمنين كانت اسمى من تلك التي اعطيت لعلي, ومن الخطأ ايضاً القول ان السلطات الممنوحة لعلي يجب ان تكون اسمى من تلك الممنوحة, في وقتنا الراهن, للزعماء الدينيين. صحيح ان الفضائل الشخصية للنبي ولعلي كانت اسمى من فضائل مخلوق بشري, ولكن مقدار الفضيلة لا يزيد في شيء السلطة التي يتمتع بها الحاكم. وبالتالي فإن جميع السلطات العسكرية والمدنية التي اسندها الله الى النبي والائمة, تتمتع بمثلها الحكومة الاسلامية الحالية كما اكد الخميني في كتابه المذكور.
   وبديهي ان يكون زعيم ديني آخر في ايران قد تنبه, منذ البداية, الى المحاذير التي يسعى اليه الخميني وأنصاره من وراء الدستور الجديد للجمهورية الاسلامية وطرحه على الاستفتاء على هذه الاسس. هذا الزعيم هو آية الله شريعتمداري, الزعيم الروحي لمقاطعة اذربيجان الشمالية الواقعة على شواطئ بحر قزوين.
   ولم يفت المراقبين السياسيين الذين تتبعوا  تطورات الثورة الاسلامية في ايران, منذ نجاحها في الاستيلاء على الحكم, في شباط الماضي, وحتى قبل ذلك عندما كان الخميني مقيماً في منفاه الباريسي "نوفل-لي-شاتو" لم يفتهم  تلمس بذور المعارضة داخلية متعاظمة تستعد لمقاومة المخطط الخميني في محاولة لمنع وقوع كل السلطات بين يديه تحت شعار "الحق الالهي" في الحكم المطلق ووجوب الطاعة له.
   ولما كانت الموجة الدينية متفجرة وطاغية في ايران, فقد تسلم دفة المعارضة رجل دين اخر هو آية الله شريعتمداري, فسار وراء المعارضون من كل شكل ولون, اذ ليس من المعقول ان يقود مسيرة المعارضة رجل مدني ولا حتى عسكري في مثل هذه الظروف.
   وفي اجتماع المراقبين انه, لو لم يقد المعارضة رجل دين من مستوى الخميني مرتبة, لما قدر لها ان تبصر النور ولما خرج ايراني واحد في التظاهرات التي اصبحت الخبز اليومي للشعب الايراني كله وعلى اختلاف نزعاته, فمن لا يتظاهر تأييداً الخميني يخرج ليهز قبضته مؤيداً شريعتمداري او منادياً بالسفر الى جنوب لبنان "لمقاتلة الصهيونية والامبريالية" –وكأن ليس من وجود للصهيونية والامبريالية الا في جنوبنا التعس!.. – او مطالباً بالحكم الذاتي للاقليات الكردية .. او هاتفاً: الموت لاميركا!
   ان ايران موزاييك حقيقي  من القوميات الاتنية التي شكلت, على مر العصور, امبراطورية فرضتها القوة في اغلب الاحيان وجمعها الدين في احيان اخرى (على وجه التحديد منذ دخول الاسلام الى بلاد فارس عقب موقعة القادسية عام 636م حيث هزم سعد بن وقاص جيوش الفرس وقوض عرش الاكاسرة, ثم فرقها الدين نفسه بعد موقعة كربلاء ومقتل الحسين بن على يوم 10 محرم عام 61هـ) (10تشرين الاول عام 680م) على يد جنود يزيد بن معاوية الاموي. فكان الانشقاق الكبير في الاسلام, حقيقياً يطالب بالخلافة التي انتزعت منه بقوة السلاح.
