ليبيا القذافي

Tuesday, 10 November 2009 11:06 | PostAuthorIconWritten by | PDF Print E-mail
Article Index
ليبيا القذافي
Page 2
Page 3
All Pages

لبنان السوق الطويلة والدكاكين
بقلم: زاهر ع. بدر الدين

الثلاثاء 9شباط 2010 العدد 1528


(ا.ل) - علقت وكالة "أخبار لبنان" على ما قاله النائب يوسف خليل لصحيفة "الأنباء" الكويتية فيما يتعلق بمشاركة لبنان في القمة العربية التي ستنعقد في ليبيا وأوضحت الوكالة أن لبنان سيشارك في هذه القمة هذا إذا ما نظرنا إلى المباركات والتحيات التي تبادلها رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان لدى استلامه سدّة الرئاسة ورئيس الجمهورية الليبية العقيد معمر القذافي وإذا ما رجعنا إلى الوراء فنتذكر أن التفاح قد تمّ تصديره إلى ليبيا واللبنانيون المحسوبون يعملون في ليبيا ويعتاشون منها والتبادل جارٍ على قدم وساق حتى أن بعض المساعدات الرّمزية قد تم قبولها بعد حرب العام 2006 والتي تمّ بيعها نقداً فيما بعد؟!
    إذاً لماذا هذا التناقض في الموقف اللبناني هناك موقف إعلامي سلبي تجاه ليبيا وإنما بالحقيقة هو سار على أحسن ما  يكون.
وبالتالي فإن هذا الموضوع ليس بقنبلة موقوتة وليس هناك من موقف رسمي لبناني في هذا السياق منذ أن وقعت الحادثة وكيف للبنان الوطن المفكك والمشرذم وكل يغني لطائفته ويحتمي بطائفته كبديل عن العدالة والدستور حتى أنه لكلّ فريق رياضي مذهبه لذا نسأل كيف لهذا البلد الضعيف أن يتخذ موقفاً طالما هذه هي بنيته.
أما على الصعيد الدولي فإن ليبيا هي حليفة لإيران وسوريا المعاديتان لأميركا – الولايات المتحدة الأميركية وفي نفس الوقت القذافي منفتح على الولايات المتحدة منذ ترؤسه بلاده وأكبر دليل قاعدة "ويليس" والولايات المتحدة قد رعت كل البلاد التي كانت تتمنى التحرر من الأنظمة الملكية والاستعمارية الفرنسية والبريطانية وشاهد آخر هو نجله سيف الإسلام.
القمة ستنعقد نعم ولبنان سيحضرها لأن مصالح الدول أقوى وأكبر من حياة ثلاثة أفراد.
ولكن ما سيحدث هو كارثة جماعية تاريخية لأن مدة صلاحية الرؤساء العرب قد انتهت وإن لم يمت هؤلاء الرؤساء في هذه القمة فإنه سيتم التخلص منهم عاجلاً أم آجلاً لأن السياسة الأميركية قائمة على التغيير كونها ملتزمة بمدة الصلاحية وذلك لصالح الجميع، والمصلحة العامة والعليا.
وهذا الاستنتاج قائم أيضاً على أن الدول العربية تتسلح وتخصص الأموال الطائلة على الأسلحة والعتاد العسكري لإقامة توازن مع الجمهورية الإسلامية في إيران التي يرتعدون منها غير أن هذه الصحوة جاءت متأخرة وهذا الانعقاد هو موجه إلى الجمهورية الإسلامية في إيران فهل سينفجر مجلس القمة في ليبيا كما انفجر مجلس النواب على رؤوس من فيه مرتين بعد الثورة الإسلامية.
ودعونا لا ننسى أن الأبواق الليلية التي انطلقت مؤخراً من لبنان هي مؤشر آخر على مشاركة لبنان في القمة لأن اللبنانيين المستفيدين من الجماهيرية الليبية كثر والكلام هنا على الصعيد المادي طبعاً وأولهم نذكر منهم: أحمد الخطيب رئيس الجيش اللبناني العربي والوزير عبد الرحيم مراد وزير الدفاع اللبناني السابق وغيرهم...
وعلى هذا الصعيد دائماً فإن حضور لبنان في طرابلس الغرب رسمياً ليس إلا تبرئة للعقيد القذافي واعتراف ضمني ببراءة و/أو مسامحة العقيد القذافي وثمن هذه الزيارة سيتم دفعها نقداً، لكل من ساهموا وأيدوا في الإخراج هذا.
وكان الله يحب المحسنين!
لبنان ليس بوطن إنما مجموعة دكاكين متنوعة ومن أكبر الأسواق ابتداءاً من خشب الأرز إلى....
لذا نقول أن لبنان ليس بوطن نهائي لجميع أبنائه وإنما هو السوق الطويلة "الجامعة لكل دكاكينه"..

_________________________________


من أرشيف الوثائق السرية الأمريكية
هذه الوثيقة هل صنعت القذافي؟!!
وثيقة نيوسوم.. وليبيا!!

المصدر: أنيس الدغيدى
دار الكتاب العربي – دمشق - القاهرة

   وثيقة خطيرة تعلن عن بداية صنع قائد ليبي يقود ليبيا وفقاً لقوانين أمريكا فمن هو؟!!
ولقد هبت ثورة الفاتح بتاريخ 1969 بقيادة القذافي فهل صنعته هذه الوثيقة المخابراتية الأمريكية؟!
ويكفي هذا!!
فماذا عن نص الوثيقة الملتهبة؟!!


نص الوثيقة السرية الموجهة من السفير نيوسوم إلى وزارة الخارجية الأمريكية باسم "الفريق الأمريكي المختص بليبيا" في يونيو/حزيران 1967م.
في 10/7/1967 وجه السفير الأمريكي نيوسوم برقية سرية مطولة (5 صفحات) وخطيرة إلى وزارة الخارجية الأمريكية باسم "الفريق الأمريكي المختص بليبيا"، ضمنها تقييماً للتطورات التي شهدتها البلاد منذ يونيو/حزيران 1967 وانعكاسات ذلك على مصالح أمريكا الرسمية والخاصة في ليبيا، ودعوة صريحة لاستئناف الاتصال والحوار مع العناصر المناوئة للنظام، وقد جاء في تلك البرقية ما ترجمته:


   من: نيوسوم.. السفير الأمريكي
   إلى: وزارة الخارجية الأمريكية
   الموضوع: عن الفريق الأمريكي المختص بليبيا"
التاريخ: 10/7/1967
  "عودة ليبيا البطيئة والمتعثرة إلى حالتها الطبيعية هي نتاج جملة عوامل ذات دلالة على وضع البلاد الداخلي، كما تحمل انعكاسات هامة على مصالح الولايات المتحدة في هذا البلد".
   أما عن دلالات الأحداث بالنسبة للوضع الداخلي فتورد البرقية بشأنها:


   (أ‌) حالة التأزم في العلاقة بين مختلف الأقاليم والأجيال، التي ينظر إليها (دوماً) على أنها مظاهر ضعف في المشهد السياسي الليبي، طفحت على السطح، ولو لبعض الوقت، كتهديدات جدية لاستقرار البلاد. وكنتيجة للحرب العربية الإسرائيلية، فقد برزت ثلاثة تيارات بوضوح:
   • تيار يعبر عن المصلحة الليبية، وهو يتمثل في الملك وأقلية من المؤسسة الحاكمة.
   • وتيار ذو توجهات وميول عربية.
   • وتيار راديكالي عربي اشتراكي على غرار النموذج السوري والجزائري.
   (ب‌) هناك فجوة خطيرة في التواصل والتفاهم بين الحكومة وشرائح مهمة من الشعب الليبي. وإن صمت الحكومة، في مراحل مبكرة، أتاح الفرصة أمام الأصوات الأخرى. وقد أدى ابتعاد الملك وعزلته إلى زيادة اتساع هذه الفجوة.
   (ج) هناك غياب للمؤسسات التي تستطيع الحكومة من خلالها شرح سياساتها، فلم تجرِ دعوة البرلمان للانعقاد، ولا أية لجنة للتشاور مع الملك أو الحكومة (خلال الأحداث). ولم تجرِ دعوة المجلس الاستشاري للملك إلا بعد أن قدمت الحكومة (حكومة السيد مازق) استقالتها. وقد تشكلت (خلال الأحداث) لجان خاصة كثيرة ضمت عناصر متطرفة في ظل غياب أية قنوات مؤسسية. وقد أكدت الأحداث حقيقة أن ليبيا لم تتطور بعد ككيان سياسي عصري.
   (د) إن التردد، أو عدم الرغبة في اتخاذ أي إجراء، الذي أظهره حسين مازق في التعامل مع المشاكل الخطيرة التي برزت (منذ الخامس من يونيو) والذي زاد من ضعف الواقع السياسي، لم يسر لا الملك ولا المواطنين، وأتاح الفرصة لنشاط العناصر المتطرفة. وكانت المحصلة النهائية أن الحكومة فقدت سيطرتها على وسائل الإعلام، وعلى نقابات العمال، وعلى اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية (ضخ النفط).
   (هـ) أن إحساس الليبيين بالهزيمة التي مني بها العرب قد تفاقم في ظل الانتقادات التي وجهتها مصر لتقاعس ليبيا في دعم القضية العربية. إن الإحساس بالهوان ممزوجاً بحساسية الليبيين ضد السيطرة الأجنبية، وبشعور عروبي قوي، مع كراهية دفينة لكل ما هو أجنبي، أسهم ذلك كله في إيجاد إيلام نفسي لازمهم لبعض الوقت.
   (و) ولعل من بين السباب التي أدت بالإيلام النفسي الذي مني به الليبيون لملازمتهم وقتاً أطول، أنهم كانوا منعزلين (جغرافيا) عن الحقائق على أرض الواقع وأنهم كانوا بعيدين عن الأحداث. وعلى عكس الحالة في دول المشرق، فإن ليبيا لم تواجه المشاكل العملية التي صاحبت الهزيمة. ومن ثم فقد كان بمقدور الليبيين أن يعيشوا فترة أطول في أوهام مريرة.
   (ز) وكنتيجة لعدم مشاركتهم في الحرب، وبسبب حملات الإعلام المصري، وشعورهم بالهوان، فإن الليبيين يبدون مصممين على تعويض ذلك ليس فقط من خلال مساهماتهم المباشرة لضحايا الحرب، ولكن أيضاً عن طريق الانتقام اقتصادياً من الجهات التي يعتقدون أنها ساعدت إسرائيل.
   (ح) إن المرارة التي يحس بها الطرابلسيون تجاه القيادة البرقاوية للبلاد، أسهمت في تزويد لجان المعارضة المختلفة في طرابلس بمساندة عناصر طرابلسية عديدة.
   (ط) أسهمت الدعاية المصرية، وبخاصة الإذاعة، وحجب أية مصادر معلومات غير عربية بشكل شبه كلي، بتزويد القيادات المتطرفة بدعم قوي. وعلى العموم، فإن العناصر المحلية، لا أعمال التخريب المصرية، هي التي تشكل الآن مصدر المشاكل والصعوبات.
   (ي) إن الحقائق حول أصل الأزمة وتطوراتها، وحول مدى الهزيمة العسكرية، بدأت تتسرب تدريجياً، غير أن ردة الفعل الأولية للصورة الحقيقية تمثلت في إحساس عميق بالهوان. أما التقييم الواقعي للوضع وإدراك الحاجة إلى نظرة جدية وكلية لقضية فلسطين فلم تبدأ بالبروز إلا مؤخراً وبشكل خافت.
   (ك) على امتداد الأزمة، تعمَّد بعض الزعماء، والمجتمع الليبي في مجمله: أن يضعوا جانباً أو أن يتجاهلوا كلية وجود مصلحة وطنية خاصة بليبيا. وبالنسبة للكثيرين منهم، فإن ليبيا هي مجرد تعبير (مصطلح) جغرافي أكثر منه أمة أو شعب. وقد ترتب على هذا الأمر أن كثيرين من الليبيين، في أوقات الأزمات، يميلون إلى الارتباط بالأمة العربية (أو يرون هويتهم في الأمة العربية)، ويميلون إلى قبول الأهداف والمواقف التي يحددها لهم غيرهم. إنهم يعتبرون أنفسهم عرباً أكثر مما هم ليبيون".
ثم خلص "الفريق الأمريكي المختص بليبيا"، وفقاً لما أوردته برقية السفير الأمريكي نيوسوم، إلى أن الحقائق والدلالات السالفة تشكل أهمية خاصة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية الرسمية والخاصة في ليبيا من حيث:


   أنها تؤكد، بشكل أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، أن مصالح أمريكا الرسمية في ليبيا (المتمثلة في الارتباط بالغرب وفي قاعدة ويلس الجوية) تتوقف على استمرار الدور والنفوذ الشخصي للملك. فالسفارة، وفقاً لما بمقدورها الجزم به، ترى أنه لا يوجد باستثناء الملك إدريس شخصية سياسية ليبية التزمت الحذر والتحفظ عن تهديد العلاقات مع أمريكا، فالملك هو الشخص الوحيد الذي التزم هذا التحفظ وهذا الحذر. ومن المؤمل أن يبقى نفوذ الملك قوياً بقدر كاف يمكننا من الخروج من الأزمة الحالية، إلا أن بسط إرادته المنزوية تبدو اكثر صعوبة في كل مرة.
   لقد أبرزت الأزمة بشكل جلي أن المحافظة على مصالح أمريكا الرسمية والخاصة قد تاثرت بشكل هام وربما فاصل بتطورات وأحداث من خارج ليبيا. وأن ردة فعل الولايات المتحدة لأحداث مماثلة (في المستقبل) على نطاق واسع من شأنه أن يعود بآثار ضارة على مصالحها في ليبيا. وفي غياب قادة ليبية جريئة، فعالة، ومتعاطفة (مع أمريكا)، فإن إعادة بناء أجواء محابية لمصالح امريكا في ليبيا تغدو صعبة للغاية.
    ثم تؤسس برقية "الفريق الأمريكي المختص بليبيا" على المقدمات السابقة جملة من الخلاصات والتوصيات الخطيرة، والتي نحسب أنها مهدت الطريق لاندفاع السفير نيوسوم ومعاونيه نحو البحث عن البديل المناسب للنظام السياسي القائم في ليبيا، لا بل من تتوافر فيه صفات الجرأة، والحزم، والتعاطف مع مصالح أمريكا وتتمثل هذه الخلاصات والتوصيات في:


