التوطين - Page 9
| Article Index |
|---|
| التوطين |
| Page 2 |
| Page 3 |
| Page 4 |
| Page 5 |
| Page 6 |
| Page 7 |
| Page 8 |
| Page 9 |
| Page 10 |
| Page 11 |
| Page 12 |
| Page 13 |
| Page 14 |
| Page 15 |
| Page 16 |
| Page 17 |
| Page 18 |
| Page 19 |
| Page 20 |
| All Pages |
في حديث هادىء.. رصين وظريف
أبو أياد:
الوضع غير طبيعي والتفجير الشامل قد يبدأ من الجنوب
• أتحدى الدولة اللبنانية أن تكشف اسم مواطن فلسطيني اشترى أرضاً في الجنوب
• لم نعد قطيع غنم يفرض علينا العيش هنا أو هناك.. والتوطين يقع عنما تسقط بندقيتنا
• أنا لم أقل "طريق فلسطين تمر في جونيه".. وليس عيباً أن يحترم الخصم خصمه
• إذا استقرت ثورة الخميني سيكون الجيش الإيراني معنا ضد إسرائيل
• الجبهة الشعبية بقيت خارج اللجنة التنفيذية لأن دخولها جاء وكأنه تحد لـ""فتح"
الجمهور – 15 شباط 1979
أجرى الحديث غادة سلهب وفضلو هدايا
أبو أياد كان قنبلة خلال حرب السنتين، وهو اليوم طالب حوار، ربما تمشياً مع القول المعروف "بأن من يصنع الحرب، بإمكانه أن يصنع السلام".
والذي يعرف أبو أياد عن بعد لا كالذي يعرفه عن كثب. قد تظن وأنت في طريقك إليه أنك ستكون حيال رجل بطاش، مدجج بالسلاح، صاحب نظرات تصطك أمامها الركاب وتنخلع لها القلوب.
لكن التصور شيء والحقيقة شيء آخر. فأنت، وجهاً لوجه مع أبو أياد، لست أمام الشخص الذي رسمته لك مخيلتك الجامحة، بل أنت أمام شخص وديع، لطيف، قريب للقلب شعاره "لا تكن قوياً فتكسر أو ليناً فتعصر". بل هو نفسه يعجب للأسطورة التي حيكت حوله ويخبرك القصة التالية:
- ذات يوم دعيت لحضور خطبة واحد من مقاتلينا على فتاة لبنانية. وخلال الحفل، كنت أمازح المدعوين، أروي بعض النكات، أضحك.. فنظر إلي والد العروس بكثير من الاستغراب والدهشة وسألني: هل صحيح أنت أبو أياد؟ وكرر السؤال أكثر من مرة لدرجة حملتني على استيضاح الأسباب التي دفعته إلى كل هذه الدهشة فقال: كنت أظن أنني سأرى أبو أياد على غير هذا النحو. كنت أحسب أنني سأجدك مدججاً بالسلاح، عبوساً، صعباً، يتطاير الشرر من عينيك.
وعلق أبو أياد على القصة بقوله: والحق بالطبع ليس على الطليان، بل على إذاعة صوت لبنان!
في هذا الجو الرصين والظريف في آن معاً، كان حوارنا الهادىء التالي:
سألناه:
• يقال إنكم في الاجتماع الذي عقدتموه مع الرئيس الحص وعدتم بتسهيل دخول الجيش بهيكليته الحالية إلى الجنوب عن طريق الساحل، ولكن البعض يتهمكم في الوقت نفسه بأنكم وراء مطالبة الحركة الوطنية برفض دخول هذا الجيش. ما هو تعليقكم؟
- في لقائنا مع الرئيس الحص بحثت قضايا عدة كان منها دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب.
في الواقع إننا لا نملك، في أي وقت من الأوقات، حق القول أننا نرفض دخول هذا الجيش إلى الجنوب، وبخاصة إذا كان هذا الدخول يأخذ شكل التعاون مع الحكومة اللبنانية، ولأمر يتعلق بمنع الاعتداء الإسرائيلي على الجنوب، إضافة إلى أن القضية لبنانية بحت.
في اللقاء المذكور فضلنا نحن أن يعالج هذا الموضوع مع الحركة الوطنية، لأن معارضة أي طرف لدخول الجيش إلى الجنوب يمكن أن تؤدي إلى بعض المشاكل. إما أن يقال أن المقاومة الفلسطينية هي وراء رفض الحركة الوطنية لدخول الجيش، فهذا أمر غير صحيح.
