التوطين - Page 7
| Article Index |
|---|
| التوطين |
| Page 2 |
| Page 3 |
| Page 4 |
| Page 5 |
| Page 6 |
| Page 7 |
| Page 8 |
| Page 9 |
| Page 10 |
| Page 11 |
| Page 12 |
| Page 13 |
| Page 14 |
| Page 15 |
| Page 16 |
| Page 17 |
| Page 18 |
| Page 19 |
| Page 20 |
| All Pages |
"المستقبل" تحاور أمين الجميل وأبو أياد
اللقاء اللبناني – الفلسطيني هو طريق السلام
وهو الرفض العملي لسياسة التوطين
المستقبل، العدد 94
9 كانون الأول – ديسمبر 1978
خيل للكثيرين خلال حرب السنتين وبعدها أن جميع الجسور بين المقاومة الفلسطينية والجبهة اللبنانية قد قطعت، بل نسفت بشكل نهائي، وبلغت العلاقة بينهما نقطة اللارجوع! ... وبعد حرب الخنادق والشوارع... وما تبعها ورافقها من حروب الكلام والاتهام فوجىء الناس مؤخراً بنبأ يقول: لقد اجتمع أمين الجميل وأبو أياد!
وبدأت التساؤلات... والأصح الاتهامات!
وراح "الغيارى" في هذا الجانب أو ذاك يعلقون على الاجتماع ويشرحون أسبابه وأهدافه "ويترحرحون" في الشرح حتى بلغ ببعضهم الأمر حد الانتقال من نطاق الاستغراب إلى نطاق الاستهجان فالاتهام بالمروق و"التخوين"!
فئة ثانية رأت في هذا اللقاء بصيص أمل ونور في نفق الأزمة اللبنانية المظلم!
وفئة ثالثة اعتبرته، في مضمونه وجوهره وأبعاده، بمثابة انعطاف مهم وجوهري في مسار الأزمة اللبنانية والفلسطينية على حد سواء. فهل التوطين (القاسم المشترك المرفوض) هو الذي جعل هذا اللقاء ممكناً؟ أم هل هناك تحولات معينة في المواقف اللبنانية والعربية والدولية؟
هل هناك حسابات سياسية جديدة أم هناك واقعية سياسية قديمة فرضت نفسها مجدداً على الفريقين باعتبار أن الحوار إذا لم يؤد إلى اتفاق فهو سيؤدي إلى أقله، إلى عدم عداء واستعداء؟!
جميع هذه الاحتمالات والتفسيرات، وغيرها كانت تدور في أذهان الكثيرين من اللبنانيين والفلسطينيين والعرب. وكان لا بد من إلقاء الضوء على معنى الحوار الكتائبي – الفلسطيني والهدف منه. ولعل أسلم السبل إلى ذلك هو الحوار مع رجلي الحوار... وهذا ما فعلته "المستقبل" في لقائيها مع الشيخ أمين الجميل والسيد أبو أياد.
• عن قصة الحوار الفلسطيني الجبهوي قال الشيخ أمين الجميل:
- لم أتعود يوماً سلوك الطريق الأسهل، فأنا منذ طفولتي ربيت على أن أختار الطريق الأصلح، وإن كانت هذه الطريق هي الطريق الأصعب. على هذا الأساس، لم أتمكن من أن أسلك الطريق الأسهل بالنسبة إلي، وهي طريق الصدام مع أي كان، لأن الصدام في حد ذاته في الوقت الحاضر يستهوي الناس أكثر من الطرق الأخرى.
وعلى كل حال، إنني لم أخش تلك النتائج التي تتكلم عنها لأنني مقتنع بما أفعل، ومقتنع بأن هذه الطريق، هي الأصح والأصلح لبلدي. وأن الرفاق الذين يؤيدونني في نهجي هذا، إنما يؤيدونني عن ثقة كوننا عشنا سوية في متراس واحد، وقاتلنا على جبهة واحدة، وناضلنا في سبيل قضية واحدة علماً بأن كل موقف اتخذه، لا يكون إلا بعد الاقتناع والتشاور والإقناع. وللوهلة الأولى يعجب الناس لهذه المواقف، ولكن بعد الإطلاع على جميع مجمل المعطيات، يقتنعون ويسيرون بدون تردد، مهما كان الطريق شاقاً وصعباً. ومهما كبر التيار المعاكس، وسريعاً ما يتبين لهم أنني كنت على حق، وأن الضجة التي افتعلها البعض لم تكن في محلها.