   (أ‌) الاستمرار في تقديم الدعم الكامل للملك وللحكومة التي يختارها. وهذا يعني تبني سيناريو العودة البطيئة إلى العلاقات السياسية والاقتصادية المعتادة، مع التسويف والمماطلة حول القاعدة التي يرغب الملك في بقائها، كما أكدت الحكومة الحالية (حكومة البدري) الرغبة نفسها بشأنها. وهذا يعني أيضاً، فيما يتعلق بموقف أمريكا من مسألة الشرق الأدنى (القضية الفلسطينية)، أن تستمر حاجتنا لأن نأخذ بعين الاعتبار المشاكل التي تواجهها داخلياً العناصر المعتدلة ولكنها ضعيفة (في النظام الملكي). هذا يعني أنه ينبغي علينا أن نبدي تعاطفاً مع بعض المطالب بالمساعدة التي يمكن أن نتلقاها من الحكومة الليبية.
   (ب‌) وفي الوقت الذي لا ينبغي فيه أن نتخلى عن الأمل والعمل من أجل استمرار الملكية في ليبيا، إلا أن الأحداث الأخيرة أكدت مرة أخرى ضرورة أن تكون للسفارة اتصالات (contact) وتبادل للآراء والأفكار (communication) مع عناصر أخرى مهمة في المجتمع الليبي. وهذا لا يعني بالضرورة القوميين والاشتراكيين العرب المتطرفين. إن كثيرين من الذين كانوا متطرفين في مناوئتهم للولايات المتحدة وللحكومة خلال هذه الأزمة هم من العناصر التي تنشد بشكل أساسي تطوير المؤسسات السياسية الداخلية بشكل معتدل وبناء، كما تبحث عن سبل الإصلاح الاجتماعي، من المهم جداً أن تقوم أمريكا بإعادة فتح الحوار – الذي توقف بسبب الأزمة – مع هذه المجموعات، ومع الحذر الشديد هذه المرة لتحاشي إثارة الملك والحكومة. وبنا ء على ذلك، طلبت من "مصادر أمريكية خاصة" بذل بعض المساعي في هذا الاتجاه.... وسوف أسعى لإقامة علاقات مباشرة للسفارة مع دوائر رجال الأعمال والاقتصاد حالما تهدأ الأمور خلال الأسابيع القادمة. وقد نكتشف أن الحوار مع معظم عناصر المعارضة المتطرفة غير ممكن بحكم أن أهدافها لا تتوافق مع أهدافنا في المحافظة على مصالحنا الرسمية والخاصة في ليبيا.
   (ج) لا بد من التنبيه إلى أن ملاحظاتنا السابقة مبنية على إدراك تام من قبلنا بأن المجموعات المتطرفة لا تمتلك بعد قوة كافية لتهديد أهداف الحكومة الليبية الأساسية. وإذا استطاع النظام (الملكي) أن يجتاز الأنوار الحالية بسلام، فإن النخبة التقليدية الحاكمة، وتنظيمها الحالي، قد يستمران لبعض الوقت. غير أن هذه الأحداث قد بينت لنا بوضوح:


   أن العناصر المثقفة والواعية سياسياً، والتي تشعر أنه جرى استثناؤها من النظام بحكم مصادفة مولدها (من حيث الطبقة الاجتماعية)، مصممة على إقامة نظام سياسي يأخذ في الاعتبار آراءها ووجهات نظرها بالكامل.
   الضعف الأساسي في القيادة التقليدية، مع قدرة المعارضة بالمقابل على حشد قوى كثيرة مسؤولة خاصة في طرابلس.
   إن على المؤسسة الحاكمة، من أجل بقائها في السلطة – ولو على المدى المتوسط – أن تفسح المجال أمام الأجيال الجديدة وأن تستوعبها.
وتنبه برقية "الفريق الأمريكي المختص بليبيا" في ختامها إلى خلاصة نهائية مفادها:


   "إن مصالح أمريكا تستوجب دعماً كاملاً للعناصر التي تبدي رغبة في حماية هذه المصالح. غير أنه ينبغي علينا أن نعترف، في الوقت نفسه، بأن ميزان القوى، مع كل أزمة من الأزمات (القادمة)، سوف يتحول من العناصر التقليدية إلى العناصر العصرية الجديدة".
 
   نص الوثيقة السرية الموجهة من السفير نيوسوم
إلى وزارة الخارجية الأمريكية باسم "الفريق الأمريكي المختص بليبيا"
في يونيو/حزيران 1967م

1    – يتكون هذا الفريق على ما يبدو من السفير (رئيساً) وعضوية ممثلين عن البعثة العسكرية الأمريكية والقاعدة الأمريكية وممثلي المخابرات المركزية والمعلومات.
2    – البرقية تحمل الرقم (طرابلس/98)، موجودة بالملف المركزي POL.15-Lybya..
3    – الواضح أن هذه هي القيادة الجديدة المطلوب صنعها في ليبيا.
4    – أي من أجل المحافظة عليها إلى حين الانتهاء من إعداد البديل المناسب.
5    – هناك مرات سابقة لعل أهمها ما حدث في أعقاب أحداث الطلبة خلال شهر يناير/كانون الثاني 1964.
6     – لا تخفى الصيغة المتعاطفة التي اختيرت في وصف هؤلاء المناوئين بتطرف للولايات المتحدة.
7    – إذا فهمنا الأسباب التي يرتكز إليها هذا الفريق في الدعوة إلى إعادة فتح الحوار مع هذه المجموعات، فما هي الأسباب التي دعت السفارة – قبل هذه الأزمة – لفتح الحوار مع هذه العناصر والمجموعات؟!
8    – يبدو أنه لم يكن هناك حذر شديد في المرة أو المرات السابقة.
9    – ترجمة لمصطلح (Controlled American Source) وتختصر (CAS).
10  – يبدو أن السفير نيوسوم لم يكن بحاجة لانتظار إذن الخارجية الأمريكية للسير في هذا الاختيار حيث أنه قد حصل عليه قبل ذلك في المرة أو المرات السابقة.
11   – نشرت مجلة "المعرفة" التي تصدر عن المركز الثقافي الأمريكي في ليبيا على غلاف عددها رقم (410) الصادر في 28/7/1969 (أي قبيل الانقلاب بشهر واحد) صورة للسفير نيوسوم وهو يستلم من رجل الأعمال الليبي الحاج محمد مصطفى الشيباني هدية تذكارية وتحت عنوان عريض "يبيا تودع السفير نيوسوم".
12   – تجن صارخ ومجحف بحق النظام الملكي.
13   – إننا نشك بإمكان اي نظام على امتداد المنطقة أن ينافس سجل النظام الملكي في إفساح المجال أمام الأجيال الجديدة واستيعابها.
 
   تنسيق أمريكي – بريطاني متواصل
   النفط هدفنا الأساسي من ليبيا


   كيف تغير أمريكا الحكام العرب؟!


   في اليوم التالي لشروع الحكومة البريطانية باستئناف مفاوضاتها مع الحكومة الليبية، بشأن إجلاء القوات والقواعد البريطانية عن ليبيا، عقدت المجموعة المعروفة باسم (SIG "Senior International Group")( ) في وزارة الخارجية الأمريكية اجتماعها التاسع عشر حول ليبيا بتاريخ 2/8/1967. وقد توصلت هذه المجموعة في تقريرها السري الذي أعدته بالتاريخ نفسه إلى النتائج والتوصيات التالية:
"إنّ ما يشغلنا هو أن هذا البلد الضعيف البنيان، والذي لدينا فيه مصالح عسكرية ونفطية جوهرية Major Military and Oil Interests، هو عرضة لأن يتم الاستيلاء عليه من قبل نظام راديكالي Radical Takeover خلال المرحلة التالية من الصراع في سبيل السيطرة على العالم العربي( ) Nest phase of the struggle for control of Arab World"".
   "وبالكاد استطعنا أن ننجو بأعجوبةٍ في أعقاب الخامس من يونيو/حزيران عندما وجهت الجماهير الليبية المهانة جام غضبها على أمريكا وبريطانيا. وعلى امتداد ما يقارب الشهر، فقد الملك إدريس السيطرة الفعلية على الأوضاع في بلاده. لقد توقف ضخ النفط كما تعطلت العمليات بقاعدة ويلس. وليبيا الآن هي هدف، للافتراس من قبل مصر أو الجزائر أو كليهما ومن ورائهما الاتحاد السوفييتي باندفاعه للامتداد في الخارج. إن انقلاباً راديكالياً في ليبيا من شأنه أن يضعنا والبريطانيين أمام خيارات صعبة".
"ومن أجل ردع قيام أي انقلاب راديكالي في ليبيا، فإننا نقترح الإجراءات العاجلة التالية لتوكيد إصرار أمريكا وبريطانيا على البقاء في ليبيا. إنها لعبة حرجة Tight Game، وعلى إدريس من جانبه أن يبدو متصدياً لنا بالظاهر في حين أنه معنا في الخفاء. غير أننا نعتقد أن هذه الإجراءات سوف تكون بمثابة "الإشارات" "Signals" المناسبة في الوقت الحاضر لكل من عبد الناصر والسوفييت. وإننا نعمل، في الوقت نفسه، على إعداد توصيات لتخفيف قابلية المجتمع الليبي للسقوط فريسة (النوايا المصرية والسوفييتية) على المدى البعيد".


وتحت عنوان "مناقشات"، يورد التقرير:


1    – "مصالحنا في ليبيا هي ذات أبعاد ثلاثة: قاعدة وليس الجوية، والنفط، وموقع ليبيا الاستراتيجي. ونحن نحتاج إلى "ويلس" كقاعدة للتدريب على الرماية بالمدفعية للسلاح الجوي الأمريكي في أوروبا. وحتى الآن، لا توجد أمامنا أية تسهيلات بديلة في مكان آخر. والشركات الأمريكية لها استثمارات في النفط الليبي بلغت بليون دولار. وكما تبين من الأزمة الحالية، فإن ليبيا هي العامل المرجح Swing Factor في المحافظة على استمرار تزويدات النفط الخام إلى أوروبا، في حال إغلاق قناة السويس وتعطل أنابيب نقل البترول عبر شرقي المتوسط.
   فإذا ما استولى الراديكاليون على ليبيا، فإن كامل الساحل الجنوبي للمتوسط تقريباً سيكون في أيد معادية، وسوف تقع تونس بين جارين عدوانيين، كما تتعرض المغرب لمزيد من العزلة، وسيحصل الاتحاد السوفييتي على المزيد من نقاط الإمداد لقوته البحرية والسياسية المتنامية في المتوسط".
أما الفقرة (2) فهي تحت عنوان "الملك متقدم في السن (77 عاماً) ولكنه يبدو مصراً على البقاء في الحكم". وقد جاء فيها:


   "خلال الشهر الماضي (يوليو/تموز)، تحرك رئيس وزراء ليبيا الجديد (السيد عبد القادر البدري) بقوة من أجل السيطرة على الوضع، فقام باعتقال غلاة المحرضين، وتصدى لحملات الإعلام المصري، كما استأنف ضخ البترول. إن دور (الملك) إدريس أشبه ما يكون "بالدور الأبوي"، وهو يحظى باحترام واسع، غير أن شعبيته هي ما بين المواطنين الذين تزيد أعمارهم على الأربعين. وتتركز قوته بين رجال القبائل المقيمين في الدواخل، كما يعتمد على قوات الأمن المدربة بواسطة البريطانيين، كما يستمد جزءاً من قوته من صداقته مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية( ). إنه مرتبط مع بريطانيا بمعاهدة دفاع، وهو يعتبر قاعدة ويلس مظهراً ضرورياً على دعم أمريكا لنظامه. وتبرز نقاط ضعف الملك في المدن، وفي الولاء المشكوك به نحوه من قبل رجال القوات المسلحة والإدارة الحكومية، وفي الضغط الشعبي الذي يتعرض له (تحت تأثير الإذاعة المصرية) بسبب وجود قاعدة ويلس والقواعد البريطانية".
   أما الفقرة (3) من المناقشات فهي تحت عنوان "من الممكن أن يقوي الدعم الأمريكي في المستقبل العاجل من عزيمة الملك ومن قدرته على الاحتفاظ بسيطرته على الوضع". وجاء فيها:
   "إن الملك إدريس يتطلع إلى إشارات من أمريكا وبريطانيا يفهم منها إصرارهما على البقاء، وسوف يتعزز موقفه إذا ما وجد هذه الإشارات. ويمكننا أن نخفف عنه بعض الضغوط بشأن قاعدة ويلس من خلال قبولنا بفكرة "تلييب" القاعدة تدريجياً. (لقد سبق لنا أن أعلنا أننا وافقنا على التفاوض من أجل الانسحاب من القاعدة، غير أننا سرياً بالاتفاق مع الملك، ماضون في هذا الموضوع بتمهل، وبمقدورنا بالتعاون مع البريطانيين تقوية قوات الأمن الداخلي".
   أما الفقرة (4) فهي تحت عنوان "يجب أن نحافظ على بقاء بريطانيا في ليبيا، وبالمواجهة إن كان هذا ممكناً"، وجاء فيها:


   "لقد اتفقت بريطانيا وليبيا على مواعيد لسحب القوات البريطانية البالغة نحو (800) جندي والمتمركزة في بنغازي. وإن جدية هذا الاتفاق تتوقف على ما ينويان فعله بشأن قاعدة التدريب الجوي التي تستخدمها بريطانيا والقوة العسكرية الملحقة بها في "العدم" قرب الحدود المصرية، وكذلك بشأن برنامج التدريب الخاص بالأمن العام. وبإشارة لليبيين والمصريين، فإننا نحبذ أن يقوم البريطانيون بتعزيز قدراتهم بشكل رمزي في "العدم".
   "وإذا كان البريطانيون مصرين على تخفيض تكاليف تواجدهم العسكري في ليبيا، فينبغي من جانبنا النظر في تغطية جزء من هذه التكاليف المالية (تقدر التكاليف التي تتكبدها بريطانيا في هذا الصدد بأقل من اربعة ملايين دولار). إن إحدى الطرق التي يمكن اللجوء إليها في هذا الشأن هي أن نتخلى من جانبنا لبريطانيا كي تصبح هي المورد الرئيسي للسلاح في ليبيا شرية أن تلتزم بالاستمرار في القيام بمسؤولياتها الرئيسية في ليبيا"( ).
   أما الفقرة (5) فهي تحت عنوان "غير أنه على المدى البعيد، لن تكون ليبيا آمنة إلا إذا استخدمت ثروتها من النفط في شغل "الأتراك الجدد"( ) الساخطين، وبروليتاريا المدن، في تطوير البلاد"، وقد جاء فيها:
"نظرياً، هناك الكثير الذي يمكننا القيام به من أجل المساهمة بتزويد ليبيا بالخبراء والأفكار، ونحن عاكفون على إعداد مجموعة من المقترحات. غير أنه بسبب محدودية عدد الدول التي يسمح لنا، بموجب قانون المساعدات الخارجية، بتقديم مساعدات لها، ونظراً لأن ليبيا هي غير مؤهلة بحكم غناها للحصول على مساعدات منا عملاً بهذا القانون، فإنه ليس بمقدورنا إنفاق أقل المبالغ ضآلة لتغطية الزيادة المطلوبة وما يعود منها للخبراء الأمريكان العاملين في ليبيا( ). إن الوظائف التي كانت مشغولة في ليبيا من قبل خبراء أمريكيين أصبحت الآن في أيدي دول أخرى، وبالعادة من قبل دول شيوعية، وإن تأثير ذلك على مواقف وتصرفات الليبيين أصبح ظاهراً للعيان".
   "لقد حاولنا أن نحصل على مبلغ (200) ألف دولار كاعتماد خاص لتغطية الزيادة المطلوبة في مرتبات الخبراء العاملين في ليبيا، غير أن فرص تمرير الموافقة على هذا المبلغ ضمن بنود ميزانيات المساعدات الأجنبية ضئيلة جداً".
   وبعد أن يشير التقرير إلى بدائي قانونية أخرى يمكن بواسطتها تدبر الحصول على هذا المبلغ، يدعو صراحة، في حال فشل هذه المساعي، إلى اللجوء إلى "القطاع الخاص"( ) إلى أية مصادر أخرى في الحكومة( ) من حقنا الحصول على هذه الأموال منها".

