الخريطة الاميركية للشرق الاوسط - Page 5

Monday, 09 November 2009 14:57 | PostAuthorIconWritten by | PDF Print E-mail
Article Index
الخريطة الاميركية للشرق الاوسط
Page 2
Page 3
Page 4
Page 5
Page 6
Page 7
Page 8
Page 9
Page 10
Page 11
Page 12
Page 13
Page 14
Page 15
Page 16
Page 17
All Pages
Page 5 of 17

تفاصيل الحل الأميركي الموضوع للشرق الأوسط

حل المشكلة الفلسطينية في لبنان والهيمنة على دول المنطقة كلها

مجلة الديار
   بعد التطورات المذهلة لأحداث إيران، ووصول الثورة الشعبية فيها إلى ذروة مطالبها...
   وعلى هامش جولة وزير الدفاع الأميركي على المنطقة وزيارة الأمير عبد الله بن عبد العزيز رئيس الحرس الوطني السعودي إلى دمشق.
    وزيارة الرئيس اليمني الجنوبي عبد الفتاح إسماعيل إلى العراق.
   وزيارة ملكة بريطانيا اليزابيت إلى دول الخليج وبعد جولة للرئيس اليوغوسلافي جوزف بروز تيتو حملته من الكويت إلى العراق، إلى سوريا، ثم إلى الأردن.
   وعلى أبواب زيارة منتظرة للأمير فهد إلى الكويت ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية منتصف الشهر المقبل..
وبعد الاتفاق على استئناف المفاوضات المصرية – الإسرائيلية برعاية أميركية في واشنطن، وتحت رقابة الرئيس كارتر..
بعد كل هذه المؤشرات يبرز سؤال كبير: ماذا يريد الأميركيون في الشرق الأوسط، وماذا يهدفون من وراء الضغط لتحقيق تسوية بين العرب وإسرائيل، وماذا فعلوا حتى الآن ويفعلون، لجعل برامجهم الموضوعة للمنطقة موضع التطبيق العملي؟!
هنا دراسة موثقة عن "عقد على التسوية" وعن المسار الشرق أوسطي للقرار السياسي الأميركي، هي عبارة عن محاولة لاستشفاف النوايا الأميركية تجاه العرب، والموقف الأميركي تجاه قضاياهم الكبرى وفي طليعتها القضية الفلسطينية، وهي أيضاً دراسة تقدم لأول مرة عبر مجلة عربية.
   لقد مضت حتى الآن إحدى عشرة سنة منذ أوعزت الولايات المتحدة الأميركية إلى المندوب البريطاني في مجلس الأمن الدولي، اللورد كارادون، لتقديم القرار رقم 242، الذي صدر يوم 16/11/1967. والذي اعتبر ولا يزال، الأساس الصالح لتحقيق "تسوية لمسألة الصراع العربي – الصهيوني، وشهد في فترات معينة محوراً تلتقي عنده قوى كثيرة متعارضة ومتناقضة. فما الذي حدث خلال هذا المدى الزمني؟ هل تبدل أساس "التسوية"؟ هل تبدلت القوى، وتبدلت مواقعها وموازينها؟ ما الذي استطاع كل فريق إنجازه خلال ذلك؟ وما الذي لم يستطع إنجازه؟ وبعد ذلك إلى أين يتجه قطاع "التسوية" الآن؟
   لا بد من الاعتراف أولاً أن "السياسة الأميركية الشرق أوسطية" قد استطاعت على مدى العقد الماضي تحقيق عدد من الإنجازات، وصياغة مكاسب كثيرة لها، وإذا كان لا بد من الإشارة إلى مجموع هذه المكاسب الأميركية، فهناك ضرورة بنفس الوقت للتوقف عند المفاصل الرئيسية لهذه السياسة التي اتبعت:
   •  فعلى مستوى المواجهة المباشرة مع المنطقة العربية ومع رموز تطورها وتحررها فقد تمكنت السياسة الأميركية عبر دفعها لأدواتها لإشعال حربين أهليتين (الأردن ولبنان)، من قمع المراهنة الأساسية التي "قامت" عليها الثورة الفلسطينية، المتمثلة بفرص توجه مماثل للتوجه الفلسطيني في ساحات عربية مختلفة، ترفع شعارات مماثلة، وتفتح الباب واسعاً أمام حرب منتصرة ضد الوجود الامبريالي الصهيوني. ورغم أن مراهنة من هذا النوع لم تزل قائمة، وتعبر عن نفسها بشكل أو بآخر في ساحة لبنان، إلا أن الحصار الذي تمكنت واشنطن من  فرضه على شمولية هذا التوجه، هو الذي استطاعت السياسة الأميركية إنجازه.
   •  وعلى مستوى المواجهة الأميركية مع الأنظمة العربية، فقد استطاعت هذه السياسة، خاصة عقب حرب تشرين 1973 من فرض الاعتراف المبدئي العربي بالتجمع الصهيوني في فلسطين، وذلك عبر فرض ثلاث اتفاقيات لفصل القوات مع إسرائيل على جبهتين عربيتين رئيسيتين،  ومن خلال عدد كبير من التنازلت التي أصبحت أمراً واقعاً، بدءاً من السماح للشحنات الإسرئيلية بعبور قناة السويس، وقبول النظام المصري باستطلاعات أميركية جوية فوق منطقة فك الارتباط، وانتهاء بإعلان أنور السادات التزامه بإنهاء حالة الحرب ومروراً كذلك بالموافقة على محطات المراقبة الأميركية، وإنهاء المقاطعة، والعمل على جعل الأردن بديلاً ثابتاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم الاتفاق على عدم إلزامية مؤتمر جنيف كإطار ثابت للتسوية.
   •  وثالثاً استطاعت السياسة الأميركية على مدى السنوات العشر الماضية، وفي إطار صراعها مع الاتحاد السوفياتي، من تحقيق عدد من الخطوات الهامة على هذا المستوى، بعد أن تمكنت من إنهاء التحالف السوفياتي الاستراتيجي مع عدد من القوى الحاكمة في بعض الساحات العربية (مصر، السودان، الصومال)، وبالتالي إضعاف قدرة القرار السوفياتي على التأثير على مسار الصراع في المنطقة، مما يعكس  نفسه على القوى المعادية لواشنطن وقدرتها على الوقوف في وجه الهجمة الأميركية الشاملة.
   أما على مستوى القاعدة الصهيونية في فلسطين، فقد استطاعت السياسة الأميركية في الدائرة الخاصة لهذه القاعدة من أن تحقق لها رهانها التاريخي، وهو الاعتراف بها كدولة من قبل الأنظمة العربية الحاكمة، وأن تحفظ لها أمنها ووجودها لفترة من الزمن ترتبط باحتمالات احداث التغيير النوعي في ميزان القوى في المنطقة، وهي الاحتمالات التي سوف تبذل القاعدة الصهيونية كل جهدها من أجل تأجيلها أكبر مدة من الزمن.