وليس بخاف على أحد أن للحركة الوطنية وجهة نظر، ولا نستطيع نحن أن نفرض عليها شيئاً، لا سيما بما له علاقة بالشؤون اللبنانية كتركيبة الجيش، مثلاً، التي ورد ذكرها في السؤال. فنحن لا نستطيع أن نعرف من هو الصالح وغير الصالح، ألا إن الحركة الوطنية أدرى منا بهذا الواقع.
• قلت إنكم بحثتم مواضيع عدة مع الرئيس الحص، فهل يمكن أن نعرف ما هي هذه المواضيع؟
- من هذه المواضيع، مسألة قوات الطوارىء الدولية، وهل سيتم التمديد لها بعد انتهاء مدتها أم لا؟ بالإضافة إلى موضوع انسحاب القوات الإيرانية والإشاعات التي تقول أن دولاً أخرى ستسحب قواتها أيضاً من الجنوب، ومدى تأثير كل ذلك على المنطقة الحدودية. وبحثنا أيضاً موضوع العمليات الفدائية من جنوب لبنان، فأبلغنا الرئيس الحص أن هذه العمليات متوقفة من زمان، علماً بأن أي عملية تحصل في القدس، مثلاً، أو في حيفا يقولون إن لبنان مسؤول عنها والسبب أن هذا البلد يعتبر الحلقة الضعيفة على صعيدي الدفاع الجوي والدفاع العام. كما بحثنا مواضيع أخرى تتعلق بالمخطوفين في الشمال، وغير ذلك من الأمور المطروحة على بساط البحث.
• أنت القائل أن الوضع سينفجر في الربيع، فعلام بنيت هذا القول؟ وما هو رأيك بالتفجر المحدود الحاصل حالياً في الداخل وفي الجنوب؟
- عندما سئلت حول هذا الموضوع قلت إن الوضع سينفجر في شهر نيسان تقريباً.
وأمنيتي طبعاً ألا يحصل هذا الانفجار، أما لماذا حددت هذا التاريخ، فتحليلي عائد لثلاثة أمور:
- أولاً ألمر مرتبط بتوقيع معاهدة أو شبه معاهدة بين مصر وإسرائيل. ثانياً بانتهاء فترة التمديد لقوات الردع العربية. وثالثاً التحليل مرتبط بالتقارير الأمنية التي تردنا والتي تؤكد أن هناك استعدادات لهذا التفجير. هذا مع العلم أني اتمنى ألا يحصل الانفجار في الربيع، وربما في نيسان، لقد صرحت بذلك كي أحذر الناس وأطالب جميع الأطراف بتحكيم العقل ومنع هذه الحرب، لا على سبيل الاستبشار بالطبع.
ومهما قلنا أن هناك مؤامرات خارجية تستهدفنا فإننا نحن أدوات تلك المؤامرات، ولا يمكن لأي مؤامرة أن تنجح دون أن تكون لها أدوات. من هنا انطلقت في تحذيري، وأملي الأول والأخير ألا يحصل شيء.
• هل يمكننا أن نعتبر أن التفجير الحاصل حالياً في الجنوب هو المؤشر للانفجار الكبير في شهر نيسان (أبريل) المقبل؟
- أنا لم أقل أن الانفجار سيحصل فقط في الجنوب، وإنما قلت أن الانفجار سيكون شاملاً، وقد يبدأ من الشمال أو من الجنوب بواسطة إسرائيل أو بواسطة سعد حداد، وقد ينتهي بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية، والواقع أن الوضع الآن غير طبيعي.
• يشاع أن المقاومة الفلسطينية تشتري أراضي في الجنوب وتسجلها تحت أسماء لبنانية مستعارة. ما صحة هذا القول؟
- سبق وتحديت أياً كان بأن يأتيني بأسماء فلسطينيين اشتروا أراضي في الجنوب. ونحن كمقاومة لا نشتري أراضي ولا نبيع. ولكن أينما توجد أراضي خالية نضع قواتنا فيها. هناك بعض الصحف ذكر أسماء فلسطينيين مؤكدة أنهم اشتروا أراضي. أنا أتحدى أن تكون هذه الأسماء صحيحة. قالوا مثلاً إن فلسطينيين انتحلوا جنسيات أخرى، وادعوا بأن نسبة الشارين الفلسطينيين بلغت 93 بالمائة. أنا أتحدى أن تكون هذه الأرقام صحيحة، ثم كيف أتوا بها وجميع أجهزة الدولة معطلة. وأنا أؤكد أن هذه الإشاعة مرتبطة بالتوطين، أو هي تحضير لعملية التوطين، وأظن أننا صرخنا ألف مرة بأننا ضد هذا المشروع. إنني أدعو أي مسؤول أو أي وزير لبناني أن يكشف أسماء فلسطينيين اشتروا أراضي، لا أن نظل نعتمد على أقوال الصحف وغيرها.