   تصورات


   ثمَّ تخلص مجموعة SIG في تقريرها عن اجتماعها التاسع عشر بشأن ليبيا (يوم2/8/1967) إلى التوصيات التالية:


1    – المضي في عملية بيع العشر طائرات طراز F-5 للحكومة الليبية وتسليمها لها في الفترة ما بين يوليو – ديسمبر 1968، وقد صدر قرار رئاسي بإجازة عملية البيع في 10/4/1967، وتم التوقيع على التعاقد بالبيع في 1/5/1967( ).
   إن هذه الطائرات سوف تشكل نواة سلاح الطيران الليبي. وسوف يجري وضع هذه الطائرات في قاعدة ويلس، ومن ثم فإنها ستعتمد بشكل مباشر على التسهيلات الأمريكية في التدريب والخدمات.
ولقد طلب وزير الخارجية الليبي (الدكتور أحمد البشتي) من سفيرنا (نيوسوم) تأكيد أمريكا لنيتها بالمضي في إتمام عملية بيع الطائرات، منبهاً إلى أهميتها في نجاح المحادثات المتعلقة بالقاعدة( ).
إن التوقيت يشكل معضلة كبيرة. فالليبيّون يلحّون على التحرك. وإذا كنا نرغب فعلاً في إرسال إشارات رادعة للسوفييت ولعبد الناصر، فمن المهم أن نقوم باستعراض لدعمنا لليبيا بسرعة وبشكل واضح للعيان. وفضلاً عن ذلك، فإن بيع السلاح لليبيا سوف يسهل كثيراً عملية بيع السلاح لإسرائيل عندما يصبح ذلك ضرورياً (في القريب).
   إننا نقترح أن نعطي لوزير الخارجية (الليبي) تأكيدات بأننا ماضون في إنجاز عملية بيع طائرات F-5 مع التنبيه في الوقت ذاته إلى أننا لا نستطيع الإشارة إلى قرار محدد أو معلن بهذا الخصوص إلا بعد إجازة مشروع قانون المساعدات (من قبل الكونجرس في أكتوبر/تشرين الأول 1967).
2    – يجري، بموجب برامج البيع والمساعدات القائمة حالياً، استئناف تزويد ليبيا بمعدات اتصال ووحدات طاقة وبكميات صغيرة من قطع غيار الطائرات وطائرة واحدة C-47 بما تقدر قيمته الإجمالية بمبلغ (540) ألف دولار".
3    – "يجري إخطار الليبيين في وقت مناسب، بأننا على استعداد عند رغبتهم، بتزويدهم لقاء مقابل نقدي بمعدات وأسلحة مناسبة لقواتهم العسكرية، وكذلك بالقيام بتدريب هذه القوات حسب طلباتهم.
إن القصد من وراء هذه الخطوة هو إلى حد كبير إشارة معنوية( ). لقد درج الليبيون تقليدياً على شراء أسلحة من بريطانيا. وأنهم لربما يقومون الآن بشراء كميات كبيرة من الأسلحة من فرنسا. وإننا نفضل أن تستمر بريطانيا هي المزود الرئيس للسلاح في ليبيا، شريطة أن تستمر بريطانيا في إبداء اهتمام حقيقي بليبيا". (من خلال استمرار وجودها العسكري فيها).
4    – إخطار الليبيين باستعدادنا لتزويدهم – على أساس نقدي – بمعدات للأمن الداخلي، بما في ذلك طائرات خفيفة، وخبراء في المحافظة على الأمن العام بصفة مؤقتة. إن البريطانيين لديهم في الوقت الحالي بليبيا ثلاثة خبراء في الأمن الداخلي، ونحن ليس لدينا أي خبير. وعلينا في هذا المجال، أن نحاول إقناع البريطانيين ببذل المزيد، كما ينبغي أن يكون لدينا الاستعداد للقيام بدور مكمل لدورهم".
   انتهى تقرير مجموعة (SIG)( ) وفي 10/8/1967، وبينما كان الوفد الأمريكي برئاسة السفير نيوسوم قد شرع في الجولة الأولى من المحادثات مع نظيره الليبي في طرابلس حول مستقبل قاعدة ويل( )، شهدت العاصمة الأمريكية جولة جديدة من المحادثات الأمريكية – البريطانية حول ليبيا عقدت في مقر وزارة الخارجية بين وفد أمريكي برئاسة وكيل الخارجية المستر يوجين روستو، وضم هذا الوفد آخرين من أبرزهم السفير جوزيف بالمر الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، وبين وفد بريطاني برئاسة السفير لدى واشنطن السير باتريك دين Sir Patrick Dean، وكان من أبرز أعضائه السفير السير ريتشارد بيومونت Richard Beaumont Sir( ) سفير بريطانيا يومذاك لدى العراق والمكلف بمهمة خاصة من قبل حكومته تتعلق بمشكلة الشرق الأوسط). وقد قدم الجانب الأمريكي في مطلع المحادثات إلى نظيره البريطاني نسخة عن تقرير "مجموعة (SIG)( ) السالف الإشارة إليه، كما زود الجانب البريطاني بدوره نظيره الأمريكي بمذكرة تلخص وجهات نظره.
   وقد تحدث المستر روستو في مستهل المباحثات عن وجهة النظر الأمريكية وفقاً للأسس نفسها التي وردت في نتائج أعمال وتوصيات مجموعة SIG في اجتماعها التاسع عشر حول ليبيا، وكان من أبرز ما ورد على لسانه:


   "إن ليبيا تبدو مرشحة للاستيلاء عليها من قبل القوى العربية المتطرفة. وأخذاً في الاعتبار موقع ليبيا على البحر المتوسط، وجاذبية نفطها، أصبحت ليبيا عاملاً ذا أهمية قصوى في الإطار العام للمنطقة. وإذا كانت نظرية الدومينو Domino Theory( ) قابلة للتطبيق في أي مكان، فهي أصدق ما تكون ها هنا. فإن ذهبت ليبيا من الطريق، فإن تونس والمغرب تصبحان معرضتين لخطر اجتياح راديكالي. ومن ثم فإننا نشعر بأنه ينبغي علينا – بما يتعلق بليبيا – اتخاذ موقف قوي حاسم وواضح، وتأسيساً على ذلك فقد قدمنا توصياتنا للرئيس (جونسون) التي تضمنت خطة عمل تشمل إرسال "مجموعة من الإشارات الواضحة والتي تعني أننا موجودون في ليبيا وعازمون على البقاء فيها".
    كما أشار روستو في كلمته إلى أن أمريكا هي "بصدد اتخاذ إجراءات أخرى يتأكد من خلالها، على المدى البعيد، قابلية المجتمع الليبي والدولة الليبية للاستمرار"( )، وأضاف أنه في الأحوال جميعها فإن السياسة التي توصي بها أمريكا تجاه ليبيا سوف تكون قوية ونشطة تهدف إلى أن تبرز للسوفييت والمتطرفين العرب بأننا لسنا على استعداد للتخلي عن ليبيا. كما عبر المستر روستو عن أمله بأن تتخذ بريطانيا موقفاً قوياً وحاسماً مماثلاً لموقف أمريكا.
    وكان من بين ما جاء على لسان السفير البريطاني السير بيومونت..
   "إن بريطانيا، بكل تأكيد، تشاطر أمريكا الرأي حول حساسية ليبيا..
   "وعلى الجانب العسكري، فإن سحب الوحدات العسكرية البريطانية من بنغازي بدا ضرورياً كوسيلة لمساعدة الحكومة الليبية في مواجهة بقية الدول العربية الأخرى قبيل انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العربي في الخرطوم. وقد بدا لنا هذا الإجراء معقولاً، ذلك أن الأحداث أثبتت أن هذه الوحدات (البريطانية) كانت غير ذات جدوى عسكرياً خلال أحداث يونيو/حزيران (1967). ولا بد من الاعتراف بأنه يوجد داخل الحكومة البريطانية رغبة عامة، ولأسباب مالية في الأغلب، لتقليص التزاماتنا في الخارج، ومن ثم اتجاه لتخفيض هذه الالتزامات متى ما حانت الفرصة. وفي حالة ليبيا، فإن الأمر لا يرجع إلى الاعتبارات المالية – التي هي صغيرة – بقدر ما يرجع إلى ما يفرضه استمرار وجودنا في ليبيا من الاحتفاظ بقدرات (عسكرية) في بريطانيا، كافية للوفاء بالتزاماتنا (نحو ليبيا) بموجب معاهدتنا معها".
   ثم استدرك السفير بيومونت:
   "ومع ذلك فإن بريطانيا تأمل أن يكون بمقدورها الاحتفاظ بوجود قواتها في "العدم" و"طبرق". إن أهمية "العدم تتمثل في تسهيلات التدريب التي تتيحها لنا، أما أهميتها كقاعدة جوية فهي ثانوية".
    كما اضاف معلقاً على فقرات وردت في المذكرة التي تقدم بها الجانب البريطاني إلى نظيره الأمريكي في مستهل المحادثات:


   "لقد ورد بالمذكرة أنه في حال إصرار الجانب الليبي على انسحاب القوات البريطانية من ليبيا، فإن بريطانيا لا تملك سوى الانصياع لتلك الرغبة. غير أنه في ضوء ملاحظات المستر روستو، فإن من رأيه بأنه ينبغي على الحكومة البريطانية أن تعيد النظر في موقفها، وأن عليها، في أقل تقدير، أن تتريث في الاستجابة لأية دعوة جديدة للانسحاب".
   كما أكد المستر روستو من جانبه اعتقاده بأن الملك والحكومة يرغبون في الحقيقة باستمرار بقاء القوات البريطانية والأمريكية في ليبيا( )، وأن الولايات المتحدة تتصرف وفقاً لهذه الحقيقة، وبخاصة في ظل إحساسها القوي بأن التحالف بين القوى النشطة في منطقة المتوسط والشرق الأوسط يتطلب من أمريكا وبريطانيا إرسال إشارات إلى هذه القوى، بتصميمها على البقاء (في ليبيا).
عند هذه النقطة، تدخل السفير بيومونت معبراً عن اعتقاده بأن "الحقوق العسكرية" (لأمريكا وبريطانيا) في المنطقة تتعرض لعملية تآكل بطيء وأن أقصى ما يمكن للدولتين أن تؤملانه هو تأخير هذا التآكل.
ثم أشار السفير بيومونت إلى أن الحكومة البريطانية تلقت من الحكومة الليبية طلباً كبيراً لتزويدها بمعدات للأمن الداخلي، تشمل سيارات مصفحة ومدافع مضادة وطائرات مروحية، وأن بريطانيا تدرس حالياً إلى أي مدى يمكنها تلبية هذا الطلب.
   وقد عبر الجانبان البريطاني والأمريكي عن اتفاق بينهما حول حاجة ليبيا إلى معدات إضافية، غير أن تنظيم وكفاءة أجهزة الأمن الداخلية هي أكثر أهمية من المعدات نفسها. وقد أدت هذه النقطة لإعطاء الجانبين أهمية كبيرة لموضوع الخبراء البريطانيين والأمريكيين في ليبيا. واقترح الجانب البريطاني مناقشة موضوع الأمن الداخلي لليبيا على مستوى الخبراء من الدولتين.
   وخلال المحادثات، استفسر المستر جوزيف بالمر (عضو الوفد الأمريكي) عما إذا كان في نية بريطانيا نقل كتيبة الاستطلاع المدرعة التي كانت متمركزة في بنغازي إلى طبرق( ). وقد رد السفير بيومونت أن الموضوع لا يزال قيد الدراسة، كما أشار إلى أن الليبيين اقترحوا تسليمهم معدات الكتيبة المذكورة غير أن الحكومة البريطانية، لأسباب عديدة، رفضت تسليم تلك المعدات.
   ثم عاد المستر روستو إلى تأكيد أهمية محافظة أمريكا وبريطانيا على وضع قوى لهما في ليبيا، مؤكداَ أن هذه الخطوة ليست من قبيل الدعوة للمحافظة على وجود أصابه البلى والتآكل، ولكنها تعبير عن حاجة ضرورية ومستمرة في إطار الوضعية الحالية السائدة بمنطقة البحر المتوسط. كما أضاف، أن أمريكا تؤمل ألا تأخذ الاعتبارات المالية وزناً كبيراً في قرارات بريطانيا، وان أمريكا من جانبها، تولي اهتماماً عاجلاً ودقيقاً لنمط المشاكل القائمة في المنطقة الممتدة من إيران وحتى المغرب، مؤكداً: "إننا نواجه تهديداً خطيراً لمصالحنا، وعلينا أن نتحرك بتصميم للدفاع عن هذه المصالح( ).
   كما أضاف روستو: "لقد انزعجنا كثيراً لموقف دول أوروبا الغربية – عدا بريطانيا – المتفرج خلال أزمة يونيو/حزيران، وإننا حريصون على أن نرى جميع حلفائنا الغربيين يلعبون دوراً أكثر إيجابية( ).
ودون أن يتوقف السفير البريطاني دين عند ملاحظة المستر روستو الأخيرة، أبدى ملاحظة مفادها أن التجربة البريطانية (في الاستعمار) دلت على أنه لا فائدة من محاولة الإبقاء على القواعد العسكرية في المناطق التي يغدو واضحاً أنها لم تعد راغبة في بقائها.
   وقد عقب روستو من جانبه على هذه الملاحظة قائلاً "إنه لا يوجد لدينا شك في أن الملك يرغب ببقائنا".
   ثم طرح الوفد البريطاني تساؤلاً على الوفد الأمريكي حول ما إذا كان "الالتزام الرئاسي" Presidential Commitment باستقلال ووحدة أراضي ودول الشرق الأوسط ينسحب على ليبيا أم لا؟( ).
   وقد رد الجانب الأمريكي على هذا التساؤل بالإيجاب.
   ثم تناولت المحادثات بعد ذلك موضوع بيع السلاح لليبيا.
   وفي هذا الصدد، تساءل السفير البريطاني السير دين عن مدى استعداد أمريكا لتلبية احتياجات ليبيا من السلاح في ظل المشاكل التي تواجهها الإدارة مع الكونجرس. واعترف المستر روسو في رده أن هذا الموضوع حساس، غير أنه يمكن التوصل إلى كيفية يمكن عن طريقها تلبية احتياجات ليبيا الضرورية من السلاح.
   وأضاف، "إنه يسعدنا أن نرى بريطانيا تبيع أسلحة لليبيا، وبالحقيقة، فإننا نشجع أن تستجيب بريطانيا للطلبات الليبية (في مجال التسليح)".
   ثم تناول البحث بين الجانبين "التهديدات الجزائرية" لليبيا. وتساءل السفير دين عما يتصوره الأمريكيون عن وجود تهديد جزائري محتمل لليبيا. وقد اتضح من البحث أنه يبدو للمحللين البريطانيين أن الجزائر قد تحاول الآن استغلال أي تصدع في بنيان النظام الليبي. وقد اتفق الجانبان على أن يبقى هذا الموضوع الآن، على الأقل، احتمالاً نظرياً، جديراً بأن يجرى فحصه بتمعن من قبل الحكومتين.
 