والآن، كما هو جوهر هذه "الإنجازات" الأميركية في بلادنا؟ أي لماذا تمكنت الإدارة الأميركية من تحقيق كل هذه الانتصارات في مدى زمني بسيط بالمقارنة؟
هل صحيح أن المسألة – كما أشيع – بنبوغ وعبقرية إدارة كيسنجر – نيكسون التي استطاعت أن تلتقط مفاتيح المداخل إلى المنطقة؟ أم "بمرونة وتفتح المؤسسات الأميركية المختصة"؟ أم بقدرة نظام صناعة القرار الأميركي على التكيف مع الظروف الجديدة؟
   لقد أصبح واضحاً الآن لجميع القوى والمتابعين لحركة الصراع في المنطقة، أن تغيراً موضوعياً رئيسياً قد ضرب بجذوره أعماق هذه المرحلة، هو وحده القادر على تفسير هذه الانتكاسات العميقة التي منيت بها حركة التحرر العربية على مدى العقد الماضي. "فالتحولات الجذرية التي طرأت على المنطقة، أنضجت الظروف ومهدت  الطريق، وفتحت الأبواب على مصراعيها – بل وأقامت أقواس النصر – للمسيرة المظفرة للسياسة الأميركية". إن الضربة القاصمة التي وجهتها واشنطن وقاعدتها الصهيونية لحكم القوى المعادية لها بمحورها المصري وبقيادة الرئيس جمال عبد الناصر في حزيران 1967، كانت الباب الرئيسي الذي نفذت منه إلى عمق القرار السياسي العربي لتحوله تحولاً جذرياً ولتحدث انقلاباً عاماً في البنية الاجتماعية السياسية المسيطرة في مركز الثقل العربي (مصر)، كمقدمة لإحراز تغير شامل في ميزان القوى. من هنا فإذا كانت الانتصارات الأميركية لا تعود إلى عبقرية كيسنجر، فهي لا تعود فقط إلى "التحولات الجذرية التي طرأت على المنطقة"، إذ لا بد من رؤية دور كيسنجر والإدارة الأميركية في أحداث هذه التحولات ومسار حركة الصراعف في المنطقة منذ بداية الخمسينات حتى الآن تدلنا أن الولايات المتحدة لم تكن قابعة في انتظار حدوث مثل هذه التحولات، أو بانتظار القدر كي ينهي حياة جمال عبد الناصر ودوره. بل إن المعارك التي خاضتها لتحقق هذا الهدف بالذات، لا حصر لها تقريباً. وفي هذه المناسبة فإن التعبير الذي يقول أن "النظم المحلية قد استنفذت طاقاتها وقدراتها "الوطنية" ليحمل في الواقع الكثير من التعلق القدري والنظر إلى الواقع الراهن من منظور التحولات التاريخية فقط. إن نتيجة مثل هذه – كنتيجة تاريخية – لا تثير أي خلاف في الواقع، لكن الخلاف يقع حين يجري التعامل معها كحقيقة عملية راهنة، مما يطرح بالتالي، وعلى الفور، دور القوى البديلة. وطالما أن القوى البديلة وبرامجها العينية لم تزل هاجساً في الوجدان أو لم تزل مشروعاً. وطالما – أيضاً – أن نفس هذه القوى التي سقطت في مصر والمتسمة بذات الموقع الاجتماعي وذات الأداة العملية وذات البرنامج، لم تزل حتى هذه اللحظة تتشبث ببرنامج العداء للغرب، في ساحات أخرى والشواهد على ذلك كثيرة، إذن لماذا يجري تعميم مثل هذا القانون التاريخي وما الجدوى منه؟
   والملاحظة الأخرى الجديرة بالتسجيل في هذا المجال، هي أن التحول الذي حدث في مصر وفي غيرها، لم يكن نتيجة استنفاذ طاقة طبقة معينة، بل كان انتصاراً حققته إحدى شرائع هذه الطبقة استناداً على تحالفها مع الغرب، ضد الشريعة الأخرى المعادية للامبريالية لنفس الطبقة. ولا  بد أن نلاحظ أن الفرق بين هذين الاستنتاجين النظريين، هو فرق بالغ الأهمية، ويحمل خطورة معينة. إذ لا يجب أن نستبعد هنا احتمال تكرار مثل هذا الصراع ونتائجه في ساحات أخرى. تتسم بسمات مماثلة، بل لا بد أن ننتظر ذلك، وخصوصاً في ظل ميزان القوى الحالي، مما يستدعي من جهة توقع أخطار معينة وضربات يمكن أن يتلقاها عدد من الرهانات على صياغة البديل الثوري. ومما يستدعي من جهة أخرى تشديد التحالف مع الشرعية المتمسكة بعدائها الواضح للبرنامج الامبريالي، والبحث عن القواسم المشتركة العملية معها، لتثبيتها في مواقعها، ومنعها من اللحاق في برنامج الارتداد المصري.
   إن المتتبع لمسار "التسوية" والصراع منذ هزيمة حزيران 1967، يلحظ قانوناً خاصاً ومتميزاً يخترق السنوات العشر الماضية جميعها. فحتى قبل وصول إدارة نيكسون – كيسنجر إلى السلطة في الولايات المتحدة، فإن القاعدة التي حكمت السياسة الأميركية في المنطقة منذ هذا التاريخ هي التي تنص على أن "إظهار القوة والإرادة في مجال ما، والمرونة في مجال آخر، ينبغي أن يعطي نتيجة في مجال ثالث". وبوصول كيسنجر إلى السلطة اعتبر أن مهمته تتلخص في كيفية تطبيق نتائج هذا القانون بعد أن أصبحت مقدماته أمراً واقعاً، حيث تم إظهار القوة القاصمة في حزيران 1967. فجاءت سياسة "الخطوة خطوة" تلبية في الواقع للحلقة الوسطى من القانون. أما القاعدة التي تقوم عليها هذه المرونة الأميركية، فهي في العمل المتتابع على تهيئة مجموع العوامل والعناصر، أي ترتيب أوضاع المنطقة، وخاصة في حلقاتها الرئيسية، وذلك كمقدمة لتقبل نتيجة هذا القانون. لكن كيف تمت ترجمة هذا القانون بمقدماته ونتائجه إلى الواقع العملي؟ يقول ادوارد شيهان: أن أحد مقومات سياسة كيسنجر في المنطقة هي "الترويج للتكنولوجيا الأميركية، ليكون ذلك واسطة لزيادة النفوذ الأميركي في الأمم (!؟) العربية جمعاء" وأن جوهر سياسته تسير على مستويين، أولهما حصر الصدام العربي – الإسرائيلي ثم "الترويج للتكنولوجيا الأميركية التي يتشوق إليها جميع العرب، بمن فيهم الراديكاليون".
