ذكريات مع عباس بدر الدين: كان الساعد الإعلامي الوحيد للإمام الصدر……

 

بيروت في: 11-10-2002
بقلم سمير شاهين

  في تاريخ لا أتذكره بالضبط بين عامي 1956 و 1957 اتصل بي هاتفياً ابن بلدتي النبطية عباس بدر الدين وقال لي: إن لديه شغفاً بالصحافة ويشعر بميول صحيفة وسينتقل إلى بيروت ليسجل نفسه في قسم الأدب العربي في معهد الآداب الشرقية. وذكر: أنه اختار العمل في الصحافة وطلب مساعدتي في دخول إحدى الصحف أو المجلات لإمضاء فترة تدرب يتأهل بعدها للعمل الصحافي!

   وكنت في ذلك الوقت أعمل مندوباً سياسياً لجريدتي "الطيار" و "التلغراف" اليوميتين بعد أن اشتهر اسمي وانتخبت عضواً في مجلس نقابة المحررين رغم صغر سني! وبادرت إلى تلبية طلبه بالحال فتلفت للصحفي الكبير رياض طه ولم يكن قد أصبح نقيباً للصحافة وكان يصدر يومها "مجلة الأحد" و "وكالة أنباء الشرق" المحلية، وناشدته المساعدة في هذا الموضوع.
  فأجاب الطلب بالروح الطيبة التي اشتهر بها وعلى الأثر باشر عباس بداياته الصحفية بإشراف النقيب رياض طه في "وكالة أنباء الشرق" خاصة، وفي الأحد بشكل جانبي، وكنت حريصاً على متابعة هذه البدايات…
   ثبت لي يومها أن عباس كان شديد الطموح فقد لبث لفترة قصيرة في التدريب اقتبس خلالها فكرة أن ينشئ لنفسه وكالة أخبار محلية تضاهي "وكالة أنباء الشرق"، وبادر سريعاً إلى التنفيذ رغم جسامة وأعباء مثل هذا المشروع في تلك الأيام حيث كانت "وكالة أنباء الشرق" هي الوكالة المحلية الوحيدة إلى جانب وكالة أنباء محلية أخرى كانت تكتب باليد وتنسخ عبر ورق الكربون لتوزع على الصحف….!
   وبسرعة وقوة و إرادة ومقدرة تمكن عباس من تهيئة هيئة تحرير ومندوبين لوكالته التي أطلق عليها اسم "وكالة أخبار لبنان" من صحفيين محترفين يعملون في الوكالة إلى جانب عملهم في صحف يومية وتجنب بذلك تكاليف التحرير الباهظة كما تمكن سريعاً بحكم دماثته ولياقته وقدرته على الإقناع، من حمل معظم الصحف اليومية على الاشتراك بالوكالة الجديدة. وبالوقت نفسه نجح في تأسيس علاقات مع دوائر رسمية اشتركت هي الأخرى بالوكالة، ومع العديد من السياسيين ليكونوا مصادر أخبارية للوكالة.
    وهكذا أثبت عباس وبقدرة فردية جبارة وبرأسمال جد بسيط أن ينشئ وكالة أخبار محلية سرعان ما قويت إخبارياً وفرضت نفسها على الصحف وعلى وكالات الأنباء العربية والأجنبية، وتمكن عباس من خلال هذا العمل المميز أن يثبت وجوده في عالم الصحافة وفي مهنة المشاق والمتاعب….!؟
   وأستطيع التأكيد أنه ككل صحفي جاد كان يسهر على التقدم الدائم لوكالته وعلى أن تكون متميزة بأخبار صحيحة دقيقة ليس فيها مبالغة، وأن تنفرد دائماً بالكثير من الأخبار لتكون الصحف اليومية هي المحتاجة إليها وليس العكس.
   كان عباس قد أصبح صحفياً بارزاً عندما تعرف إلى الإمام الصدر، كان هو شديد الإعجاب بمبادئ ورسالة الإمام الصدر، بينما أعجب الإمام الصدر بكفاءته الإعلامية وديناميته الصحفية، ومن ثم بشخصيته الدمثة وتهذيبه العالي فقرّبه إليه، ووثق به وبسرعة أصبح عباس أقرب المقربين إليه.
   وأكشف هنا حقيقة قد لا يعرفها الكثيرون وهي أن الإمام الصدر لم تكن لديه القدرة المالية، على إحاطة نفسه بالأجهزة الإعلامية والناطقين الصحفيين وموظفي الاستقبال والتصريحات كما هو حال معظم اللاعبين على المسرح السياسي اللبناني في هذه الأيام. لذلك اكتفى بعباس بدر الدين وحده مولجاً بجميع شؤونه الإعلامية فكان عباس مرجعاً للصحف لتحديد المواعيد لإجراء المقابلات مع الإمام وكان يراجع يومياً جميع الصحف ويلفت نظرها إلى الكتابات الصادرة فيها والتي تهم الإمام كما كان يتولى يومياً توزيع أخبار الإمام ونشاطاته على الصحف، ويتصل ببعضها هاتفياً يحثها على نشرها.
   وروى لي مرة حكاية غريبة وهي أنه قبل عام 1975 "تلفن" لعرفات حجازي مذيع نشرة الأخبار في تلفزيون لبنان ليضمن في النشرة خبرا عن نشاطات الإمام فرفض عرفات ذلك خشية من الرئيس كامل الأسعد عندما كان يعمل مستشاراً له!.....
   وربما لا يعرف الكثيرون مدى أهمية الدور الإعلامي الذي كان يتولاه عباس بدر الدين في مشروع الإمام الصدر ورسالته، وضمن هذا الدور رافق الإمام الصدر إلى ليبيا عام 1978 وغيب معه كما هو معروف.
   شخصياً تألمت كثيراً لغياب الإمام الصدر الذي كانت تربطني به صداقة قوية كان صلتها عباس، ولغياب عباس الصديق والأخ والزميل.