الخريطة الاميركية للشرق الاوسط - Page 12
| Article Index |
|---|
| الخريطة الاميركية للشرق الاوسط |
| Page 2 |
| Page 3 |
| Page 4 |
| Page 5 |
| Page 6 |
| Page 7 |
| Page 8 |
| Page 9 |
| Page 10 |
| Page 11 |
| Page 12 |
| Page 13 |
| Page 14 |
| Page 15 |
| Page 16 |
| Page 17 |
| All Pages |
تقرير وضعته "السي.آي.اي" ووزعه كارتر على اللوبي الصهيوني قبل وصول بيغن بأسبوع
المستوطنات شيء
وأمن إسرائيل شيء آخر
الحوادث
دايفيد بيشلي
• إذا سحب اليهود تأييدهم لكارتر فسيواجهون رئيساً غير ملتزم بمصالح إسرائيل
قبل أن يصل رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغين إلى واشنطن هذا الأسبوع، قام مكتب الرئيس الأميركي جيمي كارتر، الذي يشرف عليه رئيس أركان البيت الأبيض هاملتون جوردان، بتوزيع نسخة من تقرير أعدته المخابرات المركزية الميركية C.I.A على نخبة من زعماء الكونغرس الأميركي، وأيضاً على عدد قليل من أقطاب اللوبي اليهودي في أميركا، من بينهم عمدة مدينة نيويورك ادوارد كوخ، الذي يعتبر أشد اليهود الأميركيين تطرفاً.
وتقرير الـ"سي.اي.ايه"، الذي يحمل الختم الأحمر المشهور "سري جداً" كان بعنوان "مسألة الأمن الإسرائيلي"، واستغرق إعداده ما يزيد عن ثلاثة أشهر، حسب قول المصادر الأميركية. وعرض التقرير على الرئيس جيمي كارتر في اجتماع حضره زبيغنيو برجنسكي، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، ووزير الخارجية سايروس فانس وأيضاً صاحب التقرير، الأميرال ستانسفيلد تيرنر، مدير المخابرات المركزية. وبعد بحث التقرير، استدعى جيمس كارتر رئيس الأركان هاملتون جوردان، وأعطاه قائمة من الأسماء، وطلب منه توزيع نسخة من هذا التقرير عليهم.
الغريب في هذا التقرير أنه لم يتناول وضع إسرائيل العسكري بالتفصيل ومقارنته بالقوة العسكرية للدول العربية، أو ما يتهددها من خطر في حالة دخولها أي حرب أخرى مع العرب، كالعادة في التقارير التي تبحث في أمن الدول وسلامتها. إنما على العكس فقد ركز التقرير بأكمله على مسألة "المستعمرات" أو "المستوطنات" الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ووضعها العسكري والاستراتيجي، ومدى فاعليتها وفائدتها الحربية في حالة وقوع إسرائيل تحت تهديد عسكري، مباشر أو غير مباشر. وتناول بالتحديد "المستعمرات" الواقعة في "الضفة الغربية".
وشمل التقرير الأربع وستين مستعمرة إسرائيلية المقامة بالفعل في مختلف أنحاء الضفة، وبحث في وضع كل واحدة على حدة، مفصلاً كل ما تحويه من سلاح وأفراد ومخزون، حتى مخزون المياه فيها. ثم تناول بعد ذلك الستين مستعمرة التي قررت إسرائيل إضافتها إلى المستعمرات المقامة حالياً في الضفة الغربية، وفائدتها الاستراتيجية والعسكرية، إن كان هناك من فائدة!
وكانت المفاجأة هي خلاصة هذا التقرير، والتي أثبتت من الناحية العسكرية البحتة، أنه لا فائدة على الإطلاق من هذه المستعمرات، لا عسكرياً ولا استراتيجياً، ولا حتى من الناحية التكتيكية، (كتأخير تقدم قوات معادية أو عرقلة هجوم شامل)، بل على العكس، استخلص التقرير أن هذه المستعمرات، بسبب كثرتها وتناثرها، تشكل عبئاً ثقيلاً على القوات النظامية للجيش الإسرائيلي والمسؤولة عن توفير الأمن والحماية لها في حالات الحرب والسلم على حد سواء.