"ومن ناحية المصريين فإن السياسة الأميركية والموازية، هي بذلك المساندة الديبلوماسية والمال الأميركي، وتشجيع الاستثمار الأميركي في مصر، وتشجيع الأثرياء العرب على إنقاذ الاقتصاد المصري وتشجيع الأوروبيين الغربيين على بيع الأسلحة إلى السادات.. لسد الطريق على الاتحاد السوفياتي.. إلخ".
   من هنا فإن السياسة الأميركية قد قامت طوال هذه المرحلة على ثلاث ركائز أساسية:
   1 – إحداث تغييرات جذرية في ميزان القوى في المنطقة لصالحها، وربط مصالح الأنظمة بالمصالح الأميركية ربطاً شاملاً (اقتصادياً وسياسياً.. إلخ).
   2 – فتح السوق العربي أمام "التكنولوجيا الأميركية"، والتحكم بمصادر الثروة.
   3 – إلغاء الحضور السوفياتي في المنطقة.
ولا يتوانى كيسنجر أن يعلن للصحافيين المرافقين له في إحدى رحلاته إلى المنطقة: "إننا نحاول أن نحقق تسوية في الشرق الأوسط.
   إننا نحاول أن نطرد الوجود العسكري السوفياتي".
   إذن، ليست المسألة أن كيسنجر لم يكن جاداً في إيجاد تسوية لمسألة الصراع في المنطقة أو القول أن تسوية تحفظ ؟   الأدنى لجميع أطراف الصراع هي مستمرة في ميزان القوى الحالي. وكذلك ليست المسألة أن كيسنجر والسياسة الأميركية تستطيع أن تخترق جميع الحواجز الموضوعية الثابتة، وتعمل على تنفيذ تصورها لمستقبل المنطقة حتى لو كان متعارضاً ومتناقضاً مع الحد الأدنى للاستتباب الثابت للأوضاع في المنطقة.
   لقد غرقنا طوال عشر سنوات كاملة في نقاش مرير بين هذين المفهومين، لكن يتبين في النهاية أن السياسة الأميركية كانت تعمل طوال هذه الفترة لخلق الأسس الراسخة والمتينة "للتسوية". كان شاغلها هو في كيفية إلغاء جميع العقبات أمام هذه "التسوية". هو في كيفية تطبيق برنامجها بحذافيره، أي فرض هيمنتها الكاملة والشاملة على المنطقة العربية بسوقها وبثرواتها ومواصلاتها،  وتكون بذلك قد أنجزت "التسوية".
   أما السؤال فيما إذا كانت واشنطن تهدف بالحواجز الموضوعية، وبعدم القفز عن الحد الأدنى الممكن، فهذا خارج الموضوع تماماً، لأنه ليس صحيحاً بالأساس بأن أميركا تبحث عن حلول لها صفة الدولة فهذه أصلاً خارج قدرتها. ولهذه الامبريالية قضاياها الداخلية الخاصة ومشاكلها وأزماتها، فهاجسها إذن هو في كيفية توقع الحلول المؤقتة لتلك الأزمات الخاصة القائمة. هذا هو المحور الذي تقوم عليه سياستها في أي منطقة من العالم، وليس هناك أي مبرر لاستثناء منطقتنا وبلادنا من هذا العالم، إن ما يهمها هو كيفية التوجه لإلغاء وشطب أي شيء من أجل النفاذ إلى حل ما لأزمتها. هذا هو بالضبط جوهر ما غرقت به المنطقة منذ صدور قرار 242 حتى الآن.
   أما فيما يتعلق بصوابية أو خطأ طروحات القوى الوطنية والديمقراطية العربية هو مسألة "التسوية"، فقد كان هناك خطر شائع وروج له كثيراً في الموقف من هذه الطروحات. أن القوى التي طرحت تصورها لمستقبل المنطقة، والقائم على بندين رئيسيين: انسحاب العدو الصهيوني من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. إن هذه القوى كانت تطرح بذلك برنامجها لمواجهة الهجمة الأميركية على المنطقة. أما السؤال كان مثل هذا البرنامج ممكن أو مستحيل التحقق، فهذا خارج الموضوع فعلاً.
   هذه القوى حين كانت تطرح هذا التصور كانت تقود المعركة على أكثر من صعيد ومستوى ضد القوى الامبريالية وأدواتها. فإلى جانب قيادتها للمعركة، كانت تطرح تصورها السياسي – الاجتماعي. أما، هل كان هذا التصور جذرياً أم غير جذري، فهذه تتعلق في الواقع بالطبيعة الاجتماعية والطبقية لهذه القوى، وبطبيعة برنامجها وحدوده المعلنة. وقد أثبت هذا البرنامج بالفعل أنه كان قادراً على التصدي، بل هو الوحيد في المنطقة الذي كان وما يزال يتصدى للبرنامج الأميركي رغم الهزائم المتتالية، إذ هذه هي حدوده. من هنا كان هذا الطرح الذي قال باستحالة تحقق البرنامج الوطني، ومسألة تحققه أم عدم تحققه تبقى مسألة أخرى ماماً، ودليل ذلك أن هذا الطرح نفسه كان يشارك وما يزال في الدفاع عن هذا البرنامج، والعمل على صد الهجمة الأميركية من خلاله.
   والآن، هل هناك جدوى في استمرار هذا البرنامج والرهان عليه؟ أم أن "الرد المطلوب هو إقامة خط دفاعي قوي، عسكري وسياسي في كل المواقع التي نتوقع أن يهاجم فيها التحالف المعادي: في ليبيا والجزائر، وعند بوغاز باب المندب، وفي الخليج العربي.. وفوق كل شيء في الجبهة الشمالية: جنوب لبنان، ولبنان، والجولان حيث على هذه الجبهة ستكون المعركة الحاسمة والفاصلة". والسؤال هو: لماذا هذا الاهتمام الشديد دائماً لدينا في البحث عن التعارضات والتناقضات في الدائرة الواحدة؟ لماذا هذا الإصرار الغريب على إقامة السدود في الجبهة الواحدة. ثم الإصرار على القفز بين المواقف بمجرد تحقق أي انتصار للقوى المضادة؟! ولا بد من التكرار هنا أيضاً أن هذا هو أفق وحدود البرنامج الوطني، وإن أي استعدادات جديدة أو تهيئة جديدة لمعركة فاصلة لا بد وأن تتم في إطار هذا البرنامج، ولن تكون متعارضة أو متناقضة على الإطلاق مع المسار الطويل لهذا البرنامج منذ أن طرح عشية حرب تشرين 1973. أما البرنامج الآخر، والبرنامج البديل، فلا بد أن نلاحظ أنه من مهمات القوى الأخرى والبديلة.