• على أية أسس تم اللقاء، وعبر أية قنوات، وهل صحيح ما قيل بأن حواركم مع الفلسطينيين يستهدف تنسيق مواقف معينة ضد فرقاء آخرين؟ وهل كان "للتوطين" مجال للبحث في الاجتماعات التي عقدت؟
- اللقاء هو جزء من محاولات متعددة الاتجاهات: اتجاه تفاهم وحوار لبناني – فلسطيني، ولبناني – لبناني، ولبناني – سوري. فالعلاقة بيننا وبين الفلسطينيين محور أساسي للعلاقة بيننا وبين الفلسطينيين محور أساسي للعلاقة بيننا وبين مواقف عدة أطراف. فإذا أردت ممارسة السيادة على اللبنانيين، وغير اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية فإن هذه الممارسة لا تتحقق إلا بتنفيذ القانون والشرائع والاتفاقات على كافة المتواجدين على الأرض اللبنانية. ومنهم الفلسطينيون. ولتنفيذ ذلك، لا بد من أن يكون الفلسطينيون، مهيئين، وأن يكون السوريون جزءاً من عملية التنفيذ. وأن يكون المسلمون موافقين.
فالسوري اليوم، هو الأداة الأمنية في الدولة. والفلسطيني هو الذي يقتضي ضبط ممارساته في الدرجة الأولى. والمسلم يقتضي أن يكون موافقاً ومتجاوباً مع مبادىء السيادة والقانون، أي مع الحد الأدنى المتوافق مع مصلحة الوطن وسيادته وكرامته. إن الخلاف بدأ خلافاً لبنانياً – فلسطينياً. وإذن فهنالك جزء من الحل يجب أن يبدأ بحوار لبناني – فلسطيني. طالما أنه ليس بوسعنا اليوم أن نأتي بالأسطول السادس، وبحافلات سكك الحديد العالمية من أجل نقل كل الفلسطينيين إلى خارج لبنان. وأنا، من دعاة محاولة حل المشاكل مع كل الأطراف المقيمة على الأراضي اللبنانية بالحوار. واستعمال منطق البندقية عندما تستنفد الوسائل الأخرى، وعندما يصبح المصير مهدداً، والكرامة مداسة كما كان الحال في السنتين 1975 و1976 إذ اضطررت لحمل البندقية والدفاع عن مصير وكرامة الوطن.
أما هذا الحل العسكري فهو غير مضمون النتائج ونتائجه غير مؤكدة.
اللقاء مع أبو أياد لم يكن محورياً، بل هو جزء من خطة أساسية لحل المشاكل اللبنانية. نحن لم نقصد ضرب الفلسطيني بالمسلم، أو ضرب الفلسطيني بالسوري. إنما العكس هو الصحيح، فقد قصدنا إقامة جسر من جسور العبور للتفاهم مع كل هذه الأطراف.
فأنا من دعاة التفاهم اللبناني – الفلسطيني – السوري، وقلت ذلك حتى عندما كانت القذائف العشوائية تتساقط على قرانا وجبالنا ومدننا. وتكلمت عن تحالف استراتيجي بيننا وبين سوريا وبين الفلسطينيين. إذا هذه الضجة التي قامت على أثر اللقاء سلباً أم إيجاباً، ضجة لا تتناسب مع الأهداف الحقيقية للقاء. وبالفعل، فإن مضمون هذا اللقاء والذين رافقوه وشاركوا فيه يؤكدون هذه الروح التي سادته. روح البحث عن الحد الأدنى من التفاهم للخروج بالبلد من هذه المشكلة المتعددة الأطراف: المشكلة بين اللبناني – واللبناني، واللبناني – والسوري، واللبناني – والفلسطيني. وكان الهم الأساسي، لا بل المحور الأساسي لهذا التحرك إيجاد هذا المخرج، وليس السعي إلى تفتيت جبهة ما، أو هناك، على حساب هذا أو ذاك من المتحاورين.
o أبو أياد: إن لدينا قناعة مشتركة بأن ما حصل كان خطأ فادحاً.
o الرئيس الأسد هو أول المتحمسين للحوار الفلسطيني – اللبناني.
o مصلحة المسيحيين هي مع العرب، والتقسيم لا يفيد أحداً.
o أمين الجميل: نحن نميز بين نزوة عابرة يرتكبها السوري أو الفلسطيني وبين مصالح استراتيجية تربط اللبناني والسوري والفلسطيني بالمحيط العربي.
o هناك تجار سياسة قامت تجارتهم على رأسمال "استمرار الأزمة"!
