لكلمته صولة - Page 3
| Article Index |
|---|
| لكلمته صولة |
| Page 2 |
| Page 3 |
| Page 4 |
| Page 5 |
| Page 6 |
| Page 7 |
| Page 8 |
| All Pages |
الى حاكم ليبيا
بقلم الشيخ عبد الأمير قبلان
السبت 19 شوال 1400 هـ الموافق 20 آب 1980
"جريدة أمل"
بعد مرور سنتين على احتجازك للإمام السيد موسى الصدر والسيد عباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب أخاطبك من لبنان عبر إعلامه وصحفه، انتظرناك لتعود إلى ضميرك، وصبرنا عليك لعلك تهتدي إلى الصواب، وسمعنا نصيحة الأشقاء ومن يحركهم ضميرهم من أجل كرامة الإنسان، استمعنا لإرشاد بعض رفاقك بعدم توجيه التهمة إليك قالوا لنا: انتظروا إن الزمن كفيل بحل القضية، حذرونا من العنف حفاظاً على سلامة الرهائن لديك، تحركنا بالهدوء التام طلباً للسلامة، قدمنا لك الوسائط والشفعاء فلم نحصل على نتيجة، قمنا بإضرابات ومظاهرات واحتجاجات للعالم لعلك تفيق من تجاهلك، منعنا دخولك لبنان لعل ضميرك يتحرك ويؤنبك على فعلتك الشاذة على كل الأعراف الدينية والزمنية والقانونية فلم يفلح معك شيء حتى أصوات الأولاد الذين ينتظرون آباءهم بفارغ الصبر فاصطدمنا بإنسان لا صلة له بدين ولا بضمير ولا بأخلاق ماني أراك خارجاً على المدنية بكل ما تعنيه من قيم.
خدرنا شبابنا، أخمدنا أصواتهم، منعنا تحركهم، أطفأنا جذوة الحرارة في صدورهم لعلك تعي وتتعظ "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، ومن جعلك ولي أمرنا تتحدى رموزنا وكرامتنا.
وأخيراً تطالب المسيحيين أن يسلموا! وهل عاقل يصدق أو يسمع ما تقول وما علاقة إسلامك؟ إن الإسلام بريء منك والمسيحية المحبة غريبة عنك، فإن كنت من دعاة الإسلام فأطلق سراح المحجوزين في سجونك لأن الإسلام جعل الناس كل الناس أحراراً في معتقداتهم، وأظنك شملت الطائفة الإسلامية الشيعية في تصريحك وجعلتنا من الخوارج ولكن الصحيفة التي ذكرت التصريح وفرت عليك نقمة زائدة.
ولكن لا يعنيني من أمرك شيء، ولا من نفطك، ولا من مالك، ولكن الذي يعنيني قوله: أريد إخواني معك وهم بعهدتك، وكما قلت لك في دمشق: "العربي أخذ ثأره بعد أربعين سنة". ولا تقل: إن الإمام السيد موسى الصدر نسيناه بل أصبحنا جميعاً مليون ومائتي ألف نسمة في لبنان كلهم موسى الصدر.
فانتظر إن عقابنا سيكون صارماً وحاسماً. منا ومن الجنوبيين الذين يحترق جنوبهم بتآمرك عليه. والذين هم صامدون ضد أصحاب عملائك أمثال "بيلي كارتر" ولكل من ساهم ورضي وشارك بفعلتك النكراء. وإننا لن نسترد الحق بالمظاهرات والإضرابات ولكن بالقوة والعنف.
وإن ربك للظالمين بالمرصاد.
ــــــــــــــــــــــــ
ومحاولة الترابط بين نضالنا اليوم وبين نضال الإنسان في سابق الزمن ومحاولة الترابط بين دعوة الأنبياء منذ سابق الزمن وحتى خاتم الرسل.