   قصة المفاوضات السرية بين طرابلس وواشنطن ولندن
   حول نزع أسلحة الدمار الشامل الليبية

   ظل المسؤول البريطاني الرفيع يذرع حجرته ذهاباً وإياباً حتى تحول المساء إلى ليل كامل. وظل كل بضع دقائق يرفع الهاتف ليتصل بالعاصمة الليبية طرابلس. ويسأل هذا المسؤول السفير البريطاني في ليبيا أنتوني لايدن "ألم يبثوه حتى الآن؟". فأجابه لايدن "هناك مباراة كرة قدم على شاشة التلفزيون".
قبل هذه المكالمة بثلاثة أيام كانت ليبيا قد وافقت على التخلي عن برامج أسلحتها النووية والكيماوية مقابل إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة ضدها منهية بذلك مفاوضات سرية استمرت عدة أشهر مع البريطانيين والأميركيين.
     وكان بياناً قد كتب كلمة بكلمة خلال اجتماع شاق تتويجاً لذلك الاتفاق. وكان على وزير الخارجية الليبي أن يعلن القرار عبر التلفزيون الوطني ثم يتبعه الزعيم الليبي معمر القذافي بخطاب قصير إلزامي يؤيد فيه الاتفاق.
   كانت الساعات تمر بطيئة في وقت كان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الأميركي جورج بوش ينتظران على أحر من الجمر ذلك الإعلان. كان الوقت هو آخر عام 2003 وكلاهما بحاجة إلى انتصار يمكنهما من مواجهة الانتقادات المتزايدة لفشل أجهزة الاستخبارات في البلدين في كشف حقيقة واقع تسلح العراق قبل شن الحرب ضده.
   وقال المسؤول البريطاني الذي طلب عدم الكشف عن اسمه وهو يسترجع تفاصيل هذا المسلسل "كنا قلقين من أن يتم إلغاء كل ما توصلنا إليه فقد أصبح الوقت متأخراً أكثر  فأكثر". وعبر مقابلات جرت في الفترة الأخيرة مع الأطراف المعنية استرجع المسؤولون الأحداث التي سبقت الإعلان الليبي والذي كان نقطة تحول تاريخية بالنسبة لنظام يعتبر خارجاً عن القانون مع مساعيه لاسترجاع موقعه بين الأسرة الدولية. لكن المسؤولين ما زالوا غير متفقين على السبب الذي دفع القذافي للتخلي عن برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل. فبعض المعلومات تساند وجهة نظر الرئيس بوش الذي يرى أن السببين وراء ذلك كانا الإطاحة بصدام حسين ونظرية الولايات المتحدة بالهجمات الاستباقية. إذ دفع ذلك الزعيم الليبي ليغير من موقفه.
    لكن عدداً من مسؤولين بريطانيين وأميركيين قالوا إن القذافي يحاول لسنين أن يسلم الأسلحة التي بحوزته كي ينهي العقوبات الدولية التي ألحقت أضراراً كبيرة بالاقتصاد الليبي وتسهيل الطريق لوصول ابنه إلى الحكم في آخر المطاف. ففي الوقت الذي كانت فيه إدارة بوش تتحدث بحزم حول برنامج إيران النووي ساعد المزيد من المفاوضات والمعلومات الاستخباراتية الجيدة والضغط الذي فرض على ليبيا على تشكيل خطة أخرى للتعامل مع طهران حسبما ذكر ديبلوماسيون على إطلاع بمجرى الأحداث. وحينما انتهت مباراة كرة القدم ليلة 19 ديسمبر (كانون الأول 2003) ظهر محمد عبد الرحمن شلقم وزير الخارجية الليبي على شاشة التلفزيون الحكومي ليعلن عن أن بلده ستكشف عن برامج اسلحته غير التقليدية وتقوم بتفكيكها. ثم ظهر القذافي لفترة قصيرة لإلقاء خطاب قصير يبارك به هذه الخطوة معتبراً إياه "قراراً حكيماً وخطوة شجاعة".
    وفي مكتبه كان المسؤول البريطاني الرفيع يتنفس الصعداء. قال لاحقاً "إنها جائزة كبيرة... نحن لم نكن متأكدين حتى النهاية من أن خطتنا ستنجح".
   وخلال شهر من الإعلان كان الخبراء الأميركيون والبريطانيون يجولون بين المنشآت السرية حيث كانت ليبيا تصنع أسلحتها الكيماوية وبدأت بالعمل على صنع القنبلة النووية. وما عثروا عليه آنذاك كان مفاجئاً ومثير للحذر. وهذا ما يؤكد على أنهم فازوا بجائزة كبيرة حقاً. كان البريطانيون أكثر انفتاحاً. فهم قاموا بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع طرابلس في يوليو (تموز) 1999. وسلمت ليبيا من جانبها ضابطي مخابرات متورطين بإسقاط طائرة بان إم فوق لوكيربي لمحاكمتهما من قبل محكمة اسكوتلندية كذلك وافقت الولايات المتحدة وبريطانيا على رفع مؤقت للعقوبات الدولية المفروضة ضد ليبيا. وصدر حكم على أحد المتهمين الليبيين في يناير (كانون الثاني) 2001 ثم تبلور زخم لإيجاد حل لقضية لوكيربي في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 حينما حضر وفد ليبي بشكل سري إلى لندن للالتقاء بمسؤولين بريطانيين وأميركيين حسبما قال أحد المشاركين في تلك المفاوضات. وكان الوفد الليبي يترأسه موسى كوسا رئيس الاستخبارات الخارجية والذي طرد من بريطانيا قبل عقدين للاشتباه بقيامه بتنسيق هجمات إرهابية.
   وتوصلت المفاوضات أخيراً إلى أن تتحمل ليبيا مسؤولية مقتل 259 شخصاً على ظهر الطائرة و11 شخصاً على الأرض ودفع مبلغ 2,7 مليار دولار لأقارب الضحايا. لكن المشاركين في المفاوضات من أميركيين وبريطانيين قالوا إنهم كانوا واضحين مع الليبيين في إخبارهم أن حل مشكلة لوكيربي لن يكون كافياً لوحده.
   وقال أحد المسؤولين الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه "أكدنا أنه بينما تعتبر لوكيربي قضية مهمة جداً وهي شرط لتحقيق تقدم باتجاه إعادة تأهيل ليبيا للعودة إلى المجتمع الدولي فإن ذلك سيعتمد على حل ملف أسلحة الدمار الشامل الخاص بليبيا". واكتسبت المفاوضات مع ليبيا حول برامج الأسلحة غير التقليدية صفة الإلحاح في مارس (آذار) 2003 بعد أن التقى سيف الإسلام القذافي الابن الأكبر للزعيم الليبي والخليفة المرجح لأبيه مع موظفي استخبارات بريطانيين في فندق بلندن.
    وحسبما ذكر مسؤول أميركي اطلع على المفاوضات قال القذافي الابن "دعونا ننقي الجو من تلك الشائعات التي تقول إن ليبيا تمتلك أسلحة دمار شامل". ولأن الابن كان ينظر إليه باعتباره مبعوث والده فإن رسالته اعتبرت إشارة على أن الأب القذافي على استعداد للتوصل إلى اتفاق.
   حينذاك كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تعرفان أن ليبيا قامت رغم إنكارها بتصنيع أسلحة كيماوية. كذلك كان البلدان يعرفان أن شبكة العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان قد جهزت ليبيا ببرامج تمكنها من صنع قنابل نووية.
   وخلال الأسابيع التي أعقبت ذلك اللقاء التقى مسؤولان من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وآخران من نظيره جهاز المخابرات الخارجية البريطاني (أم آي6) مع كوسا وليبيين آخرين في لندن وفي مدن أوروبية أخرى لكن لم يتحقق أي تقدم حاسم. وقال المسؤول الأميركي الرفيع "كانت هناك فترات من الاتصالات لكن الليبيين لم يعترفوا حتى ذلك الوقت أنهم يمتلكون برنامجاً لصنع القنبلة النووية... كانوا خجولين". وباستثناء بوش وبلير فإن هناك عدداً قليلاً من المسؤولين الكبار في واشنطن يعرفون بالمفاوضات. وكانوا يخافون من أن أي تسرب للمعلومات سيجند المعارضة إما داخل ليبيا أو في الجزء الأكبر من العالم العربي وهذا ما سيجعل القذافي يفكر مرتين.
    وخلال أيام وصلت مجموعة كبيرة من خبراء وكالة المخابرات المركزية والمخابرات البريطانية إلى ليبيا وفقاً لما قاله مسؤولون معنيون بالعملية. وقد أخذ جزء أكبر من مخزون ليبيا من برامج الأسلحة النووية والكيماوية خلال رحلة دامت 12 يوماً وبدأت في الأول من ديسمبر "كانون الأول" 2003.
   وفي 16 من نفس الشهر جلس وفد ليبي لإعداد التفاصيل النهائية للصفقة حول مائدة غداء مع نظرائهم الأميركيين والبريطانيين في "ترافيليرز كلوب" الخاص وسط لندن. وسوية مع كوسا جرى تمثيل الليبيين من جانب سفيرهم في إيطاليا عبد العاطي العبيدي ومحمد الزاوي مبعوثهم إلى بريطانيا. وأمامهم كان ويليام ايرمان وديفيد لاندسمان وهما مسؤولان كبيران من وزارة الكومونويلث والشؤون الخارجية البريطانية واثنان من المسؤولين من المخابرات البريطانية. أما الفريق  الأميركي الصغير فكان يقوه روبرت جوزيف مدير إدارة مكافحة نشر الأسلحة المضادة في مجلس الأمن القومي وستيفن كابس مساعد مدير العمليات في وكالة المخابرات المركزية. وكان كابس ضابط العمليات المتمرس الذي كان على معرفة بكوسا منذ سنوات قد أشرف على العملية الاستخباراتية وقاد الزيارات الأولية إلى ليبيا. واستمر الجدال المشحون 10 ساعات. وقال المشاركون إن الفريقين البريطاني والأميركي أصرا على اعتراف واضح من ليبيا بأنها امتلكت برامج أسلحة كيماوية نووية وأنها تعد بتفكيكها. وفي النهاية وافق الليبيون على التخلي عن كل ما يرتبط بالبرنامجين ولكنهم امتنعوا عن قيام القذافي بالإعلان عن ذلك. وجرى التوصل إلى تسوية تسمح لشخص آخر بالإعلان. ولكن الزعيم الليبي سيبارك القرار علناً. ووصلت رحلة الخطوط الجوية البريطانية رقم 898 إلى مطار طرابلس الدولي يوم 18 يناير (كانون الثاني) 2004. وعلى متن الطائرة كان فريق يضم 14 من الخبراء الأميركيين والبريطانيين بقيادة من دونالد ماهلي نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون السيطرة على الأسلحة النووية المتقاعد.
   وكان الأميركيون أول الدبلوماسيين الذين يزورون ليبيا رسمياً منذ عام 1980. وكانت جوازات سفرهم تحمل طوابع خاصة من وزارة الخارجية تسمح لهم بدخول البلاد. وخشية من احتمال تغيير القذافي رأيه عمل الفريق ليل نهار لإعداد قائمة مفصلة بمئات الأطنان من المعدات والتجهيزات المرسلة من شبكة عبد القدير خان. وكانت أولويتهم إزالة المكونات الرئيسية لمشروع تخصيب اليورانيوم الذي أقيم لإنتاج المواد القابلة للانشطار للأسلحة النووية.
   وبعد يومين من وصول الفريق قام الليبيون أيضاً بنقل مئات الصفحات من الخطط التفصيلية لتصنيع رؤوس نووية كانوا قد اشتروها من حلقة خان. واعتبرت الخطط حساسة جداً بحيث وضعت في حقائب دبلوماسية وكان اثنان من الأميركيين يتناوبان على النوم معها تحت وسادتهم وفقاً لما قاله أحد المشاركين.
   وبينما كان الفريق الأميركي والبريطاني تواقين لأخذ الخطط والمواد الحساسة الأخرى إلى الطائرة بأسرع ما يمكن كان الليبيون تواقين إلى عدم إثارة الانتباه إلى التسليم. وأصر كوسا على أن طائرة أميركية لا يمكن أن تهبط إلا في الليل في مطار قليل الاستخدام خارج طرابلس وأنها يجب أن ترحل قبل الفجر. وفي التاسعة والنصف من صباح يوم 28 يناير (كانون الثاني) 2004 هبطت في المطار المعني طائرة حمولة عملاقة من طراز سي 17 مقبلة من قاعدة ماكورد الجوية في تاكوما بواشنطن وقد طمست إشارات السلاح الجو الأميركي التي تحملها. وبعد أقل من خمس ساعات من ذلك وفي الساعة الثانية وسبع عشرة دقيقة فجراً أقلعت الطائرة حاملة 55 ألف رطل من المعدات النووية وأنظمة التوجيه للصواريخ البعيدة المدى. وكانت متوجهة إلى تينيسي حيث ستنقل المواد إلى مختبر الأسلحة القومي في أوك بريدج.
    وبعد شهرين أبحرت ناقلة تحمل العلم الأميركي من طرابلس حاملة ما يزيد على ألف طن من المعدات الإضافية من برنامج ليبيا النووي فضلاً عن خمسة من صواريخ سكود بعيدة المدى مشتراه من كوريا الشمالية.
    ورفعت إدارة بوش معظم القيود المفروضة على ليبيا واستأنفت العلاقات الدبلوماسية في الصيف الماضي. وقال المسؤولون إنهم يأملون أن يوجه قرار القذافي رسالة إلى إيران التي تتهمها الولايات المتحدة بمحاولة تطوير أسلحة نووية. وقال دبلوماسي أميركي مقيم في أوروبا "أردنا أن نظهر لدول أخرى أن هناك مخرجاً".
(انتهى)