• هل لكم أن تشرحوا لنا قصة اللقاء مع أبو أياد. كيف جرى التحضير له، ومن شارك في صنعه وإخراجه؟ وهل صحيح ما قيل بأن سوريا لم تكن على علم به؟
- اللقاء تم بناء على مساع قام بها أصدقاء مشتركون. وتوجت المساعي في الاجتماع الذي حصل في مكتب المقدم سامي الخطيب قائد قوات الردع العربية. ولم يكن لدينا شيء نخفيه لأن ما نقوم به عادة لا نخجل من إعلانه. والأطراف الأساسيون والمعنيون بالموضوع هم على علم بمضمون المباحثات التي جرت وأعني بهذه الأطراف السلطة الشرعية، وحزب الكتائب، والسوريين والفلسطينيين طبعاً.
• الضجة التي أحدثها الحوار مع الفلسطينيين شملت عدة أطراف، خاصة الأطراف المتعاطفة مع الفلسطينيين إن لم نقل الأطراف الفلسطينية بالذات وكادت تقضي على هذا الحوار في المهد. ما هي في نظركم أبعاد هذه الحملة؟
- يوجد فريق صادق في هذه الحملة. وهذا الفريق صادق لجهة المخاوف التي أبداها. ولكن عندما تتوضح له أسباب اللقاء وأهدافه وتظهر نتائجه سيجد أن لا مبرر لهذا الخوف. وسيقتنع بأن هذا الاتصال لم يكن هدفه عزل فريق أو إيقاع الفتنة بين فريق وفريق آخر. بل لتحقيق تفاهم لبناني – سوري – فلسطيني، وتفاهم لبناني – لبناني، من هذه الزاوية يعرف الأطراف المعنيون إن كل بحثنا قام على محاولة إيجاد قواسم مشتركة، أو على الأرجح جوامع مشتركة بطريقة وأسلوب يحفظان بالنتيجة كرامة كل الأطراف وإيجاد المخرج اللائق في رعاية السلطة الشرعية.
وفي أي حال، فإنه يوجد على الساحة فريق متضرر من الحوار، ومن نتائج الحوار. وهذا الفريق هو المستفيد الأساسي من استمرار الخلاف. وهذا الفريق لا يمكننا إقناعه.
يوجد أناس فتحوا دكاكين، ولا يعقل أن يسلموا بحلول تقضي على دكاكينهم هذه وتقفلها ربما إلى الأبد. وهذه الدكاكين، المشار إليها قائمة على استمرار الخلاف وبث سموم الافتراء والتقسيم. وعلى الصدام بين اللبناني واللبناني، أو بين اللبناني – والفلسطيني أو بين اللبناني والسوري. وليس في وسعنا أن نقنع هؤلاء بألا يخافوا من هذه اللقاءات لأنه يوجد بالفعل بينهم من قامت تجارته "السوبر ماركت" على أساس استمرار الأزمة.
ويؤسفني القول بأن هذا الفريق لا يقتصر على جهة واحدة بل إنه متوفر عند كل الأطراف. في صفوفنا يوجد من هذه البضاعة وعند الآخرين فإن أعداد هؤلاء كثيرة لا يستهان بها. كما أنه يوجد عندنا من يناسبه استمرار الفوضى ومن له مصلحة في استمرار غياب الدولة أو تغييبها، وفي إبقاء هذا الجو الانقسامي قائماً وبقاء جو الصدام بين اللبناني واللبناني، والفلسطيني والفلسطيني، والسوري. هكذا يوجد أكثر من فريق في الطرف الآخر يراهن على هذه الأجواء.
وهنالك مثل آخر. لا يمكننا إقناع اللصوص من كافة الأطراف أو الذين يعيشون على حساب غياب الدولة وفقدان القانون وأنصار الإبقاء على الوضع المتفجر، وفارضي الخوة والخارجين على القانون، لا يمكننا إقناع على هؤلاء بأن المصلحة تفرض عودة القانون والسيادة وتحقيق الوفاق اللبناني – اللبناني، وإحلال التفاهم مع بعض الأطراف العربية الأخرى في سبيل إعادة السيادة الوطنية.