صناعة القرار الأميركي
لم يعد هناك خلاف كثير الآن بين أطراف الساحة العربية على كون البرنامج الأميركي، لم ولن يستهدف أكثر من فرض الهيمنة الشاملة على المنطقة العربية، ولم يعد هناك خلاف كثير كذلك حول نتائج هذا القانون وتبعاته وأشكال مواجهته. والأمر الذي يهمنا الآن هو في الدخول إلى مكونات القرار السياسي الأميركي، والعناصر الرئيسية التي يستند عليها في توجهه.

1 – التحالف الأميركي – الصهيوني
   كان الكيان الصهيوني ومستقبله وصيانة دوره هو العنصر الرئيسي الثابت في جذر القرار الأميركي بصورة دائمة. يقول وليم كوانت، مستشار الرئيس الأميركي كارتر لشؤون الشرق الأوسط: "أما أمن إسرائيل فكان يعتبر مسلمة والتزاماً أساسياً من التزامات السياسة الخارجية الأميركية (...) ولا ريب في أن الولايات المتحدة فعلت بعد 1967 ما لم يفعله أي بلد في العالم من أجل الوفاء بهذا الالتزام" أما عن الطبيعة العملية لهذا الالتزام فيقول كوانت "إن "للناجين من الإبادة، عنينا البقية الباقية من الشعب اليهودي، الحق في إقامة دولة داخل وطنهم التاريخي. ولعل سوء الحظ (؟!) شاء أن يتضارب الحق اليهودي مع حق الفلسطينيين العرب، غير أن إيجاد ملاذ لليهود كان، ببساطة وفي ضوء التاريخ القريب، أكثر الزاماً من إقامة دولة عربية فلسطينية". ثم يضيف كوانت إلى هذا الالتزام "المعنوي" الأميركي تجاه إسرائيل التزاماً يتعلق بالطبيعة السياسية لكلا النظامين الأميركي والإسرائيلي. "فإن إسرائيل كانت ديمقراطية تتقاسم بعضاً من القيم مع الولايات المتحدة" لذلك "فإن سلامة إسرائيل وازدهارها كانا بالضبط من مصلحة الولايات المتحدة". فكيف تتحقق هذه المصلحة الأميركية على الصعيد العملي الملموس، إذ "من الواضح أن الولايات المتحدة لن تنفق مليارات الدولارات على المعونات العسكرية والاقتصادية، قانعة بإرهاق نفسها من أجل الشعور بالالتزام المعنوي أو بسبب ضغوط اثنين بالمئة من سكانها (يعني اليهود الأميركيين). فلا بد من أن يكون ثمة أمر أكثر محسوسية وملموسية من ذلك في هذا الرهان ولا بد أن تكون إسرائيل شيئاً استراتيجياً ثميناً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وأن يكون في وسعها وفي قدرتها مراجحة النفوذ السوفياتي في المنطقة. وفقاً لهذا المفهوم فإن إسرائيل هي الحليف الوحيد الذي يعول عليه في المنطقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وفي النهاية فإن إسرائيل تستطيع استخدام قوتها من أجل الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة، وربما قدمت قواعد من أجل العمليات العسكرية الأميركية. وفي ظروف أقل سوءاً فإن إسرائيل كانت بمثابة قلعة معادية للسوفيات لها قيمتها داخل بحر من الدول العربية الراديكالية، فإذا ما أخلي بين السلاح السوفياتي وبين القعقعة ضد إسرائيل، فإن مهابة الولايات المتحدة ونفوذها سيتأثران بذلك وإذا ما لقيت إسرائيل الهزيمة على يد العرب، فإن تعهدات أميركا في العالم ستصبح موضع شك، وهكذا فإن معونة الولايات المتحدة لإسرائيل يمكن أن تتبرر بمصطلحات وحدود المصلحة الذاتية. ومما يدهش بعض الإدهاش أن كثيرين من "الإسرائيليين يفضلون هذه الرؤية للتعهد الأميركي تجاه إسرائيل على الحجة الأخلاقية".
   إذن فالعنصر الرئيسي الأول المكون للقرار السياسي الأميركي يرتكز بشكل واضح كما يعبر عنه كوانت أفضل تعبير على الدور البالغ الأهمية والإستراتيجي الذي تؤديه القاعدة الصهيونية في فلسطين. إن تعبيراً من هذا النوع يلغي ويشطب بالكامل كل تعبير آخر عن إمكانية التعايش العربي مع هذه القاعدة الصهيونية، إلا في حالة واحدة فقط، هي أن تنتشر ثل هذه القاعدة في المنطقة، ويصبح لنظام السادات أو غيره دوراً مماثلاً يؤديه على صعيد تحقيق المصلحة الذاتية الأميركية أولاً وقبل أي شيء آخر، ما يفتح الباب بالتالي أمام حلف شامل يحزم المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط كلها، ويلغي كل تعارض راهن.
   إن نظرة إلى مسار الصراع في المنطقة توضح، أن شواهد كثيرة قد بدأت تتوفر، وخصوصاً في الأشهر الأخيرة، على اقتراب هذا الطموح العام للقرار الأميركي من التحقق. إن الذي اكتشفه أنور السادات، سواء بنفسه أو عبر التوجيهات الأميركية، إن طريقاً "للتسوية" غير هذا الطريق هو مستحيل التحقق طالما أنه قد تحالف منذ البداية مع السياسة الأميركية، وربط نفسه بها. فكانت زيارته إلى فلسطين المحتلة هي الخطوة الأولى على طريق التحقق العملي لهذا الطموح الأميركي.