   اما الموازييك الايراني الحالي فمؤلف من خمس قوميات اهمها الازربيجانيون الاتراك الذين يعدون اربعة ملايين يليهم الاكراد (3 ملايين ونصف المليون) الذين يعيشون في مقاطعة كردستان شمالي غربي ايران على الحدود ايضاً, فالعرب (مليونان) يقطنون المناطق البترولبة على الخليج العربي, في مقاطعة عربستان, وأخيراً التركمان (نصف مليون) والبالوش (نصف مليون) أما باقي السكان فمن الفرس (حوالي 25 مليوناً). ولكل من هذه القوميات زعيمها الديني او السياسي, فالفرس وكلهم من الشيعة يتزعمهم آية الله الخميني بينما يتزعم الاذربيجانيين وهم من اصل طوراني (تركي) آية الله شريعتمداري, وللاكراد اكثرمن زعيم اما العرب فزعيمهم هو اية الله الخالقاني (في الاقامة الجبرية حالياً ويحاول الاميرال احمد مدني قائد البحرية والموالي للخميني اخذ الزعامة من الخالقاني ويقال انه فعل ذلك لقاء وعد بتعيينه رئيساً للجمهورية الاسلامية ذات يوم..)
  في عهد الشاه استطاعت سلطته ضبط هذه القوميات ومنعها من اثارة القلاقل او المطالبة بالحكم  الذاتي عن طريق القمع والتهديد والاغراء, فبدأ الايرانيون شعباً واحداً متماسكاً ومنصهراً ومتعايشا, غير ان ذلك لم يكن سوى مظهر خارجي, او, بكلمة اصح: الرماد الذي يغطي الجمر, وما ان زال حكم الشاه وتبددت وطأته وانحسر شبح القمع والبطش حتى اخذت تلك القوميات تتململ مستغلة مرحلة عدم الاستقرار التي تعانيها الثورة الخمينية شأنها كشأن كل ثورة تنتصر بسرعة غير متوقعة فيدهمها الوقت للانتقال من مرحلة الثورة – وهي مرحلة سلبية – الى مرحلة الدولة – وهي المرحلة الايجابية.
   ومع مرور الشهور ازدادت الثورة ارتباكاً لكثرة ما واجهها من مشكلات مستعصية بعضها طارىء وبعضها خلقته هي لسبب او لاخر, فازدادت ضعفاً وتراخت قبضتها عل اعنة الحكم الامر الذي شجع الاقليات الاتنية والمذهبية على الجهر بأهدافها ومطالبة مجلس قيادة الثورة الذي لا يسيطر على كل البلاد الا بالاسم, بالاستقلال الذاتي تارة (كما هو شأن الاكراد) وطوراً بوضع دستور ملائم (كما هو الامر مع الاذربيجانيين), وبلغ الامر حد الاصطدامات الدامية هنا وهنالك في وقت بدا ان ثورة الخميني تجهد لخلق مشكلات لها من كل لون, وكأنها تستعجل تصدير ثورتها عبر الحدود قبل ان يستتب لها الامر في البلاد وترسخ اقدام نظامها في المناطق المتمردة.
   ولعل اسطع دليل على ذلك تلك التصرفات الفردية التي يقوم بها جماعات محسوبة على الخميني فلا يسع الثورة الا مباركة ممارساتها وتشجيع خطواتها.