نعم، ليس في وسعنا وبهذه السرعة أن نصنع هذه المعجزة. إن هذه الفئات التي أشرنا إليها آنفاً ليس من مصلحتها في كل الأحوال أن تزول هذه الأجواء والأوضاع الشاذة. ولذلك فقد قام فريق من هنا وآخر من هناك بهذه الحملة، ولا استغرب أن يقوم فرق من عندنا متضرر من هذا الاتجاه الوطني بعرقلة هذه المساعي التي نقوم بها لمصلحة لبنان.
إن هذه القافلة ستظل تسير، بالرغم من كل ما يدور حولها من اعتراضات وشتائم وعراقيل واتهامات واستفزازات.
• هذا الحوار، إلى أين سيصل بالنتيجة. ما هي ورقة العمل، أو ما يصح بستميته مشاريع الحلول؟
- نحن لا ندعي بأنه بين ليلة وضحاها، ستزول تراكمات من التصرفات والمواقف، ولكن بدلاً من أن يلعن الإنسان الظلام، فعليه أن يضيء شمعة. وقد حاولنا أن نضيء هذه الشمعة بدلاً من أن نظل نلعن التقسيم والحالات الشاذة القائمة عبر عمليات الخروج على القوانين والأنظمة والظروف التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه. وباختصار، نحن أقدمنا على إضاءة هذه الشمعة، بدلاً من أن نلعن الظلام.
قد يكون هذا اللقاء، هو الشمعة التي ننشدها ولكن لن نسمح مهما أوتينا من قوة، لن نسمح بأن تطفأ هذه الشمعة. فلا أبو أياد يستطيع أن يتساهل في قضيته، في قضية العودة إلى وطنه والحصول على الدولة المنشودة، والوطن لشعبه، ولا نحن يمكننا التساهل في مسألة الكرامة والسيادة. كما وأننا لا نطمح، ولا هو أيضاً يريد الصدام مع سوريا. فهدفنا هو أن نصحح السلوك عند كافة الأطراف لا أن ندفع تلك الأطراف إلى الصدام. فكل مسعى إيجابي كنا نقوم به، كنا نتعرض من خلاله أيضاً إلى الاتهامات والتهديدات. إن القناعات الأساسية في الحياة، حياتنا، لا تخضع للإرهاب، ولا للضغوط من أي مصدر جاءت. وقد جاءت فعلاً من أكثر من جهة، وفي أكثر من مرحلة.
إن اللقاء اللبناني – الفلسطيني، لم يكن من أجل الدردشة "أو التكتكة" إنما هو رفض عملي لسياسة التوطين عبر مراهنتنا على التفاهم مع العرب وليس مع أعدائهم. فالحلول الدولية التي تطبخ اليوم كما نعتقد تضع في رأس اهتماماتها توطين الفلسطينيين في لبنان. وهذا التوطين لا يتم بالرفض الفلسطيني وإنما بإقامة صلات مباشرة مع الجهات التي يستهدفها هذا التوطين، يعني اللبنانيين والفلسطينيين، والجهات المؤتمنة مؤقتاً على أمن لبنان والسوريين في طليعتها وذلك من أجل وضع مخطط عملي لرفض التوطين. ورفض التوطين لا يتم إلا من خلال توجه الفلسطينيين نحو قضيتهم الأساسية ومساندتهم في هذا الاتجاه لإقامة دولة لهم على ترابهم، وفوق أرضهم وليس على ترابنا وفوق أرضنا.
ونحن انطلاقاً من هذا المفهوم، مفهوم إنقاذ لبنان، ومحاربة التوطين عملياً، وإعادة الفلسطينيين إلى وطنهم وليس إبقاؤهم في لبنان والحؤول دون تنفيذ المخططات على حساب اللبنانيين عامة والمسيحيين بصورة خاصة، اتجهنا إلى هذا التفاهم اللبناني – الفلسطيني. وأننا مصممون على السير في هذا الخط لإحباط مخطط التوطين في أرض لبنان ونسيان القضية الفلسطينية الأساسية، وعندما نحارب التوطين، نكون قد حاربنا التقسيم في نفس الوقت، لأن التوطين هو في نظرنا الطريق نحو التقسيم. وحتى نحارب التقسيم، يجب إزالة شبح التوطين. ولذلك يقضي إقامة علاقة مباشرة مع الفلسطينيين وتوجيه جهوهم نحو قضيتهم الأساسية.
وكم من جهة، بحجة محاربة التقسيم ومحاربة التوطين تعمل لتكريس التقسيم والتوطين معاً.