__________________________________________

 وكالة اخبار لبنان العدد1559 يوم الجمعة 26-3-2010

 السفير علي عقيل خليل ناشد الزعماء العرب بسحب المبادرة العربية
وقال: فلنتوحد وفي صوت وكلمة واحدة لطرح قضية الإمام وأخويه

     (ا.ل) – ناشد سفير المنظمة العالمية لحقوق الإنسان في لبنان والشرق الأوسط السفير علي عقيل خليل الزعماء والقادة العرب الذين سيجتمعون في مدينة "سرت" الليبية بسحب المبادرة العربية بعد 9 سنوات من طرحها في قمة بيروت ولم يكن الرد الإسرائيلي سوى بمزيد من الاستيطان والاغتيالات والعدوان على لبنان وغزة وقد أثبتت المقاومة بأنها اللغة الوحيدة التي يفهمها هذا العدو لذلك على هؤلاء القادة أن يعلنوا دعم مشروع المقاومة بعدما سقط مشروع (غصن الزيتون) ويبدأ هذا المشروع بمطالبة رئيس القمة العربية العقيد معمر القذافي بإطلاق سراح إمام وقائد المقاومة سماحة الإمام السيد موسى الصدر وأخويه الصحافي الأستاذ عباس بدر الدين وفضيلة الشيخ محمد يعقوب لأن الإمام وأخويه اختفوا عندما كان يقوم بجولة عربية من أجل دعم القضية الفلسطينية والوحدة العربية أمام الغطرسة الإسرائيلية وها هو بعد 32 سنة من اختفائه – اعتقاله ما زال هذا العدو هو نفسه في أسلوبه الوحشي وتهويد القدس ومزيد من الاستيطان.
     نعم فلتطرح قضية الإمام وأخويه في هذه القمة، لأن الإمام لم يكن لطائفة ولا للبنان فحسب بل كان إمام العرب وإمام المسلمين والمسيحيين في العالم وعودته تساهم في إعادة بناء اللحمة والثقة بين أبناء هذا الوطن لأنه أول من أطلق شعار العيش المشترك وبناء دولة الإنسان مقابل مشروع الطائفية وإلغاء الآخر.
    فلنتوحد وفي صوت وكلمة واحدة لطرح قضية الإمام وأخويه.

   تمني عائلة الزميل عباس بدر الدين


   أما عائلة الصحافي عباس بدر الدين فحيت كل الجهود الآيلة إلى تحقيق نتيجة في هذا الملف المعقد إذا صح التعبير وتمنت أن لا تبقى هذه التحركات إعلامية وإنشادية وأن يتم طرح هذا الملف من جميع اللبنانيين كونه قضية وطنية بامتياز ومن مسؤولية الشعب والمسؤولين. ودعت إلى تحديد صفة العلاقة بين لبنان وليبيا فلا تبقى مزدوجة بحيث يتم وضع النقاط على الحروف وتوضح الأمور علماً أنه قد يكون هناك مفاجآت تؤدي إلى قلب الأمور 180 درجة ومفتاح هذه المفاجآت هو عند العقيد القذافي!!!!.....(انتهى)

ـــــــــــــــــــــــ


الكواكبي وطبائع الاستبداد

 المصدر: "القذافي وسياسة المتناقضات" لـ"منصور عمر الكيخيا"

هذا العنوان هو عنوان كتاب شهير لمفكر عربي إسلامي عاش في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهو عبد الرحمن الكواكبي. وكان هذا الرجل من تلاميذ ورفاق كل من السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده. وكان، شأنه شأن بقية أبناء جيله، من الذين رأوا الإمبراطورية العثمانية، آخر الإمبراطوريات الإسلامية العظيمة، وهي تتآكل، وينخر فيها السوس والفساد حتى النخاع، فضعفت أشد الضعف، وأطلق عليها ولقرن كامل قبل وقت الكواكبي، اسم "رجل أوروبا المريض". ورغم وهن الإمبراطورية، وركل القوى الأوروبية لها يميناً ويساراً، والتهام أقاليمها واحداً بعد الآخر: الجزائر (1830)، ومصر وتونس (1882)، والسودان (1891)، والمشرق العربي (1961 – 1918)، فإن سلاطين آل عثمان وممثليهم من حكام الولايات، كانوا يزدادون ظلماً واستبداداً وطغياناً بالرعية، بما في ذلك العرب والمسلمون. ولعلنا نذكر من كتب التاريخ المذابح والمشانق التي ارتبطت باسم جمال باشا في بلاد الشام.
المهم أن هذه المآسي والنكبات في الإمبراطورية العثمانية، وما صاحبها من تعسف وطغيان داخلي، وطمع وجشع خارجي، هي التي أوحت لعبد الرحمن الكواكبي بتأليف كتابه "طبائع الاستبداد". فالطاغية حينما يضعف يصبح أكثر استبداداً من ذي قبل. فهو يعوض ضعفه في مواجهة الخارج بالاستشهاد في مواجهة الداخل.
وقد شهدت السنوات الأخيرة لصالح مقولات وملاحظات عبد الرحمن الكواكبي، في بلدان أجنبية – مثل أوغندا (عيدي أمين)، والفليبين (ماركوس)، ورومانيا (تشاوشسكو)، وتشيلي (أوغستو بيونشيه) ونيكاراغوا (سوموزا)، وصربيا (سلوبودان ميلوسيفيتش). وهو نفس ما شهدناه في السنوات الأخيرة من حكم طاغية العراق، صدام حسين، الذي فتك بما يقرب من نصف مليون من أبناء شعبه، ضمنهم عشرات الآلاف من الأكراد فيما سمي بعملية "الأنفال". بل إن أقرب الناس إليه، وهما زوجا ابنتيه لم يسلما من التنكيل والفتك بهما في أواخر تسعينيات القرن الماضي.
 