• هناك من يربط بين عمليات الشراء المنوه عنها وبين ارتفاع أسعار الأراضي في الجنوب بشكل خيالي؟
- أنا أؤكد بأن ارتفاع هذه الأسعار ليس له علاقة بشراء الفلسطينيين للأراضي، وما عليك إلا أن تسأل خبيراً اقتصادياً في هذا الحقل.
• ما رأيك بالقرار 444؟
- أنا ضد كل القرارات. ولكن فيما يتعلق بطلبات الدولة منا ضمن إطار القرار فنحن نسهل كل الأمور. سهلنا دخول قوات الطوارىء الدولية إلى كل المناطق. والذين عطلوا دخول هذه القوات إلى سائر أجزاء لبنان معروفون، وهم الرائد سعد حداد وجماعته. أما نحن فقد سهلنا، كما يعلم الجميع، دخول أفراد القوات الدولية إلى كل منطقة طلبوا الدخول إليها، وأكثر من ذلك فقد خضنا معركة مع أخواننا من أجل هذا الموضوع بالذات. ولذلك فنحن لا نتعامل مع القرار كقرار، وإنما نتعامل مع طلبات الدولة فيما يخصنا ضمن إطار هذا القرار.
• مسؤول كبير في الدولة قال إن التوطين واقع واقع واقع. نود أن نعرف تعليقكم على هذا القول، وكيف تحارب المقاومة التوطين في الوقت الحار لمنع حدوثه؟
- مع احترامي للمسؤول الكبير، ومهما تكن لديه من معلومات حول الموضوع من جهات أجنبية، فإن الجهة المعنية تظل أقدر على الإجابة عن السؤال، لأننا لم نعد قطيع غنم يفرض علينا العيش هنا أو هناك. وقد أوضحنا للجميع أنهم إذا كانوا صادقين في محاربة التوطين في لبنان فما عليهم إلا أن يساعدونا على أن نظل نحمل البندقية في أيدينا، لأنه عندما تسقط هذه البندقية يسهل عندئذ أن يفرض التوطين علينا وعلى هذا المسؤول الكبير.
• هذا التوطين سيفرض على جميع الدول العربية وليس على لبنان فحسب؟
- أكيد. أكيد. لذلك فإن من يمنع التوطين هم الفلسطينيون أكثر من أي جهة أخرى. واسمحوا لي هنا بالعودة قليلاً إلى الوراء.
نحن بدأنا الثورة المعاصرة الفلسطينية عام 1965 وكان معنا الضفة الغربية وغزة، وكانت أرضاً محررة، أي أرضاً عربية بغض النظر عن الطرف العربي الذي كان يسيطر عليها. وكنا يومها متواجدين في أكثر من جهة. وقد أتيحت للفلسطينيين في الخارج فرص كبيرة جداً، وخاصة للذين قاموا بالثورة منهم. والحقيقة أنه لو كنا نرتضي التوطين، لما قمنا بالثورة إطلاقاً. ولارتضينا أن نشارك في حكم الضفة الغربية وغزة، ولأبقينا الفلسطينيين في الكويت، وفي لبنان وحتى الجهة المعادية لنا اليوم في لبنان والتي تحارب التوطين حقيقة، لم تكن تشكو من الفلسطينيين، وإنما كانت تتيح لهم فرص عمل كثيرة، وبخاصة في المكلس وتل الزعتر كعمال، وفي مجالات أخرى كأصحاب مهن حرة ورجال أعمال. ولم يكونوا يلقون أي مضايقة. والواقع أن الذين يمنعون التوطين هم الفلسطينيون أنفسهم، ولكن ليس كل الفلسطينيين وإنما حملة السلاح منهم. فكيف يكون إذن التوطين واقعاً إذا لم تسقط البندقية الفلسطينية.
لكن إذا ما سقطت هذه البندقية فعندها فقط يفرض التوطين على هذا المسؤول الكبير وعلى جميع المسؤولين العرب. وهذا ما شرحناه للجميع، وحتى للذين قاتلونا وقاتلناهم في "الجبهة اللبنانية". فنحن مع تنظيم وجود السلاح لأننا نحن ضد السلاح الفالت، وهم الآن يعانون من هذا السلاح الفالت في مناطقهم، وبدأوا يشعرون أن التجاوزات التي كانت تحصل في صفوفنا كانت تجاوزات فردية، وبخاصة أنهم صاروا يعانون في مناطقهم من الشراذم المسلحة.
