الخريطة الاميركية للشرق الاوسط - Page 10
| Article Index |
|---|
| الخريطة الاميركية للشرق الاوسط |
| Page 2 |
| Page 3 |
| Page 4 |
| Page 5 |
| Page 6 |
| Page 7 |
| Page 8 |
| Page 9 |
| Page 10 |
| Page 11 |
| Page 12 |
| Page 13 |
| Page 14 |
| Page 15 |
| Page 16 |
| Page 17 |
| All Pages |
كيف بدأ "الإخوان"
تاريخهم الدموي.. ضد الثورة؟
الكفاح العربي 1979
(تاريخ قذافي أسد اجتماع)
يقال دائماً أن شعبية جمال عبد الناصر في مصر أطلقتها ثماني رصاصات صوبت عليه من جماعة "الإخوان المسلمين" يوم 26 أكتوبر (تشرين اول) 1954 بينما هو يخطب في حشد من مئات الآلاف من الجماهير في الإسكندرية...
والوجه الآخر لهذه الحقيقة أن هذه الرصاصات الثماني التي أكسبت عبد الناصر تعاطف الجماهير وحبها ولهفتها عليه هي نفسها التي قتلت كل شعبية جماعة "الإخوان المسلمينط في مصر التي فيها نشأت ونمت... ومنها انتشرت إلى خارج مصر في أقطار الوطن العربي والإسلامي. وكان اعتقاد "الإخوان المسلمون" آنذاك أنهم في ذروة قوتهم وأنه ما عليهم إلا أن يزيحوا عبد الناصر عن الطريق لتصبح السلطة لهم.
فكيف نشأت هذه الجماعة.. وكيف كانت مواقفها على مدى السنوات قبل هذا الحادث الفاصل وبعده؟
بدأ "الإخوان" كجمعية دينية صغيرة شكلها في مدينة الإسماعيلية (الواقعة على قناة السويس) معلم للغة العربية والدين الإسلامي في إحدى مدارس الإسماعيلية الابتدائية هو الشيخ حسن البنا. وقدم "الشيخ" جمعيته للناس على اساس كونها جمعية دينية بحتة.. تدعو للأخلاق الفاضلة والتمسك بأهداب الدين. الأمر الذي ترك انطباعاً بأنها بعيدة تماماً عن العمل السياسي. وبالرغم من أنها أنشئت في عهد حكومة مصرية شديدة الرجعية برئاسة محمد محمود، فإن هذه الحكومة لم تتعرض للجمعية ولم تستشعر منها خطورة، وكانت هذه الحكومة قد أصدرت عدداً كبيراً من القوانين المعطلة للحريات العامة، وأطلق عليها اسم "وزارة اليد الحديدية".
أخفت جماعة "الإخوان" بمهارة شديدة أهدافها الحقيقية إلى حد جعل حكومة اليد الحديدية نفسها تظن أن هذه الجماعة يمكن أن تكون عامل تهدئة وسط أجواء الصراع العنيف في مصر في ذلك الوقت من أجل الديمقراطية.
واستطاع "الإخوان" أن يتوسعوا في ظل الانقلاب الدستوري الذي قاده الدكتاتور إسماعيل صدقي، فانتشروا وأصدروا صحفاً ومجلات.. وكبروا إلى حد نقلوا معه مقر مركزهم من مدينة الإسماعيلية الصغيرة إلى العاصمة – القاهرة. وكانت الحكومات الدكتاتورية تطمئن إلى دور "الإخوان" لأنهم كانوا يستقبلون الشباب الذين كانوا منهمكين في النضال ضد الدكتاتورية في إطار حزب الوفد، الحزب الأكثر شعبية والأكثر تعبيراً في ذلك الوقت عن آمال الجماهير.. ضد الإنكليز وضد الملك.
تبرع شركة القناة
ومما يلفت النظر أن شركة قناة السويس البحرية – التي كانت في ذلك الوقت شركة أجنبية تملك انكلترا الجانب الأكبر فيها – نظرت بعين الارتياح إلى نشاط "الإخوان" فمنحت جمعيتهم تبرعاً بمبلغ خمسمائة جنيه. وهو مبلغ كبير بمقاييس الثلاثينات.
وهكذا قامت سياسة "الإخوان" على تحاشي الدخول في مواجهة مع حكومات ذات طابع دكتاتوري قادرة على البطش.. والاصطدام فعلياً بالحكومات ذات الطابع الديمقراطي النسبي.. مثل حكومات الوفد التي كانت تتيح فرصة لخصومها للعمل والنشاط السياسي. ولكن الإخوان في كل الحالات عملوا على إخفاء هدفهم النهائي: السلطة.