واعتبر جيمي كارتر هذا التقرير ورقته الرابحة في محادثاته المقبلة مع مناحم بيغين. فكل التعثر الذي صادف محادثات السلام كان أولاً بسبب الصخرة التي يسميها مناحم بيغين "أمن إسرائيل"، وثاني الأسباب، وهو الأهم، عدم تحديد رئيس الوزراء الإسرائيلي لمفهوم هذا الأمن الذي باسمه ارتكبت إسرائيل كل جرائمها.
وفي مجال المناقشة حول التقرير التي دارت في اجتماع البيت الأبيض، قال جيمي كارتر ما فحواه أنه يئس تماماً من التوصل مع بيغين إلى مفهوم مقبول للطرفين، أو للأطراف الثلاثة، إذا ما أشركنا أنور السادات معهم، لهذا الأمن. وأضاف أن سول لينويتز، (مندوب كارتر في المحادثات الثلاثية)، قد بدأ يكثر من الشكوى هو الآخر من عدم استطاعته إدراك مفهوم إسرائيل للأمن. فإن بحثوا في موضوع المياه، وهل تقع تحت إشراف إدارة فلسطينية، قالت إسرائيل أن هذا مستحيل لأنه يتعلق بأمنها. وإن تناقشوا، في موضوع الاتصالات الهاتفية ومن يتحكم بها؟ قالت إسرائيل إنه غير قابل للمناقشة، لأنه موضوع أمني بحت، حتى في مسألة ادارة المدارس والعيادات الطبية، والخدمات الاجتماعية، تصر إسرائيل أن تكون لها الكلمة العليا "لاعتبارات أمنية".
كل هذه الاعتراضات، على قول كارتر تواجهه قبل أن تفتح أميركا فيها بكلمة واحدة عن المستوطنات والمستعمرات، القديم منها والجديد ومن هي في طور التخطيط، أو عن مجالس تشريعية أو استشارية فلسطينية والتي هي من مستلزمات أبسط أنواع الحكم الذاتي. لذلك.. فالواضح لأميركا حتى الآن أن رئيس وزراء إسرائيل، قد وصل إلى نهاية الشوط الذي يريد أن يحققه، وهو بالتحديد منتصف الطريق المؤدي إلى تنفيذ مقررات "كامب دايفيد" بأكملها. فكل هم مناحم بيغين الآن، وفق ما أكدته تقارير المخابرات الأميركية وأيضاً بعض زعماء الكونغرس المعروفين باتصالهم الوثيق مع المؤسسة الإسرائيلية، هو كبح جماح أي تقدم ممكن في المحادثات الثلاثية، ويكفيه ما حصل عليه حتى الآن من تطبيع، أو شبه تطبيع، العلاقات مع مصر. فلا بيغين يريد إعطاء الضفة الغربية وغزة أي نوع من الحكم الذاتي، أو حتى مجرد الإدارة المحلية. وهنا يكمن السبب الرئيسي في حمى إقامة المستعمرات الجديدة التي تعتري حكومة بيغين حالياً، وقرارات السماح للإسرائيليين بالاستيطان في أي مكان من الأراضي العربية المحتلة. فالمسألة ليست مسألة أمن، وليست أيضاً موضوع له جذور في الديانة اليهودية يتعلق بأراض يهودية، والسامرة، كما يحلو لبيغين أن يدعي أحياناً، الواقع هو أن بيغين حقق ما يريد من "كامب ديفيد" ومقرراته، وحزم أمره على التوقف واعتبار أن الموضوع الآن من وجهة نظره، قد أصبح منتهياً.