2 – النفط العربي
   يقول وليم كوانت في كتابه السابق أن "الأمر الذي أدى بالولايات المتحدة إلى الشعور بالقلق حيال تطورات نفط الشرق الأوسط، إنما هو حظر العرب لتصير النفط إلى الولايات المتحدة في تشرين الأول – اكتوبر – 1973، وزيادة سعر النفط أربعة أضعاف في لك السنة" ويناقش كوانت مسألة الصلة بين النفط والصراع العربي – الصهيوني، و"الأمن القومي الأميركي"، ويراجع موقفاً سابقاً له قال فيه أنه يجب خفض أسعار النفط، ويجب على مستهلكي النفط أن يتحدوا لإضعاف قوة الأوبيك، وإن حظر النفط يجب أن يلغى. ويقول أنه "في منتصف السبعينات لم يكن في وسع أحد أن يدعي أن اهتمام الأميركيين بتطورات نفط الشرق الأوسط لم يكن مهماًُ"، ويقول، بالنسبة إلى الولايات المتحدة "فإنه كان ينظر إلى المصلحة النفطية كمصلحة ذات بعدين فأولاً لا يجب أن يتعرض تدفق نفط الشرق الأوسط إلى أوروبا واليابان للحظر، ولهذا فإنه ينبغي أن ينظر إلى سيطرة السوفيات على العربية السعودية وإيران أو ليبيا كتهديد جدي. وفوق ذلك فإن من شأن أي نزاع محلي يمكن أن يوقف تدفق النفط، أن يبدو كخطر بالنسبة إلى التحالف الغربي. وكان هذا سبباً إضافياً لمحاولة الحؤول دون انفجار الأعمال العدائية الموضعية. أما المصلحة الأميركية الثانية الملموسة في نفط الشرق الأوسط فهي مصلحة محض تجارية. فشركات النفط الأميركية كانت تربح في أواخر الستينات وترسل إلى أميركا سنوياً نحو ملياري دولار من عملياتها الشرق أوسطية. وكان ذلك يفيد الاقتصاد الأميركي، كما يفيد ميزان المدفوعات. ويضيف كوانت مشيراً إلى العناصر الأخرى المكونة للقرار السياسي الأميركي. "إن المقاربة الاستراتيجية، ومقاربة المصلحة القومية، من أجل فهم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تأخذان بعين الاعتبار كلتاهما بعضاً من التطورات العريضة. فواقعة ضلوع الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية، أمر يعيده كوانت إلى ما يطلق عليه "المنافسة الأميركية – السوفياتية" ثم للتعهد حيال إسرائيل، وللنفط. وهو لا ينتظر من القرار الأميركي خلق سياسة واحدة تصل بهذه المجموعات الثلاث من المصالح إلى أقصى تحققها، لكنه يشدد على ضرورة جدولة المصالح القومية الأميركية، ويقول أنه "ينبغي للتطورات المتعلقة بالنفوذ السوفياتي وإسرائيل والنفط أن تكون موضع متابعة ومراقبة أكثر دقة من بقية القضايا".

3 – الطبيعة الامبريالية للقرار الأميركي
   يحمل وليم كوانت على من يرجعون القرار الأميركي إلى عمل ما يسميها بـ "جماعات المصالح" أو "اللوبي"  أو "الجماعات الضاغطة"، ورغم أنه لا ينكر تأثيرات هذه الجماعات على القرار السياسي الأميركي، إذا كانت مثل هذه التأثيرات تصب في النهاية في الصالح الأميركي العام، لكنه ينفي عن هذه الجماعات (اللوبي الإسرائيلي) قدرتها على التقرير، وفرض الاتجاه على القرار. ويقول إنه "غالباً ما يجري تصوير فئات ذات المصالح كقوى مشؤومة بالنسبة إلى صنع السياسة في الشرق الأوسط. فجماعتا النفط والصهيونية ضاغطتان مشهورتان بكونهما مدافعتين شديدتين عن رؤيتهما المختلفتين"، لكن مثل هذه الجماعات، كما يرى كوانت، تعاني من عدد من العوائق في محاولتها التأثير على السياسة الخارجية، ليس أقلها "أن هؤلاء ضعيفون ومهيضون إزاء الضغوطات المضادة، خصوصاً ضغوطات البيروقراطية الفيدرالية القوية" ويضيف: "إن دراسة دقيقة لجماعات المصالح والسياسة الخارجية قد أفضت إلى أن قوام التأثير الواضح الخالص لنشاطات هذه الجماعات، هو زيادة بروز القضايا. وهي حين تبرز القضايا، فإنها قد تستثير رداً من جانب الكونغرس أو من جانب الرئيس، إلا أن هذا الجواب (جواب الكونغرس أو الرئيس) ينال من الانتقادات المسبقة بأكثر مما ينال من أفضليات وأولويات جماعات المصالح". إذن، إلى ماذا يعود القرار الأميركي؟ يجيب كوانت عن هذا السؤال باختصار: "إن أصول السياسة الخارجية الأميركية وجذورها، تضرب في أعماق طبيعة النظام السياسي". هذه الطبيعة "التي تقدم (...) السياق المباشر للقرارات وتعين بعضاً من قواعد اللعبة، وتحدد، إلى درجة بعيدة، من سيكون مسؤولاً عن التقرير".