هذا الأسلوب يستعمله الإسلام في كل الشعوب حتى عندما نصل إلى الإمام الحسين (ع) وجهاده واستشهاده نقف في زيارته عند كلمات "السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله..." وهكذا إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد نعتبر الحسين وارث كل هذا الخط النير الذي بدأ من الأساس، ونحن نعرف أن رسالة الله كانت من الأساس هذه المحاولة ضمن الأنبياء أو ضمن الكتب أو ضمن الأوصياء قائمة بشطر واحد والمقصود من هذه المحاولة جعل الإنسان ضمن خط مستمر حتى لا يشعر بالغربة حتى يشعر بالمواكبة الكونية وحتى يتأكد من سلامة الخط الذي هو يسير فيه، سببه الحقيقي أن الرسالات واحدة في الواقع، الله واحد الإنسان واحد، والعلاقات بين الإنسان وبين الموجودات، بين الإنسان وبين نفسه، بين الإنسان وبين بني الإنسان، بينه وبين الخالق، كلها في تنظيم إلهي واحد سمي بالإسلام.
والتفاوت بالمراحل هو بسبب التدرج وارتفاع مستوى الوعي الإنساني عبر التاريخ.
إذن، جميع الأنبياء رسل رب واحد، إلى إنسان واحد، في دعوة إلى رسالة واحدة، هي رسالة الله، رسالة التسليم إلى الله عقلاً وقلباً وجسداً. بهذا المفهوم ننظر إلى إسلامنا. المؤمنون يمثلون الجانب الإنساني من الرسالة مقابل الجانب الإلهي منها. وبينما يكمن الجانب الإلهي في الدعوات الواحدة، فإن الجانب الإنساني هو في التحركات الواحدة من الأزل إلى الأبد وفي جميع أقطار الأرض، هذا المفهوم هو أحد الأسس المعتمدة في الإسلام، ونتيجة هذا الأمر وجب الانفتاح على الأديان الأخرى، احترام الأديان الأخرى، عدم التعقيد والتناقض والفصل النهائي مع الأديان الأخرى، وهذا الأمر مفيد وواضح في القرآن الكريم ومن نتائجه الاعتماد على المبادىء المكرسة سابقاً، فالقرآن الكريم في أكثر من مكان يذكر أحكاماً وردت في كتب سماوية سابقة فيؤكدها "وكتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادنا الصالحون" في آيات أخرى وردت المجازاة كانت واردة في التوراة.
إذن هي سلسلة واحدة من الأمة، أمة الله، أمة التسليم إلى الله، ولها جميع أنبياء الله، خطهم خط واحد فما تقرر في الأمة السابقة قائم في هذه الأمة إلا إذا نسخ، أي تحول، بشكل أو بآخر.
وأحد الأصول الأساسية في الإسلام هو إذن الإيمان بكتب الله ورسله: وحدة الدين، تطوره، صدق الأنبياء، تبشير الأنبياء بعضهم ببعض، وقد بشر أنبياؤنا السابقون – كما يصرح القرآن – بمحمد بن عبد الله (ص) في كتبهم والآن أيضاً في ما تبقى من الإنجيل والتوراة المتوفر بأيدينا نجد بشارات بمجيء الرسول محمد بن عبد الله (ص). من جملة ما ورد في الإنجيل كلمة (باراكليت) وما ترجم به روح القدس، ولكن في النسخة الأصلية الكلمة هي "بيركيليت" ومعناها: أحمد. ويذكر الإنجيل أوصافاً تنطبق على رسول الله (ص) تماماً يقول بأن إذا كان لأحد بستان فأعطاه لأناس استأجروه وضمنوه ثم امتنعوا عن دفع الثمن، فبعث مندوباً لاستلام الإيجار فأهانوه، بعث الثاني فضربوه، أرسل ابنه فقتلوه، ماذا يفعل معهم؟ فيجيب المعترضون بأنه يجب أن يأخذ البستان منهم ويؤدبهم ويعطيه لغيرهم، فيقول: رسالة الله سلمت لكم فكفرتم، وخرجتم، وعذبتم وقتلتم أنبياء الله فسوف يأخذ الله هذه الرسالة منكم ليعطيها لأمة أخرى ثم يشرح من هي الأمة التي ستستلم رسالة الله وملكوته، فيقول المسيح (ع) هل سمعتم المثل المعروف أن الحجارة التي يطرحها البناؤون يستعملها أناس آخرون أحجاراً لزاوية أو أساس. وهكذا يفهمهم المسيح (ع) "بأن أمتكم – يا أمة إسرائيل – التي نزلت عليها رسالة الله لفترة طويلة من الزمن فكفرت سيأخذ ربنا ملكوت السماء ورسالة الأنبياء منكم ويعطيها لأمة، محتقرة أهملها الناس..." طبعاً في هذه المنطقة كان العرب تنطبق عليهم هذه الصفة، وهكذا يبشر الإنجيل بإعطاء الرسالة للعرب، وكذلك هناك أوصاف أخرى يجدها الباحث في كتب اهتمت بما ورد في الكتب المقدسة: الإنجيل والتوراة... من بشارات بمجيء رسول الإسلام (ص).