هذا التحليل نفسه ذكره الرئيس السادات عندما اجتمع مع الرئيس جيمي كارتر في واشنطن الأسبوع الماضي. ولم يكن أنور السادات في حاجة لتنبيه جيمي كارتر إلى خطورة ما يقوم به بيغين، فالرئيس الأمريكي كان على علم كامل بالتحرك، أو بمعنى أدق، بالتوقف الإسرائيلي، قبل أن يشعر به السادات بمراحل.
ومن هنا ، كان كلام جيمي كارتر مساء الأربعاء الماضي في حفل العشاء الذي أقامه في البيت الأبيض تكريماً للرئيس السادات، أن بيغين قد تعهد لهما، (أي الرئيسين كارتر والسادات)، في محادثات "كامب دايفيد"، بمنح الحكم الذاتي الكامل للفلسطينيين "ليس فقط الحكم الذاتي، لكن الحكم الذاتي الكامل وقد كرر هذا أكثر من مرة". والكلام هنا حرفياً للرئيس جيمي كارتر في حفل العشاء. ومن هذه النقطة، بدأت تحركات كارتر ضد بيغين وقبل أن تطأ أقدام الأخير الأراضي الأميركية، على الصعيد العلني. وقبل ذلك كان كارتر قد بدأ تحركه في الخفاء عن طريق توزيع تقرير المخابرات الأميركية عن الأمن الإسرائيلي والذي يثبت بوضوح أن كل ما تقوله إسرائيل في هذا المجال هراء.
وبعد توزيع التقرير، بدأت الاتصالات بأقطاب الكونغرس وبزعماء "اللوبي اليهودي". وتولى مسؤولية هذه الاتصالات هاملتون جوردان، على صعيد الكونغرس، وروبرت شتراوس، مدير حملة كارتر الانتخابية، على صعيد اللوبي الإسرائيلي، والجمعية اليهودية الأميركية. وكانت رسالة البيت الأبيض واضحة وقاطعة:
أولاً: بسبب أحداث إيران وأفغانستان أصبح من الحيوي ضمان مصالح أميركا في منطقة الشرق الأوسط عن طريق تأمين النزاع العربي – الإسرائيلي.
ثانياً: الإدارة الأميركية مقتنعة أن مقررات "كامب دايفيد"، ما زالت خير السبل للوصول إلى حل شامل للنزاع العربي – الإسرائيلي، وبعد تنفيذ مقرراته بالكامل وفي الفترة المحددة في هذه الاتفاقيات، سيصبح من السهل توسيع الحل ليشمل باقي أطراف هذا النزاع.
ثالثاً: العقبة الوحيدة الباقية أمام التنفيذ إسرائيل وموقفها من قضية الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني.
رابعاً: لن يتحقق أي حل أو أي تنفيذ كامل لمقررات "كمب ديفيد" إلا بضمان هذه الحقوق الفلسطينية. ولذلك، ترى الإدارة الأميركية العمل بشتى الوسائل على إقناع إسرائيل بتعديل موقفها الحالي.
واتضح للجميع أن جيمي كارتر قد عقد العزم على الضغط على مناحم بيغين، ليحصل منه على التنازلات اللازمة لتنفيذ هذه الاتفاقيات، ولو على مراحل، والمخطط الأميركي يهدف إلى إصدار "توجيهات سياسية محددة" حول موضوع الحكم الذاتي، الهدف منها إزالة الغموض الإسرائيلي حول موضوع الأمن، وما تعتبره إسرائيل من الأمور الحيوية التي تتعلق بأمنها وسلامتها. وعلى ضوء هذه التوجيهات، يجتمع يوم 21 نيسان (أبريل)، في واشنطن ممثلي الدول الثلاث في المحادثات: سول لينوتيز. مندوب الرئيس جيمي كارتر، ومصطفى خليل، رئيس الوزراء المصري ويوسف بورغ وزير داخلية إسرائيل وممثل بيغين في هذه المحادثات. ويستمر ثلاثتهم في الانعقاد إلى أن تصل المحادثات إلى نتيجة إيجابية حول اعتراضات إسرائيل.