وبينما ضيقت سلطات الاحتلال الإنكليزي في مصر إبان الحرب العالمية الثانية على كل القوى الوطنية على اختلاف توجهاتها الفكرية.. فإن هذه السلطة أبت رضى تاماً عن "الإخوان". ويلاحظ المؤرخون لهذه الفترة – النصف الأول من الأربعينات – أنه عندما كان العمل السياسي العلني مصادراً بقسوة في مصر، فإن "الإخوان" اكتسبوا قوة وانتشاراً أكبر، وانطلق خطباؤهم في المساجد يقومون بمهمة كانت مرضية للإنكليز كثيراً في ذلك الوقت وهي تفنيد مزاعم الإذاعات النازية الموجهة للبلدان الإسلامية والتي كانت تذهب إلى حد القول بأن هتلر قد أسلم وأطلق على نفسه اسم الحاج محمد هتلر، وأنه ينوي بعد انتصاره أن يمنح الشعوب العربية دولة إسلامية موحدة تحالف ألمانيا.
وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية فوجىء السياسيون في مصر بالإخوان المسلمين وقد أصبحت لهم مئات الشعب والفروع في القرى، وتغلغلوا في المدارس تحت سمع وبصر السلطات لقد زادوا آلاف الأمثال خلال سنوات الحرب.. وحافظوا رغم ذلك على سرية تنظيمهم الحديدي بزعامة الشيخ حسن البنا الذي درس جيداً الحركات السرية التي نشأت في الدولة الإسلامية في عهود بني أمية وبعدها.
وقد رفض الشيخ البنا أن يصوغ – رغم هذا التوسع والانتشار – برنامجاً تفصيلياً. وكان من رأيه أن صياغة رأي الأخوان في القضايا التفصيلية، وكيفية تطبيق الشريعة الإسلامية مع حياة المجتمع المعاصر هي محاولة ضررها أكثر من نفعها، وأنها تفتح الباب أمام مناقشات وبالتالي خلافات وشقاقات بين المسلمين أنفسهم، لتعدد المذاهب والاجتهادات".
الاصطدام بحزب الأغلبية
ولكن سياسة عدم الاصطدام بالسلطة لم يكن يمكن أن تستمر طول الوقت بالنسبة لجماعة هدفها الحقيقي هو الاستيلاء على السلطة والانفراد بالحكم، فضلاً عن نمو قواعدهم، ونمو "الجهاز الخاص" – وهو التنظيم المسلح السري – حتى أصبح ميليشيا سرية مسلحة مهمتها الاستيلاء على الحكم عن طريق تحرك انقلابي مسلح.
وعلى الرغم من كل ما قيل عن سرية هذا التنظيم المسلح وحديديته فقد أمكن اختراقه من جانب الحكومات المصرية. ويعزى ذلك إلى انعدام التثقيف السياسي بمفهومه الصحيح لدى الإخوان. فقد كان الأعضاء الجماهيريون العاديون ينضمون إلى الإخوان غالباً استجابة للمشاعر الدينية الفطرية وسعياً وراء كسب مثوبة الدعوة للخير والفضيلة ومقاومة الرذائل في النفس الإنسانية. وتبين لهذا أن بعض هؤلاء كانوا لا يرون غضاضة في الجمع بين عضوية الأخوان وعضوية حزب سياسي مثل الوفد، على أساس أن جماعة الإخوان "لا تتعاطى السياسة" (...)
وعلى العكس من الأعضاء العاديين، فقد كان أعضاء "القسم الخاص" (الجهاز السري المسلح) ينتقون انتقاء دقيقاً ويخضعون لتدريبات شاقة ودروس تثقيفية خاصة وبرنامج إعداد عقائدي وعسكري، ويعدون للإطاحة بالنظام السياسي. وهكذا كانت هناك هوة سحيقة بين العضو العادي والعضو "الخاص". إلا أن العجز الفكري ألقى ظله دائماً على نشاط "الإخوان" وممارساتهم السياسية. وأدى بهم هذا إلى الدخول في مجموعة من التحالفات السياسية المشبوهة التي لم تخضع لأسس مبدئية. وانكشفت خلال سنوات قليلة من نموهم الفجائي حقيقة أنهم ظلوا في كل الظروف يعملون في حماية أقليات سياسية مكروهة من الشعب ومعادية للتطور الاجتماعي، وحتى غير صلبة في مسألة الاستقلال الوطني. ولهذا عملوا كجزء من التحالف المعادي للوفد – حزب الوطنية المصرية الأكثر شعرية.. ولم يكن هذا التحالف يخدم أحداً قدر ما يخدم القصر الملكي والاستعمار الإنكليزي.