مسارات القرار الأميركي
   ليس هناك شك أن إدارة كارتر – بريزنسكي – فانس، قد حثت الخطى منذ تسلمها السلطة للوصول إلى "التسوية" مستندة بذلك على تراكم كبير من "الإنجازات" التي حققتها الإدارة السابقة، حيث اعتبرت الإدارة الجديدة أن الفريق الذي سبقها قد أرسى القواعد الأساسية التي على ضوئها يمكن للتسوية أن تنشأ، وهذه القواعد هي: 1 – ربط مركز الثقل العربي (مصر) اقتصادياً وسياسياً بالمصالح الأميركية في المنطقة. 2 – توجيه ضربة قوية إلى الثورة الفلسطينية، 3 – إبراز القوى المرتبطة كنقطة استقطاب رئيسية في المنطقة، 4 – إعادة الحضور لقوى آخرى عبر دفعها لشبكة علاقات مع قوى أخرى متعارضة معها من حيث الجوهر. 5 – ربط بعض الأنظمة بمعاهدات تحاصرها وتعزلها في إطارها القطري الضيق 6 – تقليص الوجود السوفياتي في المنطقة.
   إن هذا كله جعل من بريزنسكي يقول إنه "قد تم تنظيف الجو من كثير من البلبلة" واعتماداً على ذلك فقد اعتبرت الإدارة الجديدة أن الوقت قد حان للتوصل إلى "تسوية شاملة". والمتتبع للتصريحات والبيانات الأميركية طوال السنة الماضية يجد أن هذه العبارة قد شكلت القاسم المشترك لكل تحرك ومسار القرار الأميركي. لقد كانت هذه "التسوية" هي القاعة التي ارتكزت عليها جميع الأطر النظرية التي صاغها خبراء السياسة الأميركية كدليل لاتخاذ القرار، بدءاً بتقرير جنة دراسات مؤسسة بروكينغز الذي صدر في كانون الأول 1975، وانتهاء بتقرير معهد "سفن سبرينغز" الذي صدر في كانون الأول 1976، وإذا كان التقرير الأول الذي صدر قبل وصول الإدارة الجديدة إلى السلطة قد حدد الخطوط العريضة "للتسوية" القائمة على:
   • المزج بين الخطوات الجزئية والتسوية الشاملة، على أن تصب الأولى في إطار الأخيرة.
   • تحديد صيغة عملية ملموسة لمراحل التسوية التي قد تمتد إلى سنوات طويلة.
   • العمل على قاعدة حفظ سلامة كل الأطراف المنسجمة مع السياسة الأميركية، والبدء بإقامة شبكة من العلاقات الواسعة بينها.
   • تنفيذ ذلك في إطار الهيمنة الأميركية "لأن الولايات المتحدة تبقى هي القوة الأعظم المؤهلة أكثر من غيرها للعمل بنشاط (...) للتوصل إلى تسوية" إذا كان هذا التقدير قد تجاوزته مسارات القرار الأميركي بعد أن حدد الخطوط العريضة، وانتقلت الإدارة إلى الواقع العملي لتطبيق توصياته، فإن التقرير الأخير "سفن سبرينغز" قد جاء ليرشد القرار الأميركي إلى الخطوات العملية الواجب اتباعها، ثم لتطوير مفهوم شامل لما يمكن أن تكون عليه التسوية السلمية" ذلك لاعتبار التقرير أنه "لن يكون هناك سوى تحرك بسيط نحو طاولة المفاوضات في المستقبل القريب إلا إذا لعبت الولايات المتحدة دوراً مساعداً رئيسياً".

قضايا التسوية بالمفهوم الأميركي
اعتبر التقرير أولاً أن هناك أربعة قضايا أساسية لا بد من تركيز الجهد على أساسها، كمقدمة لوضع الخطة العملية لمسار "التسوية". وهذه القضايا هي:
   1 – التقاريب أو "التحالف العربي" الذي ظهر في مؤتمرات القمة في كل من الرياض والقاهرة.
   2 – انعكاسات الحرب الأهلية اللبنانية على منظمة التحرير الفلسطينية.
   3 – الآثار التي قد تتركها "اضطرابات" الضفة الغربية والانتخابا النيابية على موقف إسرائيل التفاوضي.
   4 – "قوة الاتحاد السوفياتي في المنطقة الآخذة في التراجع".
وقد اعتبر التقرير أنه كان لسلسلة من التطورات التي حدثت خلال العام 1975 آثاراً مفيدة على مسار وتوزيع مراكز القوى داخل العالم العربي. ولعل الأمر الأكثر أهمية "التردي الواضح الذي أصاب منظمة التحرير الفلسطينية كقوة سياسية وعسكرية في المنطقة"، ثم يلاحظ التقرير على بعض "الصقور" العرب الذين قد يتبين أن بعضهم مرن في مواقفه. ومع مراعاة بعض المتغيرات في الظروف، فالتقرير يرى أن عناصر الصراع الحالية تنطوي على ما يلي:
   • وضع محلي غير مستقر داخل البلاد التي يجري الصراع على أرضها.
   • وجود دولة مجاورة تطمح بوضوح إلى أن يكون لها دور مسيطر في منطقة الهلال الخصيب.
   • محاولة مصرية لمنع تحقيق مثل هذه السيطرة.

إن هذا الميزان السياسي والعسكري في الوطن العربي قد أوحى لصانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة بثلاث توصيات سياسية هي:
   أولاً: ليس بالضرورة أن ترى الولايات المتحدة وإسرائيل في تضامن دول المواجهة خطراً يهددها، بل "كإحدى فرص الديبلوماسية البناءة".
   ثانياً: أن التحالف العربي يمثل فرصة لقيام مفاوضات مجدية وإحراز تقدم بارز حول كافة القضايا الرئيسية التي ينبغي أن لا تهدد بالمفاوضات الثنائية.
   ثالثاً: على الرغم من ضعف منظمة التحرير الفلسطينية فلا زال امامها دور هام تلعبه.

منظمة التحرير الفلسطينية
   بعد أن أشار التقرير إلى "التردي الذي أصاب منظمة التحرير الفلسطينية كقوة سياسية وعسكرية" وبعد أن اطمأن إلى "الحلف العربي الجديد" الذي سيكون القناة الرئيسية للوصول إلى "التسوية"، توصل إلى أنه سيكون بمقدور "الحلف" أن "يسلم الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى جنيف" ليس هذا فحسب، بل إن واضعي التقرير – وبعضهم في موقع صنع القرار – ينتظرون من دول الحلف أن تطالب الولايات المتحدة "بتسليمها" إسرائيل كما "سلمت" هي منظمة التحرير الفلسطينية. أي أن "رغبة الولايات المتحدة لممارسة ضغط على إسرائيل لتدخل في عملية مفاوضات تقديم تنازلات كبيرة ينظر إليها التحالف على أنها الثمن الذي يجب أن يدفع مقابل المخاطر التي تقع على عاتق هذا الحلف" ثم يكشف التقرير "أن الأحداث في لبنان قد دفعت إلى الاعتقاد بأن أفضل حل للمشكلة الفلسطينية ربما يكمن في ترك الأمور على ما هي عليه" وأضاف: "لقد أنعشت الحرب اللبنانية الآمال بأن منظمة التحرير الفلسطينية ستواجه إحدى مصيرين: "إما أن تدمر نفسها، وإما أن تدمر في مكان ما أثناء عملية الاقتتال بين العرب". هكذا فإن مهمة "تدمير" منظمة التحرير الفلسطينية هي إحدى الأسس الرئيسية في مسار "التسوية". خلال ذلك، يتم توظيف دورها "الهام" في عملية تهيئة المناخ العام "للتسوية".