المصادر الأميركية الوثيقة الصلة تؤكد أنه بعد انتهاء هذا الاجتماع الثلاثي، سيقوم الرئيس جيمي كارتر بدعوة أنور السادات ومناحم بيغين إلى العودة مرة أخرى إلى "كامب دايفيد" حيث يقوم مؤتمر قمة بينهما بوضع الخطوط النهائية للاتفاق، ثم يتولى الرئيس كارتر إعلانها على الملأ من شرفة البيت الأبيض، محتفظاً لنفسه بشرف الانتصار لاستخدامه في معركة انتخابات الرئاسة ضد منافسه الجمهوري رونالد ريغان.
الطريف أن هناك نقطتين ركز عليهما روبرت شتراوس في حواراته مع زعماء "اللوبي اليهودي". النقطة الأولى، هي تحذير "لكل من يحب إسرائيل ويعمل لمصلحتها" من أن موقف حكومة بيغين الحالي له نتيجة مؤكدة واحدة، وهي بروز مصر في منطقة الشرق الأوسط كحليف أميركا الاستراتيجي الرئيسي بدلاً من إسرائيل. وقال إن هناك منافسة قوية، وإن كانت في الخفاء بين مصر وإسرائيل للوصول إلى هذا المركز، (مركز الحليف الرئيسي)، وأن السادات بسياسته يكسب موقفاً بعد الآخر وإسرائيل، بسبب مواقف مناحم بيغين، تخسر جولة بعد أخرى. وأضاف شتراوس لزعماء اليهود أن هذا موضوع لا يخص إدارة كارتر وحدها "فهو أمر يتعلق بمصالح أميركا الرئيسية وبأمنها الاستراتيجي". ولن يتغير بمجيء رئيس آخر أو إدارة جديدة.
النقطة الأخرى التي أثارها شتراوس كانت ما قاله "لقد سحبتم تأييدكم لكارتر في ترشيحات ولاية نيويورك لكن هذا لن يمنع ترشيحه عن الحزب الديموقراطي. والشيء نفسه قد يتكرر في انتخابات الرئاسة ضد ريغان، فإن عاد كارتر إلى البيت الأبيض دون الاعتماد على اصواتكم، (الأصوات اليهودية)، فلن يكون هناك ما يمنعه من التصرف بمطلق الحرية حيال إسرائيل. والرئيس كارتر إنسان عنيد جداً، ولن ينسى أبداً أنكم خذلتموه في الانتخابات، بسبب تأييد أعمى لإسرائيل، وستكون النتيجة هي رئيس أميركي يتصرف بما تمليه عليه مصالح أميركا العليا فقط، ولن يأخذ بعين الاعتبار مصالح اي دولة أخرى حتى ولو كانت هذه الدولة إسرائيل نفسها، إن تعارضت هذه المصالح مع المصالح الأميركية كما يراها هو... وهو وحده.
وفهم جميع الحاضرين فحوى الرسالة، وبدأت اتصالاتهم مع بيغين وحاشيته لشرح خطورة موقفه، ولتنبيهه لما سيواجهه من ضغوط عند وصوله إلى واشنطن. وأفهموه أيضاً أن أغلب الجاليات اليهودية بدات تقتنع بوجهة نظر الرئيس الأميركي وتجد صعوبة شديدة في الدفاع عن سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية. كما نبهوه إلى تضاؤل عدد أصدقاء إسرائيل في العالم، وانصراف حتى أشد أنصارها عنها.
السؤال الملح الآن هو: هل اقتنع بيغين؟
وإن لم يقتنع؟
هل يستطيع جيمي كارتر حمله على الاقتناع؟
الإجابة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
Last Updated (Sunday, 17 October 2010 12:13)