انتهى "الأخوان" إلى إعلان خصومتهم الصريحة لحزب الوفد – حزب الأغلبية الساحقة من الشعب المصري وقتذاك – فكان في هذا الإعلان انخراط صريح منهم في سلك السياسة الحزبية، فتحولوا علناً من "حركة روحية تصادق الجميع وتتعاون مع الجميع، إلى هيئة لها رأي في السياسة فتناصر فريقاً ضد فريق". وكان طبيعياً أن تقف الأقليات الأخرى المعادية للوفد في تعاطف مع الإخوان تشد أزرهم ضده، وكانت حكومات الأقلية في عهودها تتيح للإخوان كل فرصة للتوسع، حتى أن حكومة "السعديين" سمحت لهم بإنشاء تنظيم "الجوالة" – وكان تنظيماً شبه عسكري – على الرغم من أن القانون يحرم قيام تشكيلات من هذا النوع. وتضخم "الجوالة" إلى احد أن أصبح خلال سنوات قليلة من إنشائه يضم أكثر من عشرين ألف عضو. وهكذا تحول "الإخوان" إلى ما أصبح يسمى "الذراع الضاربة" لأحزاب الأقليات السياسية.
ويعتبر موقف "الإخوان" – على سبيل المثال – من اللجنة الوطنية للعمال والطلبة عام 1946 نموذجاَ للمواقف الخاطئة والمهادنة لأعداء الشعب. فبينما تبنت كل القوى الوطنية والتقدمية فكرة رفض أسلوب المفاوضات والمساومات كحل لقضية الاحتلال الإنكليزي لمصر، ورفعت شعار الكفاح المسلح وتخليص الاقتصاد المصري من التبعية للاحتكارات الأجنبية وتكوين جبهة معادية للاستعمار، وتكوين لجنة وطنية ضد دكتاتورية إسماعيل صدقي للتعاون مع الإنكليز والذي تجر سياسته البلاد نحو الأحلاف الاستعمارية الغربية... فإن الإخوان المسلمين – الذين كان العداء للاستعمار أحد شعاراتهم المعلنة – اشتركوا في مؤامرة تخريبية واسعة النطاق وأحدثوا انشقاقاً في اللجنة الوطنية وتحالفوا مع الدكتاتور صدقي، وألقى زعيم الطلاب الإخوانيين في الجامعة آنذاك خطاباً أيد فيه إسماعيل صدقي مستشهداً بآية من القرآن الكريم: {واذكر في الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا} (...)
وقرروا بعد السفور أن يعدوا أنفسهم لخوض المعركة الانتخابية.. وكان تصورهم أنهم قادرون على اكتساح الانتخابات، أو على الأقل الخروج منها حزباً سياسياً قوياً. إذ كانت تقديراتهم لعدد الأعضاء المنتمين إليهم حوالي نصف مليون في عام 1950. وفي هذا الوقت نفسه اكتشف حلفاؤهم من ساسة أحزاب الأقلية أنهم بدأوا يشكلون خطراً عليهم هم أنفسهم. فبدأ ضغط حكومة محمود فهمي النقراشي (باشا) عليهم لمحاصرة نشاطهم السياسي.. حتى أصدر قراره بحل الجماعة نفسها بعد أن قامت بسلسلة أعمال إرهابية رهيبة شملت اغتيالات وأعمال نسف وتفجيراً في المدن. واغتالوا النقراشي نفسه وسط ظروف قاسية مرت بها مصر كانت هي الظروف التي مهدت لاندلاع ثورة يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر. وفيما كانت النقمة الشعبية في مصر في هذه الفترة موجهة بكل حدة ضد الملك كان "الأخوان" يبدون حرصاً على التقرب من القصر الملكي والظهور للملك بمظهر المؤيدين المساندين له ولحكوماته.
العلاقة مع الملك
وفيما كانت اعترافات قاتل النقراشي تتوالى عن التنظيم السري المسلح للإخوان وعن دوره في عمليات الاغتيال والنسف أصدر حسن البنا بياناً بعنوان "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" قال فيه أنه شعر "بأن من الواجب عليه أن يعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين، لأن الإسلام يحرمها والأخوة تأباها وترفضها... ولكن مصر الآمنة لن تروعها أمثال هذه المحاولات الأثيمة وسيتعاون هذا الشعب العظيم مع حكومته الحريصة على أمنه وطمأنينته في ظل جلالة الملك العظيم على القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة.