وإذا كنا مع تنظيم وجود السلاح فتبقى فقط مسألة تنفيذ الاتفاقات تنفيذاً صحيحاً، وإذا ما تم ذلك لا يبقى هناك أي تخوف من موضوع التوطين، لأننا نحن نتكفل برفض هذا المشروع، ومن هنا ايضاً يأتي رفضنا للحكم الذاتي. ومن يريد أن يحارب التوطين ينبغي أن يعمل في ثلاثة مجالات: مجال القتال، الذي نعمل نحن فيه، والمجال السياسي الذي ينبغي أن تساعدنا فيه كل جهة عربية أو غير عربية في شرح أسباب رفضنا لكامب ديفيد، هذا الرفض المبني على اعتبار أن الحكم الذاتي يحل مشكلة أقل من ربع السكان، ويحلها أيضاً بشكل خاطىء. فالحكم الذاتي هو طبعاً غير الدولة الفلسطينية. الدولة الفلسطينية تعني أن للفلسطيني وطناً ينتمي إليه. وعندها يصبح وضعنا مثل وضع لبنان، حيث هناك أكثر من نصف السكان في الخارج. فلو جئت مثلاً بالملايين الثلاثة من اللبنانيين المهاجرين لما كان بإمكان لبنان أن يستوعبهم، وهكذا هي الحال بالنسبة إلينا. فإذا جئنا بجميع الفلسطينيين الموجودين في الخارج ووضعناهم في الضفة الغربية وغزة أو أي منطقة أخرى من فلسطين ما كان بالإمكان استيعابهم جميعاً. ولكن هؤلاء يكفيهم أن يكونوا منتمين إلى وطن، إلى دولة، ويبقوا حيث هم كعمال، ومهندسين ورجال أعمال. هذا هو الفارق بين الحكم الذاتي والدولة الفلسطينية. ومن يريد أن يحارب التوطين، فعلاً، ينبغي أن يكافح معنا على الصعيد السياسي، وأن يشجع الفلسطيني على الكفاح من أجل رفض نتائج كمب ديفيد.
• أين وصلت التحقيقات بشأن اغتيال الشهيد "أبو حسن"، وكيف تفسر هذا الاغتيال؟ وما هو مدى تأثيره على المقاومة الفلسطينية؟
- إن هذه العمليات التي تتسم بطابع الغدر من الصعب معرفة منفذيها لأنها تحتمل ترجيحات عدة، ولها خطوط متعددة. فهناك الخط الخارجي وقد عرفنا منهم أربعة أو خمسة أشخاص. وهناك الخطوط المحلية التي لا تزال موجودة برأيي في البلاد. وهي، في قسم منها، ذات طابع عربي ومن جنسيات أخرى. وهي ما يسمونه عادة بشبكات التجسس، أو شبكات التخريب، أو شبكات الإرهاب. ومن يقدم على تنفيذ جريمة بهذا الحجم لا يترك عادة بصمات أو شبهات إلا على الذين غادروا البلاد، ومع ذلك فقد تمكنا من التوصل إلى تفاصيل، لا نريد إذاعتها الآن، يمكنها ان تساعدنا على الحد من هذه العمليات. ولو أخذنا مثلاً الفترة الواقعة بين استشهاد الزعماء الفلسطينيين الثلاثة عام 1973 وبين استشهاد "أبو حسن" لوجدنا أنه لم تقع خلالها أي عملية مماثلة، وذلك بسبب الإجراءات التي اتخذناها، ولكن عملية "أبو حسن" كانت نوعاً جديداً من العمليات الإرهابية، التي تعتمد طريقة التفجير اللاسلكي، بينما لو تعرض "أبو حسن" لأي هجوم لما كان هذا الهجوم أدى إلى النتيجة المتوخاة. ويمكن أن تقولوا أن العملية نفذت بالقوات السورية في الجبل وأجيب: ولكن ليس بالطريقة الفنية التي نفذت مع الشهيد "أبو حسن" ولعل هذا ما يؤكد بأن جميع العمليات التي نفذت ضد القوات السورية لها أبعاد إسرائيلية. ومثل هذه العمليات ليست صعبة، في الواقع، وأن تخيلها الناس كذلك. واتقاؤها يقتضي ألا يكون هناك روتين يومي.
أما بالنسبة لسؤالكم حول تاثير عملية الاغتيال على المقاومة الفلسطينية، فنحن قد بنينا الثورة على أساس أنها طويلة الأمد، ومثل هذه الثورة لا يمكن أن تقوم على شخص أو بضعة أشخاص، وأن يكون كل فرد له تأثير معين. فنحن، جميعاً معرضون للاغتيال والموت هو بيد الله. ولكن مهما فعلوا، فإن الثورة لن تتوقف وكل جيل ينشأ عندنا سيكون أسوأ من الذي قبله. أسوأ بالنسبة للعدو طبعاً. ولكن بالنسبة إلينا أكثر عملاً وأكثر صلابة.