نرجسية الاستبداد
حينما يستتب أي مستبد في السلطة، فإن المنافقين يتكاثرون من حوله، ويتسابقون في الرياء، ويتنافسون في التبجيل والتمجيد. فكل ما يتفوه به يصبح "حكمة"، وكل ما يفعله يصبح سلوكاً "عبقرياً فريداً وغير مسبوق". حتى لو شك المستبد في حقيقة ما يردده هؤلاء المتزلفون في البداية، إلا أنه يقبله، ثم يستمتع به، ثم يطرب له، ثم يصدقه هو نفسه، ثم يتوقع العالم أن يصدق مما يقوله هؤلاء المنافقون عن "حكمته" و"عبقريته" و"عظمته". إن هذه الظاهرة هي ما يطلق عليه علماء النفس "النرجسية"، أي الإعجاب المرضي بالذات. وفي حالة حكامنا العرب المستبدين فإن "النرجسية" تأخذ أبعاداً وصوراً شتى.
من ذلك إطلاق منافقي صدام حسين عليه 98 وصفاً من أسماء الجلالة، والتي هي 99. فقد اصبح صدام هو "القادر"، و"القدير"، "المهيب"، و"الجليل"... وربما الحياء وحده هو الذي منعهم من إضافة وصف "الخالق" ضمن منظومة أسماء النفاق والرياء. أما في حالة صاحبنا معمر القذافي فقد اكتفى من الصفات والتسميات بالقليل منها – مثل "الأخ"، و"القائد"، و"زعيم الثورة"، و"صقر إفريقيا" ومع ذلك فلم يكن القذافي أقل نرجسية من صدام. فقط، اختار هو أساليب مختلفة للتعبير عنها، نذكر هنا بعضها فقط، على سبيل المثال لا الحصر:
1 – المفكر، صاحب النظرية الثالثة، والكتاب الأخضر. سمع القذافي عن، وربما قرأ، بعض ما كتبه مفكرون وزعماء ارتبطت أسماؤهم بثورات عظمى في التاريخ الحديث، ومن هؤلاء كارسل ماركس وفردريك أنجلز (رأس المال والمنشور الشيوعي)، أدولف هتلر (كفاحي)، وماوتسي تونغ (الكتاب الأحمر)، وجمال عبد الناصر (فلسفة الثورة). ولا بد أن بعض المنافقين أشاروا عليه بضرورة أن يكون لثورته "نظرية" تكون بمثابة دليل العمل لتغيير ليبيا، وربما العالم، إلى ما هو أفضل. ومن الواضح أن الفكرة راقت له، لغاب عن الأنظار عدة أسابيع، ثم خرج على الليبيين بما سماه "النظرية العالمية الثالثة"، والتي نشرت على نطاق واسع فيما سمي "بالكتاب الأخضر"، تشبيهاً بماوتسي تونغ وكتابه الأحمر. وقد صدر الكتاب الأخضر في جزأين، عامي 1973 و1978، على التوالي. ويقول القذافي في مقدمته إنه تأمل من خلاله الدعوة إلى خلق "مجتمع طوباوي عالمي". ولكن محتوى الكتاب جاء خليطاً عشوائياً من مقولات "اشتراكية" (ولكنها ليست مادية ماركسية)، و"إسلامية" (ولكنها ليست وهابية متزمتة)، و"قومية وحدوية" (ولكنها ليست بعثية أو حتى ناصرية)، وأخيراً مقولات كونية عن حكومة عالمية (ولكنها ليست مؤسسة على أي شيء يقترب من فلسفة الألماني عمانوئيل كانت). ووصلت نرجسية القذافي في هذا الصدد إلى أنه داخلياً جعل من استظهار الكتاب الأخضر (أي حفظه عن ظهر قلب) كما لو كان "قرآناً كريماً"، شرطاً لعضوية "اللجان الشعبية"، التي كانت طبقاً للنظرية الثالثة هي التي تحكم وتدير كل المناشط والمرافق في البلاد، وتحل بذلك محل الوزارات المعتادة في كل الدول المعاصرة (مثل الخارجية والداخلية والتربية والاقتصاد والإسكان). أما الترويج للكتاب الأخضر عالمياً، فقد تم من خلال ترجمة الكتاب إلى كل اللغات الحية، وطبع وتوزيع مئات الآلاف من النسخ مجاناً ثم عقد المؤتمرات، التي دعي إليها مفكرون وأساتذة وصحفيون عرب ومسلمون وأجانب، للمناقشة والحوار حول النظرية الثالثة. وكان القذافي يتكفل بنفقات هذه الأنشطة، ويجزل للمشاركين فيها العطاء. وقد وجد كثير من الانتهازيين العرب والأجانب في هذه الترعة النرجسية عند القذافي – "كمفكر ثورة" وفيلسوف – مجالاً للكسب والإثراء، بنشر مقال هنا أو كتيب هناك عن النظرية الثالثة. غير أنه مع أوائل ثمانينيات القرن الماضي، نسي العالم والعرب، وربما الليبيون والقذافي نفسه "حدّوته" النظرية الثالثة والكتاب الأخضر، كما نسي العديد من مبادرات وشطحات القذافي الأخرى.
2 – الزعيم القومي العربي الوحدوي: قيل عن نرجسية القذافي إنه منذ رحيل مثله الأعلى جمال عبد الناصر (سبتمبر 1970)، أي بعد ثورة الفاتح بسنة واحدة، أصبح القذافي يشعر، ويوحي لآخرين من حوله، أنه مبعوث العناية الإلهية لأمته العربية من المحيط إلى الخليج، لكي يحررها، ويتم لها وحدتها، ونشر رسالتها الخالدة للعالمين أجمعين. وقيل أيضاً إن من آيات نرجسية القذافي أنه كان – وربما ما زال – يعتقد أنه أكبر من ليبيا والشعب الليبي، وأنه أذكى وأقدر، ومن ثم أحسن من أي رئيس أو زعيم عربي آخر. وأنه بناء على ذلك يستحق أن يقود الأمة العربية جمعاء، وأن يرأس دولتها المتحدة من المحيط إلى الخليج، حتى لو بدأت تدريجية مع جيرانه، الأقربين، أو بني قومه الأبعدين.
من ذلك أنه لم يكل ولم يمل عن مبادرات الوحدة أو الاتحاد مع أي بلد عربي آخر يقبل ذلك. ورغم الفشل المتتالي إلا أن الرجل ظل يحاول على مدى عقدين من الزمن. كانت البداية بميثاق طرابلس، الوحدة بين ليبيا ومصر والسودان عام (1970). ثم في العام التالي (1971) باتحاد الجمهوريات العربية (الذي ضم مصر وسورية وليبيا). وسرعان ما تبع ذلك بعدة شهور، ولكن في نفس العام، بإعلان بنغازي، لوحدة اندماجية بين مصر وليبيا (1972). ثم بعد ذلك بعام واحد 1973، وقع القذافي والرئيس الجزائري هواري بومدين اتفاقاً رابعاً في حاسي مسعود لوحدة بين ليبيا والجزائر، ثم في العام التالي (1974) وقع القذافي مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة اتفاقية جربه للوحدة بين ليبيا وتونس – وفي عام (1980) وقع القذافي مع الرئيس السوري حافظ الأسد اتفاقية للوحدة بين ليبيا وسورية. وفي العام التالي (1981) وقعت ليبيا اتفاقية للوحدة مع تشاد الجارة الإفريقية (غير العربية). ثم في عام (1984) وقّع القذافي اتفاقية وجدة مع الملك الحسن الثاني للوحدة بين ليبيا والمغرب. وأخيراً في عام (1988) انضمت ليبيا إلى مجلس التعاون المغاربي، الذي يشمل تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. وليت واحدة من هذه الاتفاقيات العشر أثمرت أو استمرت. فالشاهد هو أن الحماسة لكل منها كانت تفتر أو تندثر، حينما يلمس الطرف الآخر أن القذافي يريد الهيمنة وليس الشراكة الندية المتكافئة، أو حينما يكتشف القذافي نفسه فرصة أخرى أفضل مع بلد عربي آخر، أهم أو أكبر أو أسهل انقياداً. والواقع أنه بعد عقدين من المحاولات الفاشلة والمتعثرة أعطى خطاب القذافي لمفهوم الوحدة العربية معاني سلبية للغاية، ليس بين أبناء الشعب الليبي فحسب، ولكن لدى أبناء الشعوب العربية الأخرى، التي حاول القذافي أن يتوحد أو يتحد معها، أيضاً. وللإنصاف، ليس  القذافي وحده هو المسؤول عن ذلك، ولكن شاركه في هذا الصدد أولئك الذين وقعوا تلك الاتفاقيات معه، وكذلك قيادات أخرى رفعت شعارات قومية وحدوية، ولكنها سامت شعوبها العذاب وجلبت عليها الخراب، دون أن تحقق أياً من وعودها الوحدوية، أو أي وعود أخرى.
3 – نرجسية الشعارات الطنانة: الجماهيرية العظمى والنهر الصناعي العظيم: دأب القذافي بعد كل فشل أو انتكاسة خارجية أن يفاجىء الشعب الليبي والأمة العربية والعالم، بشعار أو مشروع مبهر، يغطي به على ما أصيب به. ففي أعقاب محاولة انقلابية اتهم القذافي فيها زميليه عضوي مجلس الثورة عمر المحيشي وبشير هوادي، ورفض الولايات المتحدة تصدير طائرات نقل حربية كانت ليبيا قد تعاقدت عليها، وتظاهر طلبة الجامعات في بنغازي ضد النظام، أعلن القذافي تطهير القوات المسلحة، وحل الاتحاد الاشتراكي، واستبداله بما أسماه "مؤتمر الشعب العام"، وحل مجلس قيادة الثورة، وقيام الجماهيرية العظمى الليبية (1976/1977). كذلك في أعقاب فشل أحد مشروعات البحث عن المياه، التي ورث القذافي مخططها من العهد الملكي، وهو مشروع الكفرة، والذي استثمر فيه عدة مليارات من الدولارات دون طائل، جاء من أقنع القذافي بمشروع بديل وأكثر طموحاً، وهو ما أطلق عليه اسم "النهر الصناعي العظيم"، أو كما وصفته دعاية القذافي (قبل أن يبدأ) بأنه سيكون "أعجوبة العالم الثامنة". والمشروع، الذي بدأ في أواخر الثمانينيات، ينطوي على حفر آبار عميقة في أقصى جنوب الصحراء الليبية، وحيث دلت المسوح الجيوفيزيائية على وجود مخزون مائي ضخم من عصور جيولوجية سحيقة. ثم نقل هذه المياه عبر أنابيب إسمنتية ضخمة، لمنع تبخرها، إلى المناطق الساحلية. وقدرت التكلفة الأولية للمشروع وقت الإعلان عنه بـ27 مليار دولار أمريكي – أو ما يزيد عن 50 مليار بأسعار 2005. وفي رأي كثير من الخبراء، أن مشروع "النهر الصناعي العظيم"، وقد تكشفت النتائج المخيبة للآمال بعد إتمام مرحلته الأولى عام 1993، هو من قبيل المشروعات المظهرية، والتي يطلق عليها اسم "الأفيال البيضاء"، لضخامتها وقلة عائدها.
4 – نرجسية فتى الصحراء السينمائي: يحلو للقذافي أن يبدو كما لو كان زعيماً أصيلاً، وفياً للتقاليد الليبية الصحراوية – القبطية. من ذلك إصراره على الإقامة الرسمية في "خيمة"، وعلى ارتداء الأزياء الليبية التقليدية. بدلاً من الزي الغربي  (الجاكيت والبنطلون) الذي أصبح هو النمط السائد في معظم أقطارنا العربية منذ القرن العشرين بين معظم الرسميين ورجال المال والأعمال والمشتغلين في المؤسسات الحديثة. ولا بأس من التمسك بالتقاليد، ومنها ارتداء الأزياء الأهلية الشرقية، والتي تختلف من بلد عربي إلى آخر، بل بين مناطق مختلفة في نفس البلد. وقد تمسك معظم عرب الخليج بأزيائهم التقليدية، ولا سيما الرسميون والمسؤولون منهم (وهي العباءة والجلباب والحطة والعقال على الرأس)، ومن ثم لا بأس أن يفعل القذافي ذلك، من حيث المبدأ. ولكن ما يجعل من هذا السلوك تعبيراً عن نرجسية صارخة هو ما تنطوي عليه الممارسة من استعراضية مبالغ فيها، تضعها في عداد العروض السينمائية "الهوليودية". فالملابس، ولو أنها تحمل بعض ملامح الزي الليبي القبلي، زاهية الألوان وذات تصميمات أنيقة، ونادراً ما يصادف أي زائر مثيلاً لها في كل ليبيا، أو يرتديها أي ليبي آخر. وقد اتضح مؤخراً أن القذافي يتعامل مع عدة بيوت أزياء عالمية (مثل ماكس فاكتور، وإيف سان لوران، لتفصيل هذه الملابس خصيصاً له، وله وحده. فلا نجد مسؤولاً ليبياً آخر، ولا أحداً من أفراد أسرته مسموحاً له أن يرتدي مثلها.
تنعكس هذه النرجسية أيضاً في إحاطة القذافي نفسه بحرس خاص من أجمل وأصح الفتيات الليبيات. وهو الوحيد في ليبيا الذي يخص نفسه بهذه التقليعة اللافتة للأنظار. هذا علماً بأنه في السنوات الأولى للسلطة، وحتى صدور الجزء الثاني من الكتاب الأخضر (1978) كانت مقولاته عن النساء متخلفة للغاية. فقد كان الرجل إلى ذلك الوقت يعتقد أن "حيض المرأة" في مكانة متدنية لا تسمح لها بممارسة أي من أعمال الرجال، ومن ثم لا يمكن أن تتساوى معه، ولكن، كعادة القذافي، فهو لا ينسى فقط أو يتناسى شحطاته السابقة، ولكن ايضاً يناقضها بشطحات لاحقة. ولعل تجنيد النساء، وانتقاء أجملهن لحراسته الخاصة، يقول لنا الكثير عن نرجسية الرجل.
6 – الجملوكية الليبية: أخيراً وليس آخراً يبدو أن القذافي، مثل كل المستبدين الذين تلعب العظمة بعقولهم وقلوبهم، قد عزم على أن يعد أحد أبنائه لوراثة السلطة من بعده. وهذا ما فعله حافظ الأسد في سورية من قبل (عام 2000)، وما كان يخطط له صدام حسين إلى أن دهمه الغزو الأمريكي في عقر داره (عام 2003)، وكذلك هذا نفسه هو ما يخطط له الرئيس المصري حسني مبارك، وربما ما يخطط له الرئيس اليمني عبد الله صالح. لقد تواترت هذه الظاهرة، وهو ما دفعنا منذ ست سنوات إلى نحت مصطلح جديد، هو "الجملوكية"، وهو شكل هجيني خليط من "الجمهورية" و"الملكية". ونرجسية القذافي هنا ليست في اعتقاده بأنه عبقري زمانه فحسب، ولكن في أن هذه العبقرية "تورث" أيضاً، ومن ثم فلا بد أن يرث الحكم عنه أحد أولاده، مثل سيف الإسلام، أو حتى إحدى بناته مثل الأميرة عائشة.

بداية النهاية
كان السقوط المدوي لكبير المستبدين العرب، صدام حسين (2003) جرس إنذار لبقيتهم. فمن كان منهم يعادي الولايات المتحدة – مثلما كان صدام حسين – فإنه سارع في البحث عن طرق ووسائل للتراجع وخطب الود. وكان معمر القذافي أولهم وأسرعهم.
فبعد أن كان يتحدى الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً طوال الثلاثين عاماً السابقة، توقف عن ذلك بعد سقوط صدام، وبعدما لاوع وراوغ في قضية نسف طائرة ركاب بان آم الأمريكية فوق بلدة لوكربي، فإنه سارع فجأة بقبول المسؤولية ودفع تعويضات سخية لعائلات الضحايا تجاوزت في مجموعها ألفي مليون دولار، أي بمعدل عشرة ملايين دولار لكل عائلة. كذلك سارع بالاعتراف بأن لديه موارد وتكنولوجيا وخطط إنتاج لأسلحة دمار شامل بيولوجية وكيماوية، وهو ما كان ينكره من قبل، وأنه الآن على استعداد لاستقبال بعثة دولية من الخبراء للتفتيش على هذا النوع من الأسلحة، وللإشراف على عملية تدميرها والتخلص منها نهائياً. كما عرض القذافي دفع تعويضات لأسر ضحايا تفجير طائرة ركاب فرنسية وناد ليلي في ألمانيا. باختصار تحول القذافي بعد سقوط بغداد من مشاكس وإرهابي دولي إلى "حمامة وديعة" تبغي المصالحة والمواددة مع من كان يعاديهم طوال ثلاثة عقود.
وتباينت تفسيرات هذا الانقلاب المفاجىء في سلوك معمر القذافي. فأغلبية المراقبين يرون أنه بعد سقوط بغداد، والطريقة المهيمنة التي تم بها القبض على صدام حسين في حفرة كان يختبىء فيها تحت الأرض وهو أشعث الوجه ويرتدي أثمالاً بالية، فإن القذافي أيقن بالحقائق الجديدة للنظام الدولي ذي القطب الدولي الأمريكي الأوحد، وأنه ربما يستطيع أن يجري أو يشاكس، أو يهرب إلى حين، ولكنه لن يستطيع أن يختفي من أمريكا إلى الأبد. ومن ثم سلم لها تسليماً كاملاً وذليلا. ولكنه في كل الأحوال يظل أفضل حالاً من صدام حسين.
أما التفسير الثاني، فيذهب إلى أن ثمة عملية "مصالحة"، وليس استسلاماً، مع أمريكا والغرب، وأن هذه المصالحة بدأت قبل حرب العراق، على يد ابن القذافي، سيف الإسلام، والذي كان يدرس في جامعة لندن منذ عام 1999. وهو الذي أدرك أن سلوك أبيه، واستمرار عناده، يؤدي إلى طريق مسدود في أحسن الأحوال، وإلى الهلاك في أسوأ الأحوال، وأنه هو الذي أقنع معمر القذافي بتغيير ممارساته. وسواء أخذنا بالتفسير الأول أو الثاني، فإن النتيجة هي هي: وهي التسليم أو الاستسلام، ولكن بأسلوب أقل ذلاً وإذلالاً مما حدث لصدام حسين، أو الذي يوشك أن يحدث لبشار الأسد. بل يذهب بعض المراقبين إلى أن القذافي ما زال مراوغاً من الطراز الأول، وأنه بتراجعه هذا الذي رآه العالم في السنوات الثلاث الأخيرة، يشتري بعض الوقت لنفسه في السلطة. وأهم من ذلك، يشتري فرصة لابنه. سيف الإسلام، الذي يقوم بدور الغراب أو السمسار الوسيط بين أبيه والغرب، ولكن حتى إذا صحت هذه التخمينات، فإنها تعني أن نظام القذافي كما عرفه الليبيون والعرب والعالم قد قارب نهايته. فحتى إذا بقي معمر القذافي في السلطة لعدة سنوات قادمة فإنه لن يكون قادراً على الاستمرار في ممارسة الاستبدادية المعتادة. فهيبة القذافي تتآكل، وأركان نظامه يضعفون، وجدار الخوف الذي أحاط بالليبيين يتشقق. لذلك لا بد للقيود أن تنكسر، ولا بد لفجر ليبي جديد أن ينبلج. والله أعلم. (سعد الدين إبراهيم القاهرة: 1/1/2006)

سياسة التناقضات
يستطيع عدد ضئيل من أنظمة دول العالم الثالث اليوم أن يدعي البقاء في الحكم لفترة تصل إلى فترة بقاء نظام العقيد معمر القذافي في حكم ليبيا( ). فمنذ توليه مقاليد الأمور في ليبيا منذ أكثر من ربع قرن استطاع نظام القذافي أن يصمد أمام العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تعرض لها على الجبهات الداخلية والإقليمية والعالمية. لقد زج القذافي بليبيا وشعبها المسالم، بتعداده المتواضع وموارده المحدودة، في صراعات إقليمية مسلحة مع معظم جيرانها، فكبد مواردها البشرية وخزينتها خسائر جسيمة، وحولها إلى دولة منبوذة دولياً، متهمة – صحت التهمة أم لم تصح – بإثارة الفتن والضلوع في دعم الإرهاب الدولي. وطوال الحقبة الماضية كانت كلمة "ليبي" في الإعلام الغربي مرادفة لكلمة "الإرهابي"، فيما أصبح القذافي أشبه "بالغول" الذي يقاس به كافة الديكتاتوريين الآخرين في العالم. وقد تركت هذه السمعة السيئة ذيولها السلبية على وضع ليبيا العالمي، وترتب عليها في نهاية المطاف المساس بسيادتها وتعريضها للخطر. حدث ذلك أول الأمر من خلال الهجمات العسكرية المباشرة، كتلك التي شنتها قوات الولايات المتحدة الأمريكية المسلحة على مدن طرابلس وبنغازي عام 1986 والتي لقي خلالها أكثر من مائتي ليبي حتفهم، بالإضافة إلى العديد من مختلف قرارات الحظر، والتي كان آخرها الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة في 15 نيسان/أبريل عام 1992. وقد تم فرض هذا الحظر على ليبيا بإيعاز أنجلو أمريكي رداً على تحطم طائرة ركاب أمريكية مدنية فوق (اسكوتلاندا) بواسطة متفجرة إرهابية اتهم نظام القذافي بالمسؤولية عنها.
قد يكون القذافي ديكتاتوراً شديد الذكاء، فقد برهن خلال فترة حكمه على أنه يتعلم بسرعة، وأنه يناور من أجل البقاء. وهو يمارس نموذجاً غريباً مما يسمى بسياسة "ريل بولتيك" (التي تغفل المبادىء والأخلاق في سبيل غاياتها) معتمداً في مسلكه السياسي على تجاربه الذاتية، وهو نموذج أقرب إلى الميكيافيلية منه إلى البسماركية. وعلاوة على ذلك، فقد برهن على تفوق بارع في التلاعب والمناورة تشكل سياسة محلية ليبية تتسم بالخطورة محلياً ودولياً. إن نظرية القذافي العالمية الثالثة، والتي تمثل وجهات نظره بشأن العالم والمجتمع، تعد نظرية فكرية (أيديولوجية) ذات نسيج محلي خاص يتأثر إلى حد بعيد بشخصيته. وكما فعل العديد من قادة دول العالم الثالث، فقد حاول أن ينأى بنفسه عن الأيديولوجيات والأفكار الشرقية والغربية من خلال تبني مزيج من نظريات التنمية والتطور المنبثقة عن الناصرية والماركسية الكلاسيكية، إلى جانب الاشتراكية الإسلامية( ).
وهذه الأيديولوجية، التي تمثل الإطار الرسمي وغير الرسمي لتطوير البلاد وسياستها في غضون العقدين القادمين، يمكن اعتبارها أيديولوجية محلية شاذة قام العقيد القذافي بتطويرها في أوائل السبعينيات وأدرجها ضمن إطار نظريته العالمية الثالثة التي أحاطها بالكثير من الدعاية.

