الثورة الاسلامية الايرانية - لقاء الشيعة والشيوعية.. ودول الخليج العربي
لقاء الشيعة والشيوعية
.. ودول الخليج العربي
الحوادث - المصدر 16/2/1979
محمد السماك
أين تبدأ الشيعية... وأين تنتهي الشيوعية في أحداث إيران؟
إن الجواب عن هذا السؤال ضروري ليس فقط لمعرفة ماذا يجري في إيران.. إنما لمعرفى مدى آثار هذا الذي يجري.. ومدى تأثيراته على المنطقة العربية والإسلامية المحيطة بإيران من الغرب ومن الشرق على حد سواء.
نظرياً هناك قاعدتان تنطلق منهما الشيعية السياسية في إيران:
القاعدة الأولى هي أن الشيعية كموقف سياسي، قامت أساساً على معارضة السلطة الحاكمة. وقد احتفظت الشيعية بهذه النزعة منذ القرون الأولى للإسلام. ولم تزل هذه النزعة التي تلازمها حتى الآن، تبلور نفسها في التطلع الشجاع نحو السلطة باسم الإسلام... ومن أجله.
ومنذ عام 1963 وآية الله الخميني يقول عن الشاه أنه يزيد بن معاوية القرن العشرين. ويزيد هو الذي أمر بقتل الإمام علي كرم الله وجهه.
أما القاعدة الثانية فأساسها اعتبار الأرستقراطية مظهر من مظاهر الكفر. أو أن الكفر مظهر أرستقراطي، كما يقول "خطيب" الثورة الفرنسية روبسبير. فالثروة الشخصية الطائلة للشاه والتي تقدر بأربعة آلاف مليون دولار. والثروات الضخمة التي تملكها عائلة الشاه... وكذلك رجال السلطة الذين عملوا معه... ورجال البلاط وسائر المقربين... مقابل الفقر المدقع الذي ينخر عظام العائلة الإيرانية العادية. هذا الواقع المأساوي ما كان له أن يجد وسيلة للتعبير عن نفسه أفضل من الانفجارات التي تهز عرش الشاه، وتسعى إلى الإطاحة به نهائياً.
ونظرياً أيضاً، فإن هناك قاعدتين تنطلق منهما الشيوعية في إيران.
القاعدة الأولى هي ركوب موجات المعارضة الوطنية – وحتى الدينية - للوصول إلى السلطة، في مجتمعات يستحيل فيها اعتماد الأسلوب الديمقراطي – كما تفعل الأحزاب الشيوعية في فرنسا وإيطاليا مثلاً – لتحقيق طموحاتها السياسية.
القاعدة الثانية هي أن موقع إيران على حدود الاتحاد السوفياتي، وعلى طول الخليج العربي، يمكن أن يجعل منها، إما جسراً... أو سداً في وجه التطلعات السوفياتية نحو النفط والغاز... والمال... والأسواق المفتوحة.
ولقد جعل فوستر دالس وزير خارجية الولايات المتحدة من إيران سداً عالياً بإقامة حلف المعاهدة المركزية من إيران وتركيا وباكستان: (انسحبت العراق في عام 1958 بعد الإطاحة بالعهد الملكي" ثم بربط هذا الحلف، بحلف شمال الأطلسي من جهة، وبحلف جنوب شرق آسيا من جهة ثانية.
ورغم اهتمام الاتحاد السوفياتي في الوقت الحاضر بإقامة حزام من الدول المرتبطة به حول الصين، فإن قادة الكرملين يعتمدون على الأحزاب الشيوعية المحلية لتحطيم الأسوار التي أقامتها الولايات المتحدة حولها. وتعتبر أفغانستان أحد أبرز وأحدث الأمثلة على ذلك.
من هنا فإن لقاء الشيعية مع الشيوعية. إذا كان هناك من لقاء ما ضمن الجبهة الوطنية، فهو لقاء تكتيكي يقوم على أساس "عدو عدوي صديقي". فكلاهما يعتبر الشاه عدواً.
الشيعية تعتبره يزيد الثاني...
والشيوعية تعتبره حليف أميركا الأول – بعد إسرائيل.
وإذا كانت الشيعية حريصة على إسقاط الشاه، فإن الشيوعية لن تجد قاسماً مشتركاً أفضل من ذلك لتخوض المعركة ضده.
وبانتهاء هذه المعركة، المحسومة أساساً، ينتهي هذا اللقاء. فتبقى الشيعية حركة دينية سياسية. ويعود الشيوعيون إلى شعار "الدين أفيون الشعوب" مرة أخرى.
وخطأ الدول العربية في الخليج بصورة خاصة، هو أن هذه الدول تطرح أحداث إيران أما من زوايا غير مضيئة، وعبر مسالك مقفلة ودهاليز لا تعرف نهاياتها. وأما من خلال المبالغة في التبسيط العاجز. فكما أنه من الخطأ الاعتقاد أن سقوط الشاه يعني بالضرورة أن البديل عن عرش الطاووس هو الحزب الشيوعي. كذلك فإنه من الخطأ الاعتقاد أن إنقاذ الشاه يعني إنقاذ إيران... وإنه لم يبق للإنقاذ سوى العصا الأميركية تتعلق بها شعوب المنطقة الغارقة في بحر من الخوف والقلق.
لقد تعلمت الشيعية كما تعلمت الشيوعية دروساً وعبر كثيرة من تجربة تحالفهما الأول خلال الثورة الدستورية بين عامي 1905 و1911. وأول هذه الدروس والعبر. هو أنه مع استمرار الشاه على رأس الدولة، فإن عودتهما الطبيعية والحتمية إلى مواقع خلافاتهما الجوهرية ستقوي من الشاه مرة أخرى... وستجعل منه "ذئباً مقطوع الذنب" كما حدث بعد تفشيل حركة محمد مصدق.. وكما حدث قبل ذلك في عام 1925.
وإذا كانت الدول العربية بحكم معاناتها للاستعمار الأجنبي، غائبة عن دروس أحداث إيران التاريخية، فإن حضورها الحالي في قلب هذه الأحداث يحملها مسؤوليات جسام ليس من السهولة، ولا من الحكمة إلقائها على عاتق الولايات المتحدة، ومن ثم الاستلقاء "في ظلال الزيزفون"! (انتهى)