• يقال إن الشهيد "أبو حسن" تلقى مكالمة هاتفية قبيل نصف ساعة من اغتياله؟
- ما عرفته هو أن الشهيد قد تلقى تحذيراً قبل 10 أيام من الحادثة من إحدى الشخصيات المحلية (معلوماتنا في "الجمهور" ترجح أنه إما أنطوان شادر أو كريم بقرادوني) تنبههه إلى أن خطراً ما سيواجهه.
• قلت إنكم عرفتم الخط الخارجي الذي يمكن أن يكون وراء عملية الاغتيال، فهل لديكم أي شيء ملموس في هذا المجال، أم أن الأمر مجرد تكهنات؟
- بالطبع لدينا أشياء ملموسة حول كيفية حصول العملية.
• هل لنا أن نعرف بعض التفاصيل؟
- ليس هناك ضرورة بالطبع. إنما يمكنني الجزم بأن الجهة الخارجية التي قصدتها هي إسرائيل، وإن حاولت إسرائيل أن توهمنا بأن جهة محلية هي التي نفذت العملية، وكذلك لم تتورع عن ذر اسم "فتح" فطيرت البرقيات، ونشرت بيانات في الخارج جاء فيها أن مجموعة الشهيد الفلاني هي المسؤولة عن اغتيال "أبو حسن"، وذلك من أجل الإيحاء وكأن العملية عملية داخلية. إلا أن الذين نفذوها قد انكشفوا فعلاً، وقد غادروا البلاد، ابتداء من الذين استأجروا السيارات إلى الفتاة التي فجرت العبوة، بالإضافة إلى بعض التفاصيل التي ليست من مصلحة التحقيق الكلام عنها.
• كانت "الجبهة اللبنانية" تعتبر "أبو أياد" خصمها الأقوى، وهو الذي قال عبارته الشهيرة: "طريق فلسطين تمر في جونيه". ثم فجأة أصبح أبو أياد الرجل المفضل لدى "الجبهة" لماذا؟
- أولاً أنا لست الرجل المفضل لدى "الجبهة اللبنانية". وثانياً أنا اعتبر أنه ليس من العيب أن يحترم الخصم خصمه، وهذا فخر، في أي حال، لا أدعيه لنفسي. وبشأن العبارة التي وردت في السؤال فأنا قد شرحت ذلك قبلاً وأكرر هنا القول أنني لم أقلها. وإنما قولوني إياها، وأقول ذلك ليس عن خوف. وأنا أعترف بأنني كنت أثناء الحرب أتكلم لغة الحرب، وكنت عنيفاً، وعنيداً، ولكن هذا لا يعني أن المرء ينبغي عليه أن يتكلم لغة الحرب في أيام السلم. وبعض الناس يعتقد أن في الأمر تناقضاً، ولكنه في الحقيقة، ليس كذلك، باعتبار أن هناك حالات تستدعي لغة معينة، فعندما يكون المقاتل ينزف دماً لا يمكن الكلام بلغة المحبة، لأن هذه اللغة لا يمكن أن تعبر عن ذلك النزف. وبعدما توقفت الحرب، ودخلت قوات الردع العربية لبنان لم نعد نحن كطرف أساسي. وهذا لا يعني أننا محايدون مائة بالمائة. وعندما طلب إلينا الشيخ أمين مقابلته لم أعارض أنا الفكرة، وهذا هو، في الواقع، الحوار الوحيد المسؤول الذي حصل بيننا وبين "الجبهة اللبنانية" وبحضور العقيد سامي الخطيب، وكان حوار مفيداً جداً رغم كل ما قيل ويقال. وأنا لا أبالغ إذا قلت أن ما جرى بيني وبين أمين كان إيجابياً جداً. ولكن المسألة هي أبعد من هذا الحوار، ولذلك توقفت الاتصالات بيننا الآن لأننا لسنا الطرفين الوحيدين حالياً في الساحة. ولو كنا نحن والكتائب الطرفين الوحيدين لأمكننا القول أن الحوار قد يؤدي بنا إلى الطريق السليم، ولكن هناك أطراف أخرى، كالأطراف التي لا تنكر اتصالها بإسرائيل. أنا لا يمكن أن أكون محايداً تجاهها، وإلا فما معنى مهاجمتي للسادات. وهناك أيضاً الطرف السوري الذي تحمل الكثير من سقوط عناصر له، والذي لا يمكن إزاحته، أو تجاهله أو القفز فوقه في أي عملية حوار.