النظريات الفكرية (الأيديولوجية) وتغيراتها المتفاوتة
تسود الأيديولوجيات المحلية الشاذة في المجتمعات التقليدية الطابع، والتي تكون قد أخضعت لمؤسسات وتقنية عسكرية حديثة. وفي كثير من الحالات فإن التغيرات الاجتماعية البطيئة تمكن النظام العسكري، وهو المجموعة الأولى التي تمارس التغيير بسرعة، من تولي مقاليد الحكم والحفاظ عليها( ). وفي العادة، فإن الأيديولوجيات الشاذة تنتمي إلى تلك الأيديولوجيات التي يضعها الحكام الأفراد لدى توليهم زمام السلطة. وفي كتابه "أوامر الحاكم" يحلل (و. هوارد ريجينز) الأساليب التي يعتمد عليها حكام الدول النامية في آسيا وأفريقيا في محاولتهم التمسك بالسلطة( ) قائلاً إن أكثر تلك الأساليب شيوعاً هو أن يقوم الحاكم بالترويج لنظرية فكرية (أيديولوجية) ( ).
وتعدّ الأيديولوجيات الشاذة السمة المميزة لأنظمة الحكم في العالم الثالث والتي تولت السلطة عن طريق إزاحة أنظمة حكم تنتمي لمرحلة الاستقلال. وفي العادة فإن الدول الجديدة النامية، والتي تكون قد مُنحت الاستقلال أو حصلت عليه بوسائل تخلو من العنف، تتبنى الأنظمة السياسية ذاتها التي كان يتبناها أسيادها من المستعمرين السابقين. وهناك القليل جداً من الدول التي حافظت على عهود الاستقلال الغابرة، غير أن الغالبية قد مرت منذ استقلالها بتغيير واحد أو أكثر. والأنظمة القليلة التي حافظت على بقائها عقدين من الزمن بعد الاستقلال تدين بالفضل في استقرارها وبقائها للأيديولوجيات المتماسكة المحكمة التي استعملت، من قبل، كإطارات توجيهية للتنمية السياسية والاقتصادية. وهذا لا يعني أن الأيديولوجيات هي التي مكنت تلك الأنظمة من البقاء في الحكم، ولكن قد تكون قد مكنتها من التمسك بالحكم فترة أطول. ومن خلال الأيديولوجيات يستطيع الحكام إظهار شخصياتهم وبناء التنظيم وتنمية الاقتصاد والتوسع في المشاركة السياسية أو تعميقها.
وكما يدل عليها اسمها، تختلف كل "أيديولوجية شاذة" عن أختها كل الاختلاف. وقد تكون هناك ملامح يشترك فيها الجميع، إلا أن الاختلاف بينها، وبالنظر للطبيعة المحلية لهذه النظريات الفكرية، فأن لا يقتصر على التفاوت في الأهداف والغايات، ولكنه يمتد كذلك إلى بيئة العمل( ). وهناك مجموعة مختلفة من التفسيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية لتسويغ عدم وجود مؤسسات ذات مضمون محدد لدى الدول النامية، ولعل أكثرها إثارة وأهمية، مما يتصل بتحليل دور القائد، أن عدداً كبيراً من قادة العالم الثالث يرفضون أن تخضع سلطاتهم لقيود الإطار الدستوري، حتى لا يضطروا إلى اقتسام السلطة مع مؤسسات أخرى يتوجب عليهم إنشاؤها كجزء من العملية الدستورية. وهكذا فقد كان الاتجاه السائد هو الافتقار للدساتير، أو وجود دساتير تخول الحاكم التنفيذي الكثير من الصلاحيات، ومن هنا، وباستثناء  حالات قليلة، فإن غالبية النظريات الفكرية كانت تميل إلى الغموض أو كانت ذات مضامين عامة. وتعدّ نظرية زعيم تنزانيا جوليوس نيريري المسماة نظرية "الأوجاما" أو نظرية نظام الأسرة، مثالاً طيباً على غموض ومراوغة هذه النظريات الفكرية. وتصف تلك النظرية الاشتراكية الإفريقية نفسها بأنها "تعارض الرأسمالية لأنها تسعى لبناء مجتمع سعيد، رافضة استغلال الإنسان للإنسان، كما أنها تعارض الاشتراكية النظرية التجريدية لأنها تسعى لبناء مجتمعها السعيد، برفضها فلسفة الصراع الحتمي بين الإنسان والإنسان"( ).
وبعد التعبير عن معارضته للأيديولوجيات الغربية والشرقية وأساليب تطورها، أوضح (نيريري) أفكاره الخاصة فيما يتعلق بعملية التنمية والتطور في تنزانيا المستقبل قائلاً: "نحن في إفريقيا لم نعد بحاجة إلى "التحول" إلى الاشتراكية، كما أننا لسنا بحاجة إلى من "يعلمنا" الديمقراطية ذلك أنهما موجودتان منذ الأزل في ماضينا، في المجتمعات التقليدية التي أنجبتنا". إن بوسع الاشتراكية الإفريقية الحديثة أن تستقي من تقاليدها الموروثة مبدأ الاعتراف بالمجتمع بوصفه امتداداً لوحدة العائلة، غير أنه لم يعد في مقدورها المضي في حصر فكرة المجتمع العائلي في إطار القبيلة، أو حتى الأمة. وليس بوسع أي اشتراكي إفريقي مخلص أن ينظر إلى خط مرسوم على خارطة ثم يقول: "إن الناس على هذا الجانب من الخط هم إخواني ولكن الآخرين، الذين شاء لهم القدر أن يعيشوا على الجانب الآخر من الخط ذاته، ليس لي بهم شأن، ذلك أن كل مواطن في هذه القارة هو أخ له".
ولقد حذا آخرون من قادة الدول النامية حذو (نيريري) في تأكيد الحاجة إلى أيديولوجيات مميزة لتوجيه مجتمعاتهم، كجمال عبد الناصر في مصر، وباتريس لومومبا في زائير (الكونغو سابقاً) وماو تسي تونغ في الصين. من جهة أخرى تبنى قادة آخرون أيديولوجيات محلية أقل طموحاً، من أمثال (ني وين) و(يو نو) وكذلك النظام العسكري الحاكم حالياً في ماينمار (بورما سابقاً)( ). ويرى عدد من المفكرين الآسيويين أن الثورة البورمية، على الرغم من كل محدثاتها، تظل "ثورة بسيطة" ذات أيديولوجية تقتصر على عدد محدود من القيم( ). وفي العديد من دول العالم، حيث تسير عجلة التطور ببطء ملموس، أصبحت القوات المسلحة الأداة الرئيسية للتغيير، ولذا لم يكن مفاجئاً أن تتبنى غالبية الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية أنماطاً مختلفة من الأيديولوجيات الشاذة لتوجيه مسيرة التنمية لديها().
وبالنظر لطبيعتها الخاصة فإن تلك الأيديولوجيات تبدو مؤقتة، إذ إنها تموت وتنقضي بمجرد انتهاء صانعيها. فقد ماتت الناصرية بوفاة جمال عبد الناصر عام 1970، وانتهت الاشتراكية الإفريقية مع نهاية (لومومبا) عام 1961، والشيوعية الصينية بعد وفاة ماو تسي تونغ عام 1976. ويصدق هذا القول تماماً في الأحوال التي لا يتم فيها إيجاد مؤسسات شعبية سياسية دائمة. ويمكن أن يُعزى ذلك جزئياً إلى الطبيعة التجريبية لتلك الأيديولوجيات، ذلك أن واضعي تلك الأيديولوجيات يحاولون عادة إيجاد مجتمعات جديدة من صلب المجتمعات التي ورثوها دون استبعاد الكثير من القديم. وبين الحاجة إلى الابتكار والحاجة إلى الاستمرارية، يحاول غالبية قادة العالم الثالث جاهدين إيجاد حلول وسط من خلال البحث عن إطارات جديدة يغلفون بها النظريات والمفاهيم القديمة. ويمكن للأيديولوجية المحلية أن تسجل نجاحاً مرموقاً كمعتقد سياسي، إذ يمكن أن توفر هيكلاً لفهم واستيعاب العالم، كما يمكن أن توفر منهاجاً للعمل الفردي أو الجماعي، علاوة على أنها أداة بناءة في التحكم في المنازعات. وكغيرها من الأيديولوجيات، فإن الأيديولوجية المحلية تسهم في صياغة حياة الناس من خلال حثهم على الإحساس بالالتزام تجاه الأعمال والتحولات الاجتماعية.
وعلى الرغم من أن عدداً من تلك الأيديولوجيات قد سار على نهج الذين قاموا بصياغتها، إلا أن معظمها قد ترك ندوباً عميقة، أو آثاراً سلبية في بعض الحالات، كتلك التي خلفها (بول بوت) و(الخمير الحمر) في كمبوديا، وهي واحدة من أسوأ الحالات، أو كالنظام الراهن في سنغافورة اليوم، حيث سجلت الموارد البشرية نجاحاً طيباً في مجال التنمية، على الرغم من أن نظام الحكم هناك يتمتع بطابع خاص مميز يعد ديكتاتورياً في بعض الأحيان. ويمكن القول بأن تجربة القذافي تندرج بين هذين المثالين المتطرفين، وإن كانت أقرب للنظام الأخير منها للنظام الأول.
فمن خلال استغلال أيديولوجية تقليدية محلية قام العقيد القذافي كذلك بالإطاحة بنظام حكم تقليدي. وتوصف المجتمعات المماثلة للمجتمع الليبي أحياناً بأنها مجتمعات "تقليدية جديدة" أو "أبوية جديدة"، وذلك لأنها تمكنت من البقاء ودخول عصر جديد بدون إحداث تغيرات جوهرية على هياكلها الثقافية والاجتماعية والتقليدية( ). وفي معظم الحالات تقوم المجوعات المدنية بإرساء قواعد التحكم من خلال الأجهزة السياسية العاملة ضمن المؤسسات التقليدية والقبلية والقروية في المناطق الريفية، على حين تحافظ النخبة على تضامنها باتباع أساليب المحسوبية، والفساد، والغنائم، والامتيازات التي توزع على المجموعات التي تمثل مصالح مجموعات المدن والصفوة القبلية.
وفي الدول التي تغلف التقاليد نظرياتها الأيديولوجية يتمتع الحاكم عادة بدرجة ما من الشرعية، على الرغم من أن ذلك الحاكم قد يبدو، وفق المقاييس الغربية، حاكماً مستبداً. والأمثلة على ذلك نجدها في المملكة العربية السعودية والمغرب وسوازيلاند وملاوي وإيران. وتوصف أنظمة الحكم في مثل هذه الأنظمة بأنها استبدادية، غير عسكرية، علاوة على افتقارها للمؤسسات السياسية التي يمكن أن تخدم الآخرين بجانب الصفوة الحاكمة. ويتم التحكم في تلك المجتمعات من خلال قوانين اجتماعية متأصلة وتقليدية، وهي ليست من القوانين العلمانية الحديثة. وتتواجد الأجهزة المساندة الحديثة كالشرطة والجيش والمخابرات العامة، غير أن الاستعانة بها تقتصر فقط على الحالات التي ترى فيها السلطة الحاكمة ما يتهدد مصادر سلطاتها الدينية والثقافية. وقد بدأت أنظمة الحكم التقليدية الحديثة في التراجع كنتيجة مباشرة لعملية التحديث. إذ أسهمت الضغوط التي تعرضت لها الممارسات والتقاليد المحلية من جراء الاحتكاك بأساليب التعليم والإعلام العالمي والتقنية، وما إلى ذلك من المؤثرات الأخرى من أرجاء المعمورة، في تآكل أسس الأيديولوجيات الشاذة( )، لا سيما أن الأيديولوجيات التقليدية المحلية تنحو إلى إرساء قواعدها فوق الأعراف الثقافية والاجتماعية السائدة. إلا أن الأيديولوجيات، إلى جانب تلك التقاليد والثقافة الشاذة، تظهر عادة سمات وهوايات القادة الذين وضعوها.