   ان المثلين الاكثر خطورة ومغزى هماً, أولاً: اقدام "الطلاب الاسلاميين" على احتلال السفارة الاميركية وفتح معركة ضخمة مع الولايات المتحدة, معركة بدأت وليس من يستطيع التكهن كيف ومتى تنتهي. وانها لمن الخطورة بحيث باتت تهدد بحرب حقيقية  في الشرق الاوسط قد تتمخض بها الايام او الاسابيع القليلة المقبلة. فرغم الهدوء النسبي الذي يتخلل فترات التهديد والوعيد المتبادلين, يؤكد تقرير دبلوماسي من منطقة الخليج ان معظم الاجانب من مختلف الجنسيات قد ابلغوا  بطريقة غير رسمية, بالتصرف على اساس ان انفجاراً عسكرياً ضخماً سوف  يحدث في الايام الاولى من العام المقبل وهذا ما أكده, بطريقة غير مباشرة, تصريح اخير للخميني في الرد على الرئيس كارتر, اكد فيه الزعيم الايراني ان مسألة الرهائن تهم كارتر بمقدار ما يهمه تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية وبترولية. ومع ذلك فقد لاقى "الطلاب الاسلاميون" مباركة "بطريرك قم" وتشجيع مجلس ثورته لدرجة انهم تطاولوا على وزير الخارجية الحالي صادق قطب زاده ومنعوه من التعاطي بشؤون الرهائن فغضت السلطة المركزية النظر عنهم وتركتهم يصعدون الازمة وتركت القضية تتفاعل على اعلى المستويات الدولية متغافلين عما قد تسفر عنه من اخطار غير معروفة الحدود.
   اما المثل الثاني فهو بدعة ارسال متطوعين الى جنوب لبنان ليس بلا استشارة الدولة اللبنانية فقط بل رغم معارضتها القوية المعلنة وممارضة جامعة الدول العربية بلسان امينها العام الشاذلي القليبي والعدد الكبير من الدول العربية جهاراً او ضمناً. ومع ذلك فجماعة حجة الاسلام محمد منتظري يصرون على المجيء "للدفاع عن الجنوب" ان لم يكن جواً فبراً عبر تركيا وسورية (...), ويعتصمون تارة في المطار وطوراً في وزارة الخارجية ويضربون عن الطعام.. ويتذرع المتطوعون وقادتهم بشعار رفعه الخميني يقول "اليوم ايران وغداً فلسطين". وهو شعار يثلج قلوب العرب ولا شك ولكن, هل فرغ الخميني حقاً من تسوية مشكلات ايران وحان الوقت للالتفات الى فلسطين؟؟
  واذا كان منتظري ومتطوعوه لا يدركون ابعاد الاخطار التي يجرها مجيء بعضهم  او كلهم الى الجنوب – كما قد يجهل "الطلاب الاسلاميون" اخطار احتجاز "رهائن دبلوماسيين – فالاحرى بالحكومة المركزية, او قيادة الثورة, ان تدرك اخطار كل هذه التصرفات فتحد من اندفاعتها لا لانها غير مسؤولة وحسب بل لان وقتها لم يحن بعد بالتأكيد, ولكن هل مجلس الثورة قادر على وقف "المد الثوري" المبكر؟ وهل هو راغب في ذلك؟
  خلال الاسبوع الماضي وحده انتقل مبنى الاذاعة والتلفزة في مدينة تبريز عاصمة اذربيجان ثلاث مرات من ايدي انصار الخميني الى ايدي انصار شريعتمداري. ورغم ارسال "قم" لجنة برئاسة بني صدر في محاولة للتهدئة والمصالحة فقد اصر الاذربيجانيون على التظاهرة والمناداة بالاستقلال الذاتي.
   وهكذا يبدو جلياً ان ما حدث في "قم" في الاسبوع الاسبق من هجوم على منزل شريعتمداري وقتل بعض حراسه ثم تحرك اتباعه, لم يكن مجرد حادثة عابرة او "فورة دم". انه تعبير عن صراع خطير بين الامامين. صراع على امور اساسية جداً هي ما ذكرنا في مطلع هذا المقال من سلطات مطلقة اعطاها الدستور الجديد الخميني.
   واذا ما ضممنا الى تمرد اذربيجان ثورة كردستان وتململ عربستان وسلبية بلوشستان,ادركنا ضخامة المشكلات الداخلية التي تواجه الثورة الخمينية قبل انقضاء عام واحد على انتصارها.