وبعد ذلك لا يكفي أن تنكر الشيء حتى يكون عديم الوجود. فعندما تنكر "الجبهة اللبنانية" وجود "الحركة الوطنية" أو "التجمع الإسلامي"، أو "الجبهة القومية" فهي تنكر حقائق موجودة. ثم كيف تنكر الجبهة اللبنانية وجود المحاور الآخر، وهل يعني أن كل هؤلاء المحاورين غير موجودين؟ أنا أعتبر ذلك غروراً أكثر من اللازم. وأؤكد أنه يوجد في هذه المنطقة محاورون جيدون. وثمة طرف آخر في الشمال هو الرئيس سليمان فرنجية. وإذا ما اتفقت كل هذه الأطراف، فإن الاتفاق ينبغي أن يتم أولاً كحوار لبناني – لبناني – سوري، وبعدها يأتي دورنا. ولا بأس إذا كان لنا دور في جميع هذه الحوارات، إلا أن دورنا الأساسي هو في نهاية الحوارات الأخرى. لذلك أنا لا أستطيع أن اعتبر بأن الحوار الذي تم بيني وبين أمين الجميل هو حوار بيننا وبين "الجبهة اللبنانية"، بل إنه كان لقاء إيجابياً، واعترف بذلك، لأن موقفه من إسرائيل كان واضحاً، وكذلك موقفه من الحرب الماضية، ولا أريد هنا أن أكشف كل آرائه فقد أعلنها هو بكل صراحة ووضوح. أنا أعتقد أن هناك أرضية للحوار، ولكن ينبغي ألا يكون هناك تجاهل لأي طرف موجود في الساحة. ولكي ينجح الحوار، وتتوقف المؤامرة، ينبغي أن تون جميع الأطراف متفقة على وقف المؤامرة. وهذا يتطلب مثلاً خطوة شجاعة من "الجبهة اللبنانية" وخطوة باتجاه قطع الاتصال مع إسرائيل. وبفتح اليد بواسطة الرئيس سركيس باتجاه السوريين، وبفتح خط أو حوار مع المنطقة الغربية بما فيها من وطنيين ومسلمين وسواهم. ونحن من جهتنا مستعدون في أي وقت للحوار. يتفق اللبنانيون برعاية سورية يصبح هناك فريق واحد نحاوره ويحاورنا فتسهل عملية الحوار بيننا.
• المعروف أن حركة "فتح" لها علاقة خليجية حميمة، ومع هذا راهنت منذ البداية على حركة آية الله الخميني في إيران، فكيف ترون خريطة المنطقة العربية بعد متغيرات إيران؟
- نحن لم نحدد قط علاقاتنا بأي جهة عربية، ونحن نفتخر بأن قرارنا، في المقاومة الفلسطينية، هو قرار مستقل. وقد دفعنا ثمناً غالياً لذلك ولا نزال ندفع، فأنا أستغرب لماذا تخاف الدول الخليجية من ثورة إيران، مع العلم أن أي مسؤول خليجي لم يظهر مثل هذا التخوف، ولنفترض أن هناك تخوفاً فلماذا هذا التخوف ولا سيما أن آية الله الخميني يدعو إلى دولة إسلامية، وهذه هي حال الدول الخليجية. وأنا أرى أنه من حسن حظ تلك الدول أن يكون الشاه قد رحل عن إيران، وهو الذي كان يبيت المؤامرة على الدول الخليجية، بعكس ثورة الخميني التي ستحول دون تنفيذ تلك المؤامرة، بل أن تلك الثورة ستكون متضامنة مع الدول العربية.
ومن جهة أخرى، فإن سقوط الشاه يعني سقوط ركن مهم من أركان الحلف الذي من المرجح أن يقوم بعد توقيع المعاهدة المصرية – الإسرائيلية. ومن هنا كان تأييدنا كمقاومة فلسطينية لحركة الخميني، وخاصة أنه يدعو إلى قطع العلاقات مع إسرائيل ووقف بيع النفط لها.
إن طموحاتنا لأكبر من ذلك وهي أنه إذا استقرت الثورة في إيران ونجحت فإن الجيش الإيراني الذي كان معداً للهجوم على الخليج سيكون إلى جانبنا في حربنا ضد إسرائيل.