ولم يكن الملك ضنيناً بالمديح على الإخوان، فقبل أشهر قليلة من اندلاع ثورة يوليو استقبل الملك مرشد الإخوان حسن الهضيبي. ووصف الملك دعوة "الإخوان" في تلك الفترة بأنها "دعوة إلى كتاب الله، وهي دعوة خير لا يستطيع أحد أن يردها". وأضاف "إن الإنكليز سيخرجون من البلاد حتماً، ولكن الذي يجب علينا أن نقاومه هو الشيوعية لأنها تتنافى مع الدين". وقال للهضيبي في نهاية استقباله له "بلغ إخوانك تحياتي". ووصف المرشد المقابلة بأنها كانت "مقابلة كريمة لملك كريم".
في هذا الوقت نفسه كانت الاستخبارات الأميركية تتحرك بنشاط زائد في المنطقة. ويذكر مايلز كوبلاند في كتابه الشهير "لعبة الأمم" أن وكالات الاستخبارات كانت تفكر في تشجيع الجمعيات الدينية لكي تصد المد اليساري الديمقراطي في مصر ضمن التفكير في إحداث انقلاب في مصر من داخل السلطة نفسها أو من خارجها.
في تلك الظروف والأجواء اندلعت ثورة جمال عبد الناصر...
وتاريخ "علاقة" الإخوان بثورة يوليو مفعم بالتناقضات والدروس.. التي اكتسبت في بعض فتراتها طابعاً دموياً لم يغب كثيراً عن تاريخ "الإخوان" منذ نشأتهم حتى الآن.
كان "الإخوان" قد عملوا على التسلل إلى داخل الجيش في سنوات الأربعينات. وكان الضباط الأحرار، بدورهم حريصين خلال الفترة نفسها على أن يجسوا نبض الإخوان قبل أن يوجهوا ضربتهم. وهكذا عندما قامت ثورة 23 يوليو كان عدد من ضباطها على صلة وثيقة بالإخوان ومرشدهم الشيخ البنا. من هؤلاء أنور السادات وحسين الشافعي وكمال الدين حسين وعبد المنعم عبد الرؤوف. والأخير كان يجمع بين عضوية مجلس قيادة الثورة وعضوية جماعة الإخوان. وقد اقترح في وقت من الأوقات أن يكون لتنظيم الضباط الأحرار جناح عسكري للإخوان، ولكن جمال عبد الناصر رفض هذا الاقتراح. واختلف عبد الرؤوف بعد ذلك مع مجلس الثورة وحوكم وهرب من السجن واختفى بحماية الإخوان حيث قام بدور العقل العسكري للميليشيا الأخوانية في مؤامرتهم لاغتيال عبد الناصر عام 1954.. وفر فور فشل المخطط إلى الخارج ولم يعد إلى مصر إلا بقرار من أنور السادات بعد فترة قصيرة من وفاة جمال عبد الناصر.
ظلت مشكلة الإخوان المزمنة هي هي بعد قيام الثورة. فقد سعوا أولاً إلى السيطرة الفوقية على مجلس قيادة الثورة، فنراهم قد أيدوا قرار الثورة بحل الأحزاب. ولكنهم أرادوا أن يكونوا هم وحدهم المستثنين من تنفيذ القرار. وفي الشهور الأولى للثورة طلب مرشدهم الثاني حسن الهضيبي من عبد الناصر تشكيل لجنة من هيئة "الإخوان" تعرض عليها القوانين قبل صدورها للموافقة عليها. وقد رفض عبد الناصر هذا الطلب بصفة قاطعة معلناً أن الثورة لن تقبل وصاية من "الإخوان" عليها.
ضرب الثورة
إزاء هذا بدأت محاولات "الإخوان" لضرب الثورة من داخلها بتعزيز نفوذهم داخل الجيش للقيام بانقلاب عسكري مضاد، مع شن حملة اغتيالات واسعة تمكنهم من السيطرة على الحكم بالإرهاب.