العلاقات العربية – الإسرائيلية
   يرى التقرير، أولاً أن مجرد إعلان الدول العربية بأنها مستعدة للاعتراف بوجود إسرائيل مقابل تنازلات إسرائيلية كبيرة أمر غير كاف، إذ أن الهدف هو "قيام علاقات طبيعية تماماً بين الدول العربية وإسرائيل لإنهاء أعمال العنف والتهديد" ثم يتساءل على لسان إسرائيل "كيف يتطلب من إسرائيل أن تقدم أشياء ملموسة تتعلق بالأرض مقابل وعود عربية غير ملموسة، وأمكن النكوث بها؟" ثم يتساءل، وعلى لسان إسرائيل أيضاً "حتى لو افترض بأن الزعماء العرب الحاليين مستعدون فعلاً لتحقيق السلام، فما الذي سيضمن بأن زعماء آخرين قد يأتون إلى الحكم ولا يتبنون نفس السياسة؟" إذن فلا بد من وضع أسس ثابتة وراسخة تقوم على إحداث تغييرات شاملة في بنية القوى وبنية الصراع نفسه "فإذا كان ذلك النقض أو التنكر سيحدد بعد إتمام عملية الانسحاب الإسرائيلي، فسيكون هناك سلسلة من العمليات المتواصلة ( تحالفات جديدة، ومواثيق اقتصادية، ومؤسسات دفاعية متقلصة القدرة) والتي قد يكون أمامها قرصة للنمو. وكنتيجة لذلك فإن أية دولة عربية ستسعى إلى التراجع عن موقفها سيتم عزلها وتدبر أمرها". أي أن الذي سوف ينجز، باختصار، هو تشكيل بنية تحتية شاملة للمنطقة تستمر على مدى معين من الزمن، تكون "التسوية" إحدى نتائجها العملية.

الوجود السوفياتي
   يعتقد المشاركون في الندوة التي صاغت "تقرير سفن سبرينغز "أن قوة الاتحاد السوفياتي في المنطقة آخذة في التراجع" اذاً فهم لا يرون له أي دور في "التسوية" أكثر من المشاركة الشكلية "لحفظ ماء الوجه" كي لا يكون في مقدوره تقويضها فقط. وهم يرون أن مستقبل العلاقات العربية – السوفياتية غير واضح بعد الآن، لذلك "فليس من المتوقع أن يلعب السوفيات دوراً رئيسياً إلا إذا ظهرت مجموعة من الظروف السياسية الجديدة غير المتوقعة" ومع ذلك فإن التقرير يرى أنه "من الصعب توقع قيام أي نوع من عمليات التوسط لإيجاد تسوية لا يكون الاتحاد السوفياتي طرفاً فيها. ومن ناحية أخرى، فإنه من الصعب كذلك، وبنفس الدرجة، تصور مشاركة سوفياتية فعالة بموجب القواعد الأساسية التي يبدو أنها تبرز الآن، ومنها بالتحديد أن مشاركة الأطراف الخارجية تتوقف على مدى قبولها لدى الأطراف المعنية بالنسبة للنزاع".
   يضيف التقرير حول الدور السوفياتي في هذه الحالة "أن بالإمكان إحضار الاتحاد السوفياتي بسهولة إلى طاولة المفاوضات تشارك أقل مرتبة في الإطار الراهن، وهذا يعود إلى دوره الرسمي كدولة مشاركة رئاسة مؤتمر جنيف. فإذا تبين أن الروس غير متعاونين، فمن المحتمل أن تجري "معظم المفاوضات بصورة غير رسمية، وبذلك يجزي الحد من أثر المشاركة السوفياتية وفي مثل هذه الحالة، تكون جنيف بمثابة اجتماع للتصديق على الاتفاقيات التي تم وضعها سراً، وليس كميدان لإجراء مفاوضات رسمية موسعة" هكذا، يكون الاتحاد السوفياتي، وبكل ثقله العالمي، من منظور القرار السياسي الأميركي، ليس أكثر من أداة يتم توظيفها لتنفيذ القرار الأميركي، وفي حال رفضه أن يكون هذه الأداة فليس هناك اكثر سهولة على الإدارة الأميركية من عزله والاستغناء عن خدماته كي تنفرد هي ؟ بالقرار!!!
ولكن "عباقرة" السياسة الأميركية، وعلى رأسهم بريزنسكي والفريد أثرتون يحذرون من احتمال ازدياد النفوذ السوفياتي وإذا لم يتم تحرك باتجاه التوصل إلى تسوية في المستقبل القريب" وهم يعتبرون أن إحياء أي دور جديد للاتحاد السوفياتي في المنطقة سيثير المخاطر الكامنة ويرفع من درجة تكاليف جولة أخرى من القتال".

الخطة
   يعتقد المشاركون في الندوة أن المشكلة كانت غير قابلة للحل حتى الآن لأن الأطراف نفسها على خلاف جوهري حول معظم النقاط الرئيسية المسببة للخلاف، لذلك يتوجب أن تؤدي عملية المفاوضات إلى تغير جذري في المواقف، وتحويل المفاهيم وتقلص في المفاهيم وأزمات الثقة. وعلى أية حال، فإنه من غير الممكن التحرك باتجاه "السلام" الذي يقوم على المصالحة، ما لم تتفاوض الأطراف للتوصل إلى تسوية شاملة. وهنا يجيء دور الولايات المتحدة باقتراح مجموعة من الأسس، التي تتم الموافقة عليها من قبل الأطراف قبل عملية التفاوض. وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق حول هذه الأسس، أو على إطار مشترك، فإن عملية "التسوية" يمكن أن تتقدم بعدة طرق، وقد تعتمد على عدة أساليب في آن واحد أو في مراحل مختلفة من العمل الشامل...
   وقبل كل شيء آخر "لا بد من إجراء المفاوضات المباشرة"، رغم أنه "من المشكوك فيه أن يتم تحقيق السلام عن طريق المحادثات المباشرة فقط".
 