• ما هي صورة العلاقات بينكم وبين سوريا، وما هي صحة الأنباء القائلة ب، هنالك مساعي قائمة حالياً لإعادة الحوار مع السوريين بعد أن فشل الحل العسكري للأزمة؟
- سبق وقل إننا من ضمن مفهوم الكرامة بابنا مفتوح لإقامة علاقات مع أي طرف، فنحن لسنا منغلقين على أي اتصال ضن هذا المفهوم، خاصة وأن ضغوطاً هائلة بذلت لعرقلة الحوار، ونشأت ظروف ضاغطة وصعبة جداً في وجهه. ولكننا استمرينا به بالرغم من كل ذلك. وهدفنا من جرائه رفع لواء التضامن بين لبنان ومحيطه العربي، ومع سوريا بالذات، بالرغم من كل الأضرار. فإن أحداً لم يكن بإمكانه أن يكرهنا على هذا الموقف. فنحن نفرق بين الخطأ العابر، والانفعال العابر، والنزوة العابرة، التي يمكن أن يرتكبها السوري والفلسطيني وبين مصالح استراتيجية تربط اللبناني والسوري والفلسطيني، بالمحيط العربي. هذه المصالح ثابتة، ونحن نميز بين الظروف العابرة، وبين المصالح الثابتة.
البعض يتهمنا بأنه كان في صفوفنا من راهن على إسرائيل من أجل ضرب سوريا في لبنان. فإن هذا البعض نسي أو تناسى أنه هو بالذات من راهن في إحدى المراحل على إسرائيل، من أجل ضرب سوريا، ومنعها من تنفيذ سياستها على الساحة اللبنانية. إننا نعرف ذلك، وسوريا بالذات كانت على علم بأن من يعي صداقتها الآن، ويستفيد من وجودها على الساحة اللبنانية ويطلق الاتهامات جزافاً، كان هو بالذات في فترة غير بعيدة يراهن على التدخل الإسرائيلي ضد الجيش السوري!
لسنا "وسطيين". نحن على استعداد للوصول إلى أبعد حد في خط التفاهم إذا كان هنالك استعداد من قبل السوريين والفلسطينيين، وكافة الأطراف الأخرى لإيجاد حل يقوم على حفظ كرامة كافة الأطراف والمصالح المتبادلة على اساس سيادة لبنان.
وأكرر القول، لسنا وسطيين، ولا أصحاب أنصاف مواقف أو حلول في هذه المسائل ولم يعرف عنا أننا من دعاة من يسير خطوتين إلى الأمام، وخطوة إلى الوراء. نحن من دعاة الخطوات المتلاحقة إلى الأمام عندما يلاقينا الطرف الآخر.
• سلطت الأضواء في الآونة الآخرة على الدور السعودي في لبنان. قيل إن السعوديين يلعبون ورقة معينة، وقيل إن ورقتهم متفق عليها مع السوريين، كيف تقيمون هذا الدور؟
- الدور السعودي في لبنان، دور نزيه وشريف ونعترف بأنه عنصر خير. هذا الدور يتم بالتنسيق مع كافة الدول العربية وهو مكمل للدور السوري. إن للمملكة السعودية أكثر من صديق في لبنان. واللبنانيون يكنون مودة خاصة للسعودية وللمسؤولين فيها نظراً للروابط التقليدية القائمة بين البلدين، ولا بد أن يلاقي هذا الدور التجاوب من قبل كل الأطراف لأن غايته الوحيدة مساعدة لبنان للخروج من هذه المحنة. وإننا على استعداد لتسهيل هذا الدور ضمن ما يطلب منا وقد أظهرنا عملياً ذلك من خلال التزامنا التزاماً مطلقاً بما اتفق عليه في هذا المجال بمؤتمر بيت الدين.