والنبي هو الذي يحمل رسالة من الله، لا ينطق عن الهوى، لا يقول شيئاً للناس من نفسه ومن مدركاته، هو ينقل ما يوحى إليه، وهناك بحوث في منتهى الدقة حول الفرق بين الأنبياء وبين القادة المصلحين الذين ظهروا للإنسانية منذ كانت.
النبي عليه أن ينقل ما يوحى إليه بحرفيته دون أي تحريف أو انحراف وإلا يتعرض للانتقام الإلهي، والقرآن الكريم ينقل هذا المبدأ في الآية: "ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ولقطعنا منه الوتين".
النبي إذن يقول ما أوحي إليه من ربه، بينما المصلح ينطق بما يدركه هو نفسه.
محمد (ص) كان أمياً وأوحي إليه بأمور لم يكن يعرفها هو أو قومه من قبل وهذا يستتبع نتائج هامة تبين لنا الحاجة إلى دين الله.
فالقوانين التي توضع، والمعروف أن القانون يسن من قبل الحاكم، هي من إنتاج الإنسان وبالتالي فهي تخضع للمصلحة، وفي كثير من المجتمعات تخضع لمصلحة الأقلية، عندنا في لبنان مثلاً القوانين كالثياب تفصل من أجل أشخاص معينين "ليلبسوها".
وسواء كان القانون من الأكثرية ضد الأقلية أو لمصلحة الأقلية ضد الأكثرية فلا يمكن إلا أن ترتبط بالمصلحة وبالتالي تكون ناقصة لا تملك حق التعميم إذا ملكت حق الحياة المؤقتة. وأي قانون وضعي في العالم يتأثر بتاريخ أو بجغرافية ولا يمكن أن نعتبره مجرداً عن الانتماءات والخلفيات والانطباعات والتأثرات الأرضية.
عدا قانون السماء، فهذا لا يخضع لمصلحة أو لتأثيرات أرضية، وهذا هو السبب للدعوة، لذلك فالإنسان بحاجة إلى قانون السماء ليكون حكماً بين البشر بعضهم مع بعض وإلا كيف يمكن للإنسان أن يتفق مع أخيه وكل ينظر من زاويته الخاصة.
أي صلة بين الإنسان والإنسان الآخر إذا لم تعتمد على أمر نسميه "القيم" لا يمكن أن تصلح كعلامة سليمة وإلا فكل الوحدات في العالم تتحول إلى شركات تقرر مصيرها المصالح الخاصة التي لا يلجمها شيء. والأمر هذا فالإنسانية لا يمكن لها أن تستغني عنقوانين السماء أي "المطلقات"، القيم في الأخلاق، والمطلقات في القانون حتى يتمكن المجتمع البشري أن يعيش حياة التعاون.
والقانون بالشكل السماوي بدون التفاصيل لا يمكن أن يطبق، إذن كانت هناك الحاجة إلى الاجتهاد وبالتالي يصبح نوعاً من التدخل الذاتي، تدخل الذات بقانون السماء. ولكن الأرضية سماوية، أساس القانون عموده، ركنه سماوي وهنا حاجة الإنسان إلى الأنبياء بالإضافة إلى المرحلة الأساسية، لو لم يأت قانون السماء فالإنسان، خلال آلاف السنوات، سيحتاج إلى أن يتخبط في الظلام يفتش عن التجارب حتى يصل إلى قانون مع ما سيكتنف هذا القانون من ضعف ونقص نظراً لارتباطه بظروف وأفراد معينين...
ــــــــــــــ