المراحل
   يقدم التقرير تصوره للمراحل التي سيمر بها الاتفاق "حيث يسيطر على كل مرحلة نوع خاص من المفاوضات" وفي البداية سيكون هناك حاجة إلى "وسيط ماهر يحقق الاتفاق الأساسي على الإجراءات وجدول الأعمال"، يتبع ذلك "جولة من المحادثات المباشرة حول مواضيع أساسية" وهي محادثات قد تصل إلى طريق مسدود. عند ذلك لا بد من تدخل طرف ثالث "إما بموافقة الأطراف أو بممارسة مجموعة من الضغوط" ويشدد التقرير على "التوقيت والتناسق والتجسيد المادي للأشياء التي هي غاية في الأهمية في التحرك من موقف إلى آخر".
وكنقطة بداية (لا أكثر) تتركز المناقشات "على مبادلة الأراضي بإقامة علاقات طبيعية على مدى فترة طويلة من الزمن" وتكون نتيجة ذلك اتفاقاً عاماً على أساس النقاط التالية:
   1 – إعلان "سند تعهد" بالاعتراف المتبادل.
   2 – أن يكون هناك "سلسلة من الأشياء التي يجب تحقيقها" لاستمرار العملية.
   3 – أن يتم تقديم نظام للمفاوضات المختلطة، مع ضرورة تجنب الصيغ الجامدة لاستمرار المناقشات.
   4 – أن يتم تقديم تنازلات مقبولة.

ويعتقد المشاركون في الندو أن ما يلي يمكن أن يعتبر مقبولاً ومعقولاً:
   1 – أن يقبل الإسرائيليون "إلى حد ما" مبدأ اشتراك الفلسطينيين "بشكل ما" في المفاوضات.
   2 – تلزم الدول العربية نفسها بالتفاوض حول جدول الأعمال الذي سيشمل عناصر السلام التام والكامل الذي تريده إسرائيل.
   3 – يقبل الفلسطينيون الالتزامات والمبادىء الواردة في قرار مجلس الأمن رقم 242 وفي إطار نتائج المرحلة الأولى، فإن المرحلة الثانية ستشمل المناقشات والاتفاقيات حول إعلان المبادىء لتوجيه عملية المفاوضات الأساسية، أما المرحلة الثالثة فستشمل مواضيع مختلفة كبنود محددة للمفاوضات، ثم صياغة التفاصيل الخاصة بالمفاوضات الرسمية التي ستجري في جنيف، ويعتقد المشاركون في الندوة (وقد عبر بريزنسكي في تصريحاته الأخيرة بكل حال) أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مراحل ما قبل افتتاح المحادثات الأساسية ستعتبر قاعدة صلبة تسمح للمفاوضين بالتحرك بسرعة نحو تسوية نهائية شاملة.


وأخيراً يرى التقرير أنه للوصول إلى هذه التسوية فلا بد من الحصول على ثلاثة أهداف رئيسية:
   1 – جعل جميع الأطراف تواجه الحقيقة وتقلل من توقعاتها بخصوص أية نتائج تكون مقبولة أو غير مقبولة.
   2 – المساعدة في إزالة صورة الشيطان المرسومة في ذهن كل طرف عن الطرف الآخر.
   3 – إقناع الأطراف المعنية أن احتمالات السلام الحقيقية تكون بتحقيق نتائج ملموسة.

ويمكن تحقيق هذه الأهداف بتغيير طبيعة الحوار بثلاثة طرق أساسية:
   1 – بتحويل بؤرة الاهتمام في المناقشات من مواضيع الماضي إلى مواضيع المستقبل.
   2 – بتغيير المناقشات من مواضيعها الغامضة إلى مقترحات محددة، الأحزان إلى مداواة، والمواقف المتطرفة إلى اتفاق.
   3 – تفتيت المشكلة الكبرى إلى مجموعة من المشكلات الصغيرة وتقدير النجاح بمقياس غير مقياس التسوية الشاملة.
أخيراً، ما هو المدى الذي تم قطعه حتى الآن في إطار هذه الخطة المحددة المراحل؟ هل يسمح الوضع العام باستمرار إحراز النجاحات لهذه الخطة؟ وهل يحمل الواقع الراهن قوى وإمكانيات قادرة على إحباط هذا المخطط وإلحاق الهزيمة به؟ ثم، ما هي آفاق التطورات والاحتمالات القادمة؟ إن قضايا من هذا النوع بحاجة ماسة فعلاً إلى رؤيتها بدقة ودراستها وتحديد مفاصلها. وحاجة مثل هذه هي بالضرورة خارج أن تكون بين الاحتمالات الرخوة وأدوات الشرط المتعددة، فالبرنامج الأميركي قد اقترب كثيراً من أرض الواقع العملي، واقترب كثيراً من التحقق.
______________________________________________


<< Prev - Next >>

Last Updated (Sunday, 17 October 2010 12:13)

 
القائمة الرئيسية
  • الرئيسية
  • الأرشيف
  • عن الوكالة
  • عباس بدر الدين
  • قالوا في عباس بدر الدين
  • الصحف اليومية
  • راسلنا
Banner
Banner
حول ملف الإخفاء
  • س س
  • العقيد القذافي
    • ليبيا القذافي
  • لكلمته صولة
  • مطالبات
  • مطالبات - تابع
  • التوطين
  • د.مسيكة :هذه هي وقائع التحقيق
  • التحقيق الايطالي في جريمة الاخفاء
  • من المؤكد
  • قانون انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ونظامه الداخلي وملاك موظفيه العام
  • موسى الصدر لماذا هو؟
  • معلومات عن خطف الإمام وصحبه
Banner
للعلم والمعرفة
  • العلمنة
  • الوفاق الذي عاش 30 عاماً
  • مصير لبنان في مشاريع
  • تاريخ قوات حفظ السلام في لبنان
  • الخريطة الاميركية للشرق الاوسط
  • الاستراتيجية الاميركية في المنطقة
  • الثورة الإسلامية الإيرانية
  • طائرة الموت الايرانية
Banner
Banner
Banner
Banner

Copyright © 2010 LNA.
All Rights Reserved.

Designed by MS Graphics.