عباس بدر الدين الغائب الحاضر
بيروت في 8-7-2002
بقلم: أسعد المقدم
و مضى موكب الامام الكبير الى الموعد المنتظر.
ومن بعد تلك اللحظة بات الإمام وصحبه في ذمة الأقدار. وما أقسى القدر عندما يلفه المجهول. عباس بدر الدين صحافي مميز في أخبار السياسة المحلية. عرفته عندما عمل معي في جريدة "السياسة" بعد أن أصدرها الرئيس الدكتور عبد الله اليافي في أواخر الخمسينات.
كانت أهم صفاته صدقه في القول والعمل ووفاءه للأصدقاء ولما كان يؤمن به من أفكار وتطلعات.
أذكره وأختصر كل تلك الصفات بأنه كان إنساناً محباً. كان يحب عبد الناصر وفؤاد شهاب ووحدة لبنان ومن بعد ذلك كانت الدنيا لديه زوجته زهرة والأولاد ووكالة أخبار لبنان وخاله الدكتور بدرالدين الذي كان يذكره من دون سبب في كل جلسة من جلساته.
عبد الناصر كان تحصيل حاصل في ذاك الزمان وفي كل زمان تحتاج أمة إلى بطل ورائد.
أما فؤاد شهاب فكان بالنسبة إليه، وهو المتخصص بالشؤون اللبنانية، القائد الفذ الذي طالما انتظره لبنان منذ أن نال استقلاله.
كان يكن له احتراماً وتقديراً غير عاديين.
ثم كان مخلصاً لعهده ومؤسساته التي باتت تطل واحدة بعد الأخرى على الشعب اللبناني تزيد متانة الدولة وقوتها متانة فوق متانة وقوة فوق قوة.
و.. عباس بدر الدين كان يحب لبنان وكان يطمع بدولة قوية تكون لكل اللبنانيين ومن هناك كانت محبته للرئيس فؤاد شهاب.
أما حبه لعائلته فكنت تقرأ عمق هذا الحب من بريق عينيه عندما كان يتحدث عن "المرا" و"الولاد". فأم فضل لم تكن مجرد زوجة لديه بل كانت رفيقة العمر التي حملت عنه كل هموم البيت وكل مشاكل تربية الأولاد وتدريسهم بالإضافة إلى دعمه في النصيحة والأفكار المفيدة عندما كانت "وكالة أخبار لبنان" تواجه من مشاكل وكم كانت عديدة تلك المشاكل ومستعصية الحل أحياناً.
"وكالة أخبار لبنان".. كان يعتبرها عباس بدر الدين العزيز الرابع بين أطفاله من بعد فضل وندين وزاهر. كان يصدرها لا كوكالة بل كصحيفة يومية خاصة به يحمّلها أحياناً أخباراً أشبه ما تكون بافتتاحيات جريدة ملتزمة. لذا كان بينه وبينها حب حقيقي لم أجده عند أهم الزملاء من أصحاب المؤسسات الصحفية.
كنا في ذاك الزمن نتشارك في معظم الآراء والتطلعات الفكرية. غير أني أحفظ لعباس الوفاء لتعريفي بالإمام الكبير الغائب سماحة السيد موسى الصدر. فقد نشأت بعدها محبة خاصة فيما بيننا كان هو يرعاها بكثير من الاهتمام وعباس فرح بهذا الحب المشترك الذي بات يجمعنا معاً أكثر من أي وقت مضى.
- عباس بدر الدين؟!
- إنسان محب. إنسان يُحَب. حتى الأقدار أحبته فاختطفته في غفلة منا.. وكم كانت قاسية علينا وعلى جميع محبيه.
هو يكفيه من قدره أنه بقي في رفقة السيد الإمام.. عباءته ترعاه مع قهر الغياب كما كانت ترعاه أيام الفرح والأمل.
و..الرب يرعى الجميع وفي كل حين. إنه سميع مجيب.