عند أبو أياد
كلما حاول القائد الفلسطيني "أبو أياد" أن يتحدث بإيجاز عن أهداف هذا الحوار والظروف اللبنانية والعربية التي تشجع عليه، تراه يستعمل القول المأثور: "ليس البطولة أن تموت من الظمأ إن البطولة أن تعب الماء". وقد طرحت على "مهندس" وموجه الحوار الفلسطيني – الماروني أبو أياد السؤال التالي:
• من أجل فهم سليم للظروف والأسباب التي حتمت هذا الحوار لا بد من الإجابة على السؤال التالي: معروف أن الحرب اللبنانية بدأت فلسطينية – مارونية فهل هذا الحوار يعد بداية نهاية هذه الحرب؟
فأجاب أبو أياد:
- من الصعب أن نضع المشكلة اللبنانية في حدود هذا السؤال. صحيح أن البداية كانت فلسطينية تحت بند التجاوزات، وعدم تنفيذ الاتفاقات وإلى ما هنالك من ادعاءات، لكن الموضوع في رأيي تجاوز هذا الإطار بعد ذلك إذ تفجرت فيما بعد مشاكل كثيرة كانت موجودة في بنية المجتمع اللبناني قبل أن تتفجر فلسطينياً. وإذا كنت لا أريد العودة إلى التاريخ إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أحداث وحوادث لبنانية كثيرة وقعت وكانت ذات طابع طائفي لم يكن للفلسطينيين فيها أية علاقة. ومع ذلك لا نريد أن نكرر أن الدور الفلسطيني في الحرب الأخيرة كان بارزاً في الصراع الذي حصل، ولكن أيضاً كانت هناك خلفيات لبنانية طائفية واجتماعية وسياسية بالإضافة إلى خلفية أخرى هي اتفاقية سيناء وهناك أكثر من تصريح اميركي وأكثر من معلق أميركي وغير أميركي أكدوا جميعهم العلاقة بين اتفاقية سيناء الأولى وبين ما حدث في لبنان عام 1975.
بطبيعة الحال فإن أي مخطط يراد له أن ينفذ في بلد ما لا بد أن تكون عناصره التفجيرية موجودة. من هذا المنطلق كانت "القشة التي قصمت ظهر البعير" وهي الكلام الكثير عن التجاوزات الفلسطينية وما رافقها من أحاديث وانتقادات ومن ثم مقتل معروف سعد في صيدا وبعد ذلك حادثة عين الرمانة، إلا أن الحرب تطورت بعد ذلك، ودخلتها أطراف لبنانية عدة. وإذا كنا نحن طرفاً في حرب السنتين فحجتنا أننا ندافع عن الثورة ووجودها وحقنا في التواجد من خلال الاتفاقات المعقودة وكانت حجة الطرف الآخر الدفاع عن لبنان واستقلاله وسيادته ثم بدأت بعد ذلك تخرج إلى السطح المطالب اللبنانية المحضة من هذا الفريق أو ذاك.
لهذا أستطيع أن أقول أنه بعد مؤتمر الرياض ومجيء قوات الردع توقف القتال وبدأت هدنة ارتاح لها الشعب اللبناني بكل أطرافه إلا أن المعركة انتقلت بعد ذلك إلى جانب آخر هو الوجود السوري وبدأ يطفو على السطح التواجد السوري والمعارك التي شهدناها في الأشهر الماضية ثم برز شيء أخطر كنا نحذر منه منذ البداية وهو التعاون مع إسرائيل من قبل بعض أطراف الجبهة اللبنانية وبرز ذلك بشكل علني وشجعت عليه زيارة السادات إلى القدس المحتلة.
أسس الوفاق
هنا كان لا بد من جهتنا أن نساعد ونمد أيدينا إلى أية جهة من أخواننا المسيحيين الذين قاتلونا وذلك على أساس أن المشكلة لا بد من حل لها وفق الأسس التالية وهي أسس موضوعية وبالإمكان إذا ما استمر العمل من أجلها أن تحقق الأمن والسلام الدائمين للبنان وهذه الأسس هي:
أولاً: تحديد معالم الوفاق اللبناني – اللبناني ويكون من ضمن هذا الشرط الأول الاتفاق على قواسم مشتركة بالنسبة للتواجد الفلسطيني في لبنان وهذا الجانب يمكن أن يسهم به في الاتصالات المباشرة مع الأجنحة المعتدلة التي أبدت في تصريحات علنية مواقف من الوجود الفلسطيني والتعامل مع إسرائيل.
ثانياً: في رأيي لا بد أن يقوم تعاون سوري – لبناني وبطبيعة الحال مع بعض الأطراف العربية أيضاً للمساعدة على إيجا هذاالوفاق وحماية الاتفاقيات التي تنجم عنه وأي حاولة للقفز على هذه الحقيقة تكون قفزة في الهواء.