• المراقبون والمطلعون يرون أن المجلس الوطني الأخير قد أخفق، بالرغم مما أعلن من نتائج إيجابية في الوصول إلى ما أرادته قيادة "فتح": كالوحدة الوطنية، توسيع القيادة الفلسطينية، وإدخال الجبهة الشعبية. فإلى أي مدى نجح هذا المجلس، بتقديركم، وأين أخفق، وما هي الأسباب؟
- أنا أعتبر أن المجلس الفلسطيني الأخير كان أنجح المجالس ثلاثة أسباب: السبب الأول أن البرنامج السياسي قد أقر في هذا المجلس بالإجماع. وكذلك البرنامج التنظيمي والمالي، وهذه هي المواضعي التي كانت، في السابق، موضع خلاف. والسبب الثاني أننا أكدنا في هذا المجلس استقلالية القرار الفلسطيني عن أي جهة. ولكن هذا يجب ألا يعني ارتباطاً بأي نهج إقليمي، فالفلسطيني ليس إقليمياً، وإنما هو قومي قبل أي شيء. وما عنيت باستقلالية القرار الفلسطيني هو عدم وجود أي وصاية عربية على هذا القرار، وعدم وجود مندوبين للدول العربية في القيادة الفلسطينية بشكل يحول دون فلسطينية القيادة. ومن هنا يمكنني القول أن القرار الفلسطيني في هذا المجلس كان فلسطينياً مائة بالمائة. أما السبب الثالث فإن خروج المجلس باللجنة التنفيذية ذاتها لمنظمة التحرير هو من أسباب نجاح هذا المجلس، لأنه عندما يتكتل أي فريق ضد فتح متذرعاً بأي أسباب كانت فلا بد لفتح من أن تتخذ الموقف الذي يناسب حجمها وتاريخها وتضحياتها.
والحقيقة أنه جرت محاولات عديدة لتحجيم فتح وعرقلة تأليف قيادة سياسية وفرض الشروط عليها، حتى من قبل أطراف لا يجمع بينها سوى التضامن التنافسي. ومن هنا ظلت القيادة السياسية على حالها لأن ذلك يعني أن "فتح" لا ترضى بأن تتكتل المنظمات الفلسطينية ضدها تحت أي شعار آخر.
فعلى صعيد الوحدة الوطنية، فقد ظن الناس للوهلة الأولى بأن المجلس قد فشل. ولكن العكس هو الصحيح. ولو رضخت "فتح" للشروط التي فرضت على القيادة السياسية لأمكننا القول عندها أن هذه القيادة ليست قيادة شعبية. أما القيادة الحالية فهي تمثل المجلس الوطني كله وبالإجماع، وربما للمرة الأولى يصفق أعضاء المجلس ويهتفون وينشدون عندما أعلن رئيس المجلس أن اللجنة التنفيذية باقية على حالها.
إضافة إلى ذلك فقد وافق أعضاء المجلس الوطني على موضوع الحوار مع الأردن وأقام ضوابط لكل الخلافات التي يمكن أن تحصل على الساحة الفلسطينية. وعلى ذلك، فأنا أعتبر هذا المجلس أنجح المجالس الفلسطينية، وللأمانة أشير إلى أن هناك قضيتين ظلتا دون حل. فبالنسبة لدخول الجبهة الشعبية اللجنة التنفيذية أقول إننا لسنا ضد هذا الدخول، بل العكس هو الصحيح، إذ نعتبر أن دخول الجبهة الشعبية اللجنة يعزز من استقلالية القرار الفلسطيني. ولكن طرح دخول الجبهة كتحد لفتح، فإن ذلك يسمح لنا بإبقاء الجبهة، لوقت معين، خارج اللجنة التنفيذية. علماً بأننا حالياً بصدد عقد اجتماعات لهذا الغرض وفي جو هادىء لجميع المنظمات الفلسطينية دون فرض شروط على أي جهة. وفيما خص القيادة الجبهوية فهذا لا يعني ان يتمثل كل فصيل في هذه القيادة بمندوب عنه، وإنما ينبغي أن تكون هناك قوة مسؤولة عن القرار الفلسطيني، كما هي الحال مثلاً في العراق وسوريا حيث حزب البعث هو صاحب القرار داخل الجبهة الوطنية وكما الحال في فيتنام حيث كانت هناك 26 حركة لكن الحزب الشيوعي كان هو الحلقة الرئيسية المركزية. نحن لا نطلب، كحركة "فتح"، أن نتميز بهذا الحجم الكبير، وإنما لا نرضى أن يكون حجمنا في القرار كحجم أي منظمة فلسطينية في الساحة. وبرأيي، إن من يتخذ القرار هو الذي يتحمل نتائجه، ولا يمكن لأي جهة أن ترفض القرار وأن يكون على "فتح" تنفيذه. وهنا أكرر القول إننا الآن في مرحلة تعريف القيادة الجماعية ومعنى العمل الجبهوي. وإذا ما اتفقنا على أمر معين في هذا المجال يمكن أن ندعو إلى دورة استثنائية بغية تصحيح الوضع وإدخال بعض العناصر الجديدة وإخراج بعض العناصر الأخرى.