سياسة التناقضات
إن تحليل الجانب الفكري (الأيديولوجي) للقذافي يشير إلى وجود مزيج انتقائي مبتكر من الأفكار التي تترابط معاً من خلال شخصية العقيد المعقدة. إن الكثير من أيديولوجيته ينم عن بساطة مثالية كثيراً ما تفتقر إلى فهم القوى التي تسهم في صياغة التطور البشري والعلاقات الإنسانية في بعض الأحيان. وطوال ربع القرن المنصرم تمكن القذافي من إبقاء المجتمع الليبي على حافة الشك وعدم اليقين. إن معظم النظم السياسية والاقتصادية في عالم اليوم، بما في ذلك غالبية النظم التقليدية والاستبدادية، تتسم بالوضوح التام بالنسبة لما تتطلبه من مجتمعاتها الخاصة، ومن ثم فإن العديد من تلك المجتمعات تتمكن من تكييف نفسها من أجل ضمان بقائها. غير أن النظام السياسي الليبي لا يوفر للمجتمع الليبي مثل تلك الإمكانات، ذلك أن العقيد القذافي عمد في عام 1974 إلى تطبيق نظام سياسي واقتصادي وثقافي يستهدف إبقاء المجتمع الليبي في حالة تغيير وتبديل دائب مستمر. إن قواعد اللعبة (السياسية) في ليبيا تتغير باستمرار، وهي في ذلك تشابه إلى حد بعيد بالوناً لا شكل له يمتلىء بالماء ويتعرض باستمرار للإثارة والتحريك بما يكفي لجعل الماء في حركة دائبة دون أن يسمح له على الإطلاق بأن يطور طاقة مكتسبة تكفي لتمزيق جدار (البالون)  الخارجي، وبذا يمكن القول بأن النظام السياسي والاقتصادي في ليبيا هو نظام فوضى منضبطة( ). وتتمثل عبقرية القذافي في قدرته على التحكم والتلاعب بحالة الفوضى هذه، في نفس الوقت الذي يظل هو نفسه بداخلها. ويقوم القذافي بتغذية هذه الحالة من الفوضى لأن بقاء نظامه يرتبط بها، ذلك أن التغيرات السريعة المتواصلة توفر حالة عدم الاستقرار.
ولعل أحد أسرار نجاحه في الحفاظ على نظامه الحاكم وتمكنه من التصدي للعديد من العواصف المحلية والدولية هو اعتماده على استعمال ما سوف نشير إليه هنا باسم "سياسة التناقضات" والتي تشكل الأساس لإيجاد حالة التشوش والارتباك والمحافظة عليها. وقد يمكن القول أن ليبيا تشابه كثيراً المجتمعات النامية الأخرى التي تمر بتجارب سياسية واجتماعية، إذ تبدو المؤسسات ظاهرياً ديمقراطية وحديثة ولكنها ليست في حقيقتها بالديمقراطية ولا بالمستحدثة. وتحمل هذه المؤسسات ما استعارة القذافي من آراء المفكرين الآخرين من أفلاطون إلى ماو تسي تونغ، بما في ذلك النبي الكريم محمد (ص)، وجمال عبد الناصر في مصر. وهي تشمل ممثلين شعبيين منتخبين، وكذلك تنظيمات شعبية ووزارات وقوات مسلحة وشرطة وبيروقراطيين ونقابات عمال، إلا أنه لا توجد في ليبيا أحزاب سياسية، إذ يتوجب أن ينحصر كل النشاط السياسي ضمن إطار المؤتمر الشعبي، وهو الإطار الذي يلتقي فيه كل ممثلي المؤسسات الرسمية لتطوير السياسات وإقرارها. ومن الناحية الدستورية، فإن المؤتمر الشعبي هو أقوى سلطة سياسية في البلاد؛ أما في الواقع المعاش فإن المؤتمر وجميع أعضائه يخضعون لأهواء وهيمنة جهاز حكومي غير رسمي. وفي ليبيا يتألف جهاز الحكومة غير الرسمي من طليعة ثورية تلتزم بأفكار ومقولات العقيد القذافي كما وردت في "الكتاب الأخضر"( ). ومن الجدير بالذكر أن القذافي يزعم دائماً أن لا سلطان له على اللجان الثورية، وعلى الرغم من أنه يحاول دائماً أن ينأى بنفسه عنها، إلا أنه يندر أن يرفض سياساتها. وتتمتع اللجان الثورية بقدر كبير من حرية العمل فيما يتصل بتفسير وتطبيق أفكار القائد الليبي. أما دور القذافي فهو مزيج من "الملك الفيلسوف" كما يراه أفلاطون والمحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية. فهو عادة لا يتدخل في تشريع السياسات أو تطبيقها، غير أنه يحتفظ لنفسه بحق الاعتراض (الفيتو) فيما يتعلق بمدى تمشي تلك السياسة مع أيديولوجيته أو تعارضها معها. واللجان الثورية حرة في تفسير أفكاره، وكثيراً ما يتبنى ما يشعر بأنه التفسير المثير لأيديولوجيته الخاصة، إلا أنه في بعض الأحيان يبلغ به الدهاء أنه ينتظر ردود الفعل الجماهيرية قبل أن يتخذ قراره الحاسم. فإذا كان رد الفعل إيجابياً، فإن القرار يصبح جزءاً من أيديولوجيته، أما إذا كان رد الفعل سلبياً إلى حد بعيد فإنه يعيد الأمر إلى مراكز القوى الرسمية لمناقشته وتقويمه. وعادة ما يتيح له هذا الأسلوب فرصة كافية من الوقت لإعادة النظر في الأمر، وربما تعديل وجهة نظره بشأنه. ولكنه، إذا راقت له تلك السياسة، حمل المؤتمر الشعبي على إقرارها، ومن ثم يزيح الغضب الجماهيري عن عاتقه ليضعه على عاتق المؤتمر. ومن جهة أخرى، إذا كان الأمر لا يشكل أهمية تذكر بالنسبة للعقيد، فإنه يسمح للمؤتمر الشعبي برفضه ثم يستغل الأمر للحديث  عن المرونة التي يتسم بها نظامه السياسي.
وكمثال على ذلك فقد حدث في أوائل الثمانينيات أن اقترحت لجنة ثورية إلغاء المدارس الابتدائية، واقترحت أن يتم التعليم الابتدائي في المنزل كوسيلة للتوفير في النفقات. ويبدو أن تلك الفكرة المستحدثة قد استهوت العقيد القذافي فانطلق يتحدث عن التعليم المنزلي وعقد الندوات لمناقشة مزاياه، وقد بلغت حماسته للأمر أن حاول حمل المؤتمر الشعبي على الموافقة على الاقتراح، غير أنه أوقف العملية وألغى المناقشة التي كان من المقرر إقامتها بشأن التعليم المنزلي بعد أن جوبه الاقتراح بمعارضة عارمة من جانب النساء الليبيات، ذلك أن الهيمنة التقليدية للمرأة الليبية على المنزل كانت تشكل دائماً الجهة التي تصمد في مواجهة العقيد القذافي. وبالقياس للرجل الليبي، فإن المرأة الليبية أوفر إنتاجية، فهي تعمل في البيت وخارجه، وتعتبر مسؤولة عن اقتصاديات الأسرة، كما أنها تحقق وتحتفظ بثروة تفوق ما يحققه ويحتفظ به الرجل، على الرغم من أن عدداً لا يستهان به من النساء أميات وغير متعلمات. وقد رأى العديد من النساء أن فكرة التعليم المنزلي تمثل محاولة من جانب الدولة لإضعاف موقفهن( ).
ومن الجدير بالذكر أن جهاز السلطة غير الرسمية لا يتمتع بالحصانة إزاء عمليات الإثارة والتشويش المتواصلة، فالعقيد القذافي يواصل القيام بتطهيره وتغيير تشكيله من حين لآخر. وعندما انبثق جهاز السلطة غير الرسمي للمرة الأولى، كان يتألف من مجموعة من اللجان الشعبية، ولم تلبث هذه أن تعرضت للتطهير وحلت مكانها اللجان الثورية، ثم تغيرت هذه بدورها وحلت مكانها اللجان العقائدية (الأيديولوجية). وكان أحدث إضافة لهذه الحلقات لجان التطهير التي شكلت في الأول من سبتمبر/أيلول عام 1994. وكان الهدف الأول من وراء عمليات التطهير استبعاد العناصر "المناوئة للثورة" والحيلولة دون تمكين أي عضو لجنة من تحقيق الثراء الفاحش. أما الهدف الثاني فهو أكثر تعقيداً لأنه يعكس عوامل النمو والتغيير التي تطرأ على شخصية القذافي. ولأن اللجان، كما هو مفترض، كانت تعكس بصدق شخصية العقيد القذافي وسياسته، فإن أي تغيير يطرأ على القائد الليبي ما يلبث أن تنتقل عدواه إلى تلك اللجان، يضاف إلى ذلك أن عمليات التطهير تعكس الملامح التقليدية، وربما القبلية أيضاً في شخصية القذافي، إلى جانب العناية الخاصة التي يوليها النظام لروابط الدم التقليدية.
وخلال الحقبتين الماضيتين تمكنت عمليات التطهير المتتالية من تزويد العقيد بفرص ممتازة لوضع أقاربه في مناصب قيادية على جميع مستويات الجهاز غير الرسمي، كما زودت أولئك الشبان والشابات بالفرص العديدة لاكتساب النفوذ والتعليم والثراء علاوة على الامتيازات غير المتاحة لقطاعات أخرى في المجتمع، مما يجعلهم مدينين بالولاء التام للعقيد، وقد برهنوا خلال السنوات القليلة الماضية على أنهم آذان النظام وعيونه وعموده الفقري أيضاً. وهم يحاكون العقيد في ملبسه وتصرفاته، وحتى في تصفيفة شعره، حيثما أمكن.
والآن ما هو مكان العقيد القذافي في هذا النظام؟ سوف نجيب عن هذا السؤال بالكامل في الفصل الخامس من هذا الكتاب، ولكن يكفي في هذه العجالة أن نقول إنه ليس له لقب أو دور رسمي، غير أن وضعه بوصفه "الفيلسوف" – "الملهم" و"الملهَم" يضمن له دوراً قيادياً في أي نشاط سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، أو أي عملية تحدث في أي وقت في أي مكان في البلاد. إن كل شخص في الجهاز الرسمي وغير الرسمي إنما يشغل منصباً ثانوياً بالنسبة له، بما في ذلك الرئيس الرمزي للجهاز الرسمي في الدولة، والذين يدين له بمنصبه.
وسيشغل الحديث عن التاريخ الليبي وتطوره الفصل الثاني من هذا الكتاب، فأستعرض فيه تنوع المجتمع الليبي والقوى المؤثرة في ذلك التنوع، كما سأتناول بالحديث تأثير التاريخ والاستعمار على الشخصية الليبية، والعلاقات التي تربط سكان البلاد بغيرهم من سكان المنطقة.
أما في الفصل الثالث؛ فسوف أتناول موضوع القوى الفكرية الأيديولوجية التي كانت سائدة في المجتمع الليبي خلال العهد الملكي، وتلك السائدة خلال العهد الثوري، وسوف تكشف المقارنة بين الأيديولوجية المحلية إبان العهد الملكي والأيديولوجية الشاذة السائدة في مرحلة القذافي، مظاهر التشابه والاختلاف بين النظامين، علاوة على تزويد القارىء الكريم بتحليل شامل لمراكز القوة والمؤسسات والأحزاب وعامة الناس في كلا العهدين، وما يترتب على ذلك من إيضاح كيفية قيام النظام الثوري باستنباط وتطبيق سياسة التناقضات سعياً وراء إقامة مجتمع تبقى تصوراته فقط في فكر العقيد القذافي. كما سأتطرق إلى تحليل أجهزة السلطة الرسمية وغير الرسمية، والحديث عن اللجان الخاصة المنبثقة عن كل منها وتفرعاتها.
هذا، أما الاقتصاد الليبي وعملية التنمية في ليبيا منذ الاستقلال، فسيكون الحديث عنهما في الفصل الرابع من هذا الكتاب، حيث سأحرص على مناقشة أهداف التنمية تحت كلا النظامين، وبيان مدى النجاح والإخفاق الذي تحقق خلال كل مرحلة أيديولوجية منهما. وسوف أتحدث عن تأثير سياسة التناقضات على المجتمع الليبي خلال عهد العقيد القذافي في الفصل الخامس، حيث أستكشف تشكيل قطاع السلطة غير الرسمي وعلاقته بالعقيد القذافي ونظريته العالمية الشاملة، والأهم من ذلك كله الطريق المثير الذي كان على المجتمع الليبي أن يخطوه للتمشي وفق مقتضيات هذا العهد والتصرف حيالها وما يتبع ذلك من ضمان أسباب البقاء.
وفي الفصلين السادس والسابع أتحدث عن أهداف سياسة ليبيا الخارجية، وأتناول القاعدة التي تعتمد عليها تلك السياسة الخارجية، مستعرضاً علاقات البلاد بالعالم العربي من جهة، وبالقارة الإفريقية من جهة أخرى، كما سأناقش العلاقة بين أيديولوجية القذافي وبين مغامرات سياسته الخارجية، مع التركيز بصورة خاصة على تقييم العلاقات المتغيرة بين العقيد القذافي وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولة الوقوف على مسببات تلك التغيرات. ويناقش هذا الفصل بوجه خاص أسباب ودوافع الصراع بين القائد الليبي وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي أدت إلى قطع العلاقات بينهما علم 1980، وإلى الغارة الجوية الأمريكية على ليبيا عام 1986، وإلى قيام الأمم المتحدة بفرض الحصار على ليبيا عام 1992. وسأتناول بالتحليل موضوع التصادم بين شخصية القذافي وأيديولوجيته من جهة، وبين السياسة الأمريكية التقليدية من جهة أخرى، بوصفها مصدر ذلك الصراع. وسأخصص الفصل السابع لدراسة تأثير مصر على العقيد القذافي والدور الذي لعبته في صياغة وتشكيل سياسة ليبيا الخارجية، كما سأقوم بتحليل دور كل من جمال عبد الناصر والسادات واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وتأثير كل هؤلاء على علاقات ليبيا بالولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفييتي السابق. أما الفصل الثامن، الذي اختتم الكتاب به، فيتضمن خلاصة لما جاء فيه من خلال إيجاز سياسة التناقضات في ليبيا.(انتهى)

(انتهت النشرة)

 


 

 

Last Updated (Thursday, 24 February 2011 11:41)

 
القائمة الرئيسية
  • الرئيسية
  • الأرشيف
  • عن الوكالة
  • عباس بدر الدين
  • قالوا في عباس بدر الدين
  • الصحف اليومية
  • راسلنا
Banner
Banner
حول ملف الإخفاء
  • س س
  • العقيد القذافي
    • ليبيا القذافي
  • لكلمته صولة
  • مطالبات
  • مطالبات - تابع
  • التوطين
  • د.مسيكة :هذه هي وقائع التحقيق
  • التحقيق الايطالي في جريمة الاخفاء
  • من المؤكد
  • قانون انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ونظامه الداخلي وملاك موظفيه العام
  • موسى الصدر لماذا هو؟
  • معلومات عن خطف الإمام وصحبه
Banner
للعلم والمعرفة
  • العلمنة
  • الوفاق الذي عاش 30 عاماً
  • مصير لبنان في مشاريع
  • تاريخ قوات حفظ السلام في لبنان
  • الخريطة الاميركية للشرق الاوسط
  • الاستراتيجية الاميركية في المنطقة
  • الثورة الإسلامية الإيرانية
  • طائرة الموت الايرانية
Banner
Banner
Banner
Banner

Copyright © 2010 LNA.
All Rights Reserved.

Designed by MS Graphics.