ثالثاً: وأقولها بكل تجرد: إن مستقبل المسيحيين بشكل عام وأعني بشكل خاص الذين حملوا السلاح، بغض النظر عن القضية التي قاتلوا من أجلها، أقول إن مصلحة المسيحيين في هذا البلد لا يمكن أن تكون مع إسرائيل إطلاقاً إنما هي مع العالم العربي لأن العالم العربي هو الامتداد الطبيعي لمصالح كل اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، ولأن التقسيم أو التقوقع في قسم من لبنان لا يمكن أن يحل المشكلة المسيحية، ولا الاتصال بإسرائيل هو الدافع لتكتل المسيحيين حول الجبهة اللبنانية، بل الشيء الطبيعي هو الحل ضمن الأطر والشروط التي ذكرناها ولا بد لكل فريق من تقديم تنازلات متبادلة وهذا ليس بالأمر الصعب. وبقدر ما للأزمة اللبنانية من جوانب داخلية كذلك فإن لها أيضاً جوانب خارجية خاصة إذا ما وقعت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وسيحاولون بعدها – في رأيي – تفجير الوضع في لبنان من أجل استنزاف لبنان أولاً والشعب الفلسطيني وسوريا من بعد.
من هنا نعود إلى السؤال ونقول، ما هو دورنا؟ هل ننتظر القدر أن يأتي. وأن تحل بنا هذه الكوارث أم لا بد من التدخل ومحاولة إجراء حوارات مع كل جهة يمكن أن تعلن عن تأييدها لمبدأ الوفاق على هذه الأسس.
ويستطرد أبو أياد قائلاً:
وهنا لا بد من طرح سؤال عن الضجيج الذي يقوم بعد كل حوار، هل نستطيع كأطراف في لبنان، فلسطينيين ولبنانيين أن نحسم الصراع عسكرياً لصالح أية جهة؟ إذا كان هناك جواب إيجابي فعلينا أن نوقف كل الحوارات، وإذا كان الجواب بالنفي فما هو الطريق الآخر؟ هل هو تقسيم لبنان بين مسلمين ومسيحيين!
أعتقد أنه ليس هناك عاقل يجد في التقسيم مصلحة لأي لبناني. وبالمقابل هل الحل هو في انسحاب قوات الردع العربية من لبنان وعودة القتال اللبناني – الفلسطيني مرة ثانية لكن من خلال هذا القتال يستنزفوا طاقاتنا بواسطة إسرائيل من ناحية ويدفع حتى بالمسيحيين المعتدلين إلى الارتماء بأحضان إسرائيل من ناحية ثانية.
أعتقد أن علينا مسؤولية الإقرار بأن طريق الحوار هو الطريق الوحيد والسليم لحل المشكلة. وهنا لا بد للشرعية من دور وموقف حيال هذه القضية بحيث لا تسمح لنفسها أن تكون متفرجة ولا أن يكون لها دور الحكم بلا صلاحيات التقرير. السلطة الشرعية ليست حكماً بقدر ما عليها أن تبادر، مع اقتناعي بصعوبة المهمة وصعوبة الأطراف التي تتشكل منها الأزمة اللبنانية ولكن ليس هناك خيار للشرعية إلا أن تبادر وتبادر.
الحوار اللبناني – السوري – الفلسطيني
• أخ أبو أياد، بعد هذا السرد والتقييم الموضوعي للموقف لا بد من سؤال مطروح الآن. وهو: هل أن هذا الحوار قد انتهى إلى نتيجة أم أنه ما زال مستمراً، وفي أي جو هو، وأية صعوبات يواجهها؟
- في الواقع، وكما أشرت في أحاديث سابقة، المشكلة لها عدة أطراف ووجوه. لنفترض أننا توصلنا إلى اتفاق مع طرف على بعض الأسس والمبادىء، هذا ممكن ولكنه غير كاف. مفروض بالحوار أن يكون شاملاً لكي ينجح وأعني أنه لا بد من وفاق سوري – لبناني ولبناني – لبناني ولبناني – فلسطيني وذلك حتى لا يكون الحوار ناقصاً أو حواراً من جانب واحد. ولكن أهمية هذا الحوار الذي جرى أنه أوجد أرضية مشتركة نتفق عليها. وفي اعتقادي أنه عندما تكون هناك أرضية للحوار الفلسطيني – اللبناني فهذا يساعد على الحوار السوري – اللبناني واللبناني – اللبناني فضلاً عن أن ذلك يمكن السلطة الشرعية من أن تكون مبادرتها مستندة إلى هذه الأرضية. كل هذه القناعات لا تسقط إطلاقاً مبدأ أن الحوار لا يمكن أن يكون مع متعاملين مع إسرائيل حتى لا تخرج بعض أصوات النشاز لتعلمنا دروساً في كيفية عدم التعامل مع المتعاملين مع إسرائيل.