ولعل طبيعة سياسة "الإخوان" إبان السنوات الأولى من الثورة تتكشف بوضوح من حقيقة أنهم في الوقت الذي كانوا يطلقون فيه شعارات الجهاد ضد الإنكليز، ويخونون جمال عبد الناصر بسبب دخوله في مفاوضات من أجل الجلاء. دخلوا هم أنفسهم – ومن وراء ظهر مجلس قيادة الثورة – في مفاوضات سرية مع الإنكليز.. حيث أبدوا استعداداً لشروط "أكثر سخاء" من شروط عبد الناصر للجلاء عن منطقة القناة مقابل تمكينهم وتأييدهم من السلطة وكان من الشروط التي قبلوها بقاء عدد من "الفنيين" الإنكليز في قاعدة القناة يتراوح بين 4000 و5000.
بلغ عداء "الإخوان" لعبد الناصر منذ ذلك الوقت حداً لا مثيل له إذا قورن بعدائهم لأي من الساسة أو الحكام المصريين السابقين. ووصلوا إلى حد رميه بالخيانة والكفر، خاصة بعد قرار حل جماعتهم باعتبارها حزباً سياسياً. وبدأت بصورة كثيفة تخطيطاتهم لاغتيال عبد الناصر. وطرح عبد المنعم عبد الرؤوف على التنظيم السري للإخوان فكرة ارتداء بعض أعضاء الجهاز ثياباً عسكرية لكي يخترقوا ويدمروا المقر الرئيسي لمجلس قيادة الثورة بمن فيه من الوزراء المتواجدين. ثم طرحت فكرة أخرى تستهدف قتل جمال عبد الناصر باستخدام حزام ناسف من الديناميت يرتديه واحد من الأعضاء بحيث يشق طريقه في اللحظة المناسبة إلى عبد الناصر "ثم يفجر الحزام ليأخذهما معاً إلى الدار الآخرة". لكن أحداً لم يتقدم للتطوع لتنفيذ هذه المهمة. واستبدل عبد الرؤوف الفكرة باقتراح آخر بأن تقوم مظاهرة مسلحة في شوارع القاهرة تتلوها سلسلة من الاغتيالات لأعضاء مجلس قيادة الثورة.
تبلورت هذه الخطط كلها في النهاية في اختيار شخص من اعضاء الجهاز السري يدعى محمود عبد اللطيف – ويعمل "سمكرياً" في ضاحية امبابة – قبل القيام بمهمة اغتيال جمال عبد الناصر.
في يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1954 زار كمال خليفة، وهو واحد من أبرز أعضاء مكتب الإرشاد للجماعة جمال سالم نائب رئيس مجلس الوزراء، وأطال في تقديم تهانيه للحكومة على إنهائها الناجح للمفاوضات، وتوقيع معاهدة الجلاء. كذلك راجت إشاعة حول اعتزام الهضيبي إصدار بيان تأييد المعاهدة.
وفي مساء 26 أكتوبر كان ممثل لمكتب الإرشاد يجلس مع السادات في مكتبه للحصول على موعد للالتقاء برئيس الوزراء (جمال عبد الناصر) من أجل بذل محاولة لحل المسائل موضع الخلاف:
وفي ذلك المساء نفسه زار عضو بارز آخر في الجماعة هو عبد العزيز كامل منزل المحامي الإخواني هنداوي دوير صديقه ورفيقه في الجماعة من حي أمبابة. ولم يكن كامل يعلم أن دوير قام في صباح اليوم نفسه بتسهيل سفر محمود عبد اللطيف إلى الإسكندرية لمهمة خطيرة.
في مساء اليوم نفسه (26 أكتوبر) كان عبد الناصر يلقي خطاباً أمام حشد ضخم من المواطنين عن كفاح مصر.. حين أطلق عليه عبد اللطيف ثماني رصاصات أخطأته جميعاً وبينما كان الحشد الجماهيري يتفرق في فزع من المفاجأة تمكن جمال عبد الناصر بشجاعة منقطعة النظير من أن يجعل الجميع يقفون في أماكنهم مكرراً عبارته الشهيرة: "أيها الرجال فليقف كل منكم في مكانه. أيها الأحرار فليقف كل منكم في مكانه. أنا جمال عبد الناصر منكم ودمي فداء لكم. وسأعيش من أجلكم وأموت وأنا أعمل لكم.. سأعيش لأكافح من أجل حريتكم وعزتكم.. حتى لو قتلوني فقد وضعت في نفوسكم العزة، فليقتلوني الآن، فقد غرست في ضمير هذه الأمة الحرية والعزة والكرامة. من أجل مصر ومن أجل حرية مصر، سأعيش من أجل مصر وفي سبيل مصر سأموت. إذا مات جمال عبد الناصر. فكلكم جمال عبد الناصر".
_________________________________________
Last Updated (Sunday, 17 October 2010 12:13)




