بقلم سعيد غريّب
كنت صحافياً يافعاً في بداية مسيرتي الإعلامية في مكتب التحرير في إذاعة صوت لبنان عندما وردنا، ذات يوم مشؤوم من آب عام 1978، الخبر الصاعق حول اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، والصحافي عباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب. كنا في ذلك العام الصعب والقاسي، نعايش أجواء خطيرة ونلهب وراء أحداث متسارعة. وتميز ذلك العام بأحداث الفياضية، والاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان وعملية إهدن التي اغتيل فيها النائب طوني سليمان فرنجية وأحداث بلدة القاع، وصولاً إلى حرب المئة يوم على الأشرفية والتي كنا في صلبها.كنت حينها أتابع من موقعي مواقف الإمام المتقدمة. وكنت أشعر بفضول كبير حيال هذه الشخصية الفذة، التي تتمتع بكاريزما خاصة ومواقف متميزة، جعلت له مكاناً متقدماً على الساحة الوطنية، فبقي مغروساً في فكرها ومواقفها حتى بعد إحدى وثلاثين سنة على غيابه. أما رفيقاه، وإن كان لم يتسن لي لقاءهما، فإني كنت أعرف مدى التزامهما خط الإمام المغيب وتوجهاته. لعله قدر أن يغيبا مع عباءته. لكن هذا الغياب لا يمكن أن يمحو سنوات سبقته من الالتزام الوطني لرفيقي الإمام، والمسيرة الصحافية المتميزة للصحافي بينهما: عباس بدر الدين.يقال: "من ثمارهم تعرفونهم". وأعرف عباس بدر الدين بما خلفه من سيرة حميدة وآراء صائبة وصداقات مميزة، وأكثر من ذلك كله من المؤسسة الإعلامية التي أنشأها، فباتت مصدراً أساسياً وأولاً للأخبار الصحيحة والدقيقة. فطالما استعنا كإعلاميين خلال عملنا اليومي بوكالة أخبار لبنان التي تميزت دوماً باستقلالية واضحة، وتفوقت بمهنية عالية جعلتها في مرتبة متقدمة.لقد عكست الوكالة كما عرفتها نهج عباس بدر الدين في احترام الدولة ومؤسساتها بعيداً عن فكر الزواريب الضيقة والحزبيات الصغيرة. ونضحت بروح الأمانة الصحافية والتجرد في العمل والحرص على قيمة الخبر وعلى لغته. وما استمرارها رغم الصعوبات التي مرت بها سوى دليل على الأسس المتينة التي بنيت عليها. فعباس بدر الدين صقل تجربة طويلة شملت مجلة "الأحد" وكل من جريدة "الخواطر" و"السياسة" و"المحرر" و"وكالة أنباء الشرق الأوسط. قبل أن يذهب في العام 1959 إلى تأسيس وكالته التي أصبحت مع السنوات مرجعاً بحد ذاتها. وأملنا كبير اليوم في دوامها بنجاح مع ابنه زاهر في الخط نفسه وبالجودة إياها.لقد جمع القدر في قضية واحدة الإمام الصدر والصحافي بدر الدين والشيخ يعقوب، ما جعل من اختفائهم قضية وطنية بامتياز. لكننا كصحافيين، وبعد كل الآلام والمعاناة التي مر بها الجسم الإعلامي، خلال عقود من الحرب والاضطرابات والقلق، ننظر إلى عباس بدر الدين بعين أخرى. ونتطلع إلى غيابه بمشاعر خاصة حيال هؤلاء الكتاب المناضلين في المهنة، المحترفين في ممارستها باستقلالية. فلا تطغى الأموال ولا الإغراءات ويبقى الخبر خبراً بصحته ودقته ونظافته.عباس بدر الدين نموذج للصحافة المضطهدة المغيبة، أعاده الله إلى ذويه ووطنه.