   واذا ما انعمنا النظر في الاسلوب الذي تعالج فيه "قم" هذه المشكلات الخطيرة, لرأيناها وكأنها تعطي الاولوية لاستعادة الشاه الذي لم يعد يشكل أي خطر على الثورة بعدما غدا طريداً شريداً لا يجد سقفاً يأوي اليه كما تأكد ان مرضه العضال لن يمهله طويلاً.. ولوجدناها تعلق اهمية كبرى على الدفاع عن جنوب لبنان رغماً عن لبنان وسكان جنوب لبنان, مع علمها الاكيد بأن الالف او العشرة الاف متطوع لن يحلوا مشكلة – هذا اذا وصلوا سالمين – بل يعقدون جميع المشاكل.
   ولنتذكر انه, يوم الاثنين الاسبق, أورد بعض الوكالات نبأ اقلاع طائرة المتطوعين من مطار ماهاباد في الساعة السابعة صباحاً (كان الخبر مختلفاً) وفي تمام الساعة العاشرة (الرحلة من طهران الى بيروت تستغرق ثلاث ساعات)  كان الطيران الاسرائيلي في سماء الجنوب وفوق مطار بيروت.. فماذا  لو وصلت الطائرة الايرانية في الموعد, اليس وارداً جداً ان تعتدي عليها المقاتلات الاسرائيلية قبل هبوطها في المطار – هذا اذا استطاعت الهبوط-؟ ولحساب من تكون المجزرة؟
   ان المراقبين السياسيين المحايدين حائرون في تفسير اصرار الثورة الايرانية على تعقيد الامور في داخل ايران وخارجها بينما تقضي مصلحتها, في هذه المرحلة بالذات, بتبسيط المشكلات لمعالجتها وايجاد الحلول المناسبة لها كي يتسنى لها توطيد سلطتها وترسيخ اقدامها.
   ولعل مفتاح جواب هذه التساؤلات كلها في عبارات نشرتها زميلة اسبوعية وفيها: "لقد قيل يوم انتصر الخميني ودخل طهران ان العقدة الشيعية هي في الاستشهاد لا في الانتصار. ولكن عندما انتصر واصبح هو الحاكم بقي يتصرف تصرف الساعي الى الاستشهاد ولو خرب العالم. وهذه نقطة اساسية في فهم الذي يجري في ايران. فآية الله الخميني رجل يعيش مع الشهداء في الجنة ويتصرف بعقلية الراحل عن الدنيا فيعبث بكل القوانين المتعارف عليها بين اهل الارض".
  وحبذا لو عمل آية الله روح الله الخميني بكلمة الغزالي الفيلسوف الاسلامي المتصوف: "اعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً ولأخرتك كأنك تموت غداً".
 


<< Prev - Next >>

 
القائمة الرئيسية
  • الرئيسية
  • الأرشيف
  • عن الوكالة
  • عباس بدر الدين
  • قالوا في عباس بدر الدين
  • الصحف اليومية
  • راسلنا
Banner
Banner
حول ملف الإخفاء
  • س س
  • العقيد القذافي
    • ليبيا القذافي
  • لكلمته صولة
  • مطالبات
  • مطالبات - تابع
  • التوطين
  • د.مسيكة :هذه هي وقائع التحقيق
  • التحقيق الايطالي في جريمة الاخفاء
  • من المؤكد
  • قانون انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ونظامه الداخلي وملاك موظفيه العام
  • موسى الصدر لماذا هو؟
  • معلومات عن خطف الإمام وصحبه
Banner
للعلم والمعرفة
  • العلمنة
  • الوفاق الذي عاش 30 عاماً
  • مصير لبنان في مشاريع
  • تاريخ قوات حفظ السلام في لبنان
  • الخريطة الاميركية للشرق الاوسط
  • الاستراتيجية الاميركية في المنطقة
  • الثورة الإسلامية الإيرانية
  • طائرة الموت الايرانية
Banner
Banner
Banner
Banner

Copyright © 2010 LNA.
All Rights Reserved.

Designed by MS Graphics.