• طالعنا في صحيفة "لوموند" الفرنسية بعض المقتطفات من كتاب أعده أريك رولو عنكم تحت عنوان: "أنا فلسطيني بلا هوية" ما هي قصة هذا الكتاب؟
- الواقع ان الكتاب لم يوضع كمذكرات عني، لأن الإنسان لا يمكن أن يكتب مذكراته إلا إذا كان مغروراً كالرئيس السادات، أو إذا رحل عن الحياة السياسية. طرحت الفكرة منذ ثلاث سنوات، وكان رولو يرغب في تقديم الفلسطيني إلى العالم الخارجي وفي تعريف نضاله. وعندما التقاني سألني عن واقع هذا النضال قلت له: "لأنني فلسطيني بلا هوية" فسر لهذا الجواب ودون العبارة أمامه ووعدني بإصدار كتاب بهذا العنوان. وبالفعل فقد وجه إلي أسئلة عديدة، لأنه لا يمكن أن يطرح مثل هذه الأسئلة على أي كان في الشارع. وعلمت أن الكتاب استغرق ثلاث سنوات من العمل، وقد زار الكاتب خلال ذلك عائلتي، وخاصة والدتي فتعرف من خلالها إلى شخصي ثم جمع تصريحاتي. وقدم إلى لبنان مرتين خلال الحرب أولاهما عام 1975 وثانيهما عام 1976، وكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها بعد كمب ديفيد، وكان قد التقاني أيضاً عقب زيارة السادات للقدس. في كل مرة كان يسألني عن انطباعاتي بالنسبة للأحداث الجارية على صعيد أزمة الشرق الأوسط. وأحب أن أشير هنا إلى أنه كانت لي ثلاثة شروط للموافقة على إصدار الكتاب. الشرط الأول ألا يكون بشكل مذكرات، وأن يكون تحت عنوان: "فلسطيني بلا هوية". والشرط الثاني ألا ينشر كحلقات. أما الشرط الثالث فهو أن يعود ريعه لمؤسسة الشهداء. ولكن مع الأسف لم ينفذ إلا الشرط الثالث. والكتاب نقل إلى اللغة العربية وتنشره حالياً صحيفة "الوطن" الكويتية.
ويهمني أن أشير هنا إلى أن السفارة الإسرائيلية في باريس اشترت معظم النسخ، ودار النشر الفرنسية هي بصدد إعادة طبع الكتاب لتوزيعه على المكتبات مجدداً.
• نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية مقالاً حول عمليات التعذيب داخل السجون الإسرائيلية، ولكن سرعان ما نفي الخبر. ما هي المعلومات المتوافرة لديكم بالنسبة لهذا الموضوع؟
- هذا السؤال في محله فعلاً، لأن هناك تعتيماً على أبنائنا في الداخل وعلى نضالهم بشكل واسع. ولا أبالغ إذا قلت أن هناك قرى بكاملها تسجن ويضرب أهلوها وبيوتاً تنسف بشكل جماعي. حتى المقدسات استبيحت. ولعل أخطر شيء هو ما يعانيه السجناء. تصوروا، مثلاً، أننا ندفع للصليب الأحمر من أجل أن يقدم بعض المساعدات لهؤلاء السجناء والمعتقلين، وقد عملت السلطات الإسرائيلية على منع تلك المساعدات، وإذا ما وصلت فهي تصل مشوهة. بالإضافة إلى أن هؤلاء المعتقلين يتعرضون لعملية ضرب جماعية فور كل عملية فلسطينية. وهذا ما شجع قيام حركة إضرابات واسعة داخل السجون، وما دفع بالتالي إلى نشر المقالات في الصحف تلك المقالات التي لا تلبث إسرائيل أن تكذبها. ونحن الآن في صدد المطالبة بهيئة، غير الصليب الأحمر الذي لا يتدخل في الشؤون السياسية، تكون منبثقة عن الأمم المتحدة أو اتحاد الكنائس العالمي، كي تزور السجناء في المعتقلات الإسرائيلية وتطلع على أحوالهم، وعلى طرق تعذيبهم، وعندما تنفي إسرائيل شيئاً ما بصورة رسمية فمعنى ذلك أنه حاصل.
• سؤال أخير، هل يمكن أن نعتبرك متفائلاً أم متشائماً بالنسبة للوضع في لبنان؟
- أنا "متشائل". وهذا يعني أنني غير متفائل وغير متشائم كما يقول أمين حبيبي، وهو أحد كتاب الأرض المحتلة، في كتاب له صدر عام 1948 تحت هذا العنوان. والكلمة بالمناسبة هي كلمة فصحى.(انتهى)
_________________________________
Last Updated (Thursday, 10 March 2011 13:01)