• أخ أبو أياد، أشرت قبل قليل إلى وجود أرضية مشتركة ينطلق منها حواركم مع بعض أطراف الجبهة اللبنانية، فما هي مقومات هذه الأرضية؟
- كنت أنتظر هذا السؤال لأقول إن هذه الأرضية المشتركة تقوم على معارضة توطين الفلسطينيين في لبنان وعلى أهمية امتداد لبنان العرب وليس الإسرائيلي. وعلى أهمية التعاون التي ذكرتها وكان هناك استعداد لتحقيق لقاءات سورية – لبنانية وخاصة مع الشيخ أمين الجميل بالذات وشخصيات وطنية من الطرف الآخر. وفي رأيي إن تشجيع كل المعتدلين في اتجاه التصدي لكل الزوابع والأنواء مهما كانت هو أصلح أرضية للحوار، وهناك قضايا أخرى تم الاتفاق عليها لا أريد إعلانها الآن وكلها في صالح حل الأزمة.
• من التساؤلات المطروحة سؤال يقول: هل إن هذا الحوار بينكم وبين بعض أطراف الجبهة اللبنانية هو بدافع اقتناع حقيقي بوجود مصلحة مشتركة فيه أم أن المصلحة المشتركة التي ساعدت عليه هي مصلحة ظرفية لا تلبث أن تزول؟
- بهذا المعنى، أعتقد أن كل إنسان يدخل حرباً مضى عليها أربع سنوات لا بد أن تخلق عنده قناعات مختلفة ولا يمكن لكل إنسان عاش حرباً بكل قسوتها ومرارتها وضحاياها لا بد أن يتعلم من التجربة، وكل إنسان لا يتعلم من التجارب إنما يعيش في الماضي وكل إنسان تعلمه التجارب يعني أنه يعيش المستقبل وكل إنسان يدعو إلى الحوار وإلى إنهاء هذه الأزمة هو إنسان يعيش في المستقبل ويريد للبنان وللقضية الفلسطينية أن يكونا في مأمن من الأخطار. من هنا – وبغض النظر عن وجود قناعة مشتركة بأن ما حصل كان خطأ فادحاً – فإن هذا لا يمنع التعامل مع الواقع لا بل يحتمه من أجل المصلحة المشتركة ولا بد من أن نسير في هذا الطريق الصعب رغم ما نعيشه من أجواء غريبة من المزايدات عند كل الأطراف.
• السؤال الأخير أخ أبو أياد هو حول الموقف السوري ومن أي منظار تنظر دمشق إلى حواركم هذا وهل ثمة تحفظات أم العكس؟
- أولاً: أفضل أن يجيب الأخوة السوريون على هذا السؤال، ولكن بوحي لقاءاتي مع هؤلاء الأخوة على أعلى المستويات في سوريا وبالتحديد مع الرئيس حافظ الأسد، أعتقد أن الرئيس الأسد من المؤمنين بالحوار وما نجده لديه من ردة فعل الآن إنما هو نتيجة إيمانه بأنه تحمل من أجل حماية الموارنة الشيء الكثير ودخل من أجل ذلك معارك مع كل القوى العربية والفلسطينية وكان دافعه إلى ذلك الحؤول دون ارتماء بعض الموارنة في أحضان إسرائيل ولكنه عندما وجد أن هذا البعض من الجبهة اللبنانية تعامل مع إسرائيل كان مكمن الحزن والأسى لديه ولذلك أعتقد أنه إذا ما اقفلت بوابات إسرائيل من "الجدار الطيب" إلى مرفأ جونية فإن أكثر إنسان سيكون حريصاً على الحوار والوصول إلى حل لبناني – لبناني هو الرئيس حافظ الأسد خاصة والأخوة السوريون بشكل عام.
وتركت أبو أياد يتابع المرحلة الأخيرة من دعم المساعي الآيلة إلى تحضير كل الأجواء المناسبة لتأمين زيارة يقوم بها الشيخ أمين الجميل إلى دمشق على أمل أن تكون فاتحة حوار جديد يؤدي إلى طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من التعاون والعلاقات بين المقاومة والجبهة اللبنانية.
_____________________________________________________________
Last Updated (Thursday, 10 March 2011 13:01)




